«ستراتفور»: الإصلاح في السعودية.. تمتين للعقد الاجتماعي؟

الثلاثاء 26 أبريل 2016 09:04 ص

تقوم المملكة العربية السعودية برفع حجاب السرية الذي تحيط به نفسها بشكل تدريجي. قدم نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» مقابلته الحية الأولى على الإطلاق مع قناة العربية المملوكة للدولة السعودية في 25 إبريل/نيسان بعد أقل من ساعة على موافقة مجلس الوزراء في الرياض على خطة التحول الوطني في المملكة. الخطة الخمسية، التي ستنطلق رسميا في الشهرين المقبلين، سوف تحدد الخطوط العامة لاستراتيجية المملكة العربية السعودية لتوسيع وتطوير اقتصادها بهدف تقليل الاعتماد على عائدات النفط. تأتي هذه الخطة ضمن رؤية أكثر سعة للمملكة في عام 2030 وهي الخطة التي تركز على توسيع جهود الخصخصة ورفع الدعم عن الكهرباء والماء بشكل متلائم مع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، والحد من البطالة، وتعزيز الإنتاج الصناعي العسكري المحلي، وتسييل بعض أصول شركة النفط السعودية سعيا لتأسيس الصندوق الأكبر للثروة السيادية في العالم.

ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي، فإن المملكة العربية السعودية تمتلك الباع الأكثر طولا في تحديد أهداف اقتصادية طموحة مغلفة ضمن إطار الخطط الخمسية. أعلنت المملكة أول خطة خمسية للتنمية في عام 1970، قبل 11 عاما من تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وقد انتهت الخطة الخمسية التاسعة في تاريخ البلاد في عام 2014. ومع ذلك، بالمقارنة مع جيرانها، فإن المملكة العربية السعودية هي الأكثر تأخرا في تبني الرؤى الكبرى. أعلنت البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر الرؤية الوطنية لعام 2030 في عام 2008. وأعلنت الكويت رؤية الدولة للعام 2030 في عام 2010. ويمثل هذا التخطيط طويل الأمد تحولا هاما لدول مجلس التعاون الخليجي، مما يشير إلى تغير في الطريقة التي تنظر بها دول الخليج إلى مستقبلها الاقتصادي. في حين أن خطط التنمية السابقة في جميع أنحاء المنطقة قد ركزت على أهداف الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق المرتبط به، فإن الرؤى طويلة الأمد تهدف في النهاية إلى رسم مسار مرن لتحقيق أهداف أقل اعتمادا على أرقام الناتج المحلي الإجمالي. ونظرا لكون حكومات دول مجلس التعاون بحاجة لزراعة بيئات استثمارية أكثر تكيفا والمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية للتواكب مع تطلعات شعوبها التي تشهد طفرة في مستوى التعليم والتواصل وتتمتع بمعدلات شبابية عالية، فإن هذه المرونة أمر ضروري.

التوجه نحو الإصلاح

ولكن معظم ملامح خطة التحول الوطنية في المملكة العربية السعودية قد تم الإفصاح عنها قبل الإعلان الرسمي يوم 25 إبريل/نيسان، ولذلك فإن الأمر الأكثر أهمية حول مقابلة «بن سلمان» ليس عناوينها الرئيسية بقدر ما يكمن في سياقها الضمني. مع كونها الأخيرة في سلسلة من المقابلات البارزة وغير المسبوقة التي عقدها الأمير مؤخرا، فإن الظهور على شاشة التلفاز يمثل خطوة هامة نظرا لكونه يعكس قدرا من الشفافية والانفتاح وسرعة التجاوب مع متطلبات الشباب السعودي. وبهذه الطريقة، فإن هذا الإعلان الأخير لم يكن موجها إلى الأسواق الدولية بقدر ما كان يستهدف الشباب السعودي الذي يتطلع إلى مستقبل مزدهر أسوة بالذي حصل عليه آباؤهم. وخلال المقابلة، سمع هؤلاء الشباب نائب ولي العهد وهو يؤكد لهم أن المملكة تدرك احتياجاتهم وتتفهمها. قبل يومين من ظهور «بن سلمان»، قدم وزير العدل السعودي مقابلة مع قناة العربية، مما يؤكد على التوجه نحو الشفافية من قبل المملكة التي طالما كان تتمتع بسمعة حول كونها مبهمة وتميل إلى السرية والتكتم.

