كيف تبدو ملامح خطة الإصلاح الاقتصادي في السعودية؟

الخميس 24 مارس 2016 02:03 ص

بداية من انهيار أسعار النفط إلى حالة عدم الاستقرار التي تنتشر في المنطقة، إلى الانتقادات التي تتعرض لها من قبل الحلفاء القدامى لها خاصة في الولايات المتحدة، تواجه المملكة العربية السعودية تجربتها الأصعب منذ عقود. لكن المملكة لديها وسائل للتغلب على هذه الصعوبات، كما أن لديها أيضا الرغبة في اغتنام هذه الفرصة من أجل إدخال إصلاحات جوهرية.

حوالي 90% من ميزانية الحكومة السعودية تعتمد على النفط الذي انهارت أسعاره بنسبة 60% منذ منتصف عام 2014، والذي ألقى بظلال لا يمكن الاستهانة بها على اقتصاد المملكة، المصدر الأكبر للنفط في العالم. للعام الثاني على التوالي، سجلت المملكة العربية السعودية عجزا في الموازنة يقدر بـ100 مليار دولار في عام 2015 بما يمثل 21% من الناتج المحلي الإجمالي. مما اضطرها إلى اللجوء إلى سوق السندات والسحب من احتياطيات العملة الأجنبية التي انخفضت من 732 مليار دولار إلى 644 مليار دولار بين عامي 2014 و2015. الصين، الشريك التجاري الرئيسي للمملكة العربية السعودية (تشكل الصين 15% من السوق السعودي) تشهد أيضا ركودا اقتصاديا ما يمثل عقبة أخرى أمام الانتعاش الاقتصادي في المملكة. وقد أدى ذلك إلى إيقاف العديد من المشاريع كما ألقى بظلاله على الأعمال التجارية في جميع أنحاء البلاد.

وبالإضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية، هناك عدم الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الصراع في اليمن واستمرار التهديد الذي تشكله «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا وعودة المنافسة الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى الواجهة. هذه الأزمات تشكل أيضا عبئا اقتصاديا على المملكة، حيث يبقى الدفاع والأمن على رأس أولويات الميزانية الوطنية، ويستهلك أكثر من 60 مليار دولار (حوالي ثلث الموازنة الوطنية).

وفي مواجهة الانكماش الاقتصادي وعدم الاستقرار في المنطقة، فإن المملكة تقف الآن عند مفترق طرق. علاوة على ذلك، يبدو أن العديد من المراقبين يواصلون التشكيك في قدرة البلاد على الإصلاح ومواكبة وتيرة التغيير. بعض المحللين يذهبون إلى أبعاد من ذلك بتوقع نهاية حكم بيت آل سعود. ولكن على الرغم من التحديات غير المسبوقة التي تواجه المملكة العربية السعودية، فإن هذه التحليلات تبالغ في تقدير الخطر وتتجاهل نقاط القوة التي تتمتع بها المملكة وحجم مرونتها.

أولا، تجدر الإشارة إلى أن الانخفاض في أسعار النفط كان نتيجة خيار سياسي مدروس من قبل السلطات السعودية التي وافقت على الحفاظ على إمدادات عالية، جنبا إلى جنب مع أوبك، من أجل تحطيم صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة والحفاظ على حصتها في السوق. وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي تواجهها، فإن الرياض تبدو عازمة على المضي قدما في سياستها وتقديم التضحيات اللازمة. وحتى بافتراض أن تقنيات التكسير الجديدة المستخدمة في أمريكا أصبحت أكثر قوة وأقل تكلفة، فإن هذه الاستراتيجية لا يزال من شأنها أن تؤدي إلى نتائج: إنتاج الولايات المتحدة قد انخفض بالفعل من 9.6 إلى 9.2 مليون برميل يوميا مما أثار سلسلة من ردود الفعل من الإفلاس وتسريح العمال في جميع أنحاء الصناعة. ومن المتوقع أن تنتعش أسعار النفط بحلول عام 2018 نتيجة لتجميد الاستثمار.

