خبراء: الدماء تطمس حدود الشرق الأوسط التي رسمتها «سايكس بيكو» قبل 100 عام

الثلاثاء 17 مايو 2016 10:05 ص

بعد قرن من رسم حدود الشرق الأوسط في اتفاقية سرية بين بريطانيا وفرنسا اقتسمتا بمقتضاها السيطرة عليه بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى يطمس العنف الطائفي تلك الحدود، لكن هناك في المنطقة من يرون في هذه الفوضى الدموية فرصة لهم.

من بين هؤلاء الإسرائيليون والأكراد إذ يحاول كل من الجانبين تشكيل منطقة نفوذه، وأيضا القوميون العرب أو الإسلاميون الذين يصبون جام غضبهم على الاستعمار الغربي.

ومع تشعب الصراع من حيث نفوذهم وأهدافهم فإنهم يمثلون صداعا لمعالجي الأزمات العالمية في الوقت الراهن.

وليس هناك مكان تتجسد فيه الأزمة أكثر من سوريا والعراق وهما الدولتان اللتان خط البريطاني «مارك سايكس» والفرنسي «فرانسوا جورج-بيكو»، حدودهما بشكل عمومي في اتفاق 16 مايو/أيار 1916 وتشهدان اليوم مكاسب لمتشددي «الدولة الإسلامية» واقتتالا بين الشيعة والسنة.

نفوذ (إسرائيل)

وتزامن مع الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو عقد مؤتمرات وطرح آراء سياسية في «إسرائيل»، وقال رئيس وزراءها «بنيامين نتنياهو» إن «ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية التي احتلتها بلاده في حرب يونيو حزيران 1967 يجب أن يلقى اعترافا دوليا، وإن أحد أسباب ذلك أن دمشق ربما لم تعد قادرة على الاحتفاظ بما يكفي من السلطة المركزية اللازمة للتفاوض لاستعادة الهضبة الاستراتيجية».

وقال السياسي الإسرائيلي البارز «دوري جولد» إن «التخلي عن الجولان سيجعل الأراضي الإسرائيلية في مرمى نيران الدولة الإسلامية».

وأضاف: «انصهار الحدود مع الربيع العربي والشتاء الإسلامي خلق واقعا يشير إلى عدد من المحاذير التي يتعين على إسرائيل أن تضعها في الاعتبار في المستقبل.. وتظهر حركات وحدوية تتحدى الحدود المرسومة منذ وقت طويل».

وقال إن «السبب في الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية أن مبعوث الأمم المتحدة للسلام في سوريا جعل الجولان في مارس/آذار، جزءا من اقتراحات لإعادة توحيد الدولة التي تمزقت على مدى خمس سنوات من الحرب الأهلية».

وتوافق على تلك الاقتراحات روسيا الدولة الكبرى التي دعمت رئيس النظام السوري «بشار الأسد»، أكثر من غيرها ضد جماعات المعارضة المسلحة والجماعات المتشددة ويقول مسؤولوها إن الجولان السوري المحتل يجب أن يبقى جزءا من سوريا.

وقال «جولد»، إن «هذا يثير من وجهة نظري صورة لاجتماع سري ما في قبو أحد مقار الحكم في أوروبا حيث يجلس سايكس وبيكو القرن الحادي والعشرين بحوزتهما خرائط ومعهما رسامون ويحاولان إعادة رسم حدود الشرق الأوسط».

و«جولد» يبالغ في الأمر لأنه لا يوجد ما يشير إلى عقد مثل هذه الاجتماعات لكن احتياج (إسرائيل) لحق المطالبة بذلك يظل قائما.

الأكراد يسعون للاستقلال

واقتنص الأكراد وهم شعب بلا دولة تعداده عشرات الملايين، الفوضى لتوسيع المناطق الغنية بالنفط في شمال العراق المتمتع بالحكم شبه المستقل وهو الوضع الذي تمتعوا به منذ سقوط «صدام حسين» في 2003.

