40% مستعدون للمغادرة.. هجرة أطباء إيران تهدد بانهيار القطاع الصحي

الاثنين 15 يناير 2024 11:27 ص

"لم تكن الهجرة في الحسبان قبل عقدين عندما جلست لأول مرة على مقاعد كلية الطب بجامعة طهران بحثا عن مكانة اجتماعية مرموقة، إلا أن المضايقات الاجتماعية أقنعتني بالانضمام إلى زملائي الذين سبقوني في المغادرة"، هكذا يبدأ الطبيب الإيراني بدرام حكايته مع الهجرة.

ويضيف استشاري جراحة القلب والصدر بالعاصمة طهران، الذي فضل الحديث باسم مستعار، أنه بالرغم من المستوى المعيشي الجيد الذي تتمتع به أغلب الأوساط الطبية في إيران، فإن قوانين الضرائب والتسعيرة المتدنية للمعاينات الطبية، تجعل من فتح العيادات الطبية أمرا غير مجد ماديا.

ويشرح بدرام الذي حصل مؤخرا على الشهادات اللازمة للهجرة، أنه لا يريد مغادرة إيران نهائيا، وإنما يبحث عن مستوى حياة أفضل وحريات شخصية كبرى.

وبعد عقود من الحديث عن هجرة المهندسين وأساتذة الجامعات ورواد الأعمال والممرضين إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بدأت الصحافة الإيرانية الناطقة بالفارسية مؤخرا بنشر تقارير حول تزايد هجرة الشركات الناشئة والميكانيكيين وحتى الفلاحين، ومنهم مزارعو الزعفران إلى دول الجوار، إلی جانب تحذير الأوساط الاجتماعية من هجرة المزيد من الكفاءات الرياضية والفنية والأكاديمية.

وبعد سنوات من نزيف هجرة العقول الإيرانية نحو الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فإن آخر الإحصائيات الرسمية تشير إلى تصاعد حركة الهجرة الإيرانية، ولا سيما عقب جائحة "كورونا" التي شكّلت منعطفا في خروج الأطباء والكوادر الطبية من إيران.

وحسب أحدث استطلاعات الرأي التي يجريها المرصد الإيراني للهجرة، فقد قرر الهجرة نحو 40% من الأطباء والممرضين المستطلعة آراؤهم، مقابل 27% لم يتخذوا قرارا بعد، في حين أكد 15% عدم رغبتهم بالهجرة، فيما أجلت 18% من الكوادر الطبية اتخاذ القرار إلى وقت لاحق.

وكشف تقرير لموقع "عصر إيران" المقرب من الحكومة الإيرانية، السبت، تناول أزمة هجرة الأطباء والممرضات، أن ما قبل أزمة تفشي كورونا في فبراير/شباط 2020، كان عدد المهاجرين الأطباء في إيران يتراوح ما بين 6 إلى 10 آلاف طبيب سنوياً.

وقال الموقع إنه "وفق الإحصائيات التي حصل عليها من منظمة الطب الإيرانية أنه بعد انتهاء كورونا أصبحت مضاعفة"، مشيرا إلى وجود 800 مقعد مساعد طبي أصبح الآن شاغرا، وانسحب 50% من أطباء التخدير بعد قبولهم في الجامعات.

وأشار التقرير إلى التحديات والتبعات التي حدثت مع هجرة الكوادر الطبية، وعدّ ضغط العمل وتدني الأجور من عوامل هجرة الاختصاصيين.

ويدق رئيس اللجنة الصحية في البرلمان الإيراني حسين علي شهرياري، ناقوس الخطر من استمرار هجرة الأطباء المتخصصين، وخطورة ذلك على النظام الصحي في بلاده.

ويوضح أن نحو 10 آلاف طبيب متخصص قد حصلوا بالفعل خلال العامين الماضيين، على الوثائق والشهادات اللازمة من أجل الهجرة.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المتحدث باسم منظمة النظام الطبي في البلاد رضا ولي بور، أن طلبات الهجرة من الطاقم الطبي زادت بما يصل إلى 10 أضعاف في السنوات الخمس الماضية.

فيما وصف سعيد كريمي، نائب وزير الصحة الإيراني، إحصائيات هجرة الطواقم الطبية من إيران بـ"المبالغ فيها"، وقال إن معظم هذه الإحصائيات لا تعتمد على معايير دقيقة وواضحة.

وبشأن عدم كشف وزارة الصحة عن إحصائيات حول هجرة الأطباء وتضارب الأرقام، قالت عضو لجنة الصحة في البرلمان الإيراني فاطمة محمد بيغي: "في الوقت الحالي نخسر جزءًا كبيرًا من عناصرنا في مجال الطب، وهذا يشمل الأساتذة والأطباء والممرضات والمجالات الطبية الفرعية الأخرى".

وانتقدت محمد بيغي، عدم توفر إحصائيات رسمية بهذا الخصوص، مضيفة: "اطلعنا على تقرير في لجنة الطب البرلمانية في العام الماضي، كشف عن هجرة ما بين 9 إلى 10 آلاف من الطاقم الطبي ويشمل الأطباء والممرضات والقابلات".

ويرجع عدم اليقين الإحصائي هذا إلى عدم نشر الإحصاءات من قبل المؤسسات الرسمية مثل منظمة النظام الطبي في البلاد، بحسب قولها.

وقالت: "لو كنت وزيراً للصحة وهذا العدد من الأطباء يهاجر سنوياً، وتفقد البلاد الكفاءات والنخب العلمية لاستقلت من إدارة الوزارة"، كاشفة في الوقت ذاته أن "شبكة الرعاية الصحية في البلاد تواجه نقصًا قدره 20 ألف قابلة".

