لماذا على الغرب أن يتحمل مسؤولية الدماء المراقة في الشرق الأوسط؟

الأحد 15 مايو 2016 06:05 ص

في مثل هذا الأسبوع قبل مائة عام، جرى توقيع إبرام صفقة سرية بين بريطانيا وفرنسا كانت مسؤولة عن إغراق الشرق الأوسط في قرن من إراقة الدماء. قام اثنان من المفاوضين الاستعماريين، «مارك سايكس» و«فرانسوا جورج بيكو»، بالموافقة على تقسيم الشرق الأوسط بين بلدانهما من أجل تأمين السيطرة الأوروبية على أراضي الدولة العثمانية التي انهارت مع نهاية الحرب العالمية الأولى. تم تنحية وعود تقرير المصير التي تم منحها للشعوب العربية من قبل البريطانيين من أجل الحصول على المساعدة في هزيمة الأتراك جانبا بشكل كبير. وبدلا من الحصول على التحرر الوطني فإن كل ما حدث هو تغيير الحرس الإمبراطوري.

وقد كان الغدر وحشيا. قامت بريطانيا وفرنسا بتقسيم الشرق الأوسط بينهما من خلال رسم خط في الرمال على الخريطة بين عكا على ساحل البحر المتوسط ​​وكركوك في شمال العراق. سيكون كل شيء إلى الشمال من هذا الخط من نصيب الفرنسيين بينما يخضع جنوبه للسيطرة البريطانية. حصلت فرنسا على سوريا ولبنان، في حين قامت بريطانيا بالسيطرة على العراق وشرق الأردن.

ظلت مسألة من سيحكم فلسطين دون حل في اتفاق سايكس بيكو، حتى تحولت الحكومة البريطانية إلى حيلة أخرى لضمان أن بريطانيا، وليس فرنسا، هي من ستسيطر على هذه الولاية مع نهاية الحرب العالمية الأولى. من خلال سلسلة من الضمانات لشخصيات بارزة في الحركة الصهيونية الناشئة، فقد كانت الحكومة البريطانية قادرة على تأمين دعم دولي لسيطرتها على فلسطين بحجة أكثر إقناعا من طموحاتها الاستعمارية. وقد بلغت هذه الاستراتيجية ذروتها مع التوصل إلى «وعد بلفور» في عام 1917 الذي أعلن الدعم البريطاني لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين مبشرا بقرن من الحرمان الفلسطيني مع وجود موجات متتالية من هجرات المستوطنين الأوروبيين. وكما اعترف «بلفور» نفسه لاحقا: «فقد كانت هذه هي نقطة الضعف في موقفنا. في حالة فلسطين فقد قمنا عمدا بالامتناع عن قبول مبدأ تقرير المصير».

صارت هذه الازدواجية البريطانية أكثر وضوحا مع الإعلان الأنجلو فرنسي إلى الشعوب العربية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1918 والذي وعد بـ«التحرير الكامل والنهائي للشعوب التي عانت لفترة طويلة من المظلومية من قبل الأتراك ومنحها حق وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من الاختيار الأحر للشعوب». عندما تم نشر هذا الالتزام الذي لا لبس فيه بتقرير المصير فقد كان الرد الفلسطيني في القدس عبارة عن خليط من الغبطة والراحة. ولكن سرعان ما اكتشف الفلسطينيون أن الحكومة البريطانية كانت تنوي دائما استبعاد فلسطين من الإعلان، وأنه تم إصدار لأمر بنشره عن طريق الخطأ.