وفي شمال سوريا يعمل الأكراد الذين يسيطرون على ثلاث محافظات للانتهاء في وقت لاحق من العام الحالي من وضع خطط اتحاد سياسي متمتع بالحكم شبه المستقل.

ويعي الأكراد أن الولايات المتحدة تريد بقاء العراق وسوريا كما هما ولذلك لم يعلنوا الاستقلال، لكن بعض السلطات الكردية تبدو ماضية في هذا الاتجاه.

وقال «مسرور البرزاني» مستشار مجلس أمن إقليم كردستان العراق في حسابه على «تويتر»، إن مئة عام من الفشل وإراقة الدماء تكفي سببا لمحاولة المضي في طريق جديد، .. وبالنسبة لكردستان حان الوقت لإنهاء الظلم.

وأردف أن «البعض يتساءلون الآن عما إذا كان الوقت قد حان لكردستان مستقلة..الوقت حان لأن يقرر الشعب الكردي مستقبله».

وهذه المشاعر لا تلقى ترحيبا في بغداد أو العواصم العربية الأخرى التي تحاول احتواء الشروخ الإقليمية.

لكن هناك تأييدا شعبيا بين كثير من العرب لاعتبار اتفاقية سايكس-بيكو ميتة، فالقوميون العلمانيون يريدون إنهاء الحدود التعسفية المفروضة من الغرب في العالم العربي، ويأمل الإسلاميون في توحيد المنطقة في خلافة إسلامية.

وقال «جميل أبو بكر» العضو القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إن سايكس-بيكو «تقسم الأمة العربية والبلاد العربية وعملت على التهيئة لاحتضان الكيان الصهيوني ولتمرير المشروع الصهيوني ولإبقاء حالة العرب في حالة ضعف» في إشارة إلى قيام (إسرائيل) عام 1948 على أرض ما كان يسمى فلسطين تحت الحكم البريطاني.

ويخشى الفلسطينيون أن تتسبب الصراعات الراهنة في إضعاف مسعاهم لإقامة دولة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل.

وعبرت «حنان عشراوي» العضو القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية عن حزنها إزاء ما وصفته الغدر والخيانة في الاتفاقيات الاستعمارية مثل سايكس-بيكو لكنها قالت إن الدول العربية التي قامت نتيجة هذه الاتفاقيات يجب أن تبقى خشية أن يتسبب التقسيم في مزيد من المعاناة.

وفي إشارة إلى الجولان قالت إن (إسرائيل) تستغل الوضع من أجل محاولة التركيز لجعل احتلالها غير الشرعي للأرض العربية بما فيها الضفة الغربية دائما.

تقسيم المقسم

في السياق ذاته، أكد باحثون أتراك في الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس- بيكو أن منطقة الشرق الأوسط تنجر لعملية تقسيم المقسم، دون إيلاء أي أهمية لإرادة شعوب المنطقة.

وفي تقييمه لنتائج اتفاقية سايكس بيكو على الشرق الأوسط، للأناضول، رأى البروفسور، «طيار آري»، المحاضر في قسم العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة «أولوداغ» التركية، أن المنطقة دُفعت إلى مرحلة جديدة تستهدف تقسيمها إلى أجزاء أصغر دون الاهتمام بإرادة شعوب المنطقة، مشيرا أن «التطورات الراهنة في المنطقة تدفع للتساؤل.. هل هذا يمهد الطريق لتحديث الاتفاقية«».

وأشار «آري» إلى وجود احتمالات لتعرض أراضي الدولة العثمانية التي انقسمت إلى دويلات صغيرة إلى تجزئة جديدة قائمة على الهويات الإثنية الصغيرة، لافتاً إلى أن الموقف المتناقض للولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مكافحة تنظيم «ب ي د» (الذراع السوري لبي كا كا الإرهابية) خصوصاً، ووجهات نظرها حيال تركيا يعد انعكاساً جلياً لتلك الاحتمالات.