ويعد إصلاح هيكل شركة النفط الوطنية السعودية، أرامكو، عنصرا رئيسيا من الإصلاحات الموعودة. سوف يتم طرح قيمة 5 في المائة من الشركة السعودية في صورة أسهم للاكتتاب العام على الأرجح العام المقبل، ويمكن أن يتم طرح دفعات أخرى في المستقبل. بقية أرامكو السعودية سوف توضع تحت ملكية صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي تأمل الحكومة السعودية توسعته لينافس صندوق النفط النرويجي بقيمة تتجاوز 2 تريليون دولار بحلول عام 2030. وفي الوقت نفسه، فقد وعد «بن سلمان» أن مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية سوف يتولى إدارة الشركة بصلاحيات كاملة وأن التدخل السياسي في عملية صنع القرار في الشركة سيكون محدودا. وعلاوة على ذلك، فإن المعلومات المالية الخاصة بالشركة سوف يتم إعلانها بشفافية كاملة. ومع كونها تمثل درة تاج صناعة النفط والغاز في المملكة العربية السعودية، فإن أرامكو السعودية توفر نموذجا هاما للإصلاح يبرهن على أن جميع الكيانات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية بحاجة إلى مزيد من الشفافية، وأنه لا يوجد كيان اقتصادي سوف يكون استثناء من ذلك لقربة من بيت آل سعود.

تنفيذ الإصلاحات

وعلاوة على ذلك، فقد تمت الإطاحة بوزير المياه والكهرباء في البلاد خلال الأسبوع الماضي استجابة لغضب شعبي بشأن زيادة الرسوم. منذ دخول خفض الدعم الأولي حيز التنفيذ في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد اشتكى العديد من السعوديين من زيادة فواتير المياه بنسبة تصل إلى 500%. ومع نمو السخط الشعبي كان لا بد أن يتم إسقاط أحد ما نتيجة لذلك. ولكن إقالة الوزير ليست سوى حل مؤقت لمشكلة الإصلاح. وعلى الرغم من أن خفض الدعم يهدف إلى توليد 30 مليار سنويا بحلول عام 2020، فإن 86% من السعوديين لا يزالون يتمسكون ببقاء الإعانات التي اعتادوا وجودها طوال حياتهم. تحاول الرياض أن تجد نقطة التوازن بين الغضب الشعبي العارم وبين رغبتها في رفع الأسعار من أجل بما يكفي لتخفيف عجز الموازنة القياسي في البلاد. بدون الوصول إلى هذه النقطة، سوف يكون التقدم نحو الإصلاح بطيئا جدا.

في الوقت الذي تتخذ فيه المملكة العربية السعودية طريقها نحو إصلاحا طموحة، فإن الإطاحة بالوزير يعد الأول بين تحديات كبيرة في الانتظار. الرؤية العامة لا تقدم مجموعة كاملة من الخطوات للوصول إلى أهداف البلاد، أو طرقا مفصلة للمخططين الماليين والمستثمرين والمستشارين. بدلا من ذلك، فإنها تتمحور بشكل أكبر حول تمتين العقد الاجتماعي. إنها بمثابة وعد للمواطنين في المملكة أن آل سعود سوف يواصلون العمل للحفاظ على واجبهم في هذا العقد حتى في ظل كون النفط، الذي لا يزال العمود الفقري لاقتصاد المملكة العربية السعودية، لم يعد مربحا كما كان من قبل. حقيقة ما إذا كان الشباب السعودي سوف يواصل وضع ثقته في آل سعود، وإذا ما كانت السامية لرؤية 2030 سوف تصمد في مواجهة تفاقم الضغوط السياسية والاجتماعية والأمنية، هي الأسئلة التي تلوح في الأفق في المملكة في الوقت الحالي.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

الإصلاح الاقتصادي رؤية السعودية 2030 محمد بن سلمان انخفاض أسعار النفط

«عبدالله» و«بن راشد» و«بن زايد»: رؤية السعودية 2030 «طموحة وشجاعة»

«الخليج الجديد» ينشر نص «رؤية السعودية 2030»

«محمد بن سلمان»: لن ننتظر .. وسنبدأ في تنفيذ «رؤية السعودية 2030» فورا

«رؤية السعودية 2030» تتصدر اهتمامات تويتر عالميا .. ومغردون: فخر لكل السعوديين

صحف المملكة: «رؤية السعودية 2030» .. دقت ساعة «التحول»

الإصلاح الاقتصادي بالسعودية.. مخاطرة واختبار قاس للحكام الجدد

«بلومبيرغ»: لماذا تخشى السعودية المضي قدما نحو الإصلاح الاقتصادي؟

«فورين بوليسي»: خطة السعودية للتحرر من الاعتماد على النفط

تيران وصنافير وسورية واليمن و«رؤية 2030»

إعادة النظر في العقد الاجتماعي.. السعودية تواجه مستقبلها في رؤية 2030