وفي الوقت نفسه، تتمتع الحكومة السعودية بفسحة مالية كبيرة، وذلك بفضل موارد كبيرة في مؤسسة النقد العربي السعودي، والبنك المركزي، وصناديق الثروة السيادية، والتي توفر غطاء جيدا للسعودية للاقتراض إذا لزم الأمر. وقد أثبتت مؤسسة النقد العربي السعودي استعدادها لتسييل بعض الأصول غير الاستراتيجية أو غير المربحة التي تحملها لتلبية احتياجات السيولة في المملكة. وقد تم تسييل 100 مليار دولار من هذه الأصول بالفعل.

المراهنة على التقشف وإصلاح دولة الرفاه

وعلاوة على ذلك، فإن الملك «سلمان» يريد الاستفادة من الوضع من أجل تفكيك دولة الرفاه الحالية والتي أصبحت مكلفة بعد أن تم تمويلها على مدار سنوات باستخدام عائدات النفط. يجبر الوضع الاقتصادي الحالي المملكة على خفض الإنفاق العام مما سيؤدي إلى انسحاب الدولة وتحسين العائد على الاستثمارات العامة. وتتوقع الرياض أن سياسة التقشف سيتم قبولها بشكل أفضل من قبل الرأي العام في السياق الحالي. لذلك، فقد تم الإعلان عن برنامج تقشف غير مسبوق نهاية عام 2015 تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.

من أجل تخفيض إنفاقها، فإن الحكومة عازمة على إجراء تخفيضات جذرية في دعم المنتجات البترولية تصل إلى 80%، كما تتجه لفرض تخفيضات مماثلة على استهلاك المياه والكهرباء. وهدفها المعلن في هذا الصدد هو توفير ما يقرب من 50 مليار دولار سنويا. تدرس المملكة أيضا البدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة وذلك بالتنسيق مع غيرها من دول الخليج لإنتاج إيرادات إضافية.

الشفافية والخصخصة

تدابير التقشف التي تهدف إلى تقنين الاستهلاك وضبط الإنفاق الحكومي سوف تعمل بشكل أفضل من خلال تحسين هياكل الرقابة على المالية العامة. أعلنت الحكومة عن إنشاء وكالة إدارة مشروعات وطنية من أجل تعزيز فاعلية السياسات العامة. وقد أدخلت أيضا لائحة جديدة تتطلب موافقة الديوان الملكي على أي من العقود العامة التي تتجاوز قيمتها 25 مليون يورو كخطوة لزيادة الرقابة الإنفاق المسرف ومكافحة الفساد هي أمور لا تزال تمثل تحديات كبيرة في المملكة العربية السعودية. ويتم تشجيع الشركات على زيادة الشفافية حول الاكتتابات العامة من أجل تحسين بيئة سوق الأسهم التي تعد واحدة من الأكثر نفوذا في منطقة الخليج.

نقطة تحول محتملة أخرى هي الخصخصة: بعد الإعلان عن خصخصة المطارات وبعض الشركات الكبرى التي تمتلكها الدولة مثل شركة الاتصالات السعودية (STC)، فإن شركات المحمول والإنترنت الكبرى أو شركة المياه الوطنية يمكن أن تكون تالية في هذا الصدد. إذا كان إعلان نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» إمكانية طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام، والتي تقدر قيمتها بنحو 3 تريلليونات دولار، قد تمت قراءته في بعض الأوساط على أنه محاولة من المملكة لزيادة قوتها المالية، فإنه ينبغي أيضا أن يفسر على أنه تحول ليبرالي جديد في السلطة.

تعمل الحكومة أيضا على توظيف مواردها بشكل أفضل. بعد إنشاء شركة سابك، عملاق الكيماويات والصناعات التحويلية، فإن الحكومة الآن مهتمة باستثمار الموارد المعدنية غير المستغلة في شبه الجزيرة العربية. احتياطيات البلاد الكبيرة من المعادن الثمينة (الفوسفات والبوكسيت والذهب) يمكن أن تكون محفزات قوية للنمو. وعلاوة على ذلك فإن الرياض تحاول الانتقال لتصبح دولة رائدة عالميا في مجال الطاقة المتجددة. بحلول عام 2040، سيتم استثمار 110 مليارات دولار في مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية للحد من استهلاك النفط المحلي، الذي يصنف واحدا من أعلى معدلات الاستهلاك في العالم.