ويحذر مرصد الهجرة الإيراني من استمرار وتيرة هجرة الكفاءات الطبية بما يهدد بظهور عجز في التخصصات الطبية، وذلك بعد أعوام قليلة من دقه ناقوس الخطر من مشكلة عجز الممرضين في المستشفيات الإيرانية عقب تفشي جائحة "كورونا".

ويذكر المرصد أسبابا عديدة لتزايد رغبة الأطباء الإيرانيين في مغادرة البلاد منذ عام 2013، حتى تجاوز معدل الهجرة في البلاد عام 2021 المتوسط العالمي.

ويمكن تلخيص دوافع الأطباء الإيرانيين في الهجرة، حسب المرصد إلى دوافع اقتصادية، وفقدان العملة الوطنية قيمتها في ظل التضخم المستفحل، والتفاوت الكبير في الرواتب والأجور بين داخل البلاد وخارجها، وتلقي الأطباء المتخصصين عروضا مغرية من أطراف أجنبية.

ومن ضمن الدوافع الأطباء الإيرانيين في الهجرة، أمور اجتماعية، حيث أن تراجع الحريات الشخصية يشكل أحد أهم أسباب الهجرة، والبحث عن حياة أفضل في الخارج لتعويض الضغوط التي تتعرض لها الفرق الطبية، واليأس من تحسين ظروف المعيشة والاعتراض على أسلوب الحكم في البلاد.

التحذير الإيراني من هجرة الأطباء المتخصصين، يعيد إلى الأذهان مقولة رئيس المؤسسة الوطنية للموارد البشرية والتوظيف ميثم لطيفي، الذي حذر العام الماضي، من أن المنظمات الحكومية تكاد تخلو من النخب بسبب تصاعد وتيرة الهجرة.

وتقدر الأمانة العامة للمجلس الأعلى للجاليات الإيرانية بالخارج عدد المهاجرين الإيرانيين حتى مارس/آذار الماضي، بنحو 4 ملايين و37 ألف نسمة، غير أن التقارير غير الرسمية تذكر أعدادا قد تبلغ أضعاف الأرقام الرسمية.

من جانبه، قال الرئيس السابق لجامعة العلوم الطبية في طهران علي جعفريان، إنه "في السنوات الثلاث الماضية، هاجر ما بين 10 و12 ألف طبيب من البلاد، وهو ما يمثل في المتوسط الهجرة السنوية لحوالي 4 آلاف عضو في الطاقم الطبي".

وعن أسباب هذه الهجرة، يقول رئيس مستشفى بهمن أحد أكبر المستشفيات في طهران فخر الدين نور محمدي، إن "هناك عوامل اجتماعية واقتصادية تدفع الأطباء إلى الهجرة".

ويوضح أن "أحد العوامل المهمة في الهجرة هو الاختلاف الكبير في الدخل ومستوى المعيشة بين إيران ودول المقصد"، مضيفا: "نلاحظ وجود تقارير عن هجرة أطباء وممرضين إيرانيين إلى دول الجوار مثل سلطنة عمان والعراق، أما الهجرة الأوسع فهي للدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا".

وتابع: "بلغ متوسط الدخل السنوي للطبيب في إيران عام 2019 حوالي 10 آلاف دولار، مقارنة بمتوسط الدخل السنوي للطبيب في أمريكا، وهو حوالي 294 ألف دولار، وفي بريطانيا حوالي 136 ألف دولار، في كندا حوالي 258 ألف دولار، في أستراليا حوالي 207 آلاف دولار، وفي ألمانيا حوالي 111 ألف دولار".

وزاد: "بينما بلغ متوسط الدخل السنوي للممرض في إيران عام 2019 حوالي 3 آلاف دولار، مقارنة بمتوسط الدخل السنوي للممرض في أمريكا وهو حوالي 73 ألف دولار، في بريطانيا حوالي 40 ألف دولار، في كندا حوالي 59 ألف دولار، وفي أستراليا نحو 65 ألف دولار، وفي ألمانيا نحو 47 ألف دولار".

ويرى محمدي هذا الاختلاف في الدخل، بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية؛ ما يجعل الأطباء والممرضين الإيرانيين يتمتعون بمستوى معيشي أقل من نظرائهم في البلدان الأخرى.

فعلى سبيل المثال، بناءً على مؤشر القوة الشرائية، يمكن للطبيب في إيران أن يحصل على 10% من القوة الشرائية للطبيب في أمريكا. وهذا على الرغم من أن تكلفة المعيشة في إيران ارتفعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

فيما أعلن الأمين العام لدار رعاية المسنين في إيران محمد شريفي مقدم، عن "النقص الخطير" في عدد الممرضات في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقال: "أجرؤ على القول إن المرضى يموتون بسبب نقص الممرضات".

في إطار الحلول الرسمية لمعالجة ظاهرة هجرة العقول، أصدر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي العام الماضي، أمرا بتأسيس مجموعة للعمل من أجل وضع حد للهجرة واستعادة الكفاءات العلمية المهاجرة إلى البلاد، بيد أن تقارير مرصد الهجرة الإيراني تشير إلى ازدياد الهجرة وعدم الرغبة بالعودة إلى البلاد.

أما علی الصعيد المهني والنقابي، فهناك من يرى أن الجمهورية الإسلامية باتت قاب قوسين أو أدنى من استقدام بعض التخصصات من الخارج، أو إرسال المرضى إلى دول أخرى في حال عدم معالجة جذور مشكلة هجرة الكفاءات الطبية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران هجرة كوادر طبية قطاع طبي أوروبا الخليج