استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«سور مدينتك بالعدل»

الأربعاء 24 فبراير 2016 04:02 ص

أثار شروع حكومة بغداد في بناء سور يطوق المدينة الكثير من التداعيات وردود الأفعال، لدرجة وصف بعضهم سكان العاصمة كأنهم يعيشون في أمكنة مسيجة أشبه بالمعسكرات، لا يدخل إليها ولا يخرج منها إلا بإذن خاص وتحت المراقبة. فالمعسكرات دائما ما تكون مسورة بأسلاك، وأحيانا بأسلاك شائكة أو حتى مكهربة، خصوصا إذا كانت المناطق المحظورة والممنوع الوصول إليها مهمة أمنيا، أو ممنوعة عسكريا.

استذكرت في غمرة انهماكي وأنا أسمع مثل ذلك الخبر، رواية الصديق عبدالرحمن مجيد الربيعي «القمر والأسوار»، وكنت قرأت له مؤخرا روايته التي أهداني إياها عنوانها «نحيب الرافدين»، وهي يوميات مكتوبة بحبر أقرب إلى الدم عن الحرب العراقية- الإيرانية، وكان المخرج محمد جميل شكري أخرج فيلم الأسوار، الذي لم تتسن لي مشاهدته، لكنني قرأت عنه بعض التقريضات النقدية المهمة، حيث شارك فيه نخبة من الفنانات والفنانين العراقيين الكبار في الثمانينات.

ثم استعدت سور النجف القديم، حين كنا صغارا نلعب كرة القدم خلفه، وحين نكون بالقرب منه تكون المدينة قد ابتعدت عنا، ونرى من البعد كيف تتلألأ قبتها الذهبية. السور الذي كانت بقاياه قائمة كان يستهدف الدفاع عن المدينة، فيما إذا تعرضت لغزو خارجي. لم نكن نتصور أن مدينة ما يمكن تسويرها، حتى زرت الصين، فرأيت سورها العظيم، وهو ما أعادني إلى العصور القديمة، وكذلك إلى العصور الوسطى، حين كانت المدن تسور، والأبواب تغلق ويعرف من دخل ومن خرج من المدينة ومتى. يبلغ طول سور الصين 2400 كلم، وهو من عجائب الدنيا السبع حسب "اليونيسكو"، ولعل كيسنجر حين حاول تذويب الجليد بين واشنطن وبكين في مطلع السبعينات، وضع نصب عينيه عبور سور الصين العظيم، باستعادة قراءة التاريخ.

لم يكن لدي أية حساسية إزاء الأسوار، لأنني اعتبرتها من تراث الماضي، خصوصا في القرون الوسطى، وبفعل ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والطفرة الرقمية «الديجتال»، لم يعد العالم بحاجة إلى بناء الأسوار، حتى جاء السور الذي بنته «إسرائيل» لتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وتمزيق شمل العوائل والمناطق وعزل بعضها عن بعض، وزاد الأمر قسوة ولا إنسانية، حين تتخذ مثل تلك الإجراءات الرادعة والعقوبات الغليظة بمضاعفتها، عند كل عمل مقاوم ضد الاحتلال «الإسرائيلي» والمستوطنات «الإسرائيلية».

كم من الحبر سال، وكم من الجهد بذل لإثبات عدم شرعية جدار الفصل العنصري؟ الأمر الذي تم عرضه على محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أصدرت قرارا ببطلانه ودعت إلى هدمه ووقف بنائه، وتعويض السكان العرب الفلسطينيين، ماديا ومعنويا عما تعرضوا له من غبن وأضرار، لكن «إسرائيل» أدارت ظهرها لهذا القرار ذي الطبيعة الاستشارية، الذي كان يمكن الاستمرار فيه، خصوصا بعد قبول فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة العام 2012، وانضمامها إلى العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، ومنها المحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي) مطلع العام 2015، وهي التي تشكلت في العام 1998 ودخلت حيز التنفيذ في العام 2002.

بناء جدار عنصري في فلسطين وجدار لاحق مع الأردن، كانت مبرراته وقف «الإرهاب» الفلسطيني، والمقصود المقاومة ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، والأساس في ذلك هو الشعور بعدم الطمأنينة، والخوف، وعدم القدرة على ضبط الأمن، ومنع تسلل الفلسطينيين المقاومين للاحتلال، فضلا عن أن ذلك جزء من عقلية الغيتو «الإسرائيلية»، ف«إسرائيل» هي مشروع حرب دائمة ومستمرة، وأنها لا ترغب في أي نوع من أنواع السلام الحقيقي، حتى إن كان بمعيار الحد الأدنى، لأنها قامت على القوة، وعليها وحدها تحيا، ولذلك فهي تمارس الحرب تلو الحرب، والعدوان تلو العدوان، وتبني نفسها خلف أسوار وخنادق وتحصنها بالعزلة والانعزال.

في العراق ما بعد الاحتلال، شرع الأمريكان ببناء مناطق عازلة، فتم عزل المنطقة الخضراء عن بغداد التي تم تقطيع أوصالها، لدرجة إنك لا تعرف المداخل والمخارج، حتى إن كنت تعرف أزقة بغداد شبرا شبرا، لكنك تضيع في شوارعها المقسمة والمحجوزة والمحتجبة عن بعضها بعضا، الخراسانات الكونكريتية العالية، كأنها أسوار للقرون الوسطى.

