«بروكنغز»: تقييم العلاقات السعودية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب

الأربعاء 25 مايو 2016 03:05 ص

هذا المقال هو ملحق لشهادة أدلى بها الباحث «دانيال بايمان» أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بخصوص العلاقات السعودية الأمريكية ومدى فاعليتها في مجال مكافحة الإرهاب. وقد نشره مركز «بروكنغز» باللغة الإنجليزية مؤخرا.

تمثل المملكة العربية السعودية مفارقة كبرى في مجال مكافحة الإرهاب بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. من جهة، فإن الحكومة السعودية تمثل شريكا وثيقا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. ومن ناحية أخرى فإن الدعم السعودي لمجموعة من الدعاة والمنظمات غير الحكومية يساهم في صناعة مناخ عام من التطرف، مما يجعل من الصعب حتى الآن مواجهة التطرف العنيف. تبدو جميع هذه المشاكل حاضرة الآن في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لمواجهة «الدولة الإسلامية» وحلفائها.

وأنا أزعم أن المملكة العربية السعودية قد حققت تقدما كبيرا في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الـ15 الماضية ولكن لا يزال هناك أمامها طريق طويل لتقطعه. قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية في عام 2001، وحتى بدء تنظيم القاعدة في مهاجمة المملكة بشكل مباشر في عام 2003، كانت المملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان غير متعاونة في مجال مكافحة الإرهاب، وكانت جزءا من المشكلة أكثر مما كانت جزءا من الحل. منذ عام 2003، برز النظام السعودي كشريك حيوي في مجال مكافحة الإرهاب وجاءت العديد من النجاحات المهمة ضد تنظيم القاعدة بفضل التعاون السعودي. ولكن ما عقد من هذه الصورة رغم ذلك هو الدعم الذي قدمته جهات غير حكومية لهذه الجماعات مع تباين ردود الأفعال الحكومية بين الدعم أحيانا وبين التجاهل أو شن حملات على هذه الجهات. بعض من هذه الشخصيات مهمة لأجل شرعية النظام مما يصعب من مهمة معارضتها بشكل علني. ونتيجة لذلك، فإن المملكة العربية السعودية لا تزال تنفث موادا ترسخ للعديد من النزاعات التي يلعب فيها الجهاديون أدورا نشطة حول العالم.

وتبدو قدرة واشنطن محدودة على التأثير في المملكة بالنظر إلى الحساسيات السعودية المحلية تجاه هذه القضايا. في النهاية، فإن صناع السياسة عليهم أن يتذكروا أن المملكة العربية السعودية هي شريك أساسي ولكنها ليست صديقا. تتشارك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة العديد من المصالح المشتركة لكنهما لا يتفقان حول القيم أو حول وجهة نظر عالمية مشتركة.

شهادتي اليوم سوف تتعرض أولا لموجز العلاقات الأمريكية السعودية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وبعد ذلك فإنها سوف تقوم بتسليط الضوء على العديد من المحددات التي غالبا ما تغيب عند فحص الدعم السعودي للإرهاب. وبعد ذلك فإنها سوف تناقش الدوافع وراء السياسات السعودية، قبل أن تختتم مع بعض الملاحظات حول حدود نفوذ الولايات المتحدة.

الماضي المضطرب للسعودية

كانت المملكة العربية السعودية دائما بلدا مسلما محافظا، ولكن عندما اتخذت المملكة شكلها الحديث في عام 1932 فقد تم توجيه طاقتها الدينية في البداية إلى الداخل. في الستينيات، بدأ الملك «فيصل بن عبد العزيز» في السعي نحو تشكيل تحالفات على أساس الهوية الدينية المشتركة. كان من المفترض أن هذه الهوية الدينية سوف تقوم بمواجهة الراديكالية القومية العربية التي تبناها الرئيس المصري الأسبق «جمال عبد الناصر» والتي كانت تهدد شرعية الأنظمة الملكية في جميع أنحاء العالم العربي. مثلت هذه الهوية أيضا أرضية للتوحد ضد الشيوعية الدولية التي كان «فيصل» يعارضها بشدة إضافة إلى كونها مثلت أرضية لدعم الاستقلال الفلسطيني. لعبت السياسة الداخلية دورها أيضا: كان «فيصل» قد انتزع العرش من أخيه «سعود» غير الكفء، وكان دعم المؤسسة الدينية يمثل ضمانا كبيرا لشرعيته. ولهذه الغاية، قام «فيصل» بإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي قامت بتبني مجموعة من القضايا الإسلامية في الخارج. (الصورة: العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز)

