ذكرت صحيفة عكاظ السعودية بإيجابية تحرك دول «الناتو» باتجاه إطلاق تحالف دولي لمحاربة ««الإرهاب»» والعنف الموجود في المنطقة والزاحف إلى العالم كله لكنها طرحت تساؤلات حول هذا الملف.
وجاءت التساؤلات حول شقين أحدهما الكيفية التي ستتعامل هذه الدول أو غيرها مع النظام السوري القائم.. وتعالج حالة تردي الأوضاع هناك في ظل تراخي الإرادة الدولية في السابق, وهو تراخ أدى إلى استمرار «الأسد» في السلطة حتى اليوم رغم مقررات مؤتمري جنيف «1 و2».. ورغم مطالبات الشعب السوري للعالم بإنقاذهم من التصفيات الجسدية اليومية سواء من قبل النظام أو من قبل المنظمات «الإرهاب»ية الموجودة هناك مثل «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» وإلى جانبهم «حزب الله» اللبناني.. على حد وصف الصحيفة.
بالنسبة للتساؤل الأول فإنه بالفعل يجسد معضلة أمام هذه الدول التي سعت للقضاء على نظام «الأسد» وهي اليوم تضع يدها مع حليفته ايران للتخلص من أعداء «الأسد» وهو ما يعزز من سيطرة الأخير، بل إن الأمور تذهب أبعد من ذلك وفق التسريبات التي تشير أن التعاون الأمني مع مخابرات «الأسد» لم يتوقف بل ازداد في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بموضوع «الدولة الإسلامية»، وهذا يضع الجميع أمام مسئولياته تجاه الدماء التي أريقت في سوريا .
أما التساؤل الثاني فكان حول كيفية التعامل مع «الإرهاب» وعدم المساس بمن يقفون وراءه ويغذونه ويمدونه بالمال والسلاح سواء كانوا دولا أو أحزابا أو تنظيمات من داخل المنطقة وخارجها أطرافا مستهدفة بصورة مباشرة من قبل التحالف الدولي.
وقد استغرب التصريح السياسي إشراك بعض الجهات التي لم يذكرها في التحالف ممن تدعم حسب وجهة نظره القوى «الإرهابية» وهذا من شأنه أن يفشل خطط التحالف قبل بدايتها .
وليس معروفا إن كان المقصود بهذا التصريح دولة قطر التي تتهمها الآن تقارير أمريكية وحتى عربية بدعم جماعة «الإخوان المسلمين» ودعم قوى عسكرية في سوريا وتزويدها بالمال.
أم أن المقصود بما سبق هو النفوذ الإيراني داخل سوريا وعلاقتها بحليفها «حزب الله» الذي ينخرط حاليا في معارك مستميتة من أجل الدفاع عن النظام السوري.
ماهية التحالف وشكله ومكوناته وقيادته وأهدافه بالتأكيد هي مواضع لأسئلة غاية في الحساسية لكن المسببات لهذا الوضع بالتأكيد أيضا مهمة وهي نتاج لحالة الخواء والضعف العربي العام والتبعية المطلقة للأنظمة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلا من بعض الهوامش التي تسمح بها واشنطن.
وليس أدل على ما ذكرناه بأن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة أول أمس جاء في ظل طلب أميركي قدمه وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية «نبيل العربي» خلال اتصال هاتفي، ويتضمن الحاجة لاتخاذ دول الجامعة العربية موقفا أقوى في التحالف الذي يجري تشكيله حاليا للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، وضمن ذلك تفعيل خطة عمل لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وتجفيف منابع تمويل التنظيم.
ومن زاوية أخرى لا شك أن السعودية هي أكثر دولة عربية تقريبا مهتمة بمواجهة ما تسميه «الإرهاب» في المنطقة وحاليا هي مستعدة لوضع يدها في يد إيران من أجل القضاء على «الدولة الإسلامية» مع العلم أن السعودية تعلم أنها بهذا إنما تصافح يد «حسن نصر الله» الحليف القوي لإيران ولنظام «الأسد» الذي دفعت السعودية أموالا طائلة من أجل إنهائه والقضاء عليه، وهذا بحد ذاته يضع علامات استفهام كبيرة حول المستقبل الإقليمي.
أما خلافها الخليجي مع قطر فيبدو أنها متجهة لتأجيله أو وضع حل مؤقت له من أجل التفرغ للموضوع الأهم وهو قيادتها للتحالف العربي بدرجة أكبر من محاربتها لـ«الدولة الإسلامية».
ويتجلى السؤال الأكثر خطورة في طبيعة مستقبل التحالف والأدوار المطلوبة منه وهل هو في المحصلة تحالف مؤقت للقضاء على «الدولة الإسلامية» أم أن جزء كبير من هذا التحالف سيبقى ضمن الأدوات المفترضة للإدارة الأمريكية في المنطقة تسلطه على من تشاء، وهل هي تطبيق لسياسة النأي بالنفس التي يتبعها «أوباما» من ناحية عسكرية بعد الانسحاب من العراق والقتال بغير جنوده في منطقتنا العربية من خلال تجميع أكبر قدر من الدول في المواجهة .
ماذا ستستفيد الدول المتخفزة للقتال ضد «الدولة الإسلامية»؟ ربما تتخلص من أزمات تعيشها سياساتها الداخلية والخارجية لكن هل تعلم هذه الدول طبيعة المآلات، هل ستحقق الاستقرار المنشود أم أن حالا أسوأ من «الدولة الإسلامية» ستعيشه المنطقة.
لا يفوتنا هنا أن نذكر أن الدول المختلفة حول الانقلاب في مصر وفي مواقفها تجاه جماعة «الإخوان المسلمين» ستنضوي تحت إطار مواجهة «الدولة الإسلامية», ومع افتراض القضاء على «خلافة» «الدولة الإسلامية» وهو ليس موضوعا سهلا فنجد السعودية ومصر والإمارات والكويت وتركيا وقطر و«إسرائيل» وإيران وهي تركيبة عجيبة وفريدة من نوعها لم توجد من قبل وهو ما يؤشر على تغيرات غير طبيعية في المنطقة، إذ أن هذه التركيبة بالأساس غير طبيعية.