«رويترز»: الجيش الإسرائيلي يعاني تزايد نفوذ الصهاينة المتدينين

السبت 16 أبريل 2016 06:04 ص

في ليلة حارة من ليالي يوليو/تموز 2014 تجمعت القوات الإسرائيلية على الحدود مع غزة استعدادا للحرب وكان مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) يطلقون صواريخ على (إسرائيل) منذ أيام وبدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف الأراضي الفلسطينية.

وجاءت أوامر «لواء جفعاتي» -لواء المشاة القوي بالجيش الإسرائيلي- في رسالة مطبوعة من صفحة واحدة.

كتب الكولونيل «عوفر وينتر» قائد اللواء في الرسالة الموجهة لقواته «لقد اختارنا التاريخ لنقود الحرب على العدو الغزاوي الإرهابي الذي يلعن ويذم ويكره رب إسرائيل»، وأنهى الرسالة بنص توراتي يبشر محاربي (إسرائيل) في ساحات القتال بالحماية الإلهية.

وسرعان ما جرى تداول الرسالة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها إلى الصحافة. وانتقد الإسرائيليون العلمانيون الرسالة ورأوا أنها تخرق عرفا متبعا منذ عقود يتمثل في إبعاد الدين عن المهام العسكرية.

وبعد مرور عامين لا تزال الرسالة تحمل رمزا لتحول شديد داخل المجتمع الإسرائيلي: تزايد قوة وسلطان المتدينين القوميين. وفتح هذا التحول الباب أمام معركة على الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه (إسرائيل).. معركة بين الليبراليين ومعسكر المتدينين القوميين.

في سنوات (إسرائيل) الأولى كان هناك مركزان رئيسيان للسلطة هما الجيش والحكومة وكان يهيمن عليهما النخبة من العلمانيين واليساريين في الأغلب الأعم ممن أسسوا الدولة في 1948. لكن في السنوات العشر الأخيرة أو ما يقرب ظهر جيل جديد من الزعماء يجمع بين الدين والقومية.

والصهيونية المتدينة تختلف عن الصهيونية العلمانية من منظورها التاريخي ونبرتها اليهودية. فالصهاينة المتدينون يعتبرون أن رعاية أماكن كالمستوطنات اليهودية بالضفة الغربية -أساس اليهودية حسبما ورد في التوراة- ما هي إلا سبيل لإنجاز التزام ديني وبناء الدولة اليهودية.

وزاد وجود هذه المجموعات في كل من الحكومة والأجهزة العامة. وحدث هذا العام -ولأول مرة على الإطلاق- أن كان رؤساء أجهزة الشرطة والمخابرات (الموساد) والأمن الداخلي (شين بيت) جميعهم من الصهاينة المتدينين.

إلا أن التحول كان أبرز ما يكون داخل الجيش. فمعظم الجنود بالجيش الإسرائيلي إما علمانيون أو يهود ملتزمون وإن كان الجيش يضم أيضا دروزا وعربا من البدو. لكن دراسات أكاديمية تظهر أنه خلال العشرين عاما الأخيرة شهد عدد الضباط من الصهاينة المتدينين بجيش الدفاع الإسرائيلي زيادة قوية. ويشعر الجيش أيضا بتزايد نفوذ الحاخامين الذين أدخلوا أمور العقيدة والسياسة على أرض المعركة.

وبدأ بعض الساسة والزعماء العسكريين في التصدي لهذا التيار.

ففي يناير/كانون الثاني أعلن «جادي أيزنكوت» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أنه سيبعد وحدة عمرها 15 عاما مكلفة بمهمة نشر «الوعي اليهودي» من حاخامية الجيش وهي الجهة المعنية بتقديم الخدمات الدينية داخل صفوفه. وبات قسم «الوعي اليهودي» يثير من آن لآخر انتقادات من داخل الجيش وخارجه لدفعه بأجندة أيديولوجية دينية يمينية. ويخشى بعض الإسرائيليين العلمانيين في الجيش من أن تدفع المبالغة في الترويج للأفكار الدينية داخل الجيش الجنود للتساؤل عمن ينبغي عليهم أن يطيعوه: قائدهم أم الرب.