وقد مكن ارتفاع أسعار النفط بعد حرب عام 1973 بين (إسرائيل) وجيرانها، المملكة العربية السعودية من المساهمة في دعم القضايا الإسلامية في جميع أنحاء العالم. في العقود التي تلت، قام الملك «فهد» بدعم بناء المساجد والمراكز الإسلامية والمدارس بالآلاف في جميع أنحاء العالم. وذكر موقعه على الإنترنت أن العلماء السعوديين قد أسهموا في إنشاء وإدارة 200 كلية إسلامية و210 مركزا إسلاميا و1500 مسجد و2000 مدرسة للأطفال المسلمين في الدول غير الإسلامية. وقدر «ديفيد أوفهاوسر» المسؤول في وزارة الخزانة إجمالي الإنفاق على هذه الأنشطة بجوالي 75 مليار دولار.

تم معظم هذا التبشير الديني خارج المملكة العربية السعودية من خلال مختلف الجمعيات الخيرية التي نشطت في التعليم ووفرت الرعاية الصحية والخدمات كجزء من مهمتها. وزعم تقرير البرلمان الأوروبي أن السعوديين أنفقوا 10 مليارات دولار لتعزيز السلفية أو النسخة السعودية الخاصة منها المعروفة باسم الوهابية من خلال الجمعيات الخيرية مثل رابطة العالم الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومؤسسة الحرمين والندوة العالمية للشباب الإسلامي. وتمتعت بعض هذه المؤسسات بصلات مع بعض الجماعات مثل تنظيم القاعدة وخصوصا قبل 11 سبتمير/أيلول. ويقال إن رابطة العالم الإسلامي قامت بتمويل معسكرات التدريب والمدارس الدينية في باكستان وأفغانستان. كان لمؤسسة الحرمين تواجد في قرابة 50 دولة وأنفقت عشرات الملايين من الدولارات ذهب أغلبها إلى التبشير والعمل الإنساني في حين ذهب بعضها إلى الشبكات الجهادية.

كانت المملكة بشكل عام بطيئة في إدراك أخطار الإرهاب ومتقاعسة عن التعاون مع الولايات المتحدة في بادئ الأمر. بعد تفجير أبراج الخبر عام 1996، لم تقم الحكومة السعودية بتبادل المعلومات الحيوية مع المخابرات الأمريكية. كثير من أنشطة الحركة الجهادية العالمية مثل القتال في كشمير والشيشان، تمتعت بشرعية واسعة داخل المملكة وبدا حينها أن دعم المواطنين لهذه الصراعات لا يشكل أي تهديد مباشر للأمن السعودي. كان وزير الداخلية السعودي في التسعينيات، الأمير «نايف بن عبد العزيز» والد وزير الداخلية وولي العهد الحالي الأمير «محمد بن نايف»، يعتقد أن كثيرا من سمعة «بن لادن» كانت راجعة إلى الدعاية الأمريكية، وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، فقد ألقى باللوم في البداية على مؤامرة صهيونية.

نقطة التحول في عام 2003

الكثير من الأمور تغيرت في عام 2003 حين بدأ تنظيم القاعدة في مهاجمة المملكة بشكل مباشر مستهدفا المغتربين وكذلك قوات الأمن. وأدى ذلك إلى حملة مستمرة من الإرهاب أودت بحياة أكثر من مائة شخص إضافة إلى مئات من الجرحى بين عامي 2003 و2006. قاد ولي العهد الحالي حملة مدمرة ضد التنظيم في نهاية المطاف. ونتيجة لهذه الهجمات، احتضنت المملكة التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبدأت في النظر إلى تنظيم القاعدة باعتباره تهديدا كبيرا. وكتبت لجنة 11 سبتمبر/أيلول في عام 2004 أن المملكة تخوض في الوقت الراهن معركة مميتة مع تنظيم القاعدة.

وكدليل على هذا التغيير، وقعت كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في عام 2004 اتفاقية ثنائية حول التعاون التقني في مكافحة الإرهاب. وبموجب الاتفاقية، تقدم الولايات المتحدة المستشارين، بتمويل من المملكة العربية السعودية، للمساعدة في التدابير الأمنية. كما يساعد الجيش الأمريكي أيضا في تدريب القوات السعودية. (الصورة: ولي العهد الأمير محمد بن نايف).

