تنديد فلسطيني أممي لتعليق دول غربية تمويل أونروا.. لماذا تخطط إسرائيل لطردها من غزة؟

الأحد 28 يناير 2024 08:01 ص

ما إن أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنها تلقت معلومات من الاحتلال الإسرائيلي بخصوص مشاركة موظفين للوكالة بمعركة "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى بدأ عدد من الدول الغربية بوقف تمويلها عن الوكالة الدولية.

وعلى مدى اليومين الماضيين قررت 10 دول -بينها مانحون مهمون مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، تعليق تمويلها لوكالة الإغاثة في قطاع غزة، بعد أن اتهمت إسرائيل 12 من موظفي الوكالة، الذين يبلغ عددهم عدة آلاف، بالمشاركة في الهجوم الذي نفذته المقاومة الفلسطينية، على مستوطنات غلاف غزة، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.

وأمام ذلك، نددت السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة، والأمم المتحدة ووكلائها من قرار تعليق التمويل، واعتبروه عقاب جماعي، يساهم في إبادة سكان قطاع غزة، قبل أن تعلن إسرائيل خطتها لطرد "أونروا" من القطاع، عقب الحرب.

وتعدّ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، جهة فاعلة أساسية بالنسبة إلى ملايين الفلسطينيين، منذ إنشائها في ديسمبر/كانون الأول 1949، بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى التي اندلعت غداة إعلان قيام دولة إسرائيل، وهي تحصل على تمويل شبه كامل من المساهمات الطوعية للدول.

وهناك حوالى 5.9 ملايين فلسطيني مسجّلين لدى "أونروا" ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعاً مسلحاً.

وهناك ما مجموعه 58 مخيماً للاجئين تعترف بها الوكالة الأممية، بينها 19 مخيّماً في الضفة الغربية التي تحتلّها إسرائيل عسكرياً منذ 50 عاماً، فيما يدرس أكثر من 540 ألف طفل في مدارس "أونروا".

وحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة في أغسطس/آب الماضي، فإن 63% من سكان القطاع يعانون انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الدولية، ويعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر.

ويضم القطاع الصغير الواقع بين إسرائيل والبحر المتوسط ومصر، 8 مخيمات وحوالي 1.7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقاً للأمم المتحدة.

ومن بين موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزعين على أكثر من 300 منشأة.

في العام 2022، بلغت الأموال التي تحصل عليها الوكالة من الميزانية العادية للأمم المتحدة، ومن المساهمات من الكيانات الأممية الأخرى 44.6 مليون دولار.

والدول والجهات المانحة الرئيسية هي بالترتيب، الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والسويد والنرويج، إضافة إلى دول أخرى هي تركيا والسعودية واليابان وسويسرا.

وفي العام 2018، أوقفت الولايات المتحدة وهي أكبر مساهم في "أونروا"، خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار.

ورحبت إسرائيل بالقرار الأمريكي، متهمة الوكالة الأممية بـ"إطالة أمد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني" من خلال تكريسها المبدأ، الذي تعارضه تل أبيب، بأن الكثير من الفلسطينيين هم لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، أي الأراضي التي فروا أو طردوا منها عند قيام دولة إسرائيل.

في المقابل، لا يفوت الفلسطينيون التذكير بأن الولايات المتحدة تقدم سنوياً أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل.

وفي مايو/أيار 2019، دعا مستشار ترامب للشرق الأوسط، إلى إنهاء عمل وكالة "أونروا"، متهماً إياها بأنها "فشلت في مهمّتها"، وردت الوكالة، بالتأكيد على أنه لا يمكن تحميلها المسؤولية عن الطريق المسدود الذي آلت إليه عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

واستأنفت واشنطن تقديم التمويل ابتداءً من العام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً.

ومع تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واللمستمرة منذ نحو 4 أشهر، برز دور "أونروا"، حيث لجأ إليها عشرات الآلاف من سكان غزة، قبل أن تقصف إسرائيل منشآتها.

وقد أثارت الوكالة غضب إسرائيل خلال عدوانها على غزة وتدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن إسرائيل تستهدف أهدافا مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، في حين قالت إسرائيل إن الأونروا، عمدا أو تحت التهديد، توفر غطاء "لإرهابيي حماس".

وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين؛ حيث أشارت المحكمة لتقرير الأونروا الذي قالت فيه إن "القصف مستمر على غزة وتسبب بنزوح كبير للسكان وأجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمنا وتضرر أكثر من مليوني شخص وسيتضررون نفسيا وبدنيا والأطفال مرعوبون".

وكانت تقارير الوكالة تملك مصداقية كبرى عن الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل وجعلها أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها.

