«بروكنغز»: رؤية «ماكينزي» ومعوقات التحول الاقتصادي في السعودية

الخميس 12 مايو 2016 07:05 ص

استيقظ السعوديون في عطلة نهاية الأسبوع على إجراء تعديل وزاري لا يحدث إلا مرة كل عقد. تم استبدال وزير النفط الثمانيني «علي النعيمي»، الذي كان مسؤولا عن سياسة الطاقة في المملكة منذ عام 1995، ليحل محله «خالد الفالح» على رأس وزارة تم إنشاؤها حديثا للطاقة والصناعة والموارد الطبيعية. وقد تمت تسمية «ماجد القصيبي» على رأس وزارة التجارة والاستثمار التي تم إنشاؤها حديثا. وأخيرا فقد تولى «أحمد الخليفي» المسؤولية عن البنك المركزي في المملكة العربية السعودية (مؤسسة النقد العربي السعودي). قد يكون ذلك بمثابة مفاجأة لكثير من السعوديين، ولكن هذا التعديل وكذا كل خطة التحول الاقتصادي الجديد في المملكة تكتسب زخمها من تقرير صادر عن شركة الاستشارات الإدارية العالمية ماكينزي، بتكليف من المملكة.

رجل ذو خطة

تكافح المملكة العربية السعودية من أجل التعامل مع الآثار الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. بعد سنوات من تسجيل فوائض مالية كبيرة، شهدت الحكومة عجزا في موازنتها يصل إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. انخفاض أسعار النفط، الذي يأتي مقترنا مع تزايد وتيرة التوترات الإقليمية في كل من اليمن وسوريا ولبنان والمنافسة مع إيران، هي عوامل وضعت المالية السعودية تحت ضغط كبير. منذ بدأت أسعار النفط في الهبوط، فإن نائب ولي العهد الطموح الأمير «محمد بن سلمان» قد شرع في إعداد مبادرة إصلاح طموحة تسعى في تنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط.

ويطلق على هذه المبادرة اسم «رؤية المملكة لعام 2030» ويقول الأمير إن الخطة الاقتصادية الجديدة تتضمن زيادة دور القطاع الخاص من 40% إلى 60% وتقليل معدل البطالة من 11% إلى 7.6% وتنمية الإيرادات غير النفطية بشكل مضاعف. ومن المنتظر أن يتم تمويل هذا التحول جزئيا من خلال الخصخصة الجزئية لعملاق النفط في المملكة، أرامكو.

وتحدد وثيقة رؤية 2030 عددا من الإصلاحات الهامة التي تسعى إلى تغيير ليس فقط الاقتصاد السعودي، ولكنها تمتد إلى تغيير كامل بنية العلاقات بين الدولة والمجتمع على نطاق أوسع، بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ تأسيس المملكة العربية السعودية. وهي رؤية من المرجح أن الأمير قد استوحاها من خلال تقرير بتكليف من الحكومة السعودية صدر عن شركة ماكينزي في ديسمبر/كانون الأول عام 2015 تحت عنوان «التحول الاقتصادي في المملكة العربية السعودية بعيدا عن النفط». ويضم كل من الرؤية والتقرير وصفات سياسية متماثلة لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد الحصري على النفط.

تسلط أوجه التشابه تلك مزيدا من الضوء على تأثير الاستشارات على صنع السياسات في المملكة. في الواقع، فقد ذكرت وكالة أنباء «بلومبيرغ» أن مكاتب الاستشارات قد جنت عمولات أكثر من المملكة العربية السعودية بمعدل 12% هذا العام. وهو أسرع معدل نمو بين الأسواق الاستشارية حول العالم. وفي مقابلة واسعة النطاق مع مجلة «إيكونوميست» في يناير/كانون الثاني أكد الأمير محمد نفسه أن «ماكينزي تشارك معنا في العديد من الدراسات». ووفقا لـ«صحيفة فاينانشيال تايمز» فإن بعض رجال الأعمال في المملكة يطلقون ساخرين على وزارة التخطيط في البلاد اسم «وزارة ماكينزي».

ويضم تقرير ماكينزي العديد من الرسوم التوضيحية اللامعة والمصطلحات الرنانة مثل (التحول - الكفاءة - التآزر) التي من شأنها أن تجعل قراءها يشعرون بالفخر. الأمر ليس جديدا على الإطلاق أن تقوم الشركات الاستشارية بتقديم الاستشارات للحكومات في المنطقة وحول العالم. وبالتأكيد فإن التقرير يحوي خطوطا عريضة لخطة طموحة للتحول الاقتصادي في المملكة وتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط.

هل يمكن أن تحوز الخطة رضا العامة؟

ولكن فيما يمكن أن نعده قصورا بالغا، فإن التقرير لا يقدم أي رؤية حول الطريقة التي يمكن من خلالها للحكومة السعودية أن تكون قادرة على تغيير عقلية المواطنين في المملكة العربية السعودية الذين طالما اعتادوا على تلقي الهبات الحكومية التي تشمل دعم الوقود، والقروض، والأراضي ووظائف القطاع العام.

هذه هي القضية الرئيسية. الخطة في حد ذاتها تبدو واعدة، وسوف تحقق بالفعل، حال تطبيقها، تقدما في فطم المملكة عن إدمانها على النفط. ولكن كيف سيكون رد فعل المواطن العادي تجاه الإصلاحات؟ عندما تطلب الحكومة المزيد من البذل من مواطنيها، أليس من الطبيعي أن يطلب المواطنون المزيد من المشاركة والتمثيل؟ منذ يناير/كانون الثاني، تم رفع أسعار البنزين والكهرباء، والمياه. وقد كان هناك غضب شعبي كبير ضد ارتفاع أسعار المرافق، ما دفع الملك «سلمان» في النهاية إلى إقالة وزير الكهرباء والمياه بهدف امتصاص غضب الرأي العام.

هذا الاستياء هو نذير هو نذير لما يمكن أن يحدث في المستقبل. سوف تظهر الأشهر والسنوات القادمة كيف يمكن للقيادة السعودية تنفيذ تلك الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها دون تنفير قواعدها الشعبية. في حين أن النتيجة غير مؤكدة، يبقى هناك شيء واحد واضح: سوف تستمر قطعان المستشارين في التوافد إلى المملكة العربية السعودية من أجل العمل على «المشروع الأم» للتحول الاقتصادي في المنطقة.

المصدر | بروكنغز

  كلمات مفتاحية

رؤية السعودية 2030 ماكينزي البطالة السعودية الإصلاح الاقتصادي رؤية 2030 الاقتصاد السعودي

«بلومبيرغ»: التغييرات الحكومية السعودية جزء من خطة الإصلاح الاقتصادي

«الجبير» عن «رؤية 2030»: المملكة لن تلتفت لأي انتقادات حول شؤونها الداخلية

إعادة النظر في العقد الاجتماعي.. السعودية تواجه مستقبلها في رؤية 2030

«بلومبيرغ»: لماذا تخشى السعودية المضي قدما نحو الإصلاح الاقتصادي؟

«الجارديان»: وثائق مسربة تظهر توجه الحكومة السعودية نحو تطبيق خطة تقشفية

ما الذي تعنيه خطة التنويع الاقتصادي السعودية؟

الحكومة السعودية تقر خطة للتحول الوطني تستهدف 5 تريليون ريال أصولا غير نفطية في 2020

ثورة اقتصادية في السعودية والرهان على التنفيذ

«تسونامي ديموغرافي» في السعودية ... كيف تهدد التركيبة السكانية خطط الإصلاح؟