استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

استشراف قيام العدل وحكم القانون في عالم يحاربهما

الأربعاء 20 يوليو 2016 10:07 ص

المقولة السائدة «العدل اساس الملك» تتردد على ألسنة البشر، وهي أساس امن الأمم والدول والشعوب واستقرارها. وبدون العدل تعم الفوضى وينتشر اليأس بين الناس وتنطلق الظواهر التي قد لا يتوقعها الحكام الظالمون أنفسهم، وتحاصرهم حتى يحدث واحد من امرين: اما اقامة العدل او سقوط الحكم. وجاء في المأثور ان «الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم». 

وما يعانيه العالم اليوم من اضطرابات امنية وسياسية لا تنفصل اسبابها عن تراجع منظومة العدل، حتى في البلدان المتقدمة التي يفترض ان يكون «حكم القانون» جوهر نظامها السياسي. فالقانون وحده لا يكفي، بل تطبيقه هو المهم. ويمكن القول ان اغلب الدساتير والقوانين في العالم تنص على العدل والمساواة واقامة حكم القانون، ولكن التحايل على ذلك وتأويل معاني تلك المبادىء والاعذار التي يقدمها السياسيون، كل ذلك يحول دون اقامة منظومة العدل.

وغياب تلك المنظومة يؤسس لما تعانيه المجتمعات التي يحكمها البشر. فما اسباب عدم الصرامة في اقامة حكم القانون؟ من الصعب الاجابة على ذلك بما يحظى بقبول المهتمين بقضايا التغيير الاجتماعي وديناميكية العقل البشري ورصد المسار البشري في تقصي قضايا الحكم والادارة بما يحقق سعادة الانسان. فالغرب الذي يشعر مفكروه وسياسيوه يشعر بنشوة المنتصر الذي يلهيه شعوره عن استيعاب منظومة العدل الالهي التي تقضي بهلاك الأمم والشعوب إذا مارست الظلم: «وتلك القرى لما ظلموا أهلكناهم». هذا الشعور بالكمال الفكري والسياسي الذي دفع شخصا مثل فرانسيس فوكوياما لاطلاق مقولته الشهيرة قبل 25 عاما بان التطور الانساني بلغ ذروته بوصوله لمنظومة «الديمقراطية الليبرالية» التي تمثل، في نظره، افضل منظومة بشرية للحكم.

هذا الشعور بالكمال البشري ساهم في سلسلة من التراجعات السياسية والاخلاقية في عالم اليوم، ادت إلى حالة الفوضى الأمنية والفكرية والتعصب التي تمثل ظاهرة «الإسلاموفوبيا» احد مصاديقها، وبهذه الفوضى اصبح انسان اليوم يعيش حالة من القلق التي عبرت عنها تطورات سلبية عديدة. من هذه التطورات الشعور الدائم بانعدام الامن والمبالغة في اجراءاتها، حتى اصبحت مدينة مثل لندن اكثر مكان تنتشر فيه كاميرات التجسس على المواطنين، وتحققت بذلك نبوءة جورج اورويل قبل قرابة السبعين عاما، بانتشار ظاهرة «الاخ الاكبر» اي هيمنة الدولة واجهزتها الأمنية على حياة البشر. ومن ذلك ايضا تعمق الرغبة في امتلاك اشد الاسلحة فتكا، تحسبا لصراعات مستقبلية.

ومن زار معرض فانبرة للطيران الذي اقيم الاسبوع الماضي في مقاطعة «ساسكس» البريطانية يدرك ابعاد الخوف الدائم الذي يهيمن على حكومات العالم. وبرغم احتجاجات المجموعات المناهضة لبيع السلاح مثل «حملة مكافحة بيع السلاح، كات» فان التسابق لشراء الاسلحة خصوصا الطائرات المدمرة واحدثها «اف 35» الأمريكية يعبر عن تغول ظاهرة الخوف لدى الدول، المحكومة بالاستبداد او «الديمقراطية». ثالث هذه المصاديق كثرة النزاعات نتيجة النزعة نحو الهيمنة، ومن اخطرها ما ينبىء باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب اعتراض أمريكا على توسع نفوذ الصين بمنطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادىء. وهنا اصدرت منظمة العدل الدولية الاسبوع الماضي حكما بعدم حق الصين في التمدد في بحر الصين الجنوبي وعدم شرعية الاجراءات الصينية التي قامت بها كانشاء جزر اصطناعية كقواعد عسكرية. 

