هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

الجمعة 15 أبريل 2016 01:04 ص

في 17 مايو/أيار 2016، وقعت كل من فرنسا والمملكة المتحدة اتفاقية «سايكس بيكو» والتي سميت باسم الدبلوماسيين اللذين أدارا المفاوضات. وكان هذا الاتفاق هو الأول من نوعه في سلسلة من المعاهدات التي كان من شأنها في نهاية المطاف إنشاء الدول الحديثة في الشرق الأوسط في أعقاب تفكك الإمبراطورية العثمانية. بعد مائة عام، فإن المحللين مثل «روبن رايت» و«جيفري غولدبيرغ» يتوقعون أن حدود المنطقة سوف يتم إعادة رسمها قريبا. في الواقع، في العراق وسوريا، فقد بدأت بعض الدول الناشئة تخرج على سيطرة الدول القائمة بالفعل، حيث لم تعد فكرة الحدود الجديدة تبدو بعيدة المنال. في العراق، على سبيل المثال، فقد أعلن الأكراد بالفعل أنهم سوف يجرون استفتاء على الاستقلال قبل نهاية عام 2016.

ولكن الحدود الجديدة لن تقوم باستعادة الاستقرار نظرا لأن الحدود الحالية لم تكن هي السبب الرئيسي للاضطراب في المنطقة. ينبغي على الدول نفسها أن تتغير إذا أريد أن يكون هناك أي نوع من النظام السلمي الذي يمكن أن يستوعب مطالب مختلف الفئات السكانية في المنطقة. مع ذلك، تبقى احتمالات مثل هذا التحول قاتمة وبعيدة بشكل كبير.

كثيرا ما تم التنديد بتلك الحدود المصطنعة التي خطها الدبلوماسيون الغربيون في الرمال. ولكن تلك الحدود القائمة ليست أكثر اصطناعا من تلك التي وضعها الصراع. حتى أشد المنتقدين للوضع الراهن قد فشلوا في إعطاء أي توضيحات حول ماهية تلك الحدود الطبيعية للمنطقة لأنه ببساطة لا توجد حدود طبيعية. الأكراد، على سبيل المثال، متضررون من التقسيم الحالي للمنطقة الذي لم يعطهم دولة، ولكنهم لا يزالون مختلفين حول إذا ما كان يجب أن تكون هناك كردستان موحدة أم عدة دول كردية.

الجذور الحقيقية للمشاكل في المنطقة تمكن في استعلاء الدول شديدة المركزية والممارسات الاستبدادية ضمن فسيفساء المنطقة المتخمة بمختلف الجماعات العرقية والدينية. ولكن الانتقال إلى الديمقراطية يمكن أن يكون إشكاليا على حد سواء. من الناحية النظرية، يمكن أن يكون هناك حكومات ديمقراطية قادرة على حكم هذه البلدان غير المتجانسة بطريقة لا مركزية دون الحاجة للقمع أو التقسيم. ولكن على أرض الواقع فإن تلك الحكومات المثالية لا وجود لها. وغالبا ما تفضي محاولات الإصلاح السياسي في الدول التي تشهد انقسامات كبيرة إلى التقسيم والصراع. في يوغوسلافيا في عام 1990، على سبيل المثال، أدت أول انتخابات متعددة الأحزاب إلى التفكك السياسي للدولة.

تفكك الدول

الضغط من أجل إنشاء دول جديدة في الشرق الأوسط يأتي بشكل رئيسي من 3 مصادر: هي الأكراد العراقيين والأكراد السوريين وتنظيم «الدولة الإسلامية».

أكراد العراق لديهم بالفعل إقليم يتمتع بالحكم الذاتي معترف به من قبل دستور عام 2005، لكنهم يرون أنها مجرد خطوة أولى على طريق الاستقلال. ونتيجة للانقسام بينهم، فإنهم لا يظهرون الكثير من التضامن مع نظرائهم في سوريا أو حتى مع نظرائهم في تركيا.

