«بروكينغز»: قراءة في أوراق التاريخ .. لماذا لا يمكن التخلي عن العلاقات السعودية الأمريكية؟

الجمعة 15 أبريل 2016 07:04 ص

العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تشهد تدهورا منذ عام 2000 بسبب خلافات جدية وجوهرية حول (إسرائيل) والديمقراطية وإيران وغيرها من القضايا. الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي «باراك أوباما» يمكن أن تساعد في احتواء هذه الخلافات والتأكيد على المصالح المشتركة لكنها لن تنجح في استعادة العلاقات إلى عصور مجدها.

تاريخ طويل من الصعود والهبوط

يعود التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية إلى عام 1943، عندما زار الملوك المستقبليين «فيصل» و«خالد» البيت الأبيض بناء على دعوة من الرئيس «فرانكلين ديلانو روزفلت». اتفق الأميران الصغيران آنذاك على قبول المساعدة الأمنية الأمريكية في مقابل استمرار تفضيل السعوديين لشركات النفط الأمريكية. تم تأطير الاتفاق رسميا في عام 1945 عندما التقى الملك ابن سعود وروزفلت وجها لوجه على متن «يو إس إس كوينسي» في قناة السويس. وقد تفاهم الملك والرئيس ببراعة على الرغم من خلافهما الحاد حول مستقبل فلسطين.

وقد شهدت العقود الستة اللاحقة موجات من الصعود والهبوط، ولكن البلدين قد صارا بشكل عام أقرب إلى بعضهما البعض. وقد فرض الملك «فيصل» الحظر النفطي على الرئيس «ريتشارد نيكسون» في عام 1973 لقيامه بدعم (إسرائيل) في حرب أكتوبر، ولكن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد عادتا إلى التعاون في عملية السلام العربية الإسرائيلية. وقد عمل الملك «خالد» بالشراكة مع «جيمي كارتر» لمحاربة السوفييت في أفغانستان. وقد توجه الملك «فهد» إلى الرئيس «جورج بوش» للاستعانة به في محاربة «صدام حسين» وتحرير الكويت. وقد شهد عقدا الثمانينات والتسعينات تعاونا غير مسبوق بين البلدين.

وقد بدأت العلاقات في التأزم في عام 2000 عندما فشل الرئيس «بيل كلينتون» في جلب السلام بين سوريا و(إسرائيل) في مؤتمر السلام شفردستوون، أو الوصول إلى سلام بين الفلسطينيين و(إسرائيل) في كامب ديفيد. شعر ولي العهد آنذاك، الأمير «عبد الله»، أن «كلينتون» قد فشل في دفع (إسرائيل) قويا بما يكفي لتقديم تنازلات إقليمية. يعتقد السعوديون أن الاتفاق مع سوريا في عام 2000 كان من شأنه أن يفطم دمشق عن إيران ويبعدها عن حزب الله ويمهد الطريق إلى اتفاق فلسطيني.

وكان «عبد الله» بحكم الأمر الواقع الوصي على العرش في ذلك الحين بسبب تدهور صحة الملك «عبد الله». وقد شعر بخيبة أمل مريرة عندما انحاز الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» إلى «أرييل شارون» في عام 2001 خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. اتهم «عبد الله» بوش بالتواطؤ في جرائم حرب كما رفض لقاء «بوش» وزيارة واشنطن رغم توسلات بوش الأب والابن. كان «جورج بوش» يحاول استرضاء الملك «عبد الله» عندما دعا علنا إلى إقامة دولة فلسطينية. في جلساتهم الخاصة كان السعوديون يشككون أنهم كانوا يعنون ذلك فعليا.

تسببت أحداث 11 سبتمبر/أيلول في جعل الأمور أكثر سوءا. تساءل الأمريكيون عن حق لماذا هاجم 15 سعوديا الولايات المتحدة ولماذا يكرهها «أسامة بن لادن». أيديولوجية القاعدة لها جذور في الفكر الوهابي السعودي. وقد كان السعوديون في حالة إنكار حول تنظيم القاعدة حتى هاجم المملكة في عام 2003. عندما هوجمت الرياض فقد بدأ السعوديون في اتخاذ إجراءات ملموسة ضد المجموعة.

من جانبهم، فإن السعوديين لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا قام« بوش» بغزو العراق في أعقاب هذه الأحداث. لم يكن للعراق أي علاقة بتنظيم القاعدة أو «أسامة بن لادن». ومع ذلك فقد كان السعوديون سعداء برحيل «صدام» ولكنهم كانوا يرغبون في أن يحل محله جنرال سني أكثر مرونة وليس قائدا شيعيا منتخبا من قبل الأغلبية. المملكة في النهاية هي ملكية مطلقة والديمقراطية في بلد عربي كبير تمثل تهديدا وجوديا للنظام الملكي في حال نجحت الديمقراطية. ربما يطالب السعوديون بالديمقراطية يوما ما.

