ما لا يحكيه التاريخ عادة: نساء أسهمن في صناعة الشرق الأوسط

الاثنين 23 مايو 2016 11:05 ص

غالبا ما يحصل الدبلوماسي البريطاني «مارك سايكس» والدبلوماس الفرنسي «فرانسوا جورج بيكو» على معظم الاهتمام في التعليقات التي نشرت يوم 16 مايو/أيار في ذكرى مرور مائة عام على توقيع اتفاقية سايكس بيكو. كما أن هناك بعض القطع التي أشارت إلى معاصريهم مثل العميل البريطاني «توماس إدوارد لورانس» (المعروف باسم لورانس العرب) الذي قاد الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى، أو وسيط النفط الأكثر تأثيرا «كالوست كولبنكيان».

سعى هؤلاء الأوربيون إلى تشكيل منطقة الشرق الأوسط. ولكن مع مناقشة أدوار الرجال الأوربيين الذين شاركوا في هذا المسعى فإنه غالبا ما يتم تجاهل قصص النساء الأوربيات اللاتي أسهمن في صنع المنطقة، كما ساهمت المنطقة أيضا في صنعهن.

على مستوى الذاكرة الشعبية، غالبا ما يتم تذكر الرجال الأوروبيين الذين صنعوا الشرق الأوسط سواء أكانوا من علماء الآثار أو الجواسيس والدبلوماسيين الذين قاموا بإبرام معاهدات خفية في الوقت الذي يتم فيه تجاهل الإشارة إلى النساء. «جين ديغبي»، «جيرترود بيل»، و«فريا ستارك» هن نماذج من النساء اللاتي شاركن بأدوار بارزة في صناعة الشرق الأوسط بشكله الحالي.

جين ديغبي

غالبا ما يتم تشبيه حياة «جين ديغني» بحياة اللورد «بايرون» نظرا لأن كلا منهما قد تجاهل التقاليد الاجتماعية السائدة في وقته.

«بايرون»، الذي كان يعرف وقعتها على أنه شاعر عاطفي خليع من شعراء الحقبة الرومانسية، سافر إلى الإمبراطورية العثمانية في عام 1809. اليوم فإنه يتم النظر إليه على أنه أحد المقاتلين الأجانب على قدم المساواة مع أولئك الذين تركوا أوروبا للقتال في الحرب الأهلية السورية حاليا. في عام 1824، لقي «بايرون» حتفه في الحروب العثمانية أثناء قتاله في المعارك بالنيابة عن اليونانيين الساعين إلى الاستقلال.

في زمن قريب من زمن وفاة «بايرون»، كانت «ديغبي» لا تزال تعيش مقتبل حياتها في بريطانيا. وغالبا ما كانت تعرف بعلاقاتها العاطفية المتعددة حيث تزوجت أربع مرات إضافة إلى مجموعة متنوعة من العشاق، بينهم لواء قاتل في حرب الاستقلال التي مات فيها «بايرون».

في عام 1853 وصلت «ديغبي» إلى دمشق، قاصدة السفر إلى مدينة تدمر الأثرية. وقد كانت «ديغبي» خلال رحلتها معرضة لخطر المرض والهجوم من البدو. وقد تزوجت بعد ذلك من أحد شيوخ القبائل الصغيرة يدعى «مجول المصرب». وتعلمت العربية وعاشت حوالي نصف العام في الخيام البدوية في الصحراء والنصف الآخر في منزلها الفخم في دمشق، وأمضت بقية حياتها في سوريا حتى وقت وفاتها بعد 28 عاما.

لم يكن لـ«جين ديغبي» دور موثق في مجريات الأحداث السياسية الدائرة في الشرق الأوسط آنذاك وغالبا ما تروى قصتها في سياق كونها أول امرأة أرستقراطية غربية تترك الغرب وتختار العيش في الشرق مختارة. وقد ذكر عنها أنها التقت بالمجاهد العربي «عبد القادر الجزائري» الذي كان منفيا من قبل الفرنسيين إلى دمشق إضافة إلى مفتي الديار الشامية «محمود الحمزاوي». وعملت برعي الإبل، وكانت كسائر البدو تضع وسماً خاصاً يميز إبلها كما أشارت تقارير قنصل الإنجليز في دمشق.

جيرترود بيل

أثناء الحديث عن معاهدة سايكس بيكو غالبا ما يتم إيلاء الاهتمام إلى «توماس إدوارد لورنس» وتفاعله مع الملك المستقبلي للعراق، «فيصل»، ابن «الشريف حسين» قائد ما يعرف بالثورة العربية الكبرى.

