«نيويورك تايمز»: كيف يطارد إرث اتفاق سري جهود إنهاء الحرب في سوريا؟

الأربعاء 18 مايو 2016 07:05 ص

وقعت بريطانيا وفرنسا، قبل مائة عام،  اتفاقية سرية تقسم مناطق النفوذ التي صنعت في النهاية الشرق الأوسط الحديث. رغم ذلك لم يكن أحد يحتفل بهذه الذكرى السنوية مثل وزير الخارجية «جون كيري» ونظرائه من أوروبا. فالدول العربية وإيران قد بدؤوا بالتجمع في فيينا في أحدث الجهود الدولية لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.

من المفترض أن تقود الجهود أيضاً لما يدعى «تحولاً سياسياً» يسهل خروج الرئيس «بشار الأسد» من المشهد. هذا هو هدف الحلفاء الغربيين والدول العربية على الأقل. ولكن يبدو أنّ الإيرانيين والروس لديهم وجهة نظر أخرى.

تعتبر اتفاقية «سايكس بيكو»، التي سميت بهذا الأسم تبعا لكاتبيها البريطاني والفرنسي، والخريطة التي أخرجتها، على نطاق واسع نقطة في الجهود الاستعمارية للتلاعب بالمنطقة لتلائم مصالح الغرباء.

ومع ما تبقى من الاتفاقية، التي خرجت للنور بعد إثبات الوثائق لوجودها إبان  الثورة الروسية عام 1917، يلوح في الأفق كل شيء يفعله السيد «كيري» ورفقاؤه وزراء الخارجية هنا.

في أكتوبر/تشرين أول، أقر الوزراء، الذين شكلوا ما يسمى بالمجموعة الدولية لدعم سوريا، أن «وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها العلماني هي بنود جوهرية». لكن بعض اللاعبين الرئيسيين في الجهود بطيئة الحركة لإيجاد حكومة انتقالية سوريا قالوا، بعد أن ضمنا لهم عدم الكشف عن هوياتهم، أنهم يعتقدون أن الوحدة وسلامة الأراضي لم تعد أمورا ممكنة.

واحد من اللاعبين القليلين الذين لاحظوا الذكرى السنوية يوم الإثنين هو رئيس إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي «مسعود بارزاني»، حين كتب على تويتر: «في الذكرى السنوية المائة لاتفاقية سايكس يكو، الحدود/السيادة أصبحت غير ذات معنى» كما كتب أيضاً: «سايكس بيكو قد انتهت».

قد يكون الأمر كذلك. لكن في فيينا، يعدّ إعطاء صوت لهذا الفكر هو تعدٍ صارخ على العرف الدبلوماسي.

عندما عينت وزارة الخارجية مسؤولاً رفيع المستوى لمراجعة أحاديث الصحفيين هنا بعد ظهر الإثنين، أصر المسؤول، الذي لا يمكننا الكشف عن اسمه بحسب القواعد الأساسية التي وضعتها وزارة الخارجية، على أنّ تقسيم البلاد لم يكن موضوعاً للنقاش. وقد ألمح المسؤول عن إمكانية وجود شكل من أشكال اللامركزية التي تسمح للجماعات المختلفة، الأكراد وحكومة «الأسد» والمعارضة، بالحصول على نوع من أنواع الحكم الذاتي. لكن الهدف من ذلك، على حد قوله، هو صالح سوريا.

بالطبع فإن أي قول غير هذا من الممكن أن يؤدي لفقدان أعضاء حاسمين من مجموعة الدعم بداية من تركيا التي تخشى أن انفصال كردستان سوف يتبعه بعد ذلك انفصال الإقليم الكردي في تركيا كذلك. تبدي أطراف أخرى بقيادة السعوديين اهتماما أقل بشأن حدود سوريا وينصب جل اهتمامها حول التخلص من «الأسد». وبينما يظهر الموقف الرسمي الأمريكي بضرورة رحيله، فإنّ الواقع يؤكد أن عددا قليلا في واشنطن يتعجل ذلك: آخر ما يريده الأمريكيون هو أن يروا فراغاً في السلطة في دمشق يحاول «الدولة الإسلامية» أن يشغله.

