لماذا لا يمكن للسعودية الاعتماد على مصر كشريك في معادلة الأمن الإقليمي؟

الخميس 14 أبريل 2016 11:04 ص

ملخص

تعد المملكة العربية السعودية هي القوة العربية الكبرى الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكنها لا يمكنها بمفردها أن تقوم بالسيطرة على الفوضى في المنطقة. إنها تحتاج إلى مساعدة مصر، ولكن مصر بدورها تعتمد على المملكة لإدارة اقتصادها السياسي الداخلي. مع ضعف مركزها المالي، فإن السعودية تناضل من أجل الحفاظ على مصر واقفة على قدميها. ولكن خطط الرياض للدخول في شراكة مع القاهرة من أجل التعامل مع احتياجات الأمن العربي الجماعي من غير المرجح أن تؤتي ثمارها.

العاهل السعودي، الملك «سلمان بن عبد العزيز»، اختتم مؤخرا زيارة نادرة امتدت لمدة 5 أيام إلى مصر. خلال الرحلة، فقد أعلنت الدولتان عددا من الاتفاقيات والصفقات الاستثمارية بقيمة 20 مليار دولار. وتشمل هذه الصفقات عملية بناء جسر على البحر الأحمر يربط بين البلدين، تسليم القاهرة جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر إلى الرياض وتعهد سعودي بتوفير مبلغ 16 مليار دولار لصندوق استثماري مصري مع التركيز بوجه خاص على تطوير شبه جزيرة سيناء التي تعاني من تزايد التمرد. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن الهدف خلف كل ذلك هو زيادة نفوذها في مصر ودفعها نحو لعب دور أكبر في الحفاظ على الأمن في الشرق الأوسط. لكن هذا ليس من المرجح أن يحدث.

الحس التاريخي

قبل أن ندرس هذا التقارب المتزايد بين الدولتين العربيتين الرئيسيتين في العالم، فمن المهم أن نستفيد من النظر إلى العلاقات التاريخية بينهما.

عارض المصريون تأسيس نظام الحكم السعودي في منتصف القرن الثامن عشر وأرسلوا قواتهم بناء على طلب الدولة العثمانية من أجل تدمير الدولة السعودية الأولى عام 1818. وعلى مدى القرن التالي، تحولت كل من مصر والمملكة العربية السعودية من السيادة العثمانية إلى محميات بريطانية ثم إلى دول مستقلة في نهاية المطاف. مع اكتشاف النفط في المملكة وإنشاء الجمهورية الحديثة في مصر بعد انقلاب 1952 على يد «جمال عبد الناصر» ظهر البلدان بوصفهما متنافسين على زعامة العالم العربي.

كانت مصر الناصرية هي بطل العروبة الذي سعى إلى توحيد العالم العربي في ظل نظام جمهوري علماني  يساري. برزت مصر باعتبارها مصدر خطر كبير للمملكة العربية السعودية، التي كانت ملكية دينية تقليدية وخصوصا مع نشأة أنظمة مشابهة في كل من العراق وسوريا وليبيا والجزائر على أنقاض الأنظمة الملكية العربية. وعلاوة على ذلك، فقد فاقمت الحرب الباردة من حالة العداء بين الدولتين المتنافستين مع وقوف القاهرة في المخيم السوفيتي وانحياز الرياض إلى المعسكر الأمريكي. سعت مصر إلى إسقاط النظام الملكي السعودي من خلال التأثير على أعضاء العائلة المالكة. وعلى العكس من ذلك، فقد دعمت السعودية الإسلاميين المعارضين للنظام المصري.

واستمر هذا الوضع حتى تراجع نظام «عبد الناصر» في أعقاب هزيمة مصر في حرب 1967 بين العرب و(إسرائيل). خلال السبعينيات، بدأ الوضع في التحرك لصالح المملكة. وفي ظل خليفة «ناصر»، «أنور السادات»، انتقلت مصر من المعسكر السوفييتي إلى جانب الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، نما الثراء السعودي في أعقاب أزمة النفط في عام 1973. في المقابل، فإن ضعف مصر لم يضطرها فقط إلى التخلي عن طموحاتها القومية العربية، بل أصبحت تعتمد أيضا على المساعدات المالية السعودية.

