العواقب غير المقصودة للحرب على «الدولة الإسلامية»

السبت 4 أكتوبر 2014 03:10 ص

عندما وسعت أمريكا الحرب ضد الجهاديين من «الدولة الإسلامية» إلى سوريا في 22 من سبتمبر/أيلول الماضي، بدا أن لديها استراتيجية: تعظيم الدعم السني لعزل المتطرفين وهزيمتهم بنهاية المطاف. أمريكا لن تتعاون مع نظام «بشار الأسد». بل ستقوم ببناء وتعزيز قوى المتمردين المعتدلين إلى نقطة يتمكنون عندها، بمساعدة أمريكا، أن يقضوا على كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وقوات الأسد بنهاية المطاف. انضمت خمس دول عربية سنية إلى الحملة الجوية في سوريا، وأحجم الأصدقاء الغربيون عن الذهاب. عبر الحدود في العراق، تم تعيين رئيس وزراء جديد مع وعد بالعمل الجاد لكسب السنة الساخطين.

على أي حال، ثبت أن أول أسبوعين من العمليات كانا فوضى. ورغم صد قواته ببعض المناطق، لا يزال تنظيم «الدولة الإسلامية» يحرز تقدما بمناطق أخرى. فقد زحف باتجاه بغداد، مما سبب توترا في المدينة، وهو على وشك الاستيلاء على الجيب الكردي السوري عين العرب «كوباني»على الحدود التركية. الأكثر مدعاة للقلق لدى أمريكا، لا يكاد أي شخص في سوريا يشجع عملياتها الجوية. يشكو البعض من أن أمريكا بدلا من قصف الأسد، فإنها تهاجم أعداءه. يدعي آخرون أن الغارات الأمريكية تضرب المدنيين وليس تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ ولا يزال آخرون ينشرون فكرة أن الأعمال كلها هو حرب على الإسلام. جميع المتمردين تقريبا انتقدوا أمريكا، بما في ذلك جماعات مثل حركة حزم التي تتلقى أسلحة مضادة للدبابات من أمريكا وحلفائها. وهذا يثير سؤالا مقلقا: هل سببت أمريكا رد فعل عنيف بين الشعب الذي تحتاج للفوز بدعمه؟.

أحد أسباب القلق السوري أنه بالإضافة لقصف تنظيم «الدولة الإسلامية»، استهدفت أمريكا «جبهة النصرة»، إحدى أقوى الجماعات التي تقاتل نظام الأسد. أمريكا تقول إنها قصفت فقط فصيلا، يطلق عليه اسم «مجموعة خراسان»، وتزعم أنها كانت تخطط لشن هجمات وشيكة على الغرب. تتبع «جبهة النصرة» لتنظيم القاعدة، لكن مع ذلك قُبلت من قبل جماعات أكثر اعتدالا لبراعتها في القتال. على نقيض ذلك، خاض تنظيم «الدولة الإسلامية» في البداية قتالا ضد المعارضة المسلحة والأكراد لاقتطاع الأراضي اللازمة لإقامة «الخلافة».

يكمن الخطر في أنه من باب التضامن الجهادي، فقد توحد «جبهة النصرة» الآن قواها مع تنظيم «الدولة الإسلامية» لمواجهة العدو الأمريكي المشترك. افترق الاثنان عن بعضهما في 2013. لكن منذ الغارات الجوية يقال أنهما أعلنا هدنة فيما بينهما. يحاول كل منهما حشد المقاتلين والمدنيين لصالح قضيته – وضد أمريكا وحلفائها – من خلال تصوير القصف على أنه حرب ضد الإسلام. ربما كانت قدرتهما على الوصول دوليا محدودة، لكن دعوتهما للانتقام قد تلهم آخرين. في 24 من سبتمبر/أيلول المنصرم، اختطف فصيل «جند الخلافة»، وهو فرع جهادي جزائري أعلن ولاءه لتنظيم «الدولة الإسلامية» سائحا فرنسيا يبلغ من العمر 55 عاما وقطع رأسه.

هناك عاقبة ثانية، وربما لها تأثير هدام أكبر على سوريا ككل. يلاحظ العديد من الناس أن نظام الأسد قتل بشرا أكثر كثيرا مما فعل تنظيم «الدولة الإسلامية»، ومع ذلك لم يتطرق القصف الأمريكي إلى القوات السورية. «الأسد يقتل عشرات السوريين كل يوم»، يقول أب لأربعة أطفال من محافظة حلب، سحب هاتفه الذكي لإظهار صورة متربة ودموية لطفل قتيل سحب من تحت الانقاض بعد غارة جوية للنظام السوري. «لثلاث سنوات، رفضت أمريكا دعوتنا للتسليح الفعال وإقامة منطقة حظر للطيران السوري، لكن حتى الآن لا تساعدنا مباشرة». السوريون، كما يقول، يحتاجون إلى المساعدة للقتال بأنفسهم، بدلا من الاعتماد على غارات الأجانب الجوية.

