هل تتمكن السعودية من إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟

الجمعة 10 يونيو 2016 04:06 ص

قام الكاتب الأردني «عبدالرحمن منيف»، في رائعته مدن الملح التي برزت في العام 1984، بوصف منطقة الخليج قبل أن يضربها «إدمان النفط»، بأنها كانت تعيش أيام المجد والاستقلال الذي انتهى عندما قام الغرب بالدفع في اتجاه الاعتماد على «الذهب الأسود».

لقد تذكرت الرغبة الحالمة لـ«منيف» في هذه الأيام، حين علمت بموافقة الحكومة السعودية على خطتها المعروفة بـ«رؤية 2030» قبل عدة أيام، وربما فعل الملك «سلمان» أيضاً.

تستند اليوم ميزانية المملكة في 90% منها بشكل كامل على عائدات النفط. ويهدف الملك «سلمان» إلى تقليل هذا الاعتماد جزئياً بتنويع مصادر الدخل. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ المحرك الحقيقي لخطة «رؤية 2030»، وهو ابن الملك، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» البالغ من العمر 30 عاماً، الذي يرى نفسه خليفة أبيه، يخطط لتحويل الدولة المحافظة جذرياً إلى قوة عظمى في المنطقة إن لم يكن في العالم كله.

على الرغم من ذلك، فإنّ «روية 2030» ليست فقط مبادرة شخصية تخص الأمير، ولكنّها رد فعل ضروري على التحديات التي تواجه المملكة.

تحاول السعودية اجتياز الآثار العنيفة للربيع العربي. وتعدّ إيران هي الشاغل الرئيسي للسعودية، وهي بالفعل تنافس الرياض على زعامة المنطقة، وبشكل أساسي عن طريق حرب بالوكالة. فالسعوديون قلقون في سوريا من إخفاقات المعارضة وتشبث «الأسد» بالسلطة. وعلى الرغم من النجاحات التكتيكية للسعودية في قيادة التهدئة باليمن، إلا أنها لا تستطيع السيطرة على الشمال الذي يسيطر عليه الشيعة المدعومون من إيران، أو الجنوب الذي يسيطر عليه الإسلاميون المتشددون.

ويلوح في الأفق ثمة توتر قادم مع الولايات المتحدة، الحليف التقليدي للرياض، بالرغم من إصرار واشنطن على خلاف ذلك. ويعتبر السعوديون كلاً من الصفقة النووية الإيرانية ورفض الولايات المتحدة لزيادة مشاركتها في سوريا خيانة. والأهم من كل شيء، أنّ تجارة النفط التي ظلت لعقود هي الداعم الرئيسي للعلاقات بين البلدين، تواجه تغيراً جذرياً في ضوء رغبة واشنطن في إحداث ثورة في الاعتماد على النفط الصخري. وفي الواقع، ترى الرياض واشنطن، على نحو متزايد، كمنافس أكثر منها شريك.

السعوديون قلقون أيضاً بشأن تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي استهدف بالفعل العائلة الملكية ودعا أنصاره إلى تحرير المدن المقدسة مكة والمدينة. ولقد نجح التنظيم بالفعل في تجنيد أنصار سعوديين توعدوا بمهاجمة أماكن مقدسة وأعلنوا استهداف رجال دين سعوديين بشكل خاص. وفي تقرير أصدرته مؤشرات ويكيستارت مؤخراً (وهي شبكة تعتمد على التعهيد الجماعي وتقدم الخدمات الاستشارية الجيوسياسية)، قالت إنّ مثل تلك الأعمال الإرهابية (حتى لو لم تحقق أهدافها) فإنها تحمل إمكانية تقويض صورة النظام.

وتواجه السعودية مشاكل داخلية كذلك، فالبطالة المتزايدة، وخصوصاً بين جيل الألفية الجديدة المحبط والشاعر بالغربة، أصبحت مشكلة حقيقية. ولا تزال أزمة الحصول على السكن مستمرة بالرغم من المحاولات (غير المجدية) من الحكومة لإيجاد حل. ولقد تآكلت احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي بفعل الأسعار المنخفضة للنفط، ما يحد من قدرتها على الحفاظ على الدعم السخي المقدم للشعب، مما يزيد بالتالي من السخط العام.

