ما الذي يتجاهله الغرب بشأن بذور الصراع في الشرق الأوسط؟

الجمعة 9 سبتمبر 2016 12:09 م

أيا ما كانت ذنوبهما الأخرى، فإن المسؤولين الرئيسيين عن احتلال العراق في عام 2003، «جورج دبليو بوش» و«توني بلير»، أثبتا جهلهما الشديد بالتاريخ.

كثير من الناس، لأسباب مفهومة، يصابون بالحيرة حول العنف والفوضى في الشرق الأوسط. هم على سبيل المثال ينظرون إلى الصراع في سوريا ويتساءلون: كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟

جزء من المشكلة يعود إلى تركيز وسائل الإعلام على الصدارة المزدحمة وإهمال الخلفية التاريخية الهامة، وعلى وجه التحديد الحقبة التكوينية لظهور الشرق الأوسط الحديث في العهد الإمبراطوري.

لفهم الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط اليوم، فإننا بحاجة إل فهم كيفية ظهور المنطقة بشكلها الحالي عبر نصف قرن يمتد بين عامي 1917 و1967. عندما غاد البريطانيون مصر، كان 77% من سكانها أميون في حين كان دخل الفرد يبلغ 42 جنيه إسترليني سنويا، ومتوسط أعمار الذكور في البلاد يتراوح حول 36 عاما.

شكلت الحرب العالمية الأولى وما بعدها المنطقة بشكل حيوي ومصيري. الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم منطقة الشرق الأوسط لمدة أربعة مائة سنة، انحازت إلى ألمانيا. وبعد أن تمت هزيمتها، قامت بريطانيا وفرنسا بتقسيم أجزاء الإمبراطورية فيما بينهما. خلفت تسوية ما بعد الحرب إرثا عميقا من عدم الثقة، وزرعت دون قصد بذور العديد من النزاعات الدائرة حاليا بما في ذلك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ومشكلة لبنان والأزمة الكردية.

شعر العرب الذين كانوا يحلمون بالاستقلال بشعور الخيانة حين وجدوا أنهم استبدلوا بالحكم التركي حكما أوروبيا. «شبح إقرار السلام»، وفقا لتعبير المؤرخ «ألبرت حوراني»، لا يزال يسكن السياسة العربية منذ ذلك الحين.

الحصاد المر

كان للسيطرة الأوروبية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عواقب وخيمة على المنطقة وعلاقاتها مع الغرب. أولا: تسبب الحكم الاستعماري في نشوء النزاع من البداية. فقط بعد عامين من احتلال الفرنسيين للجزائر في عام 1830، قام المحارب الكاريزمي الشاب ورجل الدين الصوفي الأمير «عبد القادر» بقيادة ثورة استمرت 15 عاما. تم قمع هذه الثورة ونظيرتها التي نشبت عام 1871 بشراسة كبيرة. اتحد العرب والبربر، الجماعتان العرقيتان الرئيسيتان في البلاد، في معارضة الحكم الفرنسي. وقد وثق الأدب مدى المرارة التي شعر بها الجزائريون بفعل الاستعمار الفرنسي.

كان نفس الشعور واضحا في أي مكان آخر. في جميع أنحاء المنطقة، مع استثناءات قليلة نسبيا، أثار الحكم الاستعماري الاستياء بشكل عام، وحالات التمرد في كثير من الأحيان.

وقد أخذت فرنسا على حين غرة من قبل الثورة الكبرى في سوريا في العشرينيات، والتي اندلعت في المنطقة الدرزية جنوب دمشق وسرعان ما امتدت إلى معظم أنحاء البلاد. في العراق، ثار الشيعة في الجنوب ضد الحكم البريطاني في عام 1920، وردت القوة الاستعمارية باستخدام القوة الجوية سواء بين قبائل الشيعة أو الأكراد في الشمال.

وقعت أحداث العنف الأبرز والأطول أمدا في الجزائر. لا يزال الخبراء يتناقشون حول أعداد أولئك الذين قتلوا في حرب الاستقلال التي استمرت بين عامي 1954و1962، لكن هذا العدد لن يقل بأي حال عن نصف مليون نسمة.

ثانيا: تحدى الحكم الاستعماري أساس مجتمعات الشرق الأوسط. تحت الحكم العثماني، رغم كل أوجه القصور التي اعترته، حافظت المنطقة على قدر معين من التماسك الثقافي والسياسي الذي لم تتمكن من استعادته. كانت فكرة الدولة القومية لا تزال جديدة، وكانت غريبة في بدايتها على الأقل. رسم المسؤولون البريطانيون والفرنسيون الحدود الجديدة، تلك الحدود سيئة السمعة التي خطت في الرمال، لتتلاءم مع مصالحهم الإمبريالية. نادرا ما كانت هذه الحدود ملائمة من الناحية الطبيعية، ونتيجة لذلك، كانت عملية بناء الدولة وبناء الأمة محفوفة بالصعوبات.

ما هو أكثر من ذلك أنه في الوقت الذي كانت فيه هذه القوى تدعي أنها تقوم بـ«مهمة حضارية» فإن القوى الاستعمارية لم تفعل شيئا يذكر لتوعية جماهير الشعب. وبدلا من ذلك فإنها قامت بتدريب نخبة صغيرة تلبي احتياجاتها.

ثالثا: وربما هو الأهم، كان الحكم الاستعماري جزءا من نمط أوسع نطاقا من التدخل. يعود ذلك إلى عصر «دزرائيلي» و«جلادستون»، عندما هبطت القوى الأوربية على الجسد المتحلل للإمبراطورية العثمانية، وامتدت إلى ما بعد الفترة الاستعمارية في صورة بعض التدخلات التي كان أبرزها غزو واحتلال العراق في عام 2003.

أبدى «بلير» و«بوش» جهلا مريعا بالتاريخ. لقد جهلا أنه، وعلى مدار أكثر من مائتي عام، أسفر التدخل الغربي في الشرق الأوسط عن استجابات وطنية، كما أثار هذا الاحتلال المطول فترات طويلة من التمرد.

المصدر | أوبن ديموكراسي

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط الجزائر سوريا الدولة العثمانية القوى الاستعمارية

«فورين بوليسي»: الاستبداد وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

من الاستعمار إلى الأنظمة الديكتاتورية

مخططات لإعادة استعمار العرب في 2017؟