مع ذلك، فإنه من الصحيح أن أقول أنه إذا خرج أي شخص من النكبة السورية مكروها في المنطقة مثل الرئيس «الأسد»، فمن المحتمل أن يكونا هما الدبلوماسيان اللذان أعادا ترتيب المنطقة: السيد «مارك سايكس» و«فرانسوا جورجس بيكو». وعلى عكس الرئيس «الأسد»، فهما لم يعودا موجودين للدفاع عن نفسيهما.

توفي «سايكس»، مربي خيول السباق والجندي المتمرس بحرب البوير، بعد التوصل للاتفاقية بثلاث سنوات، حيث مات بالإنفلونزا الإسبانية عندما كان في باريس خلال محادثات السلام عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى. أما «بيكو»، وهو ابن المؤرخ والمعروف بمهاراته كمحامي ودبلوماسي، عاش حتى وصل للثمانين. توفي في عام 1951 بعد نشوء (إسرائيل) بثلاثة أعوام.

ليس مفاجئا في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من خطر التفكك، أن يظهر نقاش حيوي على السطح حول ما إذا كان الرجلان قد حكما على الشرق الأوسط بقرن من الفوضى، أو ما إذا كان تدخلهم قد سبب ضرراً أقل مما يتعلمه الطلاب في الجامعات والمدارس الثانوية اليوم.

حصلت بريطانيا في النهاية، من أنقاض الدولة العثمانية، على الوصاية على فلسطين والعراق؛ وحصلت فرنسا على ما يسمى اليوم بسوريا. تم إلحاق المناطق التي تشهد اليوم أشد المعارك ضراوة، مثل الموصل، بمملكة العراق.

الرجلان لديهما من يدافع عنهما أيضا. حيث كتب  «ستيفن كوك» و«عمرو لهيطة» من مجلس العلاقات الخارجية في مجلة «فورين بوليسي» أنه قد حان الوقت لإعطاء السيدين الاستعماريين راحة، لأنه مهما حدث اليوم فمن المحتمل ألا يكون خطأهما.

وقد أكدا أنه ربما تتفتت المنطقة وتعاد هيكلتها في السنوات القليلة اللاحقة، لكن من يعتقد أن الحدود من الممكن أن ترسم لإرضاء المطالب القبلية والعرقية فإنه لا يفكر بشكل سليم.

كما كتب يقول: «لن يكون هناك شيء (أكثر من الطبيعي) حول هذا الترتيب الجديد مما كان عليه الأمر في الوضع الراهن لمدة قرن»، مؤكدا أن: «خرافة سايكس هي كذبة لتبرر سياسة الشرق الأوسط المفكك أو لتدافع عن الجهود الدولية لإعادة رسم خريطة المنطقة».

في الأسبوع الماضي، قال «فيليب جوردن»، مستشار الرئيس «أوباما» في مجلس الأمن القومي منذ ما يقارب العامين «إنّ النهج الذي كنا ننفذه لعدد من السنوات لا يعمل، ولا يبدو أنه سيعمل». وبحسب قوله، فإنّ الولايات المتحدة ليس لديها ببساطة الإرادة لتشترك في هذا النوع من القوة العسكرية الضرورية للإطاحة بالرئيس «الأسد» في أي وقت قريب، كما أن شركاءها في مجموعة دعم سوريا منقسمون بشدة حول هذه المسألة.

وحول الإطاحة بالرئيس «الأسد» قال: «لسنا في طريقنا للاتفاق حول ذلك مع النظام أو الروس أو الإيرانيين». وقال أيضاً: «لا يمكن الحفاظ على ذلك كشرط مسبق للحد من تصاعد الصراع، أعتقد أن تلك طريقة لاستمرار الصراع، وهذا يبرهن على إمكانية استمرار هذا الحال لبعض الوقت».

ربما يتفق كل من «سايكس» و«بيكو» نفسيهما مع ذلك. ولكن أكبر مشاكل سوريا ليست حول الحدود، إنما حول العنف غير المحدود داخل تلك الحدود.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

سايكس بيكو سوريا الأسد جون كيري تقسيم سوريا أمريكا لافروف الدولة الإسلامية الشرق الأوسط

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

تقسيم سوريا .. الخطة الأمريكية البديلة حال فشل وقف إطلاق النار

«تقسيم سورية» بديلا من فشل الهدنة والمفاوضات

طرح روسي لتقسيم سوريا .. خطة موسكو «البديلة»؟

من «سايكس بيكو» إلى «كيري لافروف»

مصير العرب مع هزيمة التنوير الإنساني في سوريا