والجمعة، قالت "أونروا"، إنها تلقت معلومات من إسرائيل حول ضلوع 12 موظفا في الوكالة، من أصل ما يزيد على 30 ألف موظف وموظفة، في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وردّت "أونروا" بفصل عدد من موظفيها على خلفية الاتهامات الإسرائيلية، وتعهّدت بإجراء تحقيق شامل، في حين أكدت إسرائيل أنها ستسعى لمنع عمل الوكالة الأممية في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وعلى إثر ذلك، أعلنت 9 دول تعليق تمويلها للوكالة الأممية، قبل أن تدعو إسرائيل دولا أخرى لوقف تمويل الوكالة، لافتة إلى أنها "لا ترغب في أن تؤدي الوكالة التابعة للأمم المتحدة أيّ دور في غزة بعد الحرب".

إلا أن هذه القرارات، أثارت غضبا فلسطينيا وأمميا، لافتين إلى أن وقف التمويل يمثل عقابا جماعيا لسكان غزة، ويزيد من خطر إبادتهم الجماعية.

ودعت فلسطين، الدول التي أعلنت التعليق المؤقت لتمويل "أونروا" إلى التراجع عن قرارها "فورا"، محذرة من "حملة تحريض" إسرائيلية تهدف إلى تصفية الوكالة.

وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا): "نطالب الدول (لم يسمها) التي أعلنت عن وقف دعمها للأونروا بالعودة فوراً عن قرارها الذي ينطوي على مخاطر كبيرة سياسية وإغاثية".

وأضاف: "في هذا الوقت بالذات وفي ظل العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني نحن أحوج ما نكون إلى دعم هذه المنظمة الدولية وليس وقف الدعم والمساعدة عنها".

من جهتها، قالت الخارجية الفلسطينية إن "التحريض الإسرائيلي على الأونروا مبيت وأحكامه مسبقة لتصفية قضية اللاجئين وحقوقهم"، مطالبة "بعض الدول (دون تسمية) بالتراجع عن إجراءاتها ضد أونروا".

وأضافت أنها تدين "بأشد العبارات حملة التحريض الممنهجة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي ضد الأونروا، وتعتبرها أحكاماً مسبقة وعداء مبيتا".

وتابعت أن "العداء لـ(أونروا) برز بشكل واضح خلال حرب الإبادة الجماعية على شعبنا في قطاع غزة، سواء بالتصريحات العلنية أو باستهداف الأونروا ومسؤوليها ومقراتها ومؤسساتها وإمكانياتها وكوادرها".

وقالت إن "دولة الاحتلال تكثف تحريضها على الأونروا وتستبق أية تحقيقات بشأن مزاعمها".

وعبرت الخارجية الفلسطينية "عن استغرابها الشديد من الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول (لم تسمها) قبل الانتهاء من تحقيقات الأمم المتحدة"، مطالبة "بالتراجع الفوري عنها اتساقا مع القانون والإجراءات القانونية المتبعة".

وأكملت أن "مزاعم الاحتلال وفي حال ثبتت يجب أن لا تجحف بالأونروا وصلاحياتها ومهامها الإنسانية رفيعة المستوى، خاصة وأن أية أخطاء قد تُرتكب لا تعبر عن سياسة الأونروا، ولا عن توجيهات وتعليمات مسؤوليها ولا عن خطها ومصداقية عملها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين".

وأردفت أن "إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال تسعى بجميع السبل لوقف عمل الأونروا لشطب قضية اللاجئين وحقهم الأصيل بالعودة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة".

كما أدانت حركة "حماس" ما قالت إنها "حملة تحريض تسوقها إسرائيل ضد المؤسسات الأممية" التي تساهم في إغاثة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة.

وقالت الحركة في بيان: "ندين بشدّة حملة التحريض" الإسرائيلية ضد المؤسسات الأممية التي تساهم في "إغاثة شعبنا الذي يتعرض لإبادة جماعية".

كما نددت بالتحريض على وكالة "أونروا"، بهدف قطع التمويل عنها وحرمان شعبنا من حقه في خدمات تلك الوكالات الدولية.

ودعت الحركة "الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى عدم الرضوخ لتهديدات وابتزازات الكيان الإسرائيلي الذي يسعى لقطع كافة شرايين الحياة عن شعبنا"، مؤكدة "أهمية دور هذه الوكالات في إغاثة شعبنا، وتوثيق جرائم الاحتلال التي فاقت أبشع ما عرفته البشرية من جرائم في عصرنا الحديث".

التنديد لم يقف عند الفلسطينيين، بل ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول المانحة "ضمان استمرارية" عمليات وكالة "أونروا".