المسؤولون السعوديون الآن هم حلفاء محوريون في مكافحة الإرهاب. إنهم يلعبون دورا قياديا في محاولة وقف تمويل «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة. هذا التحول في النهج السعودي وأهمية دور المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب يمكن أن نشاهده بوضوح في النجاحات التي تم تحقيقها في مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن. كان واحدا من أكثر الأمثلة بروزا على تزايد دور المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب هو قيامها بإحباط عملية تفجير طائرة البضائع التي خطط لها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في عام 2010. ووفقا للقصة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد قدمت الاستخبارات السعودية معلومات حاسمة للاستخبارات الأمريكية والأوروبية والتي سمحت لأفراد الأمن البريطانيين والإماراتيين باعتراض قنبلة مخبأة بدقة كانت بالفعل في طريقها إلى الولايات المتحدة. وقد كان التواصل السعودي حاسما لأن المتفجرات كانت مرت بالفعل من الفحص الأمني المتعدد قبل أن يحفز التحذير السعودي البحث متعدد الأطراف في جميع أنحاء العالم. وبالإضافة إلى هذه القدرات الاستخبارية البشرية داخل الأوساط الجهادية، والتي لا تتوفر بسهولة للمخابرات الغربية، فإن المملكة العربية السعودية تعلب أيضا دورا مركزيا في الحملة الأمريكية ضد القاعدة في جزيرة العرب في اليمن من خلال استضافة قاعدة لطائرات بدون طيار وغيرها من الهجمات في اليمن وفقا لـ«بي بي سي».

«الدولة الإسلامية»، مثل تنظيم القاعدة، يشكل أيضا تهديدا أمنيا للنظام السعودي. وأعلن التنظيم المملكة العربية السعودية كأحد أعدائه كما تظهر دعايته راية سوداء تحلق فوق مكة المكرمة. وهاجم التنظيم مساجد الشيعة في المملكة إضافة إلى قيامه باستهداف مسؤولي الأمن في المملكة. كما دعت «الدولة الإسلامية» مناصريها أيضا إلى اغتيال القادة السعوديين. على نطاق أوسع، تهدد «الدولة الإسلامية» أيضا شرعية النظام السعودي نظرا لكونها تدعي أن نموذجها هو التجسيد الحقيقي للدولة في ظل شريعة الله.

وكانت استجابة الحكومة السعودية نحو «الدولة الإسلامية» قوية للغاية. اتخذت الحكومة خطوات لوقف السعوديين من السفر إلى الخارج لدعم «الدولة الإسلامية» وغيرها من الجماعات، بما في ذلك إلقاء القبض على أولئك الذين سافروا إلى الخارج للقتال مع الجماعات المتطرفة. وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت بإلقاء القبض على 1600 مشتبه به من أنصار «الدولة الإسلامية» في المملكة وأعلنت عن قيامها بإحباط عدة هجمات. وأعلن مسؤولون في وزارة الخزانة أن السعوديين يتعاونون بشكل كامل مع الولايات المتحدة في وقف جمع التبرعات لتنظيم «الدولة الإسلامية». كما قام المسؤولون الدينيون ذوي العلاقات الوثيقة مع العائلة المالكة بالتنديد أيضا بـ«الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة. كما أعلنت المملكة عن قيامها بتشكيل تحالف عسكري إسلامي لأجل مكافحة الإرهاب.

وقد صارت جهود المملكة أكثر فاعلية بكثير فيما يتعلق بوقف تمويل الإرهاب. وقد اعتمد تنظيم القاعدة لفترة طويلة على الممولين الماليين من داخل المملكة وكان قدرة الحكومة السعودية على وقف هذا الأمر ضعيفة في البداية حتى بدأت في أخذ الأمور على محمل الجد. (يرجع جزء من المشكلة إلى أن المملكة لا تمتلك نظام ضريبي تفصيلي لذا فإن الحكومة لم تكن تتمتع برقابة كافية على كيفية إنفاق المال من قبل مواطنيها). استثمرت المملكة بشكل كبير في مكافحة تمويل الإرهاب بمساعدة الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك فقد صار من الصعب إرسال الأموال إلى الجماعات الإرهابية من المملكة العربية السعودية. في عام 2014، غالبا ما كان المال الذي يتجه إلى سوريا يذهب عن طريق الكويت من أجل تجنب الإجراءات السعودية. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات قد حققت تقدما كبيرا إلا أن الدعم السعودي للجماعات المسلحة لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. المجموعات في باكستان وأحيانا في أماكن أخرى تستفيد من دعم السعوديين الأثرياء وغالبا ما تواجه الحكومة السعودية صعوبات في وقف هذه التدفقات.