وفي رسالة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي أوضح أيزنكوت موقف الجيش جليا: إذا اختلف الجيش على السياسة والدين فمن الصعب أن ينجز مهمته. وكتب يقول «جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش الشعب ويضم شريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي».

وأضاف «التغيير مطلوب بهدف الحفاظ على جيش الدفاع الإسرائيلي جيشا لدولة في بلد ديمقراطي يعمل على تنمية ما يوحد بين جنوده».

وتعهد سياسيون من الصهاينة المتدينين وحاخامون بالتصدي للتغيير وناشدوا رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» الذي يعتمد ائتلافه الحاكم ضمن ما يعتمد على تأييد مثل هؤلاء الناخبين. ونتنياهو نفسه علماني وإن كان هناك كثير من الصهاينة المتدينين داخل دائرته المقربة من المستشارين والمسؤولين.

وأشار رئيس الأركان إلى أنه لا يعتزم التراجع. وفي الثالث من أبريل/نيسان قال الجيش إنه سينقل قسم «الوعي اليهودي» إلى شعبة الأفراد بالجيش وإن كان العمل لا يزال جاريا بشأن التفاصيل.

روح قتالية

يشكل الصهاينة المتدينون 10% فقط من سكان إسرائيل كما يشكلون نفس النسبة إلى عدد اليهود المتطرفين وإن كانت تلك الجماعة أقل اندماجا بكثير في المجتمع الإسرائيلي وتنأى عادة عن الخدمة العسكرية.

ويخدم الحاخامون في الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة لكنهم كانوا يتعاملون عادة مع المسائل اللوجيستية كتلك المتعلقة بقواعد الصيام اليهودي. لكن هذا بدأ يتغير في أوائل القرن الحالي. فقد تمكنت الحاخامية بالجيش من انتزاع دور جديد يتمثل في ربط الجنود بجذورهم اليهودية وغرس الروح القتالية فيهم على أساس العقيدة والتقاليد المتبعة منذ قرون.

وأسست الحاخامية قسم «الوعي اليهودي» الذي يقدم للجنود جولات ومحاضرات عن اليهودية ودروسا تمزج بين التعاليم الدينية والقيم العسكرية مثل روح القيادة والمودة والتضحية.

وليست لدى الجيش الإسرائيلي أرقام تصنف جنوده بين علمانيين وملتزمين دينيا. لكن هناك دراسة مفصلة أجرتها مجلة معاراشوت التي تصدرها وزارة الدفاع تظهر أنه بحلول سنة 2008 زادت نسبة المتدينين القوميين بين طلبة سلاح المشاة لعشرة أمثالها لتصل إلى 26% بعدما كانت 2.5% في 1990.

ويظهر بحث أحدث أجراه متخصصون من أمثال «روفين جال» رئيس الاتحاد الإسرائيلي للدراسات المدنية-العسكرية أن ذلك الاتجاه في تزايد إذ يمثل الصهاينة المتدينون الآن ما بين ثلث ونصف الطلبة العسكريين.

وقال جال «هذا التمثيل أكبر مما ينبغي».

وأضاف «جيش الدفاع الإسرائيلي هو قوة الدفاع الإسرائيلي وليس قوة الدفاع اليهودي. به جنود متدينيون وجنود علمانيون. فإن كان يستمد قيمه من الحاخامية (قسم الوعي اليهودي) فهذا أمر غير سليم. هذا خطأ».

ليست وطنية وحسب؟

على قمة تل بالضفة الغربية المحتلة بدأت مجموعة من الفتيان في أواخر يناير/كانون الثاني تدريباتها. قلة كانت منبطحة على الأرض تجري تدريبات الذراعين والكفين والبعض كان يجري تدريبات على سلسلة من القضبان المعدنية بينما كان نحو عشرة يركضون على طريق يبدأ من معهدهم الديني ويمر بمنازل مستوطنة إيلي ذات الأسقف الحمراء.

وداخل أكاديمية بني دافيد جلس المزيد من الفتية اثنين اثنين يقرأون كتبا يهودية كانت متراصة إلى جوار جدران قاعة الدرس.

أكاديمية بني دافيد هي أول مدرسة للإعداد العسكري في إسرائيل وتأسست في 1988 لتشجيع أبناء الصهاينة المتدينين على الاضطلاع بأدوار مهمة في الجيش بعد أن لوحظ فتور حماسة المجندين.