ومع ذلك، كانت امرأة، «جيرترود بيل»، غالبا ما يشار إليها بلقب «خاتون» أو «ملكة» أكثر إسهاما في المسار الوظيفي لـ«فيصل». كانت هذه الملكة هي صانعة الملوك في العراق وهي التي أسهمت في الضغط من أجل وصول الملك «فيصل» إلى الحكم قبل أن تصبح مستشارة شخصية له فيما بعد.

في الوقت الذي يتم فيه تذكر «لورانس»، فقد كانت «بيل» جاسوسة على نفس الدرجة من اللمعان وقد درست التاريخ في أكسفورد وحصلت على مرتبة الشرف.

أثناء الحرب العالمية الأولى، مثلها مثل «لورانس»، فقد عملت «بيل» في المكاتب العربية في كل من مصر والعراق، وكانت هي المسؤولة عن تأسيس المتحف الوطني العراقي في بغداد. وفي كثير من الأحيان فإنه يتم ذكرها حين الحديث عن حدود سايكس بيكو ضمن الأوروبيين الذين أعدوا حدود المنطقة.

جاء في حديث للصحفي الراحل «أنتوني شديد»: «هنا العراق الجديد يشبه العراق القديم. وهو يبدو غارقا في نوع من السياسة التي تبدو مألوفة بالنسبة إلى جيرترود بيل، الدبلوماسية البريطانية المغامرة التي رسمت حدود البلاد في أعقاب الحرب العالمية الأولى».

حتى «نيكول كيدمان»، التي لعبت دور «بيل» في فيلم ملكة الصحراء قد وصفتها ضمن ذات الحدود قائلة: «هي من قامت أساسا بتعريف الحدود التي نعرفها اليوم بين العراق والأردن. الحدود التي يعتقد أنها قامت بالتفاوض عليها بين تشرشل والقادة العرب». ومن المفارقات أن أكثر راسمي الحدود شهرة، «مارك سايكس»، لم يكن مولعا بـ«بيل» وقد وصفها بأنها مغرورة وسطحية.

فريا ستارك

من بين جواسيس الحرب العالمية الثانية سوف يظل «لازلو ألماسي» هو الأكثر رسوخا في الذاكرة الشعبية. وهو مصدر الإلهام للشخصية الرئيسية في فيلم المريض الإنجليزي. في الواقع، لقد كان هو الجاسوس المجري الذي ساعد بنشاط ألمانيا النازية في ليبيا وفي حملتها للسيطرة على مصر. على الجانب الآخر، كانت تقف العميلة البريطانية «فريا ستارك» التي حاولت منع مصر من السقوط في يد الألمان.

بدأت رحلات «ستارك» إلى الشرق الأوسط في عام 1927 عندما سافرت إلى بيروت ثم إلى بغداد ثم إلى غرب إيران في عام 1931 وصولا إلى قلعت ألموت الأسطورية في جبال البرز.

في عام 1935، قامت بالسفر إلى حضر موت التي تقع في اليمن اليوم. قليل من الرحالة الغربيين، ناهيك عن النساء، هم الذين ذهبوا إلى هذه الأجزاء من إيران أو اليمن، مخاطرين للتعرض إلى كل هذه العوائق التي لا تقتصر فقط على قطاع الطرق ولكن أيضا البيئة والأمراض المنقولة عن طريق المياه.

مثل «ديغبي» و«بيل»، أجادت «ستارك» التحدث باللغة العربية بطلاقة. وهي الموهبة التي خدمتها جيدا خلال الحرب العالمية الثانية حين عملت في وزارة المعلومات البريطانية.

عملت في عدن في جنوب اليمن. وكانت تنتج نشرات الأخبار باللغة العربية لمواجهة دعايا دول المحور وسافرت إلى شمال اليمن للقاء حاكمها الإمام من أجل إقناعه بإبقاء المملكة على الحياد أثناء الحرب.

في مصر، فقد شاركت في تشكيل ما يعرف بـ«ـأخوية الحرية» وهي شبكة دعائية لإقناع العرب بالوقوف إلى جانب الحلفاء في الوقت الذي كانت فيه قوات المحور تحتشد بالقرب من العلمين.

وقد تواصلت بعثاتها حتى في أعقاب انتهاء الحرب. وقد كانت بعثتها الأخيرة في شيخوختها إلى أفغانستان. وقد توفيت في عام 1993 عن عمر يناهز مائة عام.

المصدر | الجزيرة الإنجليزية

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط سايكس بيكو لورانس العرب نساء أوروبا المنطقة الثورة العربية الحرب العالمية

العرب ومئوية «سايكس- بيكو».. واقع على رمال متحركة!

«فورين بوليسي»: الاستبداد وليست «سايكس بيكو» وراء فوضى الشرق الأوسط

خريطة: ما حققته حدود الدولة العثمانية وفشلت في تحقيقه حدود «سايكس بيكو»

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

«فورين بوليسي»: كيف سيتمكن «لورانس العرب» من هزيمة «الدولة الإسلامية»؟