يمكن القول ان غياب الايمان الحقيقي بالله من بين العوامل التي تؤدي إلى ظهور النزعات الشيطانية لدى الكثيرين، خصوصا الطامحين للنفوذ والمال والجاه. وهنا يلاحظ ان الديمقراطية الغربية لم تنجح في كبح جماح مسؤوليها. فما اكثر الذين يستلمون اموالا من انظمة قمعية في مقابل ممارسة الضغط على حكوماتهم او برلماناتهم لاتخاذ سياسات داعمة لتلك الانظمة. بل ان وزراء كبارا في الحكومة البريطانية استلموا رشاوى في شكل هدايا مثل ساعات روليكس من عناصر محسوبة على تلك الانظمة. وفي العامين الاخيرين كثرت الانشطة في قاعات البرلمان البريطاني للتأثير على السياسة البريطانية تجاه «حكومات صديقة». تلك الانشطة نظمها اعضاء برلمانيون منتخبون، يستلمون اموالا من تلك الحكومات، ويكشفون عن بعضها في السجل الرسمي لمصالح اعضاء البرلمان. وذكرت صحف عديدة من بينها «ميل اونلاين» و»ديلي تلغراف» ان شركة «استشارات بلير» التابعة لرئيس الوزراء السابق، توني بلير، طلبت من دولة الامارات 35 مليون دولار من اجل «تحسين صورتها ونفوذها». القانون لا يمنع ذلك حسب ما يقولون، وهنا تصبح المشكلة في القانون نفسه الذي يتيح لذوي النفوذ والسلطان مضاعفة قوتهم بالمال. في الوقت نفسه ذكرت الانباء ان المعارض السعودي، الدكتور محمد المسعري، مطالب باخلاء منزله الذي يعيش فيه منذ اكثر من عشرة اعوام، بدعوى انه استلم مبالغ شهرية من نظام القذافي لشراء ذلك المنزل.هذه القضية ليست مخالفة للقانون ولكن تم تضخيمها واتخاذ اجراءات مجحفة بالشخص لاسباب سياسية فحسب، بينما لا ينظر للحالات الاخرى المذكورة من الزاوية نفسها. وحين يقوم شخص ما بايداع مبلغ يزيد عن بضعة آلاف من الدولارات فان عليه ان يملأ استمارات ويجيب على تساؤلات كثيرة حول مصدرها. ولكن من يستثمر من المسؤولين السياسيين، مليارات الدولارات في العواصم الغربية ليس مطالبا بالافصاح عن مصدرها. العدل هنا نسبي وانتقائي ومزاجي، الامر الذي يفرض التساؤل عما إذا كان هذا العالم حقا قد بلغ ذروة التطور في منظومة الحكم، او انه قادر على ممارسة العدل.

في الاسبوعين الماضيين انطلقت الاحتجاجات بشكل واسع في مدن أمريكية عديدة احتجاجا على حوادث قتل كان ضحاياها من المواطنين السود، على ايدي عناصر بيضاء من الشرطة. وعاد مسلسل التوتر العرقي مجددا، بعد مرور اكثر من نصف قرن على حركة الحقوق التي اطلقها السود الأمريكيون في الستينات طلبا للمساواة وادت لاغتيال الزعيم الاسود، مارتن لوثر كنغ. العدل هنا مفقود وظواهر التمييز العنصري والديني مصاديق يومية لذلك. 

