كيف أسهم النفط في نشوء «سايكس بيكو»؟ وكيف يمكن أن يساعد في محو آثارها؟

الأربعاء 18 مايو 2016 06:05 ص

العديد من المؤرخين يسيئون فهم «سايكس بيكو»، المعاهدة التي تم بموجبها تقسيم الشرق الأوسط، على أنها فعل عشوائي من رسم الخرائط الاستعمارية. في الواقع فإن الاتفاق السري الذي تم إبرامه بين فرنسا وبريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى كان وثيق الصلة بالنفط.

كل من فرنسا وبريطانيا، وكذلك ألمانيا، والإمبراطورية العثمانية، والولايات المتحدة، كانوا جميعا على معرفة وثيقة بحقول النفط الضخمة في منطقة الشرق الأوسط، وقد شكل هذه الدول معا كونسورتيوم لتقاسم النفط قبل اندلاع الحرب. من خلال «سايكس بيكو»، كانت فرنسا وبريطانيا تعتزمان الالتفاف عل الحصة الألمانية وبناء خطوط الأنابيب إلى الموانئ على طول البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك فإن البلدين لم تريدا أن تشتركا معا في خطوط أنابيب موحدة خوفا من أن تحالفهما سوف ينهار في وقت ما. ولذلك فقد خططا لإنشاء خطي أنابيب منفصلين: أول هذين الخطين هو خط فرنسي يمتد من كركوك (العراق) إلى طرابلس (لبنان). أما الثاني فهو بريطاني يمتد من كركوك إلى حيفا، وهو الذي حدد الطريقة التي قام بها السيدان، «مارك سايكس» و«فرانسوا جورج بيكو»، تقسيم المنطقة.

غالبا ما يقتبس المؤرخون تصريح «مارك سايكس» في عام 2015: «أريد أن أرسم عكا من المنطقة (E) في عكا إلى المنطقة (K) في كركوك» للتدليل على أن الحدود كانت تعسفية. في الواقع، فإنه كان يصف الطريق الذي حددته الحكومة البريطانية لخط الأنابيب.

«هيربرت كيتشنر»، وزير الدولة البريطاني للحرب، حاول التصحيح لـ«سايكس» بعد حديثه بالقول: «أعتقد أن السير مارك سايكس يعني أن الخط سوف يبدأ من على ساحل البحر في حيفا». بعد الحرب، وجاء ترسيم الحدود ليرسم حدود الدولة المنتجة للنفط في العراق، ودول عبور النفط كالأردن وسوريا، ثم دول تصدير النفط مثل لبنان وفلسطين.

بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الأولى، بدأت قوات الحلفاء تسعى خلف الامتيازات النفطية في الشرق الأوسط. وقد منحت التنازلات حقوق التنقيب عن النفط في المنطقة إلى شركة نفط العراق. على الرغم من اسمها، فإن شركة نفط العراق لم يكن لها أي علاقة بالعراق. وقد كانت عبارة عن كونسورتيوم من شركة النفط البريطانية الفارسية (التي تحولت فيما بعد إلى شركة بريتش بيتروليم) مع كالوست كولبنكيان، وكومباني الفرنسية (توتال لاحقا) وشركة ستاندرد أويل لتنمية الشرق الأدنى (إكسون موبيل لاحقا) وشركة شل. ضمنت الاتفاقات في ذلك التوقيت أن الشعوب المحلية لن يكون بمقدورها المطالبة بأي حق في الموارد الواقعة على أراضيها. وقد كسبت البلدان التي تحوي النفط في أراضيها أقل القليل من عائدات اكتشافه.

ما هو أكثر من ذلك، فإن بناء خطوط الأنابيب تلك قد أثار العديد من الاضطرابات الإقليمية. بعد محاولات عديدة لتخريب خطوط الأنابيب، بما في ذلك المحاولات من قبائل آل جبل اليمنية والمجاهدين الفلسطينيين، والمجموعات اليمينية الصهيونية. ولذا فقد كثف المسؤولون في شركات النفط الحكومات الغربية المراقبة الإقليمية والعسكرة في المنطقة، وجرى تشجيع النزاع العرقي والطائفي بهدف إحباط الحركات القومية والشيوعية.

النفط ونهاية «سايكس بيكو»

دفعت الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط العديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت «سايكس بيكو» قد وصلت أخيرا إلى نهايتها. الصحفي الأيرلندي «باتريك كوكبرن»، على سبيل المثال، بشر بنهاية المعاهدة حينما كان يبث تقريره من العراق. ولكن السؤال الأفضل هو ما إذا كان بالإمكان أن يتم التوصل إلى اتفاق ينتج المزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة. حل امتيازات النفط قد يحمل المفتاح لهذا التحول، بما يشمل، على بسيل المثال، النظر في القضية الكردية. في أعقاب حرب الخليج الثانية، توافد شركات النفط الخاصة إلى العراق. وقد احتفظت شركة النفط الوطنية العراقية بالحق في الضخ من الآبار المتوفرة بصحبة شركاء من اختيارها ولكن سمح الهيئات المحلية مثل حكومة إقليم كردستان لاستكشاف آبار جديدة وإقامة شراكات خاصة لتنمية الاقتصاد الكردي.

