المختفون من «رابعة».. الأمل في ظهورهم معقود رغم الغياب 1000 يوم

الخميس 12 مايو 2016 08:05 ص

«لم أره منذ فض اعتصام رابعة، أريد فقط أن أعرف مصيره»، كلمات موجزة، قالتها والدة أحد المختفين قسريا منذ 1000 يوم، لخصت معاناة عشرات الأسر المصرية من الباحثين عن ذويهم المفقودين.

وعلى الرغم من مرور 1000 يوم على فض اعتصامي «رابعة العدوية»، و«نهضة مصر»، بالقوة على يد قوات الأمن المصرية، إلا أنه لا يزال هناك العشرات يواجهون المصير الغامض، ولا يعرف ذويهم عنهم شيئا.

أسئلة كثيرة تدور في أذهان الأهالي، الذين لم يرون أبنائهم منذ فض الاعتصام، وهل كانوا من ضمن القتلى، أم احترقوا مع بقايا المستشفى الميداني، وأين جثثهم، وإن لم يقتلوا، أين هم، هل الاعتقال كان مصيرهم، وإن كانوا في السجون، لماذا لم يظهروا، وما هي التهم الموجهة إليهم.. إلا أن الجميع لا يزالون لديهم أمل في معرفة مصير ذويهم.

يشار إلى أنه في 14 أغسطس/ آب 2013، فضت قوات من الجيش والشرطة المصرية اعتصامين لأنصار «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في مصر، في ميداني «رابعة العدوية»، و«نهضة مصر»، بالعاصمة القاهرة، ما أسفر عن سقوط 632 قتيلًا منهم 8 شرطيين، حسب المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، في الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية (غير رسمية)، إن أعداد القتلى تجاوزت الألف، فضلا عن مئات المصابين والمعتقلين.

400 حالة

إلا أن المختفين كانوا هم الثمة الأبرز في ظل مرور الأيام والشهور، دون ظهورهم، حتى وثقت منظمة «هيومن رايتس مونيتور» (غير حكومية مقرها لندن)، أكثر من ٤٠٠ حالة اختفاء قسري لأشخاص كانوا في الميدانين اللذين شهدها عملية الفض، ومحيطهما، بينهم ٩ سيدات.

«سلمى أشرف»، مسؤولة الملف المصري في «هيومن رايتس مونيتور»، قالت لوكالة الأنباء التركية «الأناضول»، إن «الحالات الموثقة من قبل المنظمة لم يُعلم شيء عن مصيرها، وإذا كانوا قد قتلوا أم اعتقلوا أم حرقوا وجرفوا في معسكرات الأمن المركزي (قوات مكافحة الشغب) أم لا؟».

وأشارت إلى أنه «منذ عملية الفض أصبح الاختفاء القسري نهجًا للسلطات المصرية، وحل محل الاعتقال»، وهى اتهامات عادة ما تنفيها السلطات المصرية، وتقول إن سجونها خالية من المختفين قسريًا، وبأنها تتعامل مع الجميع وفق ما ينص عليه القانون والدستور.

وبحسب الناشطة الحقوقية، فإن «مئات من حالات الاختفاء القسري تم إعلام المجلس القومي لحقوق الإنسان، وأصدر بدوره تقريرًا بحالتهم، وسأل الحكومة عنهم، إلا أنه لا أحد من المختفين قسريًا ظهر حتى الآن»، موضحة: «المنظمات وأهالي الضحايا هم من تواصلوا مع المجلس القومي وليس العكس».

وعلى الرغم من الألم الذي يسببه هذا الاختفاء على أهالي وذوي المختفين، إلا أن كثيرا منهم فضَّلوا عدم الحديث، خشية الملاحقات الأمنية، أو قلقًا من وقوع مكروه عليهم أو على ذويهم المختفين.

خارج الاعتصام

أسرة «عمر حماد»، كانت أحد الأسر القليلة التي تحدثت، عن معاناتها في البحث طوال 1000 يوم عن ابنها البالغ من العمر 22 عاما، ولكن دون جدوى.

«عمر» الطالب بجامعة الأزهر، لم يكن من ضمن المعتصمين في «رابعة»، بل كان وقت الفض في طريقه إلى كليته، قبل أن يختفي، ولم يعثر له على أثر.

تقول والدته «بدرية محمد السيد»: «ابني حارس مرمى ناشئ بنادي الزمالك (من أكبر الأندية المصرية)، ومن هواة أداء أغاني راب، وكان في طريقه إلى كليته، ومن ذلك الحين لا نعرف عنه شيء».

وأضافت: «قال لنا أصدقاء له إنهم رأوه مصابًا في كتفه بطلق ناري بعد عصر ذات اليوم، فيما قال آخرون إنهم لمحوه ليلًا داخل مدرعة (آلية) عسكرية».

وتابعت الوالدة: «لم أره منذ ذلك اليوم (فض رابعة)، أريد فقط أن أعرف مصيره»، مشيرة إلى أنها حررت محاضر في مراكز الشرطة حول غيابه، بجانب البحث عنه في جميع المستشفيات والأقسام والمعتقلات، كما أجرت بجانب ذلك تحليل DNA، لجثث في ثلاجات الموتى، وبعد متابعة ٩ أشهر ظهرت النتيجة سلبية.

