«القدس العربي»: استحقاقات كبيرة في السعودية

الأربعاء 11 مايو 2016 08:05 ص

بعد هبوط أسعار النفط إلى ذروتها الدنيا في كانون الثاني/يناير 2016 تحدث خالد الفالح، الذي كان يومها وزيراً للصحة السعودية، في ملتقى دافوس الاقتصادي الدولي الشهير، إلى مجموعة من صانعي السياسة ومدراء المصارف والشركات قائلاً إن بلده، وهي أكبر دولة مصدّرة للنفط، يمكن أن تستفيد من هبوط سعر برميل النفط إلى أقل من 30 دولاراً، وكانت وجهة نظره أن هذا الحدث يمكن أن يسرّع عمليات الإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد وأن يدفع السعودية لتشكيل حكومة أصغر وأكثر فاعلية تقوم بتسريع إمكانيات العمل للقطاع الخاص.

يعكس تعيين الفالح، في السياق الآنف، انسجاماً واضحاً لآرائه مع «رؤية المملكة» التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي، فعلى عكس وزير النفط المقال، علي النعيمي، الذي كان لمدة 21 عاماً قضاها وزيراً، يعمل على سياسة مبدئية لإبقاء أسعار النفط مرتفعة، فإن الوزير الجديد قريب، كما هو واضح، من رؤية ولي ولي العهد السعوديّ، التي أعلنها في لقاء تلفزيوني في 25 نيسان/ابريل الماضي، والتي تعتبر أيضاً هبوط هذه الأسعار فرصة لتسريع عمليات الإصلاح.

يظهر قرار الهيكلة الجديدة للحكومة السعودية، ميلاً، على مستوى الحوكمة، للمركزة والتقنين، تتخذ فيه مسائل الطاقة مكاناً استراتيجياً، ومن ذلك إنشاء وزارة المياه والكهرباء بدلاً من وزارة البيئة والزراعة والمياه، وتوسيع إطار وزارة النفط لتصبح وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وكلا الوزارتين تمثلان اتجاها جديدا لفهم العالم يكون النفط فيه جزءاً من موارد الطاقة التي تشمل كل أشكالها من النفط وبدائله الممكنة، كالرياح والأمواج والكهرباء وغيرها، وهو ما يموضع النفط والمياه والكهرباء في إطار خطّة لا تجعل البلاد رهينة للنفط بل تجعل من مصادر الطاقة كلها عتلة دافعة لقطاعات الحياة الاقتصادية السعودية.

غير أنه في كل استراتيجية اقتصادية كبرى، كالتي بدأت المملكة في الانخراط فيها، هناك ثمن سياسيّ متوقّع، وخصوصاً في بلاد توصف بالمحافظة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وتواجه تحدّيات كبيرة تتمثّل في تنامي القوّة الإقليمية الإيرانية وتأثيراتها من خلال الحرب المشتعلة في خاصرتها اليمنية، وفي العراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى الضغط الداخلي المتمثّل في أشكال السلفيّة الجهادية المسلحة التي تقوم، من حين لآخر، باستهداف مساجد الشيعة أو رموز السلطة الأمنية ومقراتها.

الإصلاحات الجديدة تجمع قوّة ماليّة هائلة في يد وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، وهذا سينعكس سياسياً بجعله في مركز القرار الماليّ (والسياسيّ بالضرورة) مما قد يتواجه مع ما قرّت عليه الأعراف المؤسسية التي جرت عليها الأمور في المملكة منذ عقود طويلة، حيث كانت المؤسسة الملكية تنتقل بين أبناء الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، وليس منهم إلى أبنائهم.

الرهان الكبير الموضوع في يد محمد بن سلمان إذن هو على قدرة الإصلاحات على إنجاز وعودها للسعوديين، فالاقتصاد هو الفاعل الأكبر في حياة الشعوب، وتحمل الوعود بتحرير القطاع الخاصّ، في طيّاتها أيضاً، وعوداً غير مباشرة، بتمكين الشعب السعودي (وطبقاته الوسطى خصوصا) من إضافة مساهمته الكبرى على الاستراتيجية الجديدة، فالنقلات الكبرى في تاريخ الشعوب لا تتمّ بالقرارات وحدها.

تعكس القرارات، عمليا، إرادة حكام السعودية في الاستعداد للعقود المقبلة، وهي تمثّل استجابة لتطلبات الاقتصاد السعودي، لكنّها تعكس أيضاً رغبة السعوديين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية لتتناسب مع تطوّرات العصر، والتقاء الإرادة بهذه الرغبة يمكن أن يؤمن الغطاء الاجتماعي الكبير الذي سيقود هذا التحوّل الهائل في المملكة، والذي سينعكس، بالضرورة، تحديثات سياسية طال انتظارها.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السعودية انخفاض أسعار النفط الطبقة الوسطى خالد الفالح محمد بن سلمان إصلاح الاقتصاد السعودي القطاع الخاص رؤية 2030

«خادم الحرمين»: هيكلة الوزارات تنسجم مع «رؤية 2030» وتطلعات المرحلة

البنك الدولي: «رؤية السعودية 2030» تفتح فرصا اقتصادية متنوعة بعيدا عن النفط

إعادة النظر في العقد الاجتماعي.. السعودية تواجه مستقبلها في رؤية 2030

«الخليج الجديد» ينشر نص «رؤية السعودية 2030»