كانت دولة الإمارات العربية المتحدة محطتي الأولى في المسيرة التي استغرقت ربع قرن قضيتها في دول الخليج العربي. وعندما أقول ربع قرن فلكم أن تفهموا أنني قضيت فترة الشباب وبعدها في هذه المنطقة المليئة بالمفاجآت ولكن قبل كل شيء بالرؤية المتجددة.
أذكر أبو ظبي مدينة صغيرة وادعة في مطلع الثمانينات، ودبي التي كنا نشد الرحال إليها في عطلة نهاية الأسبوع، والشارقة التي كان علينا أن «نبتسم» لدى الوصول إليها، كما كانت اللوحة الوردية تشير علينا بذلك عند مدخلها.
لعل حبي المتجدد للإمارات يكمن في هذه الذكريات ولوجود أصدقاء كثرٍ فيها من ساسة وإعلاميين ومفكرين ورجال أعمال، ومنهم كثيرون التقيت بهم لدى زيارتي الأخيرة للإمارات.
أردت أن أستشف رأي الإخوة في العلاقات الدولية ومنها ما يختص بعلاقة تركيا مع دولة الإمارات، وما سمعته يتلخص في أن تركيا بلد كبير ومهم وأن العلاقات الأخوية بين البلدين ومع دول مجلس التعاون الخليجي في شكل عام، هي ضمانة للاستقرار والتعاون المشترك في مجالات عدة، منها الموقف المشترك إزاء الأحداث الدولية وسبل التعاون في القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية.
قلت لهم أن الأتراك يقولون أنهم يجب أن يظهروا في الصورة نفسها مع دول مجلس التعاون ليعرف القاصي والداني من الذين يجب أن نكون معهم.
قلت لهم أن المقالات ورسوم الكاريكاتور التي كانت تظهر في الصحف الخليجية بخاصة والعربية عموماً كانت سلبية جداً إزاء تركيا قبل عقدين من الزمن، لكنها تحولت إلى إيجابية منذ عقد ونيف. ويؤلمني الرجوع إلى المربع الأول وأن لا تعظم الإيجابيات والقواسم المشتركة مع هذه البلدان بل يجري التركيز على السلبيات.
قال لي صديق في دبي أننا يجب أن نراجع أنفسنا فلا نرتكب الأخطاء ذاته التي ارتكبناها سابقاً، وأتصور أن هذا هو محور الأمل. يتلخص ذلك في مبدأ القبول بالآخر وعدم محاولة تغييره، بل منعه بهدوء من ارتكاب الخطأ. لقد تحدثت على صفحات هذه الجريدة عن البراغماتية الأخلاقية التي يجب أن تسود العلاقات من دون أن نحل محل الآخر في اتخاذ القرار.
ما لاحظته بسرور أن العلاقة بين الشعوب هي علاقة ود. وأنه لا شرخ في العلاقات بين إخوتنا وأشقائنا فهم يتجهون إلى تركيا للسياحة ولتملك العقارات وللاستثمارات المتبادلة ولعل ذلك سيزداد ويضطرد عندما نحاول إيجاد إيجابياتنا المشتركة وعكسها على صفحات الصحف وفي اللقاءات المشتركة إعلامية كانت أم ثقافية.
يعرف الكثيرون من أصدقائي، خصوصاً الإعلاميين، أنني لم أكن أركز أثناء وجودي مستشاراً رئاسياً في القصر الجمهوري بتركيا على الذين كانوا يكيلون المديح لتركيا وسياساتها. صحيح أن غالبيتهم من أصدقائي وكنت أتواصل معهم وأزورهم ويزورونني ولا زلنا كذلك،
لكنني كنت أتواصل أكثر مع الذين يتجاوزون حدود الموضوعية في نقدهم اللاذع أحياناً. ولأنهم موضوعيون أصلاً، فقد كان الكثيرون يتجاوبون ويطلبون المزيد من الحقائق ووجهات النظر. وباستثناء قلة من الذين حزموا أمرهم على الكراهية والأحكام المسبقة والمطبوخة سلفاً، فإن الغالبية كانت تتجاوب في النظر بموضوعية إلى قلب الهدف من دون أن يدفعها الكره إلى إملاء مواقف متشنجة لا تخدم الطرفين.
كنت أتحدث في زيارتي الأخيرة إلى صديق قديم، فقلت له أن العلاقات بين الدول يمكن أن تترنح بين الإيجابية والمواجهة لسبب أو لآخر، لكن المهم في هذا الأمر هو النظرة إلى العلاقات الشعبية، فقد تخدم الظروف البلدين وتدفع بهما إلى إنشاء علاقات استراتيجية واضحة، عند ذلك قد يقع قسم من كتاب الأعمدة في موقف حرج عندما تتضح الصورة وتميل المقالات إلى الإيجابية، وعدم المساس برموز هذا البلد أو ذاك.
إن واجبنا أن نعظم الإيجابيات ونحاول التخلص من السلبيات إذا أردنا أن يكون لنا موقع جيد في الطرح الموضوعي غير المستند إلى مواقف آنية، ويؤسفني أكثر ومن الطرفين أن يتناول البعض طروحهم كأنهم محامو دفاع عن هذا الموقف أو ذاك من دون النظر في مجمل المواقف الدولية أو ظروف الأزمات التي تمر بها المنطقة.
أعود إلى ذكريات الأسبوع الذي قضيته في الإمارات، فأقول أن ما شاهدته من تحول ملحوظ منذ أن وطأت قدماي أرضها لأول مرة وحتى الآن يعتبر معجزة بيئية بكل المقاييس ومن الناحية الإعلامية فقد أصبحت مركزاً للإعلام العربي والدولي، وأتمنى أن ترى توصيات منتديات الإعلام المتعاقبة في دبي طريقها إلى التنفيذ الأمثل لتكون الصحافة المقروءة فيها مثالاً للدقة والمهنية.
* أرشد هورموزلو كاتب تركي والمستشار السابق للرئيس عبد الله غول.