لماذا لا يمكن أن تحل الحدود مشاكل الشرق الأوسط؟

الجمعة 13 مايو 2016 12:05 م

بعد مرور 100 عام على اتفاق سايكس بيكو، فإن هناك جوقة من الأصوات المتعالية التي تؤكد أن زواله قد صار وشيكا. ويقول المشككون أن معظم هذه الحدود قد فقدت معناها وأن الاضطرابات التي تجتاح سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وأماكن أخرى تمثل حشرجة الموت التي طال انتظارها لمرحلة ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط.

محو الدول ليس أمرا سهلا كما قد يبدو. على الرغم أن تلك الدول الأولية التي ظهرت عام 1916 كان لها مبررات ضحلة للوجود إلا أنها قد نجحت في غرس جذورها عبر هذا القرن منذ ذلك الحين. لا يمكن ببساطة جرف هذه الدول، كما أن تقسيمها لن يفعل شيئا يذكر لتعزيز الانسجام الداخلي الذي فشلت في تحقيقه. عندما ينقشع الغبار، سوف نكتشف أننا نرى دولا جديدة داخل نفس الحدود التي نراها الآن في الشرق الأوسط وليست دولا جديدة بحدود جديدة.

ويجادل هؤلاء أن الاتفاق «الأنجلو فرنسي» لتقسيم غنائم ما بعد الدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ لم يكن أكثر من اتفاق تعسفي. وغني عن القول في وجهة نظرهم، أن محو الحدود السورية العراقية من قبل «الدولة الإسلامية» في عام 2014 كان يبشر بانهيار النظام برمته. ولكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة.

وقد استندت الدول التي أسستها سايكس بيكو بالأساس على حدود المحافظات العثمانية والتي كانت تستند هي الأخرى على المناطق المحيطة بالمدن الكبرى. كانت القدس وبيروت ودمشق وبغداد محاور لمحافظات مختلفة وقد لعبت أدورا مماثلة لمراكز الدول الحديثة في الوقت الراهن. ولم تكن طريقة الحكم العثماني موحدة في جميع أنحاء الإمبراطورية. غالبا ما كانت طريقة مشددة في المدن وأكثر مرونة في الريف ولكنها غائبة إلى حد كبير في المناطق الصحراوية التي يسكنها البدو الرحل. كما أن القانون العثماني الموحد لم يكن يشمل الجميع. وقد كان يعطي الحق للطوائف الدينية لتنظيم العديد من القوانين المدنية الخاصة بهم، كما كانت القوانين والأعراف القبلية تسود في المناطق القبلية.

كانت السيطرة على المناطق تتم بشكل رئيسي من خلال جامعي الضرائب، وقد حافظت القسطنيطينية، إسطنبول الآن، على قبضة مشددة. وقد كان النظام بأكمله يتغير وتتعرض الحدود للتبدل وفقا للظروف الإقليمية ومع شروع الإمبراطورية في جهودها الدورية للإصلاح.

لم يكن الحلم القومي العربي يكمن في تغيير الحدود العثمانية. وبالتأكيد لم يكن هو تشكيل الدول الصغيرة داخل حدود ما بعد الدولة العثمانية كما يقوم البعض الآن بفعله في أراضي العراق وسوريا. بدلا من ذلك، كان هذا الحلم يكمن في توحيد الأراضي العربية في دولة واحدة.

ولكن مع مرور قرن على بداية هذا الحلم العربي، فقد نشأت تلك الدول الحديثة والتي قامت بفرض هياكلها ونظمها. في هذه العملية، قامت الدولة الحديثة بفرض هياكل خبرتها الخاصة إضافة إلى هياكل المحسوبية والولاء. لم تكن تلك الهياكل جيدة كما تبدو كما أن منظومات الولاء والمحسوبية كانت مهترأة. لكن من المهم أن نشير هنا أنه، ومع حالة الضعف التي تبدو عليها، فإن الدول في الشرق الأوسط تبدو أكثر قوة من أي هياكل أخرى تسعى إلى أن تحل محلها.

يكمن جزء كبير من قوة الدول في حقيقة أن الدول القائمة في جميع أنحاء العالم لا تزال تفضل التعامل مع الدول المناظرة أكثر من سائر الهياكل الأخرى غير الدول. وتعمل الدول بشكل عام إلى تعزيز الدول في وجه الجهات الأخرى غير الحكومية. وجه آخر للقوة يكمن في حقيقة أن الدول لها القدرة على الحفاظ على ولاء العديد من الأشخاص الأكثر خبرة في عمليات الدولة. كما أن لديها المال، وأجهزة المخابرات والشرطة وغيرها من الأدوات. تسعى الجهات غير الحكومية بشكل متزايد إلى كسر احتكار الدولة لهذه الأشياء ولكن المزايا التي توفرها الدولة، من الناحية المطلقة، من المرجح أن تثبت أنها دائمة.