وأوضح غوتيريش في بيان: "فيما أفهم قلقهم، وقد روعت أنا أيضا بهذه الاتهامات، أناشد الحكومات التي علقت مساهماتها أن تضمن على الأقل استمرارية عمليات الأونروا".

وأضاف غوتيريش: "الأفعال الشنيعة التي قد يكون ارتكبها هؤلاء الموظفون يجب أن تكون لها عواقب.. لكن يجب عدم معاقبة عشرات آلاف الرجال والنساء الذين يعملون لحساب (أونروا)، الكثير منهم في بعض من أخطر الظروف للعاملين في المجال الإنساني".

وتابع: "يجب تلبية الحاجات الملحة للسكان اليائسين الذين يقدمون الخدمات لهم".

وشدد على أن "مليوني مدني في غزة يعتمدون على مساعدة الأونروا الحيوية لاستمراريتهم لكن التمويل الحالي لـ(أونروا) لن يسمح بتلبية كل الحاجات في فبراير/شباط".

من جانبه، اعتبر المفوض العام لوكالة "أونروا" فيليب لازاريني، تعليق دول عدة تمويلها للوكالة أمرا "صادما".

وقال لازاريني في بيان إنه "لأمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين"، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية، التي "يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة".

وشدد على أن "هذه القرارات تهدد العمل الإنساني الجاري حاليا في المنطقة خاصة في غزة"، وأكد أنه لم يكن الفلسطينيون في قطاع غزة بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي.

وكان لازاريني تعهد في وقت سابق بمحاسبة أي موظف في الوكالة، بما في ذلك من خلال الملاحقة الجنائية، يتبين تورطه في "أعمال إرهابية".

أما وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، فقال إن سكان غزة يعانون من أهوال وحرمان "لا يمكن تصوره".

وأضاف: "الوقت غير مناسب لخذلان سكان غزة".

فيما قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، إن الدول التي علّقت تمويلها للوكالة الأممية "تشارك في الإبادة الجماعية".

وأضافت في تدوينة عبر منصة "إكس"، أن الدول التي علقت تمويلها عن الوكالة الأممية تعاقب ملايين الفلسطينيين في توقيت حساس، متهمة إياها بانتهاك التزاماتها المتعلقة باتفاقية منع الإبادة الجماعية.

بدوره، اعتبر زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن، انضمام بريطانيا إلى دول أخرى في تعليق تمويل "أونروا" عقاب جماعي.

وأكد أنه على حكومة بريطانيا الخجل من انحطاطها الأخلاقي تجاه الفلسطينيين.

وفي المقابل، قالت إسرائيل إنها ستسعى لمنع الأونروا من العمل في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر منصة "إكس"، أن وزارة الخارجية تهدف إلى ضمان "ألا تكون أونروا جزءا من المرحلة" التي تلي الحرب، مضيفا أنه سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة أخرى رئيسية.

ولاحقا، قال كاتس في بيان: "في مرحلة إعادة إعمار غزة، ينبغي أن تحل محل أونروا وكالات تكرس عملها للسلام والتنمية"، داعيا مزيدا من الجهات المانحة إلى تعليق تمويلها.

وأضاف: "لقد حذرنا منذ سنوات من أن الأونروا تعمل على إدامة مشكلة اللاجئين، وتدفع السلام بعيداً، وتعمل كذراع مدني لحماس في غزة"، وفق قوله.

وتابع كاتس: "أونروا ليست الحل، فالعديد من موظفيها هم أعضاء في (حماس) الذين يتعاطفون مع آرائها القاتلة، ويساعدونها في توفير المأوى للأنشطة الإرهابية والحفاظ على حكمها"، وفق ما ذكر في بيانه.

وكشفت وثيقة الخارجية الإسرائيلية عن خطة لإخراج "أونروا" من غزة، في أعقاب الحرب.

وأوصى تقرير الخارجية الإسرائيلية، والذي صدر في ديسمبر/كانون الأول، وتم تصنيفه بأنه "شديد السرية"، بتنفيذ خطة إخراج "أونروا" من غزة على 3 مراحل، الأولى هي الكشف في تقرير شامل عن تعاون مزعوم بين حركة "حماس" والوكالة الأممية، التي تقدم الرعاية والخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين من حربي 1948 و1967 وأحفادهم.

وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن المرحلة الثانية "قد تشمل تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة".

أما المرحلة الثالثة، فستكون عبارة عن "عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أونروا فلسطين غزة حرب غزة وقف تمويل إسرائيل دول غربية

البرادعي يدعو الدول العربية لتمويل أونروا

أونروا.. شاهدة التاريخ على دعم اللاجئين الفلسطينيين واستمرار قضيتهم

بعد وقف دول غربية تمويل الوكالة.. نشطاء يطلقون حملة تبرع لصالح "الأونروا"