وبدأت المملكة العربية السعودية أيضا برنامجا لإعادة تأهيل الإرهابيين لأجل منحهم الفرصة لإعادة الاندماج ضمن المجتمع السعودي. يشارك الزعماء الدينيون في هذا البرنامج من أجل تفنيد الأفكار المتطرفة ويتلقى المشاركون أيضا دعما وظيفيا وأسريا. ولكن بعض أولئك الذين مروا من البرنامج قد عادوا إلى التطرف مرة أخرى بما في ذلك عدد من الأعضاء المهمين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

لا تزال هناك مشاكل كبيرة. وفق ما يؤكده مسؤول وكالة المخابرات المركزية السابق «بروس ريدل» فإن بعض المصادر السعودية لا تزال هي الممول الرئيسي للجماعات مثل حركة طالبان الأفغانية وجماعة لشكر طيبة في أفغانستان. وتشير بعض الروايات إلى أن المال السعودي وصل إلى فرع تنظيم القاعدة في سوريا، جبهة النصرة. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية تعادي «الدولة الإسلامية»، فإنها ترى أن النظام السوري الذي يملك علاقات وثيقة مع إيران يشكل خطرا أكبر بكثير عليها قد قامت بتركيز طاقاتها وفقا لذلك. وعلى الرغم من جهود النظام للحد من تدفق المقاتلين إلى الخارج، فإن المملكة لا تزال من أكبر المصدرين للمقاتلين الأجانب.

الأهم من ذلك أن المملكة العربية السعودية هي موطن للكثير من الدعاة والمنظمات الدينية التي تتبنى (الطائفية) وتعارض دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهناك عدد من الدعاة السعوديين البارزين يواصلون التنديد بالمسلمين الشيعة بما يخدم سردية «الدولة الإسلامية». هناك تقدم نسبي، لكن العديد من رجال الدين السعوديين لا يزالون يحثون السعوديين على المشاركة في الصراعات الخارجية.

وتعتبر المملكة العربية السعودية تنظيم القاعدة عدوها اللدود، ولكن حملتها في اليمن ساعدت التنظيم بشكل غير مباشر. من خلال استهداف ودحر الحوثيين في اليمن، الذين تعتبرهم الرياض وكلاء لطهران، فقد منحت السعودية متنفسا للقاعدة في جزيرة العرب. في الآونة الأخيرة،ركزت قوات التحالف السعودية حملتها ضد التنظيم مما اضطره إلى التراجع على عدة أصعدة.

فروق رئيسية

فهم علاقة المملكة العربية السعودية مع الإرهابيين هو أمر أكثر صعوبة من تقييم دعم إيران للإرهابيين والذي يبدو معلنا وواسع النطاق وترعاه الدولة. ويتم تقديم جزء كبير من الدعم السعودي عبر الجهات الفاعلة غير الحكومية. لكن كون هذه الجهات غير حكومية لا يجعل الحكومة غير مسؤولة. هذه الجهات الفاعلة غير الحكومية تتمتع بعلاقات واسعة مع النظام السعودي. بعض هذه المؤسسات يحصل على رعاية من قبل النظام خاصة تلك المؤسسات المرتبطة بكبار رجال الدين في المملكة، في حين أن بعضها الآخر يعمل حقا بشكل مستقل عن الحكومة ومتعارض معها في بعض الأحيان.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأسرة المالكة السعودية نفسها تعلب دورا غير عادي. بمعنى من المعاني، فإن الأسرة الحاكمة التي تتكون من عشرات الآلاف من الأمراء ليست هي الحكومة. ومع ذلك فإن الأمور المالية لكل من الأسرة والحكومة متشابكة بشكل كبير. وفي حال قام أمير بدعم مجموعة ما فإنه قد يعد بمثابة قبول غير رسمي لها. الملك «سلمان» نفسه، على سبيل المثال، ساعد في جمع المال للمجاهدين في أفغانستان والبلقان.

العديد من هذه الأصوات مسؤولة عن التلقين وليس عن العنف المباشر. وهذا يعني نشر وجهات النظر تشيطن الشيعة أو الأحمدية أو حتى اليهود وتؤصل لشرعية استخدام العنف لمحاربة المحتلين الأجانب لأراضي المسلمين، سواء كانت القوات الهندية في كشمير، أوالقوات الأمريكية في العراق، أو القوات الإسرائيلية في فلسطين التاريخية. هذا الدعم مكروه في الولايات المتحدة ولكنه ينظر إليه كجزء من حرية التعبير المحمية. ومع ذلك فإن يقدم خدمة لا تقدر بثمن للإرهابيين حيث يوفر شرعية لاهوتية لأعمالهم، ويمكنهم من جذب المجندين والأموال.