فأمريكا التي كثيرا ما تشدق ساستها بمبادىء «الآباء المؤسسين» ما تزال تعاني من مشاكل مرتبطة بانتشار السلاح وتغول العنصرية والرغبة في الهيمنة على الشعوب الاخرى بقوة السلاح. وحين تبالغ قوات الاحتلال الاسرائيلية في تحدي الضمير الانساني وتصر على توسيع بناء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية، بينما يعيش ابناء فلسطين في المنافي، ويلوذ العالم بالصمت، أليس ذلك منافيا لمنطق العدل الذي يمنع العدوان والاحتلال واقصاء البشر عن اوطانهم؟ وحين يتقايض الغربيون مع بعض الانظمة العربية للاعتراف بالكيان الاسرائيلي والتنازل عن اراضي الفلسطينيين وحقوقهم في مقابل الدعم الامني والعسكري، فأين ذلك من منطق العدل؟ وما قيمة الديمقراطية التي تسمح بذلك؟ وعندما تتعملق الدولة المؤسسة على الفرد او الحزب او الفئة او القبيلة، لا يمكن تجسيد قيم العدل وحكم القانون وبذلك تسقط مبادىء «الشراكة السياسية» و»التعددية» و»الاختيار الحر». المشكلة ان حكام العرب والمسلمين مستعدون للتضحية بوحدة امتهم واوطانهم من اجل توفير ما تتطلبه نزواتهم البعيد عن هموم تحرير الاوطان او تكريم الانسان. 

والواضح تبلد المشاعر وتكلس الاحاسيس لدى اغلب قطاعات الامة. فحين يتم تقسيم السودان إلى دولتين، شمالية وجنوبية، نتيجة الهيمنة المطلقة للمركز وتهميش الاطراف، ومع اصرار نظام الحكم المركزي على تهميش الاطراف، كما يحدث مع اقليم دارفور، فمن الطبيعي حدوث التقسيم والاقتتال الداخلي، وقمع الشعوب. فهل هذا ما يتطلع اليه المصلحون وقوى التغيير؟

ان من أسوأ ما تمر به اية امة ان تتآمر مكوناتها ضد بعضها، وان يظهر الشقاق للعلن، وان يصبح العدو «صديقا». وعندما يتحدث احد المتنفذين الخليجيين امام مؤتمر معارضي نظام الحكم الإيراني، ويشجعهم على العمل لاسقاط ذلك النظام، ويتهم اهم قوى المقاومة الفلسطينية باشاعة الفوضى، فان ذلك تجسيد آخر لغياب منظومة العدل التي تستقطب الجميع ولا تتحدث بلغة الانتماء العرقي او الديني او المذهبي. الامير تركي الفيصل اختار منبر منظمة «مجاهدي خلق» التي كانت على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية إلى ما قبل اربع سنوات. احتجت المنظمات الفلسطينية خصوصا حماس والجهاد الإسلامي مشيرتين تلك التصريحات، بينما اعتبرت طهران تلك التصريحات تدخلا في شؤونها الداخلية خصوصا عندما قال «وانا اريد اسقاط النظام». وهنا يصبح الصراع ضد الانظمة الاخرى معوقا لاية محاولة للتغيير او الاصلاح السياسي في البلدان العربية. وفي عالم تهيمن عليه المصالح وليس المبادىء، تتضاءل خطوط التمييز بين العدل والظلم، بين الإرهابي والمناضل وبين الظالم والمظلوم. وبذلك تبهت مفاهيم العدل وحكم القانون، ويتعمق نشوش الاذهان. وهذا يؤدي لحركة مفرغة تسقط فيها الشعوب المغلوبة على امرها، بعد ان تصبح ضحية لما يمكن اعتباره «إرهابا إعلاميا» او «تضليلا فكريا» او «توجيها بعيدا عن قيم العدل والايمان». وبذلك تتواصل ازمات الأمم وتزداد عقول ابنائها تشوشا وضياعا، وتضعف ارادتها وتصبح اكثر عرضة للنهب والسلب والاحتلال، وتتعمق بذلك الفجوة الكامنة بين الحكام والشعوب. ومع استمرار هذه الاوضاع وهيمنة المال والسلاح لدى النخب الحاكمة في عالم اليوم، يصعب التنبؤ بامكان حدوث انفراج حقيقي يؤدي إلى قيام منظومة العدل وحكم القانون، ليس في العالم العربي فحسب، بل حتى في «العالم الحر».

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

العدل حكم القانون العدل أساس الملك الفوضى العالم الحر

كفاءة الدفاع ولا عدالة القضية

عن أي عدالة نتحدث؟

«سور مدينتك بالعدل»

من ربيع للحرية والعدل إلى غالبية تدافع عن نفسها

العدالة بدلا من التراضي المؤقت