الأسوأ من ذلك، أن الانتخابات في العراق قد سلمت بغداد لسيطرة الشيعة. بالنسبة للسعوديين، فإن هذا كان يعادل إعطاء العراق إلى إيران. وكان «عبد الله» مذعورا بسبب ما اعتبرها سذاجة «بوش»، التي لا تزال مصدرا للضيق السعودي حتى اليوم.

سنوات «أوباما»

كانت الرياض هي محطة «أوباما» الأولى خلال زيارته إلى الشرق الأوسط في عام 2009. لم يكن الاجتماع مع الملك «عبد الله» ثريا ولكن «أوباما» وعده بمعالجة القضية الفلسطينية. يعتقد السعوديون أنه قد خضع فيما بعد لـ«بنيامين نتنياهو» لذا فقد شعورا بخيمة الأمل مرة أخرى.

جعل الربيع العربي الأمور أكثر سوءا. كان «عبد الله» يرغب في أن يقدم الرئيس «أوباما» كامل الدعم إلى «حسني مبارك» حليفه القديم. نظرت السعودية إلى الديمقراطية في مصر السنية على أنها أكثر سوءا من الديمقراطية في العراق الشيعية. إذا كانت هناك نماذج أخرى سوف تنشأ قياسا على الديمقراطية المصرية فلماذا لا تكون في المملكة العربية السعودية. كان ذلك يمثل تحديا وجوديا لملوك الخليج.

الأكثر صعوبة بالنسبة إلى السعوديين كانت هي فكرة الإصلاح السياسي وتطبيق الديمقراطية في البحرين. إذا تم تهديد الملكية السنية من قبل الأغلبية الشيعية على الجانب الآخر من جسر الملك فهد، فإن المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، منجم المال السعودي، سوف تصبح على المحك. أعلنت واشنطن تعاطفها علنا مع الإصلاح في البحرين، لذلك أرسلت الرياض وأبو ظبي ناقلات الجند والمدرعات من أجل قمع الانتفاضة في البلاد.

كانت مصر هي الخطوة القادمة. كانت الرياض تعرف اللواء «عبد الفتاح السيسي» بشكل جيد حيث كان يعمل كملحق عسكري سابق لمصر في المملكة. وكان الأمير «بندر بن سلطان»، السفير السعودي السابق في واشنطن ورئيس الاستخبارات السعودية الأسبق يرشحه ليصبح «مبارك» الجديد. عندما استولى «السيسي» على السلطة فقد أيد الملك «عبد الله» انقلابه خلال أقل من 5 دقائق. بينما يساعد السعوديون الآن في تمويل ديكتاتوريته.

الملك الجديد والملك القديم

وقد كان «عبد الله» زعيما حذرا غالبا ما يميل إلى تجنب المخاطرة. الملك «سلمان» يبدو أكثر جرأة وعدوانية. وقد سبق له تجاهل الرئيس «أوباما» في أكثر من مناسبة عندما ذهب إلى الحرب في اليمن، وأقدم على تنفيذ عشرات أحكام الإعدام ضد متهمين بالإرهاب وقام ببناء تحالف واسع يضم 34 دولة في مواجهة إيران. اختتم «سلمان» للتو زيارة إلى القاهرة وعد خلالها بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات إضافة إلى جسر يربط بين البلدين يمر فوق مضيق تيران.

تقوم المؤسسة الدينية الوهابية بالضغط على «سلمان» كي يصبح أكثر شدة في مواجهة ما يطلق عليه النظام الصفوي الإيراني. قام مائة وأربعون من رجال الدين ذوي العلاقات العميقة مع الملك بتوجيه عرضية إليه هذا الشهر تحثه على النضال الأيدولوجي ضد إيران في مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

التزامات مشتركة

على الرغم من كل هذه الاختلافات، فإننا لن نشهد طلاقا بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. لا يزال البلدان بحاجة إلى بعضهما البعض. «أوباما» و«سلمان» لا يزال لديهما الكثير من نقاط الاتفاق والمجالات ذات الاهتمام المشترك. قام «أوباما» ببيع أسلحة بقيمة 95 مليار دولار إلى المملكة العربية السعودية. وهما شريكان معا في محاربة «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة. كما أن ولي العهد الأمير «محمد بن نايف» هو شريك جيد في التعاون الأمني مع الولايات المتحدة. يجب على البلدين تعزيز التعاون لمكافحة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والذي نما نفوذه بشكل كبير خلال الحرب في اليمن.

تستطيع واشنطن والرياض أيضا التعاون للحد من الأنشطة التخريبية لإيران وخاصة في دول الخليج. هناك خطر جدي من أن تقوم إيران بتكثيف أنشطتها التخريبية نظرا لأنها تملك الآن المزيد من عائدات النفط.

سوريا أيضا متواجدة على الطاولة. السعوديون يريدون التزاما واضحا لإزالة «بشار الأسد». وهم يعتقدون أن الحرب الأهلية لا يمكن إنهاؤها إلا برحيل «بشار الأسد».