يشكو التيار العام من المعارضة المسلحة من أن أمريكا لم تنسق هجماتها معهم. لم تصب أي قنابل تنظيم «الدولة الإسلامية» شرق حلب، حيث يهدد مسلحوه بلدة «ماريا» التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، يشير «حسام مرعي»، المتحدث باسم المقاتلين المعتدلين. الخطة الأمريكية لتدريب 5 آلاف من المتمردين السوريين على الأقل، لم تبدأ بعد. حتى الآن لم يطلب من أي مجموعة ترشيح أفراد للتدريب. «عندما نسأل عن هذا، نحصل على مزيد من الوعود»، كما يقول أحد المقاتلين الذين تعاملوا مع الأمريكيين «لقد سمعت الكثير منهم من قبل».

أمريكا متهمة بمضاعفة معاناة المدنيين في سوريا. رغم قنابلها الموجهة بدقة، فإنها تواجه مزاعما بأن ضرباتها قد قتلت غير المقاتلين. واعترفت بأن قواعدها لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين في سوريا هي أقل دقة من تلك التي توجه غارات الطائرات بدون طيار بأماكن أخرى. وأفادت التقارير بأن صومعة حبوب ببلدة منبج قصفت حيث هناك مركز خدمات لوجستية لتنظيم «الدولة الإسلامية»، كما يقول مسؤولون عسكريون. قصف مصافي النفط قد يحرم الجهاديين مصدرا هاما للدخل، لكنه أدى لارتفاع أسعار الوقود في معظم سورية.

الشائعات تنتشر بأن سلاح الجو التابع للأسد قد قصف مناطق مدنية قرب أهداف عسكرية قصفتها أمريكا، مما خلق بلبلة حول من يتحمل اللائمة. على أي حال، يعتقد العديد من السوريين أن الضربات الجوية لا تضر تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل خطير، فقد نقل بالفعل رجاله ومعداته من بعض قواعده قبل أن تضرب. «إنهم مثل لدغات البعوض»، يقول سوري يعيش بمدينة أنطاكيا التركية.

لحسن الحظ، من وجهة نظر أمريكا، القليل من أهل السنة السوريين يعتبرون تنظيم «الدولة الإسلامية» حليفا مرغوبا به. والانقسام الطائفي في سوريا هو أقل عمقا منه في العراق، لذلك ينبغي أن يكون من الأسهل إقناع السنة العمل مع الطوائف الأخرى. على نقيض ذلك، في العراق هناك تدخل عسكري لمساعدة الحكومة العراقية، ووقف ذبح اليزيديين (طائفة باطنية) بواسطة تنظيم «الدولة الإسلامية»، مما يعني أن أمريكا غالبا ما ينظر إليها السنة باعتبارها القوات الجوية للشيعة والأقليات. رغم تعيين «حيدر العبادي» ليحل محل رئيس الوزراء العراقي فاقد المصداقية، «نوري المالكي»، تثبت كل يوم صعوبة انتزاع القبائل السنية والبعثيين السابقين من أحضان الجهاديين الذين يقدمون الحماية من القوة الشيعية ويتحدونها. وأظهر استطلاع للرأي العام العراقي مؤخرا هوة عميقة في التصورات بين الشيعة والسنة العراقيين: فبينما أبدى معظم الشيعة ثقة بالجيش العراقي عبر السنة عن تشككهم البالغ به.

الإمساك بالموقف المناهض للولايات المتحدة من قبل الجماعات المتمردة قد يكون القصد منه درء الاتهامات بأنها بيادق لأمريكا. في الحوارات الخاصة، يقول العديد من المعارضة المسلحة إنهم «غير سعداء» برؤية «جبهة النصرة» تقصف؛ معظم المدنيين يكرهون السمة المميزة لتطرف تنظيم «الدولة الإسلامية». لدى بعض المحللين، قد تكون هناك فوائد في فرض قطيعة بين الإسلاميين المتحمسين المتطرفين وبين المقاتلين المعتدلين لكي يقررروا أين يقفون. يمكن لأمريكا وحلفائها بعد ذلك تدريب وتسليح المقاتلين المعتدلين بخوف أقل من تعاونهم مستقبلا مع الجهاديين. بيد أن الشكاوى تحمل تحذيرا أيضا: «إن لم تستطع أمريكا إقناع غالبية السوريين أنها بجانبهم، قد يكون أكبر الفائزين تنظيم «الدولة الإسلامية» والأسد. ولم تكن تلك الخطة!».

 

المصدر | الإيكونوميست

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق الدولة الإسلامية جبهة النصرة

الضربات الأمريكية في سوريا تدفع «جبهة النصرة» للتقارب مع «الدولة الإسلامية»

الولايات المتحدة والأوربيون يحملون دول الخليج تكلفة الحرب على الإرهاب بالمنطقة

التحالف ضد «الدولة الإسلامية» تركيبة عجيبة وأسئلة مريبة؟