وأضافت: «تواصلنا مع مكتب النائب العام، ووزارتي الداخلية والدفاع، ووثقنا حالة اختفائه في جميع منظمات حقوق الإنسان في مصر، ولا يزال الأمل قائمًا في قلوبنا للعثور عليه».

وأشارت والدة «عمر»، إلى أن الأسرة علمت عن طريق بعض المحامين والضباط والوسطاء أنه كان في سجن العازولي (سجن عسكري/ شمال شرقي القاهرة)، وحاولت التأكد من ذلك غير أنها لم تستطع الحصول على معلومات أكيدة.

واختتمت واثقة: «لدي إحساس قوي بوجوده على قيد الحياة، أتمنى اللحظة التي أتوصل فيها له واجده فأحتضنه لأني أشتاق إليه بشدة».

أزمة جيل

لم تختلف رواية «رضوى»، زوجة المختفي منذ فض رابعة، «محمود إبراهيم»، صاحب الـ30 عامًا، كثيرا.

«إبراهيم»، كان من ضمن المعتصمين، وكان عامل حر من مدينة طنطا (دلتا مصر/ شمال)، حكت زوجته عن آخر اتصال هاتفي مع زوجها، كان في الساعة الخامسة مساء، ومن حينها لم تتواصل معه ولم تعرف أين هو.

وعلى مدار أكثر من عامين، بحثت «رضوى» مع أسرة زوجها، في كافة السجون والمعتقلات والمستشفيات، ودشنت هي وآخرين رابطة «المختفون قسريًا»، غير أنها شرعت مع بداية العام الجاري في سَلكِ المسارات الحكومية، بطرق أبواب النائب العام والقضاء، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، للتعرف على مصير زوجها المفقود.

من مجمع سجون طرة، جنوبي القاهرة، لشمال غربي القاهرة حيث سجن أبو زعبل، وصولًا لسجن برج العرب في الإسكندرية (شمالي مصر)، رحلة من العذاب خاضتها أسرة «إبراهيم»، وعشرات الأسر في البحث عن ذويهم، دون جدوى.

وأضافت «رضوى»: «كان الواحد منا يحمل بين يديه ما يصل إلى 20 صورة من المختفين قسريًا أثناء البحث في السجون، كنا نوزع أنفسنا بالتناوب».

وتابعت: «لم نكن الوحيدين الذين يبحثون عن مختفين قسريًا، كان هناك العشرات، لا يعلمون مصيرهم أحياء أم أموات، أين جثثهم أين هم».

ومضت: «لدينا طفلان، يعرفان كل صغيرة وكبيرة عن اختفاء والدهما، نحن في أزمة جيل، مشكلة وطن، لن أضحك عليهما وأقول لهما بابا مسافر، بل أؤكد لهما أن والدهما مختطف من رابعة».

وحمّلت «رضوى»، الدولة، مسؤولية تنشئة جيل يعاديها، موضحةً: «الأطفال باتوا يعلمون جيدًا بالظلم الذي وقع على أهلهم، طفلانا الآن يريدان والدهما ومغادرة مصر».

وتابعت: «لا يوجد زوج نعرف هل هو ميت أم حي، لا دولة ولا مسؤول يساعدنا»، غير أنها تؤكد «ألف يوم على اختفائه، وما زلنا متمسكين بالأمل، ولن نمل من البحث عن ذوينا المختفين قسريًا».

الحقوقي «عزت غنيم»، مدير «التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» (غير حكومية مقرها القاهرة)، قال إن «الاختفاء القسري جريمة، تزايدت في الآونة الأخيرة»؛ مستشهدًا بأرقام وثقتها التنسيقة بشأن الاختفاء القسري بمصر.

وأضاف: «لغة الأرقام فيما تم توثيقه فقط لعام 2015 تؤكد تعرض 1840 مواطنًا لتجربة الإخفاء القسري؛ فيما بلغت عدد الحالات التي ظهرت منها 1238، حيث تراوحت مدد إخفائها ما بين 48 ساعة إلى 150 يومًا، في حين هناك 366 حالة لم تظهر، و236 لم يتم الوصول لوضعها إلى الآن».

وكانت الوحدة القانونية بـ«التنسيقية»، تقدمت بمئات البلاغات الشكاوى إلى النائب العام بوكالة عن أسر الضحايا أو مع الأسر بلاغات باختفاء ذويهم، غير أن النائب العام رفض التحقيق في هذه البلاغات، بحسب «غنيم».

  كلمات مفتاحية

رابعة أنصار مرسي اختفاء قسري مصر

«السيسي» يصادق على عزل 44 قاضيا لإصدارهم بيانا يدعم «اعتصام رابعة»

«رايتس ووتش»: مذبحة «رابعة» .. وقائع قتل ترقى لـ«جرائم ضد الإنسانية»

«رابعة والنهضة» في ذاكرة الوطن

10 أسباب.. كي لا ننسى مذبحة «رابعة العدوية»

«غارديان»: مذبحة «رابعة» حرمت «السيسي» من زيارة بريطانيا

«القيصر» ينشر صورة لأحد ضحايا «فض النهضة».. و«الشريف» يعتذر

نشطاء يدشنون وسم «حكايات رابعة» لإحياء الذكرى الثالثة للمذبحة

«بان كي مون» يدعو إلى تحقيقات كاملة بمقتل مئات المصريين في فض رابعة

منصة حقوقية: 21 مختفيا منذ فض اعتصام رابعة