أسهل الإجابات على التحديات التي تواجه الدول هي ببساطة تقسيمها إلى أجزائها المكونة. تقترح هذه الإجابة أنه إذا سمح بانشقاق الأقليات التي تتحدى سلطة الدولة المركزية فإن التوترات سوف تحل.

لكن الأمور ليست بهذه البساطة. الجزء الأعظم من تلك الدول الجديدة المنتظرة سوف تواجه مشاكل في بناء الدولة في الوقت الذي ستحاول فيه فجأة تقمص الأدوار التي تلعبها الدولة المركزية. القضية الأكثر عمقا هنا أنه في الوقت الذي تشرع فيه هذه الدول في جهودها نحو بناء الدولة فإنها في الوقت ذاته سوف تخوض الصراع الداخلي الخاص به حول السلطة والنفوذ. غالبا ما تضيع مقترحات الاستقلال الكردي على سبيل المثال بسبب حقيقة أن هناك ثلاث مجموعات على الأقل تتنافس على السلطة في كردستان العراق. هذه المجموعات قد تبدو متحدة الآن في مواجهة التحديات الخارجية المشتركة. ولكن يجب أن تكون حالة جنوب السودان بمثابة تحذير لنا. بعد استقلال البلاد مباشرة عن الشمال، فإنها قد انحدرت إلى حرب أهلية طاحنة بين الجماعات التي كانت متحدة سلفا. لبنان هي حالة تحذيرية أخرى. وهي دولة كان قد تم إنشاؤها من الأساس لحماية الأقلية المسيحية المارونية في بحر السنة المحيط بها. ولكن مختلف الطوائف في لبنان لم تسقط فقط في حرب أهلية دامية دامت أكثر من عقد من الزمان، ولكنها في الآونة الأخيرة قد فشلت في الاتفاق على رئيس بعد 39 جولة من الاقتراع في البرلمان على مدار قرابة عامين.

الإجابة على تحديات الشرق الأوسط الحديث لا تكمن في تشكيل دول أصغر حجما ولكن في صناعة دول أكثر مرونة تتحلى بالمزيد من التسامح مع التنوع والاختلاف وزيادة تداول السلطة والخبرات من المركز إلى الأطراف. تحقيق هذا الأمر لن يكون تحديا سهلا. وقد كان النمط السائد في القرن العشرين يسير في الاتجاه المعاكس مع ظهور العواصم الضخمة التي غالبا ما تحوي ربع سكان البلاد أو أكثر، مع فوائض من الثروة والفرص الاقتصادية مقارنة بباقي البلاد.

وفي حين أن هذا التغيير سوف يستغرق فترة طويلة، فإنه يمكن أن يتم تسريع وتيرته في مواجهة حقيقة أن الدول في كل مكان تواصل فقدان ركائزها الأساسية. الشركات وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية تزداد قوة ولها علاقات دولية خاصة بها، كما أن تعقيدات الحياة الحديثة تجعل من المستحيل على أي حكومة أن تحافظ على سيطرتها كاملة. في نفس الوقت، فإن الحكومات تجد أنها بحاجة إلى شركاء حكوميين أقوياء للحفاظ على أمنها. علامة قوة الحكومة لم تعد كم يمكن للحكومة أن تحكم، ولكن كيف تختار بحكمة ما تحتاج للسيطرة عليه.

بعد مرور قرن على سايكس بيكو، فإن مستقبل الشرق الأوسط لا يرتكز فقط على الأماكن التي ترسم فيها حدود الدول، ولكنه يعتمد في المقام الأول على ما يحدث داخلها.

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو التقسيم الشرق الأوسط الحدود الدولة العثمانية سوريا العراق كردستان اليمن الاستعمار

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة

من «سايكس بيكو» إلى «كيري لافروف»

انسوا «سايكس بيكو» .. معاهدة «سيفر» هي ما يشرح الاضطراب في الشرق الأوسط

لماذا على الغرب أن يتحمل مسؤولية الدماء المراقة في الشرق الأوسط؟

هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟

هل فقدت الحدود معناها؟ .. الجغرافيا السياسية في عالم متغير