وأخيرا، فإن السلطات تسعى إلى تحسين جاذبية المنطقة كوجهة استثمارية. تعترف الرياض أنه لتحقيق النجاح في هذا التحول، فإن هناك حاجة لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية أيضا. للقيام بذلك، فإنها سوف تقوم بتبسيط الحواجز أمام الدخول. يشمل ذلك تبسيط إجراءات منح التأشيرات، إنهاء الحاجة إلى وجود رعاة إلزاميين لدخول السوق وإعلان حقوق الملكية الكاملة في بعض القطاعات للمقاولين غير السعوديين. في غضون 5 سنوات تعتزم البلاد أيضا مضاعفة عدد السياح وخاصة السياح الدينيين (من 18 مليون زائر إلى ما بين 35 إلى 45 مليون زائر).

الرغبة في التحديث

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن مسار البلاد نحو التحديث والانتعاش الاقتصادي لا يزال محفوفا بالمخاطر وغير مضمون على الإطلاق. بالإضافة إلى التهديدات الخارجية من قبل كل من تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران فإن هناك تحديات داخلية على رأسها المحافظة المتأصلة داخل المجتمع وصعوبة تحقيق توافق في الآراء داخل العائلة المالكة، والخوف من الاضطرابات الاجتماعية، وهي عوامل يمكن لبعضها أو لجميعها أن تبطئ من وتيرة التقدم نحو الإصلاح. تطورات غير المتوقعة أو مزيد من الاضطراب الاقتصادي هي عوامل قد تعرقل خطط الإصلاح السعودية.

وإدراكا لهذه المخاطر، فإن ناب ولي العهد «محمد بن سلمان»، الذي يدير الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد، قد أحاط نفسه بمجموعة من التكنوقراط من ذوي الخبرة لإصلاح الاقتصاد. المبادرات التي تم الإعلان عنها في الأشهر الستة الماضية من المرجح أن تمهد الطريق لتحديث النظام السعودي.

مع تراجع دولة الرفاه ومن أجل تلبية التوقعات العالية لشعب يتمتع بمتوسط سني ضمن الأصغر في العالم (58% من السكان في السعودية تقل أعمارهم عن 25 عاما مع معدل بطالة يبلغ 30%) فإن المملكة العربية السعودية ترغب في دفع القطاع الخاص ليصبح لاعبا أساسيا في مستقبل البلاد. ويبدو أن البلاد بالفعل تتجه إلى إجراء إصلاحات هائلة لذلك نعتقد أن العالم لا ينبغي عليه أن يتخلى عن المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن.

  كلمات مفتاحية

السعودية الاقتصاد السعودي البطالة انخفاض أسعار النفط دعم الطاقة التقشف أرامكو حرب اليمن

أسعار النفط .. كيف استخدمت السعودية سلاحها الأثير ضد نفسها؟

3 أسباب تفسر حرص السعودية على إبقاء أسعار النفط منخفضة

لماذا تبدو السعودية مجبرة على مواصلة ضخ النفط رغم انخفاض الأسعار؟

«ناشيونال إنترست»: لماذا قد تتعطل عملية خصخصة «أرامكو» السعودية؟

«بن سلمان»: ندرس طرح أسهم «أرامكو» للتداول .. ونعتزم خصخصة التعليم والصحة

السعودية: خصخصة المطارات والمستشفيات والتعليم قريبا

«الجارديان»: وثائق مسربة تظهر توجه الحكومة السعودية نحو تطبيق خطة تقشفية

رويترز: حلم إصلاح الاقتصاد السعودي يتبلور في ظل خطة التحول الوطني

«نيوزويك»: لماذا يصعب على السعودية التعافي من إدمانها على النفط؟

إعادة النظر في العقد الاجتماعي.. السعودية تواجه مستقبلها في رؤية 2030

«جيروزاليم بوست»: تغييرات جديدة.. ماذا يحدث بالضبط في السعودية؟