خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

الاثنين 9 مايو 2016 10:05 ص

تم تصميم هذه الخريطة لإظهار بعض التصدعات الخفية الكامنة وراء دول الشرق الأوسط، والأسباب التي أدت إلى تفكك تلك الدول التي تم ربطها معا من قبل القوى الأجنبية والطغاة المحليين.

استمرت الإمبراطورية العثمانية لمدة ستة قرون قبل انهيارها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. خلال السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر، كانت قواتها تتوغل إلى أقصى الغرب في فيينا. كانت قوتها هائلة ونفوذها منبسط. تظهر المساحات الخضراء من الخريطة ما تبقى من تلك الإمبراطورية في منتصف القرن التاسع عشر بعد أن تخطت أوج قوتها. وكانت الدولة العثمانية قد انخفضت قوتها في ذلك التوقيت، ومع ذلك فإن مدى حكمها، حتى في ظل الانحدار، كان يمتد من البلقان إلى شبه الجزيرة العربية وجزء كبير من شمال أفريقيا.

تظهر الخطوط البيضاء الناعمة حدود الولايات العثمانية. يمكنك أن تلاحظ أن الولايات العثمانية، حتى تلك الواقعة ضمن حدود تركيا الحديثة كانت صغيرة نسبيا. هناك تفسيرات عدة لصغر حجم الولايات. أحد هذه التفسيرات يتعلق بالكفاءة. الحكومات التي تدير مساحات صغيرة من الأراضي من المتوقع أن تكون أكثر كفاءة من تلك التي تدير قطاعات واسعة. هناك تفسير آخر له طابع سياسي يكمن في أن السلاطين العثمانيين الذين سيطروا على لقب الخلافة منذ مطلع القرن السادس عشر لم يكونوا يريدون أن تتم منازعتهم من قبل محافظين يديرون مناطق واسعة يمكن أن تنمو قوتها وثروتها. ومع ذلك فإن هذا قد وقع في بعض الأحيان بما في ذلك في مصر عندما عين «محمد علي باشا» (ألباني) في أوائل القرن التاسع عشر. كان حكام الأقاليم الأصغر ضعفاء وفقراء ويمكن أن يتم بسهولة تأليبهم على بعضهم البعض.

 

ولكن كان هناك سبب آخر لحجم المحافظات. أي إمبراطورية ترغب في حفظ السلام داخل حدودها. بعد قرون من الحكم، أدرك العثمانيون أن إمبراطوريتهم كانت مليئة بالقبائل والمقاطعات والأديان والطوائف المتنوعة. دمج هؤلاء معا في إطار مقاطعات كبيرة كان يهدد بخطر نشوب المزيد من الصراعات. تم الفصل بين هؤلاء بطريقة ذكية عبر تشكيل أقاليم صغيرة من أجل تقليص فرص الصراع. فهم العثمانيون أيضا تحولات المجتمع والعلاقة بين الجماعات المتنوعة ومع تغير هذه الأمور فقد كان يجري تغيير حدود تلك الأقاليم والمحافظات. قام العثمانيون بترقيع هذه الحدود باستمرار. إلى أقصى حد ممكن، وبنجاح يقترب من حد الكمال، استخدم العثمانيون هذه الحدود للحفاظ على السلام. فهم العثمانيون نطاقهم بشكل جيد ونجحوا في خلق حدود تجعل فرص الصراع محدودة.

في أعقاب الحرب العالمية الأولى، انهارت الدولة العثمانية وتحركت بريطانيا وفرنسا نحو حكم المنطقة الواقعة إلى الجنوب من تركيا. مؤسس الجمهورية التركية، «مصطفى كمال أتاتورك»، قام بصهر العديد من محافظات تركيا الحديثة في أمة واحدة. فرض البريطانيون والفرنسيون حدودا أغفلت النموذج العثماني وقاموا باختراع دول جديدة بأسماء قديمة جنوب تركيا وفي شبه الجزيرة العربية. سوريا ذهبت إلى الفرنسيين، الذين قاموا بنحت قطعة صغيرة إلى حلفائهم من المسيحيين الموارنة وأطلقوا عليها لبنان. نقل البريطانيون الهاشميين من الحجاز في المنطقة الغربية من شبه الجزيرة العربية إلى حكم العراق والضفة الشرقية لنهر الأردن، وهي منطقة تسمى بإمارة شرق الأردن، والتي أصبحت فيما بعد تعرف باسم الأردن.

كان من الطبيعي أن تعكس هذه التغييرات المصالح البريطانية والفرنسية في المنطقة. ومع ذلك فإنها قد تجاهلت جميع الحدود التي تم إنشاؤها من قبل العثمانيين. وفي سعي الأوربيين لفرض سيطرتهم، فقد فعلوا عكس ما قام به العثمانيون تماما. لقد قاموا بصهر الجماعات المعادية لبعضها البعض في كيانات كبيرة على النمط الأوروبي بغية تأسيس دول قومية. كما قاموا بتشكيل بعض الكيانات الصغيرة التي تناسب احتياجاتهم.

على الخريطة، هذه الكيانات الجديدة تبدو كأنها دول قومية لكنها تفتقر إلى الطابع الأساسي للدولة القومية الأوربية وهو وجود قواسم مشتركة. في لبنان، على سبيل المثال، طالما كان الموارنة والمسيحيون اليونانيين والسنة والشيعة والدروز فئات متناحرة. لبنان يعاني بانتظام الحروب الأهلية الوحشية التي لا يمكن أن تدار من قبل الدولة التي كانت دوما أضعف من هذه المجموعات التي تشكلها.

تم فعل الشيء نفسه على نطاق واسع في العراق وسوريا. تألف البلدان من مجموعة من الجماعات المتنافرة التي تم دمجها معا من قبل القوى الأجنبية. عندما فقدت بريطانيا وفرنسا إمبراطوريتهما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تم الحفاظ على تماسك هذه البلاد من قبل الطغاة. وعندما سقط الطغاة أو أصبحوا ضعفاء لم يبق هناك أي شيء يحفظ تماسك هذه الدول ولذا فإنها قد انزلقت في حروب أهلية.

تعرض الخريطة الرؤية العثمانية للمنطقة، والتي تم اختبارها على مدار قرون. كما تظهر النموذج الأوربي الذي تجاهل النموذج العثماني والذي يدخل الآن في طور الانهيار.

  كلمات مفتاحية

الدولة العثمانية سايكس بيكو العراق سوريا لبنان

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

أحجية التاريخ السياسي: الجذور «البنيوية» لعدم الاستقرار في دول الشرق الأوسط

«ستراتفور»: ما الذي يمكن أن تتعلمه سوريا الحديثة من سوريا العثمانية؟

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

انسوا «سايكس بيكو» .. معاهدة «سيفر» هي ما يشرح الاضطراب في الشرق الأوسط

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

لماذا لا يمكن أن تحل الحدود مشاكل الشرق الأوسط؟

ما الذي تغير بعد مرور قرن على تأسيس دول الشرق الأوسط؟

هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟

«نيويورك تايمز»: هل كان بإمكان حدود مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط؟

كيف أسهم النفط في نشوء «سايكس بيكو»؟ وكيف يمكن أن يساعد في محو آثارها؟

«نيويورك تايمز»: كيف يطارد إرث اتفاق سري جهود إنهاء الحرب في سوريا؟

«فورين بوليسي»: الاستبداد وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

مائة عام على «سايكس بيكو»

ما لا يحكيه التاريخ عادة: نساء أسهمن في صناعة الشرق الأوسط

ما الذي يتجاهله الغرب بشأن بذور الصراع في الشرق الأوسط؟