«نيويورك تايمز»: هل كان بإمكان حدود مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط؟

الثلاثاء 17 مايو 2016 06:05 ص

ربما لا توجد الكثير من الأشياء التي تتفق حولها «الدولة الإسلامية» و«جون ستيوارت» ورئيس إقليم كردستان العراق، لكن هناك شيء واحد يتفق عليه هؤلاء الثلاثة وهو: التأثير المدمر لاتفاقية «سايكس بيكو»، وهي خطة سرية لتقسيم الشرق الأوسط تم توقيعها بين فرنسا وبريطانيا قبل مائة عام في مثل هذا الأسبوع. لقد أصبحت حكمة تقليدية أن تقول ذلك، كما فعل نائب الرئيس «جوزيف بايدن» حين قال أن مشاكل الشرق الأوسط تنبع من «حدود مصطنعة، وخلق دويلات اصطناعية قائمة بشكل كامل على جماعات تمييز عرقي وديني وثقافي».

لقد أثرت الإمبريالية الغربية تأثيراً خبيثاً على مسار تاريخ الشرق الأوسط بلا شك. لكن هل «سايكس بيكو» هي الهدف الصائب لهذا الحنق؟

ظهرت بالفعل الحدود الموجودة اليوم، تلك التي تدّعي «الدولة الإسلامية» أنها تهدمها، في عام 1920 وتمت عليها تعديلات خلال العقود التالية. لا تعكس تلك الحدود خطة واحدة، بل تعكس سلسلة من الاقتراحات الانتهازية برزت عن طريق استراتيجيين متنافسين في باريس ولندن بجانب قادة محليين في الشرق الأوسط. أياً كانت تلك المشاكل التي سببتها تلك المخططات، فإنّ الأفكار البديلة لتقسيم المنطقة ربما لم تكن أفضل حالاً. إنّ خلق دول من أقاليم مختلفة هي عملية عنيفة ومنقوصة.

«سايكس» و«بيكو» يدبِّران خطتهما

قام «مارك سايكس» الدبلوماسي البريطاني مع نظيره الفرنسي «فرانسوا جورجس بيكو»، في شهر مايو/أيار من العام 1916، بوضع اتفاقية تضمن حصول بلديهما على حصة عادلة من الغنائم فور هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

كافأ البلدان نفسيهما بالتحكم الكامل في المناطق التي تحظى لديهما بأهمية استراتيجية واقتصادية. كان لدى فرنسا علاقات وروابط تجارية بالشام، كما كان يربطها بالمسيحيين بالمنطقة موروث ثقافي عميق. كانت بريطانيا لتأمين طرق التجارة والاتصالات الواصلة بالهند، وذلك عن طريق قناة السويس والخليج.

بنفس المدى الذي سعت به خطة «سايكس بيكو» لتقدير حجم الجماعات المحلية العرقية والدينية والثقافية، فإنّها قدمت وعداً مبهماً بخلق دولة أو عدة دول عربية، تخضع للنفوذ الفرنسي والبريطاني بالطبع.

أحلام «فيصل» بمملكة عربية موحدة

في عام 1920، أصبح «فيصل بن حسين»، الذي قاد الجيوش العربية في تمردها على العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى بدعم من بريطانيا، قائداً للمملكة السورية العربية المستقلة المقامة بدمشق. توسعت حدوده الطموحة لتشمل سوريا الحديثة بوقتنا الحالي والأردن و(إسرائيل) وأجزاء من تركيا (لكن ليس العراق).

هل كانت خريطة «فيصل» بديلاً أصلياً للحدود المفروضة خارجياً التي أتت بعد ذلك؟ نحن لن نعرف ذلك أبداً. قام الفرنسيون، الذين عارضوا خطته، بهزيمة جيشه سريعا. لكن حتى لو لم يفعلوا ذلك، فإنّ تطلعات «فيصل» الإقليمية قد وضعته في صراع مباشر مع المسيحيين المارونية المدفوعين برغبة الاستقلال لما أصبحت عليه لبنان اليوم، ومع المستوطنين اليهود الذين كانوا قد بدؤوا مشروعهم الصهيوني في فلسطين، ومع القوميين الأتراك الذين سعوا لتوحيد الأناضول.

فرنسا تقسم سوريا

عندما أصبحت فرنسا مسيطرة على ما يسمى اليوم بـ(سوريا)، كانت الخطة في باريس تقوم على تقسيم المنطقة لدويلات أصغر تحت سيطرة فرنسا. تم تقسيم هذه الدويلات على أسس عرقية وإقليمية وطائفية. وضعت فرنسا تصورا لدولة للعلويين وأخرى للدروز وأخرى للأتراك إضافة إلى دولتين إضافيتين تتمحوران حول أكبر مدن سوريا، دمشق وحلب.

وكان الغرض من استراتيجية «فرق تسد» هذه هو استباق دعوات القوميين العرب لما يسمى «سوريا الكبرى». اليوم وفي ظل مرور خمس سنوات على الحرب الأهلية في سوريا فإن اقتراحات مشابهة للتقسيم قد ظهرت ولكن كبديل أكثر واقعية لما يسمى تصنعا بدولة سوريا. لكن عندما حاول الفرنسيون تقسيم سوريا منذ ما يقارب القرن من الزمان، فإن سكان المنطقة، ملهمين بأفكار وحدة سوريا أو الوحدة العربية وبدفع من القادة القوميين الجدد، قاوموا بقوة لجعل فرنسا تتخلى عن هذه الخطة.

الأمريكيون للإنقاذ؟

في عام 1919، أرسل الرئيس «وودرو ويلسون» وفداً ليبتكر طريقة أفضل لتقسيم المنطقة. أجرى كلاً من «هنري كينج»، عالم اللاهوتية، و«تشارلز كران»، رجل الصناعة، مئات المقابلات لإعداد خريطة وفق مفهوم حق تقرير المصير الوطني.

هل كانت هذه فرصة مفقودة لرسم الحدود «الحقيقية» للمنطقة؟ هذا أمر مشكوك فيه. أدرك «كينج» و«كران»، بعد دراسة متأنية، كم كانت المهمة صعبة: وقد اتلفا بين جعل لبنان دولة مستقلة أو جعلها جزءا من سوريا مع اقتراح بـ «حكم ذاتي محدود». لقد ظنا بأن الأكراد ربما يكونون أفضل حالا بالاندماج داخل العراق أو حتى تركيا. وكانا متأكدين بأن السنة والشيعة ينتميان معاً لعراق موحد. في النهاية، تجاهلت فرنسا وبريطانيا التوصيات. ربما، لو كانوا قد استمعوا، لكانت الأمور قد تحولت عن الوضع الحالي بشكل أو بآخر.

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط سايكس بيكو الولايات المتحدة تقسيم الحدود سوريا فرنسا الدولة الإسلامية بريطانيا

خبراء: الدماء تطمس حدود الشرق الأوسط التي رسمتها «سايكس بيكو» قبل 100 عام

هل يمكن أن يجد الشرق الأوسط طريقه بعيدا عن «سايكس بيكو»؟

ما الذي تغير بعد مرور قرن على تأسيس دول الشرق الأوسط؟

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

هل فقدت الحدود معناها؟ .. الجغرافيا السياسية في عالم متغير