«ناشيونال إنترست»: لماذا تحتاج السعودية واشنطن إلى جوارها؟

الخميس 19 مايو 2016 04:05 ص

قامت المملكة العربية السعودية مؤخرا بإجراء تعديل وزاري واسع النطاق شمل أهم الوزارات الاقتصادية والاجتماعية كجزء من رؤية السعودية 2030 وهي خطة لتنويع اقتصاد البلاد بعيدا عن النفط. بعد أكثر من عقدين من قيادته لسياسات النفط السعودي فقد رحل «علي النعيمي» أخيرا ليحل محله «خالد الفالح» على رأس وزارة تضم الآن الصناعة إضافة إلى النفط والثروة المعدنية. ومع ارتقائه لتولي منصب الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، قبل أن يتولى وزارة الصحة لفترة مؤقتة، فإن «الفالح» يعد خير خلف للقيادة الفائقة للنعيمي.

هذا التعديل الوزاري هو جزء من إعادة تموضع واسعة من المملكة العربية السعودية في عهد الملك «سلمان بن عبد العزيز» وابنه، نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الذي أسندت الأدوار القيادية في الشؤون العسكرية والاقتصادية. ومع كونه وزيرا للدفاع فإن الأمير «محمد» هو المسؤول عن الحرب التي تقودها المملكة ضد الحوثيين في اليمن، الذين يراهم الحكام السعوديون كوكلاء لإيران في جنوب شبه الجزيرة العربية.

وعلى الصعيد الدولي، فإن المنافسة مع إيران والانقسام السني الشيعي يلقيان بظلالهما على السياسة السعودية. وعلى الصعيد المحلي فإن خلق فرص عمل يمثل ضرورة قصوى مع التحدي المتمثل في الشباب العاطلين عن العمل كليا أو جزئيا الذين يمثلون نصف سكان المملكة. بالنسبة إلى حكام المملكة، فإن هذه هي القضايا الوجودية هي التي تحظى بجل اهتمامهم.

من بين جميع الدول الأجنبية، كانت الولايات المتحدة هي أقرب وأهم شريك للمملكة منذ نشأتها كدولة حديثة. وكانت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا أول من اكتشف وقام بشحن النفط السعودي خلال الثلاثينيات. وقد قام الملك «عبد العزيز بن سعود» والرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» بالاتفاق على مبادلة النفط بالحماية الأمنية في عام 1945. ومنذ ذلك الحين فقد أصبحت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري واستثماري للمملكة العربية السعودية مع مئات الآلاف من السعوديين الذين تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات الأمريكية. وهذا يمثل مجموعة من الخبرات المشتركة الذي يتناقض مع الوهابية التي تمثل الدعامة الأخرى للحكم السعودي.

وتواجه الشراكة السعودية الأمريكية ضغوطا لم يسبق لها مثيل في الوقت الراهن. وإذا كانت قمة نجاح هذا التحالف تمثلت في اللحظة التي تم خلالها طرد العراق من الكويت فإن الغزو الأمريكي للعراق قد مثل أكبر انتكاسة في مساره. كان هذا الغزو بابا للهيمنة الإيرانية على البلاد وسببا في ظهور «الدولة الإسلامية». الاتفاق النووي لاحقا مع إيران قد تسبب في إثارة الحساسيات السعودية بقدر أبعد من ذلك وهي الحساسية التي تفاقمت مع قيام «أوباما» بحث حكام السعودية على إيجاد سبل للتعايش مع إيران واقتسام النفوذ في المنطقة.

في الوقت الحاضر، لا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل سوى القليل جدا للتأثير على وجهات النظر السعودية والإيرانية تجاه بعضهما البعض. لدى كل منهما اصطفافات طائفية متعارضة في العراق. وفي سوريا، فإن إيران تدعم بكل قوة «نظام الأسد» والذي ترغب المملكة العربية السعودية (والولايات المتحدة) في الإطاحة به. «الدولة الإسلامية» هي العدو المشترك، ولكن التنسيق السعودي الإيراني المباشر في مواجهتها ليس أحد الخيارات الواردة.