صنعت حصص النفط الكردية الفارق عندما ظهرت «الدولة الإسلامية» إلى النور في عام 2014. كانت المقاومة الفعالة للبيشمركة الكردية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» راجعة إلى رغبة الأكراد لحماية ليس فقط لحماية أراضيهم ولكن لحماية الموارد داخلها. لدى الأكراد رغبة طويلة الأمد في الحصول على الاستقلال، ولكن ولايتهم على النفط المحلي تمثل شكلا من أشكال السيادة (على الموارد  وليس على الأراضي) التي ميزت الشرق الأوسط ما بعد «سايكس بيكو». ونظرا لأن «سايكس بيكو» قد قسمت الأراضي باسم استخراج ونقل النفط إلى أوروبا، فإن إصلاح ملكية النفط هي الخطوة الأولى في حل الإرث الطويل للإدارة الاستعمارية والحكم الاستبدادي.

من الناحية المثالية، ينبغي على جميع الشعوب في الشرق الأوسط أن تمتلك نصيبا في مواردها المحلية وأن يكون لها رأي مسموع في كيفية بيعها واستخدامها والمحافظة عليها. في عصر زيادة الهجرة، فإن هذا المبدأ يمكن أن يزود الذين يقطنون أماكن جديد بحس من الانتماء والرعاية. بطبيعة الحال، فإن المسؤولين المحليين لا يزالون بحاجة إلى شركاء عالميين من أجل التنقيب عن النفط وتصديره. ولكن مثل هذه العقود تعمل على أفضل وجه عندما تقودها الاحتياجات المحلية وليس أرباح الشركات. القضية الكردية تثبت أن أصحاب المصلحة المحليين يمكن أن يجهزوا جيوشا للدفاع عن مصالحهم، ولكن شركات النفط لن تفعل.

سوف تكون منطقة الشرق الأوسط أكثر أمنا وأكثر ثراء حين تتمتع بالسيادة المحلية على مواردها الطبيعية. عندما خفضت الحكومة العراقية حصة كردستان من الميزانية الوطنية في عام 2014، بدأت حكومة إقليم كردستان بيع النفط مباشرة إلى الأسواق العالمية، وبناء خط أنابيب إلى ميناء تركي وبيع النفط إلى (إسرائيل). وبالتالي فإن المصالح قد تغلبت في النهاية على العداوة التركية الكردية التاريخية والمقاطعة التي أبقت النفط العراقي بعيدا عن متناول (إسرائيل) منذ عام 1949.

هذا لا يعني أن حل القضية الكردية يظل بلا إشكاليات. الأكراد في حالة حرب مع «الدولة الإسلامية» بينما تخضع تصرفاتهم لتدقيق شديد من قبل كل من العراق وتركيا. وقد خرب المنشقون المحليون خط الأنابيب الكردي التركي عدة مرات، كما أن شركة نفط الشمال الوطنية العراقية لديها هي الأخرى القدرة على إيقاف تدفق النفط الكردي. في هذه الأثناء، دفع انخفاض أسعار النفط العالمية كردستان نحو أزمة ديون أكثر عمقا. ويخوض الأكراد حاليا صراعا مع الحكومة العراقية حول إذا ما كان نفط كركوك ينبغي أن يخضع إلى الاختصاص الكردي أو العراقي.

ولكن لا تزال القضية تقدم نموذجا للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد «سايكس بيكو». بقدر حاجة الأكراد إلى نفط كركوك، فإن الخلاف الحالي يتيح الفرصة لتوسيع نطاق ممارسة السيادة على الموارد إلى الجميع في المنطقة بغض النظر عن العرق أو الدين. الجزء الأكبر من أرباح نفط كركوك ينبغي أن يوجه إلى دعم حياة جميع سكان شمال العراق. ولذلك ينبغي على بغداد أن تسمح لكردستان بإدارة آبار النفط في كركوك فقط في حال وافقت الحكومة على تخصيص جزء من عائدات النفط لدعم المؤسسات العامة في شمال العراق. وينبغي أن تكون عقود النفط وسوق العمل مفتوحين لجميع المقيمين في شمال العراق بغض النظر عن الطائفة أو العرق. كما أن الشراكات مع الشركات الخاصة ينبغي أن تخضع للاستفتاء الشعبي.

ينبغي عدم استنزاف الأرباح من الشرق الأوسط، كما حدث خلال الحقبة الاستعمارية. كما ينبغي عدم السماح لها بالتجمع في أيدي القادة الفاسدين كما حدث خلال عهد «صدام حسين» في العراق وخلال حكم جيلين من عائلة «الأسد» في سوريا. البقاء على قيد الحياة في عهد «الدولة الإسلامية» يتطلب مجتمعات خالية من انقسامات «سايكس بيكو»، مع امتلاكها للإرادة والقدرة على حماية مصالحها.

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو الشرق الأوسط العراق الأكراد أبار النفط

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

انسوا «سايكس بيكو» .. معاهدة «سيفر» هي ما يشرح الاضطراب في الشرق الأوسط

سايكس - بيكو؟