واصلت مصر محاولاتها للحفاظ على مكانتها كقوة عربية منافسة. بعد كل شيء، فإن المملكة العربية السعودية تكتسب قوتها فقط من ثروة البترودولار، في حين أن مصر هي أكبر دولة عربية، وهي تمثل المركز الفكري والثقافي للعالم العربي كما أنها أقوى قوة عسكرية عربية. وهكذا، فإنه رغم ضعفها الاقتصادي، كانت الجمهورية التي يهيمن عليها العسكريون في مصر أكثر استقرارا من المملكة العربية السعودية، التي كانت إلى حد كبير مجتمعا قبليا غارقا في الروح الدينية المحافظة يحكمها نظام ملكي مطلق يعتمد على القوة العسكرية الأمريكية لضمان أمنه القومي. هناك توازن من نوع ما كان موجودا بين البلدين حتى عام 2010.

الضعف المصري

تسببت الإطاحة بـ«حسني مبارك»، الذي كان يحكم مصر منذ اغتيال «السادات» في عام 1981، في إضعاف مصر. اضطرابات الربيع العربي، والتجربة الديمقراطية الفوضوية قصيرة الأجل التي حملت الإسلاميين إلى السلطة، ثم الانقلاب العسكري المدعوم شعبيا الذي جاء بالرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي» قد ألقت بظلال كبيرة على الاقتصاد المصري. أصبحت القاهرة تعتمد بشكل كبير على المساعدات المالية الضخمة من دول الخليج العربية الغنية بالنفط، وخاصة المملكة العربية السعودية، التي ضخت 12 مليار دولار على الأقل في الخزانة المصرية.

استفادت المملكة العربية السعودية من الضعف المصري، حيث برزت كقائد لا منازع له في العالم العربي. لكنّ خضوع مصر، وظهور السعودية كقوة عربية رئيسية وحيدة جاء في خضم أزمة يعيشها العالم العربي. كان على الرياض أن تدير عدة دول تعاني اضطرابات وتهديدات من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية الجهادية، وخاصة «الدولة الإسلامية»، التي تمثل تحديا أيدولوجيا للمملكة. وفي الوقت نفسه، فإن السعوديين يكافحون لاحتواء إيران القوية على نحو متزايد وخاصة في فترة ما بعد العقوبات.

الواقع المزمن هو أن الرياض قوة عسكرية ضعيفة إذا ما قورنت بإيران، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في عجزها على فرض النظام في باحتها الخلفية في اليمن. لهذا السبب، فقد سعت إلى إقامة تحالف عسكري إسلامي، وهو في جوهره وسيلة للسعوديين لجمع القوى العربية والإسلامية الأخرى لدعم المصالح الأمنية الوطنية والإقليمية للمملكة. لم تكن تركيا وباكستان فقط - القوى العربية غير الإسلامية - هما من نجحتا في مقاومة الالتزام بإرسال قوات، ولكن مصر بدورها نجحت في المقاومة أيضا. ومع ذلك، فإنها قد لا تكون قادرة على المقاومة لفترة أطول من ذلك بكثير، بالنظر إلى أحدث الاستثمارات السعودية في البلاد.

لكن السعوديين أنفسهم يواجهون وضعا ماليا صعبا مع انخفاض أسعار النفط. حقيقة أن السعوديين يتحركون لاقتراض مليارات يعني أن قدرتهم على مساعدة المصريين، فضلا عن التحكم في المنطقة، آخذة في التقلص. أولوية السعودية تكمن في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك في حين تنهار المنطقة من حولها. من وجهة نظر السعودية، فإنها تحتاج إلى مصر من أجل مساعدتها في السيطرة على الفوضى.

ومع ذلك، فإن المصريين ليسوا في وضع يمكنهم من القيام بذلك وهم يعتمدون على السعوديين بشكل كبير. السعوديون يدركون أن مصر كي تكون قادرة على مشاركتهم حمل قضايا الأمن الإقليمي فإن عليها أن تعالج مشاكلها الاقتصادية أولا. ولذلك فقد كانت زيارة الملك «سلمان» إلى القاهرة موجهة لكلا الغرضين. وبالنظر إلى الضغط المالي الذي يتعرض له السعوديون، فإنهم ليسوا في وضع يمكنهم من مواصلة تقديم الهبات إلى المصريين وهذا هو السبب في أنهم قد اختارواً طريق الاستثمار.