الأكراد السوريون ينكرون في الوقت الراهن سعيهم إلى إقامة دول مستقلة خاصة بهم ولكنهم فعليا يبسطون سيطرتهم إلى وراء المناطق ذات الأغلبية الكردية في كردستان السورية، في شمال سوريا. في مارس/أذار، أعلن الأكراد الأراضي الخاضعة تحت سيطرتهم دولة فيدرالية ضمن حدود سوريا لكنها لم تتلق أي دعم من قبل المجتمع الدولي. ولكن هذا من غير المرجح أن يردعهم ذلك عن العمل على تعزيز سيطرتهم على هذه المناطق والسعي إلى توسيعها.

«الدولة الإسلامية» هي حالة أكثر إثارة للاهتمام. نشأ التنظيم في العراق الذي تحتله الولايات المتحدة كحركة تابعة لتنظيم القاعدة، إلا أنه تعرض لانتكاسة خطيرة بعد زيادة عدد القوات الأمريكية في عام 2007، ولكنه عاود الظهور كقوة رئيسية في سوريا في عام 2013. وبحلول أواخر عام 2014، كانت الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا كافية ليعلن عليها دولته المستقلة. ولم يكن هذا الإعلان مجرد إعلان خطابي، حيث لم تترك الوثائق التي تم العثور عليها أي شك في أن المناطق التي يسيطر عليها «الدولة الإسلامية» ليست مجرد مخابئ للمتمردين ولكنها دولة في طور التكوين، لها جهاز أمني وهياكل بيروقراطية وموارد مالية.

ويبدو أن «الدولة الإسلامية» تتجه نحو الهزيمة فيما يتعلق بجهودها الرامية إلى خلق دولة دائمة على الرغم من أنها سوف تستمر في الوجود باعتبارها شبكة إرهابية دولية خطيرة للغاية. فقدت «الدولة الإسلامية» بالفعل الكثير من الأراضي التي تسيطر عليها ولكن سوف يتطلب الأمر وقتا طويلا من التحالف من أجل استعادة السيطرة على المناطق الأساسية للتنظيم حول الموصل في العراق والرقة في سوريا. ولكن حتى إذا فشلت هذه التجربة في نهاية المطاف، فقد نجحت بالفعل في هز أركان النظام القائم في المنطقة.

على الرغم من الأكراد و«الدولة الإسلامية» وحدهم هم الذين قاموا بتحدي الحدود القائمة إلى الآن فإن بعض العراقيين الآخرين في طريقهم للقيام بذلك. بعض السنة، بما في ذلك «أثيل النجيفي»، المحافظ السابق لنينوى، يجادلون أن المحافظات السنية سوف تحتاج نمطا خاصا من التدابير من الحكومة الشيعية بمجرد تحررها. ويتطلع «النجيفي» أن يحاكي السنة تجربة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي. وحتى بعض المحافظات الشيعية، مثل البصرة، التي تحوي أغنى حقول النفط في العراق، تتحدى سلطة بغداد وتطالب بالحكم الذاتي.

حكومات العراق وسوريا ترفض بشكل طبيعي أي تغيير في حدودها، على الرغم من أنها لم تعد قادرة على  السيطرة على كل شيء داخل هذه الحدود. كما أن هناك معارضة قوية للتقسيم بين صفوف بلدان الجوار. كما تعارض روسيا والولايات المتحدة التقسيم: روسيا لأن ذلك سوف يضعف حليفها الرئيس السوري «بشار الأسد» والولايات المتحدة نظرا لكونها تعارض تقسيم أي دولة. إنها حتى لم تدعم تفكك الاتحاد السوفيتي على أمل أن الإصلاح السياسي سوف يجعل ذلك غير ضروري.

هل ننتظر أياما أفضل؟

بدلا من ذلك، فإن الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع الدول الأوروبية والأمم المتحدة، يعتقدون أن الحكومات الديمقراطية الشاملة يمكنها تحقيق السلام دون الحاجة إلى حدود جديدة. هذا الاعتقاد يدفع جهود الولايات المتحدة لتشجيع الإصلاح في العراق والجهود الدولية المبذولة للتفاوض على نهاية للصراع في سوريا. لكن الفكرة لا تحظى بتأييد كبير في البلدين إلا بين صفوف الليبراليين الذين تذوب أصواتهم بين اشتباكات الميليشيات المسلحة والمناورة من النخب العازمة على الحفاظ على سلطتها.