الأسوار والحواجز حجبت «علية القوم» في المنطقة الخضراء عن سكان بغداد، الذين لا يرونهم إلا عبر الشاشات الزرقاء، ولا يدخل إلى تلك المناطق إلا «المحصنون» الذين يمتلكون دمغات (باجات) بألوان مختلفة، تبدأ من الأدنى حتى الأعلى ولكل دمغة (batch) درجته، حسب الموقع وحسب القوة التي تمنح صاحبها الامتيازات. لكن ذلك لم يمنع المنظمات الإرهابية، (القاعدة و«داعش») من اختراق المناطق المسورة أحيانا والدخول إلى مواقع خطرة.

ليس هذا فحسب، بل إن "داعش" احتل مدنا كما حصل لمحافظة الموصل في 10 يونيو/حزيران العام 2014 وتمدد نحو محافظتي صلاح الدين والأنبار، وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى، وعلى الرغم من الخسائر التي مني بها والهزائم التي لحقته، لكن الشعور العام لا يزال هو الخوف منه ومن عمليات إرهاب وعنف وانفلات وفوضى.

ولهذه الأسباب بدأ إقليم كردستان ببناء خنادق تمتد من منطقة ربيعة على الحدود السورية، إلى خانقين على الحدود الإيرانية، والحجة هي الحماية من هجمات "داعش" المحتملة، في حين هناك من يعتقد أن هذه الخنادق ستكون حدود الإقليم ما بعد «داعش»، وهو ما عبر عنه بعض التركمان وبعض العرب في المناطق المختلطة، ابتداء من سنجار ومرورا بتلعفر، وأطراف الموصل، وسهل نينوى، والحمدانية، وتلكيف، ومخمور، وغرب كركوك، وتازة، وداقوق، وطوزخرماتو باتجاه قرة تبة وجلولاء، انتهاء بخانقين على الحدود الإيرانية، وإن كان الإقليم أكد أن الهدف ليس ترسيم الحدود بقدر ما هو خطة أمنية وعسكرية لصد احتمالات هجوم «داعش».

أما سور بغداد فيبلغ طوله نحو 240 كم، وهدفه كما يقول المسؤولون، توحيد المداخل والمخارج للعاصمة، وليس عزلها عن سائر المحافظات لأهداف طائفية أو سياسية، بل إن الهدف أمني وعسكري لمنع هجوم «داعش».

ومهما كانت المبررات، فإن الحواجز الكونكريتية والسور الجديد ستزيد من تفاقم الحالة النفسية لسكان بغداد، وشعورهم بعدم الاطمئنان، بل والقلق، فضلا عن الازدحامات والاختناقات المرورية، تضاف إلى ذلك التحفظات والمخاوف التي أبدتها أوساط غير قليلة بشأن الأهداف الطائفية والسياسية، ورسم خرائط وحدود جديدة للمحافظات لاعتبارات مذهبية.

لم يدرك المسؤولون عن بناء الأسوار والخنادق أن الأسباب الحقيقية للإرهاب ليست أمنية أو عسكرية، وإنما تعود بالدرجة الأساسية إلى نظام المحاصصة الطائفية والإثنية، واستشراء الفساد المالي والإداري، وانتشار ظاهرة الميليشيات خارج القانون، بل وغياب حكم القانون والرقابة والمساءلة، وضعف المؤسسات القضائية وجهات إنفاذ القانون واختراقها، إضافة إلى تفاقم ظاهرة الفقر وتفشي البطالة والأمية، وشيوع ثقافة الكراهية، والإقصاء، والعزل والتهميش، وهي ظواهر سائدة في المناهج الدراسية والتربوية، وفي السياسات العامة، والثقافة الدينية السائدة بزعم ادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة، تلك التي لا تنتج غير التعصب والتطرف والغلو، فضلا عن قصور القوانين والأنظمة السائدة التي تحتاج إلى مراجعة وتغيير باتجاه تحريم الطائفية وتعزيز ثقافة المواطنة والمساواة والشراكة وعدم التمييز.

يروى أن أحد ولاة الأقاليم طلب من الخليفة العادل كما كان يكنى عمر بن عبد العزيز، أن يرخص له ببناء سور لحماية مدينته من مداهمة بعض المتمردين، أو المعارضين، أو الخارجين على القانون بالمصطلحات الحديثة، وأن يرسل له دعما ماديا ومعنويا، فما كان من الخليفة، وبدلا من إرسال الدعم المالي له ليستكمل بناء السور، إلا أن يخاطبه بالقول: «سور مدينتك بالعدل»، والعدل هو صمام الأمان لضمان سلم وأمن المواطن والوطن.

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

العراق بغداد المنطقة الخضراء الاحتلال الأمريكي سور بغداد الطائفية

‏مسيحيون: «الحشد الشعبي» ⁩استولى على أملاكنا في ⁧بغداد ⁩ بقوة السلاح

رسائل هاتفية تطالب الأكراد بالرحيل عن بغداد وتهددهم «بما لا يحمد عقباه»

ديك الدهر باض في بغداد… حكومة!

الذباب يحتل بغداد

بعد سن البلوغ في بغداد وسوريا

عن أي عدالة نتحدث؟

استشراف قيام العدل وحكم القانون في عالم يحاربهما