يمكن أن يساعد انخفاض أسعار النفط وقدوم جيل جديد من القيادة على الدفع باتجاه الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة في عصر ما بعد النفط، والعقد الاجتماعي الجديد الذي يمكن أن يتبع ذلك.
إن الرؤية السعودية الجديدة لعام 2030، والتي أطلقها «محمد بن سلمان» نجل الملك وزير الدفاع هذا الأسبوع، هي إعادة تعبئة طموحة لسياسات التنويع التي شهدت نموا في جميع دول الخليج منذ عدة سنوات. ورغم أن معظم السياسات ليست جذرية أو جديدة، ولكنها تدل على تحرك على المدى الطويل من أجل الإصلاح الاقتصادي الذي اكتسب طابعا ملحا جديدا بسبب انخفاض أسعار النفط وقيادة الجيل الجديد.
ترتكز الخطة على عدة عناصر، تشمل الخصخصة من خلال طرح عام أولي محلي لما يصل إلى 5% من شركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الحكومية. حيث سيتم نقل الأسهم المتبقية في شركة أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة في البلاد، وتأسيس صندوق سيادي سعودي كبير لأول مرة. وبينما كانت الكويت هي رائدة صناديق الثروة السيادية في الخليج منذ الخمسينيات، فإن الحكومة السعودية فقد عملت تقليديا على وضع معظم مدخراتها في خزانة المصرف المركزي في الولايات المتحدة ضمن سياسة تجنب المخاطر التي حققت معدلات ضئيلة من العائد في السنوات القليلة الماضية. وكان لا بد أن تتبع دول خليجية أخرى هذا الاتجاه في نهاية المطاف.
يوجد خطوة دراماتيكية أخرى وهي اقتراح أن يستطيع المغتربون العرب الحصول على البطاقة الخضراء، وإنهاء نظام الكفالة الحالي الذي سهل انتهاكات حقوق الإنسان. وبالفعل فقد أنهت البحرين من الناحية الفنية نظام الكفالة، ولكن التخلص من الممارسات التعسفية بحق العمال هو عملية أطول بكثير.
ومع ذلك، سوف يكون القرار موضع ترحيب في جميع أنحاء العالم العربي، وسوف يكون إيجابيا كذلك للقوة الناعمة السعودية في المنطقة، فضلا عن إضفائه المرونة في سوق العمل المحلي.
وبالمثل فإن ما يلفت النظر أيضا هو الطموح في زيادة أعداد السياح بمقدار خمسة أضعاف، وصولا إلى 30 مليون زائر سنويا بحلول عام 2030 من خلال الاعتماد على استراتيجية وضعت بالفعل لتشجيع الحجاج على السفر على نطاق واسع.
تشكل هذه الإجراءات كلها جزءا من خطة أكبر من ذلك بكثير لزيادة دور القطاع الخاص، بما في ذلك العمل من خلال خصخصة الأصول والخدمات الحكومية، وجذب المزيد من المواهب والزوار والاستثمارات مثل ما تفعله دولة الإمارات وغيرها.
وبالنسبة لرؤية 2030، فإن الاسم نفسه يعد مألوفا أيضا. حيث نشرت البحرين رؤيتها الخاصة لعام 2030 في عام 2008، وأصدرت أبوظبي رؤيتها في عام 2009. كلا الرؤيتين تم وضعهما من قبل أولياء العهد الذين يريدون ربط أنفسهم بقيادة التحول الاقتصادي.
وتكمن أهمية الأمر أيضا في حقيقة أنه، ولأول مرة في المملكة العربية السعودية، يتم تبنى التغيير من قبل الزعماء في العائلة المالكة سواء من الكبار أو صغار السن، الذين ينتمون إلى الجيل الذي سيواجه عصر ما بعد النفط. وعادة كان يتم تبني هذه السياسات من قبل كبار التكنوقراط، مثل رؤساء الهيئة العامة للاستثمار أو وزراء المالية أو الاقتصاد أو الصناعة، وكانت طموحات تنويع الاقتصاد وتطوير القطاع الخاص دائما ما تتعطل قبل دخول حيز التنفيذ.
هناك أربعة أسباب لذلك. أولا، أن هذه المبادرات لم تكن تتم عبر الحكومة. ثانيا، أن الحكومة لم تكن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الخاصة للنخبة التجارية التقليدية والأعمال التجارية للعائلة المالكة التي تعتمد على الحفاظ على نموذج الأعمال التجارية المبني على الطاقة الرخيصة والعمالة الرخيصة ورعاية الحكومة.
ثالثا، وجود جمهور أوسع يتوقع المزايا التي تقدمها الدولة مثل الإعانات، ووظائف القطاع العام والخدمات التي ينظر إليها على أنها حصته المشروعة في الثروة الوطنية، وكثيرا ما توصف بأنها جزء من «الصفقة الريعية»، أو العقد الاجتماعي، رابعا، مكنت أسعار النفط المرتفعة في السنوات الأخيرة القيادة من تأجيل أو تخفيف بعض الإصلاحات المخطط لها، مع زيادة الإنفاق العام في كل عام، وخصوصا المدفوعات الضخمة لاسيما في وقت الربيع العربي ووصولا إلى تولي الملك «سلمان».
ويبدو أن «محمد بن سلمان» يجلب روحا جديدة لهذه الجهود لأنه يحظى بدعم من والده، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط مما يجعل قضية الإصلاح أكثر إلحاحا.
ربما لا يشجع الاضطراب في الجوار العربي أيضا حركات المعارضة بسبب الحالات غير المشجعة للاضطرابات في الجوار، كما أن تعزيز جاذبية النظام السياسي الحالي يمكن أن يعمل على الحد من المخاطر التي تسببها المظالم الاقتصادية التي يمكن أن تترجم إلى حركة سعودية معارضة.
ولكن التغيرات التي طرأت على العلاقات الاقتصادية بين المواطن والدولة ستغير حتما في العلاقات السياسية أيضا، خاصة مع تزايد فئة الشباب التي حازت تعليما جيدا واتصالات على الصعيد العالمي، مع التوقعات الاقتصادية التي تتجاوز عادة فرص العمل المتاحة. ولذا فإن طبيعة العقد الاجتماعي في الخليج سوف تتعرض لضغوط كبيرة وسوف تحتاج إلى تغييرات في المدى المنظور.