المشكلة هي أن تأسيس نظام ديمقراطي شامل حقا يتطلب القضاء على الميليشيات في المنطقة المسلحة، والقادة الطائفيين والنخب الفاسدة، وبعبارة أخرى، كل أولئك الذين يسيطرون على السلطة حاليا. باختصار فإنه بدون تدخل خارجي كبير، وهو ما لن يحدث، فإنه لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك.

بالنظر إلى العراق فإنه خلال فترة الاحتلال ساعدت الولايات المتحدة في تطوير، البعض يحب أن يطلق عليه فرض، نظام سياسي قائم على الانتخابات ولكنه أيضا يقوم على مراعاة الحصص العرقية والطائفية. ولكن النظام انهار بعد انسحاب القوات الأمريكية وأصبح يسيطر عليه من قبل الشيعة على نحو متزايد كما صار أكثر سلطوية بفعل جهود رئيس الوزراء الأسبق «نوري المالكي». كشرط لمساعدة العراق في مكافحة «الدولة الإسلامية» في عام 2014، أصرت الولايات المتحدة على رئيس وزراء جديد في سعيها نحو حكم أكثر احتواء وحل «العبادي» في نهاية المطاف محل «المالكي». يحاول «العبادي» الآن الحد من الفساد كما أنه اقترح إنشاء حكومة تكنوقراط غير منتمية إلى الأحزاب السياسية.

ولكن الأحزاب ترفض تهميشها. ولم يوافق البرلمان على مقترح مجلس الوزراء. الشخصية السياسية الوحيدة غير «العبادي» الذي قبل فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط هو «مقتدى الصدر» وهو رجل الدين المنشق المنبوذ من قبل الأحزاب السياسية الشيعية الرئيسية. يسعى «الصدر» لاستخدام هذه الفكرة لزيادة سلطته عبر التهديد بإطلاق المظاهرات في الشوارع ما لم يتم تثبيت حكومة غير سياسية. وبعبارة أخرى، فقد أصبح الإصلاح أداة في معركة سياسية داخلية بين الشيعة لا علاقة لها بالديمقراطية أو الحكم الرشيد من قريب أو بعيد.

الإصلاح السياسي العميق الذي يمكن أن يسمح للعراق أو سوريا أن يصبح دولا مستقرة لم يبدأ بعد في أي من البلدين. حاول «العبادي» اتخاذ بعض الخطوات المتواضعة لكنه فشل. «الأسد» لم يحاول بأي شكل هو يصر على أن كل ما تحتاجه بلاده هو انتخابات جديدة. التقدم في مكافحة «الدولة الإسلامية» قد جعل الحكومتين العراقية والسورية أكثر قمعا وقدم حوافز إضافية لأولئك الذين يرون أن الحدود الجديدة هي الحل الوحيد. المنطقة تتعثر نحو نهاية «سايكس بيكو»، ولكنها ليست أقرب إلى نهاية الاضطرابات.
 

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق سايكس بيكو الأكراد الدولة الإسلامية

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة

«تقسيم سورية» بديلا من فشل الهدنة والمفاوضات

من «سايكس بيكو» إلى «كيري لافروف»

اتفاقية «سايكس - بيكو» رسمت حدودا على الرمال يمحوها الدم الآن

أي شرق أوسط جديد؟

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

لماذا لا يمكن أن تحل الحدود مشاكل الشرق الأوسط؟

لماذا على الغرب أن يتحمل مسؤولية الدماء المراقة في الشرق الأوسط؟

ما الذي تغير بعد مرور قرن على تأسيس دول الشرق الأوسط؟

هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟

«بارزاني» في مئوية «سايكس - بيكو»: الاتفاقية التي ظلمت الأكراد ماتت .. وسنقرر مصيرنا

«نيويورك تايمز»: هل كان بإمكان حدود مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط؟

خبراء: الدماء تطمس حدود الشرق الأوسط التي رسمتها «سايكس بيكو» قبل 100 عام

«فورين بوليسي»: الاستبداد وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

مائة عام على «سايكس بيكو»