من ناحية أخرى، تملك الولايات المتحدة فرصة لإعادة العلاقات مع السعوديين بطريقة تعود بالفائدة على الجانبين. ومع قيام الولايات المتحدة بالفعل بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للمملكة العربية السعودية في اليمن، يمكن للولايات المتحدة أن تعزز الجهود لتحقيق حل سياسي بما في ذلك ترتيبات تقاسم السلطة في هذا الصراع.

في سوريا، يمكن للبلدين جنبا إلى جنب مع حلفائهم القيام بالضغط على روسيا، وعلى «الأسد» بالتبعية، من أجل الالتزام بوقف إطلاق النار وإقامة مناطق آمنة للاجئين، قبل أن يتم السعي إلى إيجاد تسوية عن طريق التفاوض.

وفي مواجهة «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، فإن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى يمكنها زيادة مساهماتها المالية والعسكرية في المعركة، كما أن بإمكانهم تعزيز الدعم العربي للتحالف الدولي.

وبالمثل، يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية أن تكون داعمة للبرنامج الاقتصادي السعودي الطموح. كما يعترف السعوديون أنفسهم، فإنهم في حاجة ماسة إلى زيادة دور القطاع الخاص. ويلتحق أكثر من سبعين ألف طالب وطالبة من السعودية في الوقت الراهن بالجامعات الأمريكية. وتعمل الشركات الغربية مع الشركاء السعوديين من أجل إقامة معاهد متعددة التقنية في صناعات كالبلاستيك والصناعات البترولية من شأنها أن تخلق الآلاف من فرص العمل.

العديد من هذه المبادرات يمكن تنفيذها من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وذلك بتمويل من المملكة العربية السعودية وبمساعدة التكنولوجيا الأمريكية. شرعت المملكة في تنفيذ برنامج طموح لبناء اقتصاد المعرفة، مع مدن اقتصادية جديدة ومراكز العلوم والتكنولوجيا كلبنات لهذا القطاع. وربما لا يحتاج الأمر للتذكير بأن ذلك يمثل فرصة كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

مع كل هذه الأمور، يمكن للمرء أن يتوقع أرامكو السعودية ووزارة الصناعة والبترول والثروة المعدنية الجديدة سوف تضطلعان بأدوار رئيسية. خلال فترة وزارة «النعيمي»، كانت هذه الكيانات مسؤولة عن إنشاء جامعة الملك عبد الله وجامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالقرب من جدة. وخلال فترة وزارة «الفالح»، يمكننا توقع رؤية المزيد من هذه المبادرات التي تحتمل أن يتم تمويلها من قبل عائدات الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو السعودية. من الطاقة إلى الصناعة إلى سياسات ما بعد الصناعة، فإن هناك العديد من آفاق التعاون السعودي الأمريكي.

إعادة الانخراط بين البلدين في الساحتين الأمنية والاقتصادية لن يساعد فقط على إعادة وضع العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية على مسارها الصحيح، ولكنه سوف يعزز مصالح الولايات المتحدة بطريقة أكثر ثباتا في ظل الأزمات التي تعاني منها المنطقة.

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة أرامكو تنويع الاقتصاد العلاقات السعودية الأمريكية الفالح محمد بن سلمان

حليف جيد أم سيء: كيف يمكن أن ينظر صناع القرار في واشنطن إلى السعودية؟

«بروكينغز»: قراءة في أوراق التاريخ .. لماذا لا يمكن التخلي عن العلاقات السعودية الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

«دعمناك وخذلتنا»: رد فعل سعودي عنيف على عقيدة «أوباما»

كيف يدير «أوباما» ظهره إلى السعودية وحلفائها السنة؟