وقبل كل شيء تقف قضية النجاح في المقدمة. حيث يعدّ «محمد بن سلمان» هو المرشح الأكثر بروزاً، في الوقت الذي يعارض العديد صعوده، والذي ربما يتسبب في انطلاق «صراع العروش» السعودي بعد وفاة الملك الحالي. ويتفهم الأمير أن السياسة الاعتيادية للعزلة والاعتماد المطلق على عائدات النفط قد عفا عليها الزمن. علاوة على ذلك، تتزايد مشاركة السعودية في المنطقة لتمثل بشكل غير رسمي حائط صد ضد إيران مع مصر والأردن والإمارات و(إسرائيل) كشريك صامت. وهناك بلا شك عدم توافق في بعض مواقف هذه الجبهة: على سبيل المثال، فإن السعوديين يرفضون التعنت ضد الإخوان المسلمين من قبل مصر والإمارات. لكن بشكل عام، فهناك توافق في وجهات النظر بين هذه الأطراف، وحتى لو لم تعد قضية فلسطين عقبة في طريق التعاون مع (إسرائيل) إلا أن العلاقات مع (إسرائيل) لا تزال حتى الآن تدار بشكل خفي.

وتضع «رؤية 2030» تصوراً حول تحول السعودية لتتصدر ريادة القوة العالمية في الدفاع وصناعات التكنولوجيا المتقدمة. ومن خلال طرح فكرة عمل تصاريح «الجرين كارد» السعودي للمهاجرين العرب، فإنّ الرياض تطمح لتصبح بمثابة «الحلم الأمريكي» للوطن العربي. وربما لا تكون مبالغة أن نتخيل مستقبل تتحول فيه العقول المسلمة والعربية للسعودية لتصبح في طليعة الابتكار العالمي.

ويأمل الأمير ، داخلياً، في حشد التأييد بين الشباب السعوديين. وتؤكد الخطة الدور الهام للمرأة في النمو الإقتصادي وخصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة، وهي الخطوة التي يأمل بها لمكافحة الفساد واسع النطاق.

ويمكن لهذه الخطة في حالة نجاح تنفيذها أن تحول السعودية إلى قوة اقتصادية هائلة، فالرياض تمتلك بالفعل احتياطيات هائلة من النقد، وتلعب بالفعل دوراً أساسياً في الإقتصاد العالمي. وإذا مر توريث الخلافة بسلاسة وحاربت المملكة محاولات تقويض استقرارها، فربما نراها قريبا أيضا تلعب دوراً جديداً كبديل معتدل للإسلام المتشدد. وتتوقع ويكيسترات العديد من السيناريوهات الإيجابية لما بعد صراع سوريا تلعب فيها السعودية دورا في زعامة المنطقة. فعلى سبيل المثال، ربما تتجه للتدخل العسكري نيابة عن المعتدلين. وربما تصبح أيضاً مورد أسلحة للمنطقة أو للعالم، أو تصبح بدلاً من ذلك مورد أسلحة يركز تحديداً على الدفاع وتكنولوجيا الأمن. وربما تتمكن المملكة، من خلال مبادراتها الاستثمارية، من استخدام قدراتها المالية والاقتصادية كقوة ناعمة فيما يتعلق بالمنطقة.

ومن ثمّ فإنه من المهم للغرب تزويد المملكة بالدعم السياسي الذي تحتاجه، كما يجب أن يهتم الغرب أيضا بتنفيذ «رؤية 2030»، التي وصفها الصندوق الدولي بالمشجعة، على أكمل وجه.

المصدر | هافينغتون بوست

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان الشرق الأوسط رؤية 2030

«رؤية 2030» السعودية بين نظرتين

«الغارديان» تتوقع أن تصعد «رؤية 2030» بالأمير «محمد بن سلمان» لولاية العهد

«رؤية 2030» السعودية: تغييرات اقتصادية مهّدت لها تحولات سياسية

«الجبير» عن «رؤية 2030»: المملكة لن تلتفت لأي انتقادات حول شؤونها الداخلية

6 برامج لوزارة الإسكان السعودية لتحقيق أهداف رؤية 2030

إعادة النظر في العقد الاجتماعي.. السعودية تواجه مستقبلها في رؤية 2030

محللان أمريكيان: السعودية أكثر حزما في مواجهة سياسة إيران التخريبية

مسؤول سابق في «سي آي إيه»: سوريا وليبيا ستختفيان واليمن قد يفقد جنوبه بحماية السعودية