بالنسبة إلى إدارات الاستعمار البريطاني، فإن قيمة فلسطين كانت تنبع من كونها تعمل كمنطقة عازلة هامة لحماية قناة السويس. ورغم ذلك، وبحلول عام 1927، فإن المندوب السامي البريطاني في العراق قد أبلغ تقارير متحمسة عن اكتشاف مخزونات كبيرة للنفط في البلاد. وبرزت فلسطين بوصفها منفذا حيويا لخط الأنابيب الذي يربط حقول النفط العراقية إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد منحت اتفاقية سايكس بيكو فرنسا المسؤولية عن الطريق الشمالي إلى الموانئ البحرية في لبنان، ما يمنحها السيطرة الدائمة على أي صادرات نفطية من العراق. وقد وفر ميناء حيفا الفلسطيني طريقا بديلا للبريطانيين بعيدا عن السيطرة الفرنسية. وبالتالي فقد اكتسبت ولاية فلسطين أهمية استراتيجية جديدة لتأمين احتياجات الطاقة الوطنية في بريطانيا.

ولكن الظلال القاتمة لاتفاقية سايكس بيكو قد امتدت نحو ما هو أكثر من فلسطين، كما يتضح من التاريخ الدموي للعراق وسوريا ولبنان الممتد حتى يومنا هذا. وصل الحكم الفرنسي في سوريا ولبنان إلى نهايته في عام 1946 ولكن لا القومية العربية ولا البعثية كانت قادرة على التغلب على تركة سايكس بيكو. بشكل مأساوي، فقد كان «أبو بكر البغدادي»، القيادي السابق في تنظيم القاعدة في العراق، هو من أعلن نهاية سايكس بيكو في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع حين قام بإعلان تأسيس «الدولة الإسلامية» في الأراضي تشمل كلا من من جانبي الحدود العراقية السورية في عام 2014. وحتى حينما وجهت له الأوامر من قبل «أيمن الظواهري»، خليفة «أسامة بن لادن»، بالانسحاب من سوريا وتركيز قواته في العراق وحدها فقد رد «البغدادي» بازدراء بأنه لا يعترف بالحدود المصطنعة التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو «الكافرة».

صعود «الدولة الإسلامية» ليس إلا التذكير الأحدث والأكثر وضوحا بالعواقب الكارثية للإمبريالية البريطانية في الشرق الأوسط. في عام 2005، وفي وقت لم يكن الاحتلال التي تقوده الولايات المتحدة في العراق قد خرج بعد عن نطاق السيطرة، فقد حذرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أن تأجيج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة أن يؤدي إلى انتكاسة أكثر فتكا من تلك التي حدثت في أعقاب تدخل الغرب في أفغانستان. ومن المؤكد أن شعوب العراق وسوريا وشعوب المنطقة على نطاق أوسع تواجه الآن مستويات لا يمكن تصورها من العنف الداخلي، أو يعرضون حياتهم للخطر كلاجئين في بحث يائس عن ملاذ في الخارج. الهجمات الجهادية في لندن وباريس ومدريد وبروكسل هي تذكير لأوروبا بتلك الويلات التي تعاني منها هذه الشعوب بسبب تداعيات الحروب الإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقا لمقولة «جورج سانتيانا» الشهيرة: «أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محكوم عليهم بتكراره». وفي الحقيقة، أولئك الذين كانوا على الطرف المتلقي من الماضي البريطاني الإمبريالي لا يحتاجون إلى تذكير بتاريخهم حيث إنهم يعيشون في آثاره بشكل يومي. ولكن الشعب البريطاني هو الذي يبدو بحاجة إلى تذكير بالتكلفة البشرية الهائلة للتدخلات في منطقة الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم على نطاق أوسع، تماما كما نحن بحاجة للتذكير بمسؤوليتنا المطلقة عن توفير ملجأ لأولئك الفارين من الحروب التي بدأناها. ذكرى مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو هو وقت جيد للبدء.

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو الشرق الأوسط المنطقة البغدادي الدولة الإسلامية الحرب على الإرهاب الغرب

لماذا لا يمكن أن تحل الحدود مشاكل الشرق الأوسط؟

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة

انسوا «سايكس بيكو» .. معاهدة «سيفر» هي ما يشرح الاضطراب في الشرق الأوسط

هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