الدوافع

تمثل السياسة السعودية في مكافحة الإرهاب مزيجا من الأيديولوجيا والسياسة المحلية، والبراغماتية الباردة.

معظم السعوديين، بما في ذلك العديدين في الحكومة، من المؤيدين الأقوياء لتلك النسخة من السلفية التي تنظر إلى غير المسلمين (أو ربما غير السلفيين) على أنهم قوى معادية. كما ترى شرعية محاربة (إسرائيل) والهند وربما الولايات المتحدة. العمل التبشيري، مثل نشر الإسلام الحقيقي من خلال الوعظ والتعليم يحظى بدعم كبير بين طيف واسع من السكان.

بالنسبة للعائلة الحاكمة، فإنه يتم المزج بين هذا الدعم المحلي وبين شرعيتها. لا يتم انتخاب العائلة المالكة، كما أنها تحمل سجلا مختلطا في مجال الخدمات والنمو الاقتصادي. وقد صارت ضعيفة بشكل خاص بسبب انهيار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 حيث سجلت عجز الموازنة الأكبر في تاريخها. وعلى هذا النحو، فإن العائلة المالكة تعتمد بشكل كبير على اتفاقها مع المؤسسة الدينية لتنفيذ الشريعة الإسلامية في المملكة والدفاع عن الإيمان بشكل عام. رفض العمل التبشيري والتعليم الديني، مع وضع هذا الاتفاق في الاعتبار هو أمر غاية في الصعوبة. بل إن رفض ممارسة العنف المرتبط بالدين هو أمر صعب أيضا كما يتضح الحال في التعامل مع سوريا. الملك الجديد، «سلمان بن عبد العزيز آل سعود»، هو أحد المقربين من المؤسسة الدينية ولديه اتصالات وثيقة مع رجال الدين المحافظين.

ولكن العائلة المالكة أيضا براغماتية بشكل كبير وهي تقدر علاقاتها مع الولايات المتحدة. كما أن هجمات عام 2003 علمتها أن المشاكل الخارجية التي قد تبدو بمأمن منها يمكن أن تأتي إلى المنزل بسرعة وبشكل غير متوقع. ولذا فإن ممارستها العريقة بإقناع المتطرفين بالتوجه نحو أهداف أخرى تبدو محفوفة بالمخاطر. النظام السعودي حساس بشكل خاص إلى كل ما من شأنه التشكيك في شرعية النظام، وهو لن يتردد في إسكات أو سجن أكثر رجال الدين شعبية إذا دعت الضرورة.

هل يمكن أن تتغير السعودية؟

مما يجعل هذه التعميمات أقل تأكيدا هو أن المملكة تخوض الآن خضم تغيير عميق. الملك «سلمان» هو آخر الحكام من جيله. جميع القادة السعوديين المستقبليين (ومعظم الشعب السعودي) نشئوا في مملكة عرفت ثروة كبيرة. خلال العامين الماضيين في المملكة، التي فضلت تاريخيا العمل وراء الكواليس، فقد تم رسم مسار أكثر استقلالا وحزما. قام الملك «سلمان» بقلب خط الخلافة، وذهب إلى الحرب في اليمن رغم المعارضة الأمريكية الأولية كما انتقد علنا ​​إدارة «أوباما» بقسوة على اتفاق إيران النووي وبشأن موقفها في سوريا. على صعيد مكافحة الإرهاب، فإن تعيين «محمد بن نايف» كولي للعهد يبدو أمرا واعدا بالنظر إلى موالاته للولايات المتحدة وعداوته لتنظيم القاعدة والجماعات الشبيهة.

تبدأ المملكة أيضا، خطابيا على الأقل، في إعادة هيكلة اقتصادية شاملة. لا يزال اقتصاد المملكة يعتمد على النفط، مع قطاع عام متضخم ونظام تعليمي يحتاج إلى كثير من الواقعية ومع شعب اعتاد على تلقي إعانات الدولة. كل هذه الأمور تمثل تحديات هائلة. واقترح الملك الجديد وابنه الشاب، ولي ولي العهد، مجموعة طموحة من الإصلاحات لفطم المملكة عن الاعتماد على النفط. وتشمل قائمة التغييرات المحتملة خفض الدعم وبيع الأراضي العامة وفرض ضريبة القيمة المضافة. المملكة، رغم ذلك، غالبا ما تكون جليدية بشأن وتيرة أي إصلاحات. ومع كون مشاكل التطرف الخاصة بالمملكة غالبا ما تكون مدفوعة بعلل اجتماعية واقتصادية، ومع ترجيح حدوث القليل من التقدم في المدى القريب، فإن الأمور قد تصبح أكثر سوءا.