وأردف: «يمكننا التعليق على عدم وجود حل للمشكلة السورية، والتلميحات إلى إمكانية تقسيم سوريا بحسب خطة أميركية بديلة، بأنه إفصاح عن النوايا الخفية»، مؤكدا أنه ينظر بعين الريبة إلى عدم القيام بأي شئ بخصوص الأزمة السورية وإطالة أمدها».

وأكد إمكانية الحيلولة دون تفاقم الأزمة السورية لو كانت هناك إرادة جادة لدى الأطراف الدولية الفاعلة، مضيفاً: «ولكن وكأن هناك رغبة بخلق مناخ من أجل إنهاك الأطراف المتصارعة واللجوء إلى التقسيم، من خلال ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي دون تدخل، وفي هذا الإطار فإن التقسيم سيزيد النزاع بين بلدان المنطقة».

وذكر أن تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة قائمة على الهويات الضيقة، ستفتح الطريق أمام حالة من عدم الاستقرار المستمرة داخلها، مستشهداً بالوضع في العراق حاليا، معتبرا أن «السبب وراء وصول العلاقات بين تركيا وإيران إلى هذه النقطة المزعجة كامن في علاقات إيران مع العناصر الشيعية في المنطقة».

من جانبه، رأى رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، عضو الهيئة التدريسية بجامعة وقف السلطان محمد الفاتح، «زكريا قورشون»، أن اتفاقية سايكس بيكو هي استراتيجية لخلق مناطق نفوذ لكل من بريطانيا وفرنسا، وليست ترسيم حدود فقط، وقائمة على مشروع يعود لـ 300 عام، لافتاً إلى أن يومنا الحالي يشهد استمراراً لجهود تشكيل نفوذ مماثل، مبيناً أن الاتفاقية شكلت نقطة تحول للشرق الأوسط.

بدوره، أوضح البروفسور «محمد جليك»، رئيس جامعة «أنقا» التقنية، أن سايكس بيكو تعد اتفاقية سرية لتقاسم الشرق الأوسط بين البريطانيين والفرنسيين، مبيناً أنهما (بريطانيا وفرنسا) موجودتان في المنطقة مجدداً الآن لنفس الغاية، قائلاً: «ولكن هذه المرة يتوجهون نحو صيغة جديدة، فالولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وإيران موجودة فيها».

ووقعت كل من بريطانيا وفرنسا الاتفاقية السرية في حينه ممثلتين بالدبلوماسيين الفرنسي «جورج بيكو» والبريطاني «مارك سايكس» في 16 مايو/ أيار 1916، حيث حصلت فرنسا على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق، بينما ترك العراق وتحديدا بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا لبريطانيا، التي حصلت أيضا على السيطرة على فلسطين، وذلك بعد أن ثبّتت عصبة الأمم مضمون اتفاق «سايكس – بيكو» في اقرار مبدأ الانتداب.

المصدر | الخليج الجديد+ وكالات

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو الشرق الأوسط سوريا لبنان إسرائيل فلسطين الجولان بريطانيا فرنسا

«بارزاني» في مئوية «سايكس - بيكو»: الاتفاقية التي ظلمت الأكراد ماتت .. وسنقرر مصيرنا

بعد 100 عام.. الإرث الدامي لمعاهدة «سايكس- بيكو» لا يزال يطارد الشرق الأوسط

هل يحتاج الشرق الأوسط إلى حدود جديدة: تراث «سايكس بيكو» بعد مائة عام

هذا اللغط حول «سايكس بيكو» جديدة

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

«نيويورك تايمز»: هل كان بإمكان حدود مختلفة أن تنقذ الشرق الأوسط؟

«فورين بوليسي»: الاستبداد وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

مائة عام على «سايكس بيكو»

سايكس - بيكو؟

«نقاط عشر» لمرحلة ما بعد «سايكس بيكو»

العرب ومئوية «سايكس- بيكو».. واقع على رمال متحركة!

هل فقدت الحدود معناها؟ .. الجغرافيا السياسية في عالم متغير