وتفخر الأكاديمية بأن كل خريجيها تقريبا يتطوعون لأعمال القتال نصفهم في وحدات متميزة. وأصبح حوالي 40% من خريجيها -ومن ضمنهم عوفر وينتر- ضباطًا. ولم يرد الجيش على طلب من رويترز لإجراء لقاء مع وينتر الذي ترقى منذ حرب غزة.

قال «نتانل إلياشيف» وهو حاخام في المعهد الديني «نرى الخدمة العسكرية من التعاليم الدينية المهمة. هي واجب مجتمعي لكنها أيضا من تعاليم التوراة المهمة».

وقال ضابط بوحدة خاصة كان ممن تخرجوا من بني دافيد إن من الضروري أن يؤدي المتدينون القوميون دورهم من أجل (إسرائيل). وأضاف الضابط الذي وقع لتوه وثيقة على مد خدمته عشر سنوات أخرى «المسألة ليست مسألة وطنية وحسب بل هي جزء من شيء أكثر روحانية بكثير.. التجهيز للمستقبل. الأمر مرتبط بجذور أعمق وشعور بأنك تحمل رسالة».

وبني دافيد الآن واحدة من 46 أكاديمية عسكرية نصفها ديني.

ويرى المنتقدون لهذا الاتجاه من أمثال البروفسور «ياجيل ليفي» الذي يقوم بتدريس العلاقات المدنية-العسكرية في جامعة إسرائيل المفتوحة أن تزايد التيار الصهيوني المتدين جزء من حملة أوسع للاحتفاظ بالمستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية. فالصهاينة المتدينون هم الآن الداعمون الرئيسيون لحركة الاستيطان الإسرائيلية.

وقال «ليفي» إن خيبة الأمل التي صاحبت فك الاشتباك في غزة عام 2005 حين سحبت إسرائيل قواتها وحوالي 9000 مستوطن من قطاع غزة دفعت الصهاينة المتدينين للسعي لمواقف أكثر قوة في السياسة والإعلام وبخاصة في المؤسسة الأمنية.

وأضاف: «الجيش ساحة عامة مهمة لا بد أن يلعبوا فيها دورا نشطا ذا مغزى... حتى لا يتكرر عار فك الاشتباك في 2005».

لكن الحاخام «إيلي سادان» مؤسس أكاديمي بني دافيد يرفض مثل هذه الانتقادات. وفي وثيقة نشرت في يناير/كانون الثاني قال إن الصهاينة المتدينين ليست لديهم رغبة في الهيمنة على الجيش. وقال أيضا إن ليفي وغيره من المنتقدين يبثون الكراهية تجاه مجموعة تخلص بقوة لشعب إسرائيل.

هذا في غاية السوء

أيا ما كانت نية قسم «الوعي اليهودي».. يزداد قلق بعض المشرعين وضباط الجيش إزاءه.

وفي عام 2012 انتقد مراقب الدولة المنشورات التي وزعتها الحاخامية بين قوات الجيش خلال حرب غزة في 2008-2009. وانتقد المراقب بوجه خاص منشورا جاء به أنه لا ينبغي التخلي عن «شبر واحد» من الأرض وأن المعركة تقتضي أحيانا قسوة مع العدو.

وبدا قلق الليبراليين المتزايد في حوار دار في فبراير شباط خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست دعا إليه النواب الصهاينة المتدينون نيابة عن قسم «الوعي اليهودي».

ودافع اللفتنانت «أهارون كاروف» وهو قائد من الصهاينة الدينيين أصيب في حرب 2008-2009 عن موقف الحاخامين حين قص كيف أصيب وكيف أثر ذلك على معنويات فريقه.

قال «كاروف» أمام اللجنة «كانت إصابة في الرأس.. في الأنف والعين والفم. فقدت هيئة البشر ورآني جنودي في تلك اللحظة... وسأل رفيقي في القيادة نفسه: ما الذي أفعله مع هؤلاء الجنود؟ لا يريدون مواصلة القتال».

واستطرد قائلا إن القائد اتصل بالحاخامية التي أرسلت في التو حاخامًا إلى غزة. قال «بث فيهم روح القتال وذكرهم لماذا نحن هنا ولماذا علينا أن نستمر. وفي تلك اللحظة استوعب جنودي الدرس وواصلوا القتال».