حدود تأثير الولايات المتحدة

نجح الضغط الأمريكي في عهد إدارتي «بوش» و«أوباما» في تحويل السعودية بعيدا عن كثير من الأنشطة الخطرة وزيادة قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب. حتى لو كان الدافع الرئيسي للتغيير هو التهديد المتصور للمملكة نفسها وليس نفوذ الولايات المتحدة، فإن هي النجاحات الكبيرة تستحق التقدير.

تغيير السياسة السعودية إلى ما هو أبعد من ذلك يعد أمرا صعبا. على الرغم من أن الولايات المتحدة باعت المملكة ما يقرب من 100 مليار دولار في عهد إدارة «أوباما»، لا يزال الإعلام السعودي ينتقد الرئيس ويصفه بأنه معاد للمملكة ولا يمكن الاعتماد عليه. علاوة على ذلك، تشعر السعودية بالإحباط بسبب سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران على وجه الخصوص وفي المنطقة بشكل عام. قامت السعودية بدعم الانقلاب في مصر في معارضة لسياسة الولايات المتحدة، كما سبق أن عبر السعوديون عن غضبهم نتيجة السماح بالإطاحة بـ«مبارك». تخلت إدارة «أوباما» إلى حد كبير عن انتقاد النظام السعودي بسبب قضايا حقوق الإنسان ولكن يجب علينا أن نتذكر أن معظم السعوديين لا يتفقون مع القيم الأمريكية بشأن حقوق المرأة والمثلية الجنسية والحرية الدينية، والحريات الأساسية الأخرى التي تعتبر أساسية في المجتمع الأميركي.

العديد من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب تمس جوهر القضايا السياسية الداخلية المتعلقة بشرعية النظام السعودي. والتغيير في هذه المناطق في أحسن الأحوال يكون بطيئا، ويجب على الولايات المتحدة أن تتوقع أن ينتهي التقدم أو حتى يتم عكسه بحسب التحديات الداخلية التي تواجه النظام.

الضغط الهادئ غالبا ما يأتي بنتائج أفضل في محاولة تغيير السياسة السعودية. الدائرة الصغيرة من صناع القرار في المملكة لا تحب التعرض للإحراج العام وتعتقد بقوة في قيمة العلاقات الشخصية الوثيقة. حتى يكون فعالا، يجب أن يأتي الضغط الأمريكي من كبار المسؤولين، بمن فيهم الرئيس. خلاف ذلك، فإنه يمكن ببساطة تجاهله أو ربما يأتي بنتائج عكسية.

المملكة العربية السعودية هي شريك أساسي في النضال من أجل هزيمة «الدولة الإسلامية»، تنظيم القاعدة، وجماعات أخرى، لكنها ليست صديقا. تشويه صورة المملكة العربية السعودية لا يخدم مصالح الولايات المتحدة. ولكن في ذات الوقت لا يجب أن ينظر إلى واشنطن والرياض على أنهما حلفاء نظرا للاختلاف العميق في القيم بينهما.

المصدر | بروكنغز

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة الدولة الإسلامية أوباما العلاقات السعودية الأمريكية الملك سلمان الرياض

«هافينغتون بوست»: العلاقات السعودية الأمريكية لا تتجه للقطيعة رغم الخلافات

«و.س. جورنال»: ثلاثة أمور على الرئيس الأمريكي أن يدركها بخصوص السعودية

«بروكينغز»: قراءة في أوراق التاريخ .. لماذا لا يمكن التخلي عن العلاقات السعودية الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

«دعمناك وخذلتنا»: رد فعل سعودي عنيف على عقيدة «أوباما»

كيف يدير «أوباما» ظهره إلى السعودية وحلفائها السنة؟

شهادات أمريكية حول السعودية: «شريك ضد الإرهاب»

التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب والتغيرات في القيادة السعودية

الملك «سلمان»: العلاقات السعودية الأمريكية تشهد تطورا في كافة المجالات

مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية.. إلى أين؟