يجب أن يكون إحلال السلام في اليمن على رأس قائمة الأولويات. رغم كل شيء، كانت واشنطن شريكا صامتا للرياض في هذه الحرب وقد قدمت لها العديد من المساعدات الحاسمة. وقد كلفت الحرب اليمن بالفعل مليارات الدولارات. ولكن آثارها الإنسانية كانت مدمرة لليمن والمناطق الحدودية للمملكة العربية السعودية. يقول نائب ولي العهد السعودي أن الوقت قد حان لعملية سياسية، ويبدو أنه على حق.

يقول «محمد بن سلمان» أيضا أن السعوديين يريدون أن تكون المشاركة الأمريكية أكثر، وألا تقل عن القيام بدورها التقليدي كشرطي المنطقة. اليمن هو مكان جيد لمحاولة الوصول إلى نهج مشترك. في الواقع، واشنطن والرياض لديهما مصلحة مشتركة في الحد من نفوذ طهران في المستقبل في صنعاء، وهو ما يتطلب إقناع الشيعة الزيديين الحوثيين أنهم لا يحتاجون إلى الدعم الإيراني وأن لديهم حصة جيدة في الحياة السياسية في اليمن.

المملكة تعيش أيضا في خضم تبادل أجيال في القيادة، وهو أمر يمثل تحديا كبيرا بالنسبة إلى ملكية مطلقة. هناك المزيد من النشاط السياسي داخل العائلة المالكة منذ عام 1963. أسعار النفط المنخفضة تجعل التغييرات أكثر تعقيدا. «أوباما» على حق في مواصلة العمل مع القيادة السعودية على الرغم من خلافاتنا. يعيش الشرق الأوسط في خضم حالة من الفوضى، والمملكة العربية السعودية هي لاعب رئيسي في مثل هذه الظروف.

 

المصدر | بروس ريدل/ بروكنغز

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة أوباما الملك سلمان العلاقات السعودية الأمريكية

«شركاء» وليسوا «حلفاء»: إعادة توصيف العلاقات الخليجية الأمريكية

«فورين بوليسي»: ما ينبغي أن يعيه الرئيس «أوباما» قبل زيارته الرياض

ما الذي ننتظره من زيارة «أوباما» المرتقبة إلى السعودية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

محلل أمريكي: الاعتقاد بأن السعودية ضعيفة تكهنات خاطئة

زيارة «أوباما» إلى الرياض: التحالف التاريخي يواجه ضغوطا غير مسبوقة

الطلاق الطويل: كيف صارت العلاقات السعودية الأمريكية أكثر برودة في عهد «أوباما»؟

«ذا أتلانتيك»: التعقيدات تخيم على أجواء العلاقات السعودية الأمريكية

«بوليتيكو»: العلاقات السعودية الأمريكية تتدهور .. ولا أحد يمكنه إصلاح ذلك

معهد «هدسون»: السياسات قصيرة النظر للمملكة العربية السعودية

محلل أمريكي: واشنطن بدأت تنظر إلى الشرق الأوسط من عدسة لا ترتاح لها الرياض

«نيويورك تايمز»: لماذا لا تزال السعودية والولايات المتحدة بحاجة لبعضهما البعض؟

فرصة «أوباما» الأخيرة مع المملكة العربية السعودية

«و.س. جورنال»: ثلاثة أمور على الرئيس الأمريكي أن يدركها بخصوص السعودية

حليف جيد أم سيء: كيف يمكن أن ينظر صناع القرار في واشنطن إلى السعودية؟

«هافينغتون بوست»: العلاقات السعودية الأمريكية لا تتجه للقطيعة رغم الخلافات

الخارجية الأمريكية: السعودية دولة مهمة لنا ودورها محوري بالمنطقة

«ناشيونال إنترست»: لماذا تحتاج السعودية واشنطن إلى جوارها؟

«بروكنغز»: تقييم العلاقات السعودية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب

شهادات أمريكية حول السعودية: «شريك ضد الإرهاب»

«كارنيجي»: الجرأة الإقليمية السعودية تعكس قلق المملكة بشأن انهيار النظام الإقليمي

«محمد بن سلمان» يبدأ جولة خارجية الأحد يلتقي خلالها «أوباما» و«بان كي مون» ورئيس فرنسا

74 مليار دولار حجم التبادل التجاري بين المملكة وأمريكا خلال 10 سنوات

أمريكا تنفي أي توتر مع السعودية على خلفية الأزمة السورية

«و.س. جورنال»: «بن سلمان» يسعى إلى تحسين صورة السعودية في واشنطن

البيت الأبيض: «محمد بن سلمان» يلتقي «أوباما» صباح الجمعة

العلاقات السعودية الأمريكية.. الاتفاق حول المصالح أهم من الخلاف حول القيم

شبهات حول دور أمريكي ملتبس!

مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية.. إلى أين؟

اللوبي السعودي في واشنطن: المملكة استثمرت 10 ملايين دولار لتحسين علاقاتها مع أمريكا