من وجهة نظر الرياض، فإنه في حال نجحت هذه الاستثمارات، فسوف تعطي السعوديين حصة كبيرة في الدولة المصرية. وهذا من شأنه إعطاء السعوديين النفوذ اللازم للضغط على المصريين من أجل إرسال قوات إلى التحالف العسكري الذي تسعى الرياض إلى لبنائه. في الوقت الذي يبدو فيه من غير المرجح أن تعلب كل من تركيا وباكستان أدوارا كبيرة في الائتلاف، فإن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى دعم مصر. هذا من شأنه أن يساعد أيضا في المملكة العربية السعودية على زيادة نفوذها في مصر.

حتى الآن، عملت المملكة العربية السعودية ومصر في عالمين منفصلين، نظرا للجغرافيا الخاصة بكل منهما. تسعى المملكة العربية السعودية لإنشاء المزيد من الارتباط الجغرافي الاستراتيجي العضوي مع مصر عن طريق استعادة السيطرة على جزر تيران وصنافير، وبناء جسر يربط بين مدينة نبق المصرية، التي تقع إلى الشمال مباشرة من شرم الشيخ، مع رأس الشيخ حميد في المملكة العربية السعودية وتطوير شبه جزيرة سيناء. من الناحية النظرية، كل هذا يمكن أن يسهل جهود المملكة لوضع مصر تحت سيطرتها، ومع ذلك، هناك عدة عوامل تحول دون تجسيد ذلك على أرض الواقع.

المضي قدما

الهدف السعودي باكتساب تأثير أكبر على مصر لاستخدامها كأداة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية يواجه عددا من المعوقات. أولا وقبل كل شيء، فإن المصريين سوف يقاومون هيمنة المملكة العربية السعودية نظرا للمصالح الوطنية المتنافسة. بالفعل، هناك ضجة محلية كبيرة حول قرار إعادة الجزر إلى الرياض. أما السبب الثاني فهو أن الاستثمارات السعودية من غير المرجح أن تحدث فوارق كبيرة في مصر نظرا لحجم المشاكل المالية والأمنية. معظم سيناء، وعلى الأخص النصف الشمالي منها هي منطقة صحراوية شديدة الفقر كما أنها مرتع للجهاديين.

جوهر سكان مصر البالغ عددهم 90 مليونا، والممتدين من الشمال إلى الجنوب على طول جانبي النيل فى البر الرئيسى، من غير المرجح أن يستفيدوا كثيرا من الـ20 مليار دولار من الاستثمارات السعودية المقدرة. حتى لو كان لهذه الاستثمارات أن تساعد على استقرار حكومة «السيسي» فإن تأثيرها سوف تستغرق وقتا طويلا كي يظهر. في أحسن الأحوال، فإن مصر قد تبتعد عن حافة الهاوية ولكنها لن تكون قوية بما يكفي لمساعدة مشروع السعودية الطموح في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن السعوديين لديهم في الساحة المحلية الخاصة بهم ما يدعو للقلق، بالنظر إلى انخفاض أسعار النفط.

إجمالا، فإن المملكة العربية السعودية ومصر هما الدولتان الرئيسيتان في العالم العربي، وكلاهما ضعيفتان كل على طريقته. هناك قيود صارمة على قدرة السعودية على تحقيق الاستقرار في مصر. في الواقع، هناك تساؤلات جدية حول قدرة المملكة العربية السعودية على إدارة شؤونها الخاصة. وهكذا، فإن العالم العربي يواجه شبح الفراغ السياسي والأمني ​​على المدى الطويل.
 

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر السيسي الملك سلمان تيران وصنافير ولاية سيناء العلاقات السعودية المصرية

صحيفة مصرية: «بن سلمان» تعهد بالالتزام ببنود «كامب ديفيد» المتعلقة بـ«تيران» و«صنافير»

«ديبكا»: السعودية تدعم «السيسي» ماليا في حربه ضد «ولاية سيناء»

«ميدل ايست آي»: السعودية لم تعد تعول على «السيسي» وتدرس الخيارات البديلة

«ديفيد هيرست»: خطة إماراتية للسيطرة على مقاليد الحكم في مصر

«سي إن إن»: مصر لم يعد بإمكانها الاعتماد على السعودية التي تعاني ضائقة مالية

الملف السعودي المصري .. زاوية متوارية