ورد عليه النائب «أومير بار- ليف» وهو كولونيل متقاعد وابن قائد سابق للجيش «هذا في غاية السوء... إذا كان جنودك يفقدون الدافع بغير حاخام.. فهذا في غاية السوء».

صهيوني.. يهودي.. وأفتخر

وكما ازدادت نبرة الصهيونية الدينية في الجيش.. ازدادت في الحكومة.

فأصوات اليهود المتدينين ذهبت أساسا لحزبين: حزب (ليكود) بزعامة نتنياهو وحزب (البيت اليهودي) الذي جدد نفسه تحت زعامة شابة جديدة قبل انتخابات عام 2013. وزاد عدد مقاعد البيت اليهودي في الكنيست لأكثر من الضعف وحاز على 12 مقعدا من مقاعد البرلمان المئة والعشرين.

وفي انتخابات 2015 فقد البيت اليهودي أربعة مقاعد نالها ليكود. لكنه حقق مكاسب أكبر داخل الحكومة الائتلافية.. إذ حاز لأول مرة على حقيبة وزارة العدل المهمة ووزارتين أخريين ومقعدين في مجلس الوزراء المصغر المعني بشؤون الأمن.

تغير البيت اليهودي بشدة في عهد زعيمه نفتالي بينيت البالغ من العمر 44 عاما. ففي الماضي كان يهتم أساسا بتأمين مصالح طائفية محدودة. أما الآن فيريد صراحة تشكيل البلاد وحقق قدرا من النجاح في هذا الصدد.

يعترض الحزب على قيام دولة فلسطينية ويريد أن تضم (إسرائيل) رسميا معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة. وشدد قانونا يلزم بإخضاع أي اتفاقات محتملة للأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين للتصويت وصاغ قانونا آخر يفرض قيودًا على إطلاق سراح الفلسطينيين المدانين بقتل إسرائيليين.

ويعترض معظم الصهاينة المتدينين على تسليم أراض للفلسطينيين. وإلى جانب الدوافع الدينية هم يشاركون نتنياهو مخاوفه من أن تثير مثل هذه الخطوة خطرا أمنيًا.

ومنذ انتخابات 2015 دفع التنافس على أصوات المتدينين القوميين نتنياهو صوب اليمين متتبعا خطى بينيت عادة.

وقال بينيت لرويترز «نريد دولة أكثر ارتباطا بجذورها... أنا صهيوني.. يهودي.. وأفتخر. هذه أرضي منذ 3800 سنة».

وأضاف قائلا إن الصهيونية الدينية دخلت بعد محارق النازي «مرحلة الإنعاش» ثم بدأت تكتسب نفوذا منذ السبعينات. وقال «والآن نحن في المرحلة الثالثة التي نرى فيها الصهيونية الدينية في مواقع القيادة في كل مناحي الحياة بإسرائيل».

يتذكر يديديا ستيرن نائب رئيس معهد ديمقراطية إسرائيل، وهو نفسه من الصهاينة المتدينين، سنوات الرعب التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين عام 1995 على يد طالب حقوق صهيوني متدين. وكان رابين قد وعد باعادة أراض للفلسطينيين في إطار اتفاقات أوسلو للسلام مما أزعج كثيرا من الصهاينة المتدينين.

قال «القطاع بأكمله وصم بأنه خطر على حكم القانون وبأنه غير متعقل ومتمرد. كادت الصهيونية الدينية أن تصبح غير مشروعة... وبعد 20 عاما أصبحنا في الجهة المقابلة: حكم القانون كله في أيدي الصهيونية الدينية. هذا مدهش».

  كلمات مفتاحية

الجيش الإسرائيلي الصهاينة (إسرائيل) الاحتلال غزة فلسطين

بين ما تريده إيران وما يريده الكيان الصهيوني

العهــد الصهـيـونـي الأخـير؟

رئيس الشاباك السابق يحذر: «الصهيونية الدينية» في الطريق للسيطرة على (إسرائيل)

الصهيونية تجرم انتقاد عنصرية «إسرائيل»

تقرير: الغالبية الساحقة من المستوطنين الصهاينة يفلتون من العقاب على جرائمهم