الطلاق الطويل: كيف صارت العلاقات السعودية الأمريكية أكثر برودة في عهد «أوباما»؟

الأربعاء 20 أبريل 2016 01:04 ص

كانت اللحظة الفارقة الأولية في موقف الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» تجاه المملكة العربية السعودية، بالنسبة للكثير من الناس، عندما انحنى أمام الملك «عبدالله» عندما قام بمصافحته أثناء قمة مجموعة دول العشرين في أبريل/نيسان 2009. وجاءت هذه اللفتة، التي أنكر البيت الأبيض أنها كانت انحناءة في كل الأحوال، لتحمل تفسيرات متباينة بين من رأى أن الولايات المتحدة تقوم بالتذلل لحليفها المهم، وبين من رآها علامة على القدرات الساحرة للرئيس الجديد.

السعوديون أنفسهم ربما لم ينخدعوا. لقد كانوا قد عرفوا ذلك من خطاب «أوباما» عام 2002 في شيكاغو، بعد عام واحد من أحداث 11 سبتمبر/أيلول. هذا الخطاب هو الأكثر شهرة الذي يظهر معارضة «أوباما» لخطط غزو العراق الذي أشار إليه على أنه «حرب غبية». ولكن السيناتور وقتها أرسل أيضا رسائل شديدة اللهجة حول البلدين اللتين كانتا تعدان بمثابة دعائم للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقد وجه «أوباما» رسالته للرئيس «جورج دبليو بوش» قائلا: «أنت تريد أن تقاتل؟ دعنا نكافح من أجل التأكد من أن حلفاءنا في الشرق الأوسط من السعوديين والمصريين سوف يوقفون قمع شعوبهم ومطاردة المعارضة والتغاضي عن الفساد وعدم المساواة».

الكثير قد تغير في العالم منذ تلك الانحناءة المحرجة في عام 2009، ناهيك عن عام 2002. وقد تغيرت طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية جنبا إلى جنب مع كل ذلك. ومع وصول السنوات الثمانية من حكم «جورج دبليو بوش» إلى نهايتها، كان سعر النفط يقف عند أقل من 50 دولارا للبرميل قبل أن يقفز إلى أكثر من مائة دولار خلال عام 2014. كان قلة من الناس فقط وقتها هم الذين سمعوا بالصخر الزيتي الذي يغير مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة. في الشرق الأوسط، كان الرئيس المصري «حسني مبارك» لا يزال في السلطة بينما كان حكم «بشار الأسد» مستقرا في سوريا. كنا على بعد عامين من اشتعال الانتفاضات في هذين البلدين وغيرهما، حيث أثار رد فعل واشنطن في كلتا الحالتين استياء المسؤولين السعوديين.

سوف يلتقي الرئيس «أوباما» الملك «سلمان» في الرياض اليوم 20 أبريل/نيسان، خلال ما يرجح أن تكون الرحلة الأخيرة له إلى المملكة العربية السعودية خلال فترة رئاسته. تستخدم مثل هذه اللقاءات بين قادة الدول عادة لإجراء مناقشات حول المصالح المشتركة وليس أجندات مفصلة. السؤال الذي يبرز هنا: هل يقف الحليفان اليوم على نفس الصفحة؟ وسوف يكون من المثير أن نرى إذا ما كان يمكن أن يوحي الطرفان ظاهريا أنهما لا يزالان يقفان في نفس الموقف.

خلافات عميقة

على الرغم من أن الزيارة الحالية يتم الترويج لها على أنها محاولة إعادة بناء التحالف، فإنها سوف تستغرق على الأرجح في تسليط الضوء على الفجوة التي تعمقت بين البلدين خلال السنوات الثماني الماضية. بالنسبة لـ«أوباما»، فإن القضية الأساسية في الشرق الأوسط هي المعركة ضد «الدولة الإسلامية»، وهو يريد أن يكون قادرا على العمل مع غطاء التحالف الإسلامي الواسع، والتي تعد المملكة العربية السعودية عضوا بارزا فيه. بالنسبة إلى بيت آل سعود، فإن القضية الأساسية هي إيران. بالنسبة لهم، فإن الصفقة النووية التي تم إبرامها في العام الماضي لن تحد من طموحات إيران كقوة نووية ناشئة، ولكنها سوف تؤكدها. والأسوأ من ذلك، أن واشنطن صارت ترى إيران كحليف محتمل ضد «الدولة الإسلامية». وعلى حد تعبير أحد المراقبين في واشنطن: «المملكة العربية السعودية كانت تريد صديقا تدعى الولايات المتحدة، بدلا من ذلك فإن الولايات قد اختارت صداقة إيران. المملكة العربية السعودية تشعر الآن بالغيرة».

وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، فإن كلا الطرفين قد أعدا قوائم أسئلة لهذه الزيارة. من المحتمل أن يتم التعبير عن هذه الأمور في الاجتماعات الجانبية بالنظر إلى أن الملك قد فوض الكثير من صلاحياته إلى ولي العهد الأمير «محمد بن نايف»، وبشكل خاص إلى نجله نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». إلى جانب «الدولة الإسلامية» وإيران، من المرجح أن تتطرق المحادثات إلى اليمن حيث تتعثر المملكة على نحو متزايد وإن كان هناك بعض الأمل في محادثات السلام. وسوف يكون المحاور الحاسم في الأمر هو «محمد بن سلمان»، الذي يتوقع أن يصير ملكا عاجلا وليس آجلا على الرغم من أن الخلافة الاسمية المعمول بها حاليا تمنح التاج إلى ابن عمه، «محمد بن نايف». ومن المعروف أن «محمد بن سلمان» يروج لمملكة عربية سعودية حديثة مع اقتصاد لا يعتمد على النفط.

لا يبدو أن موقف «أوباما» تجاه المملكة العربية السعودية تغير منذ خطابه عام 2002، وسوف تكون تصريحاته حول حكام المملكة العربية السعودية بمثابة فيل يشغل غرفة المحادثات. انتقادات الرئيس «أوباما» لمن يسمون أنهم حلفاء الولايات المتحدة كان موضوعا متكررا في قصة «غيفري غولدبيرغ» في مجلة ذا أتلانتيك المعنونة باسم «عقيدة أوباما». وتبدأ المادة المكونة من 19 ألف كلمة بالإشارة إلى أن تراجع «أوباما» عن خطه الأحمر بعد قيام «بشار الأسد» باستخدام غاز السارين السام ضد المدنيين في عام 2013 قد صدم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأجبرهم على إعادة النظر في مدة واقعية الضمانات الأمنية الأمريكية، وهو القرار الذي يؤكد «أوباما» أنه جعله «فخورا جدا».

مثل قيام «أوباما» بإجراء هذه المقابلة الآن وقبل نهاية فترته الرئاسية لغزا للكثيرين الذين يرون أنها قامت بالإضرار بمصداقيته الدبلوماسية. ألقت هذه التصريحات بسحابة سوداء على اجتماعات «أوباما» في الرياض وجعلت من تصريحاته العلنية أقل إقناعا. التعاون في مكافحة الإرهاب، على سبيل المثال، سيكون عنصرا رئيسيا في المحادثات في الوقت الذي تساءل فيه «أوباما» في مقابلته في مجلة «ذا أتلانتيك» عن دور حلفاء أمريكا من العرب السنة في التحريض على الإرهاب المناهض للولايات المتحدة. وهو ما علق عليه «غولدبيرغ» بأن «أوباما» قد بدا غاضبا من السياسة الخارجية التي تجبره على اتخاذ المملكة العربية السعودية كحليف.

عندما سأل «مالكولم تيرنبول»، رئيس الوزراء الأسترالي الجديد، في العام الماضي «أوباما»، عن السعوديين بالقول: «أليسوا أصدقاءك» فقد اكتفى «أوباما» بالتبسم والتعليق بالقول: «الأمر معقد».

ويبدو أن شكوك «أوباما» قد تسربت إلى كامل إدارته. وقد بلغت حد أن المسؤولين السعوديين يعتقدون أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية يفضلون منافسيهم في طهران على حلفائهم من السعوديين. «في البيت الأبيض هذه الأيام، يسمع المرء أحيانا مسؤولين في مجلس الأمن القومي لأوباما يذكرون بحدة أن الغالبية العظمى من المتورطين في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) لم يكونوا من الإيرانيين ولكنهم من السعوديين»، وفقا لما كتبه «غولدبيرج». وعندما نوه «غولدبيرغ» إلى «أوباما» أنه يرى أنه، على النقيض من أسلافه، لم يقدم الدعم الكامل للمملكة العربية السعودية في نزاعها مع إيران، فإنه لم يبد اعتراضا على الأمر.

ويبدو بوضوح أن «أوباما» لا يحمل وجهة نظر الكثير من زعماء الشرق الأوسط الذين يرون أن جمهورية إيران الإسلامية ترغب في تقليص نفوذ الولايات المتحدة وتغيير ميزان القوى في المنطقة. ويخشى القادة السعوديون بشكل متزايد أن «أوباما» ليس لديه مصلحة في تقليص طموحات إيران الإقليمية.

وكان أكثر ما أثار غضب الرياض عندما تم نشر تحقيق «ذا أتلانتيك» هو قيام مطالبة الرئيس لإيران وخصومها بالعثور على طريقة فعالة لمشاركة الجوار وإقامة نوع من السلام البارد.

ليس لدى المملكة العربية السعودية أي مصلحة في تقاسم العالم العربي مع عدوها اللدود. السعودية ترى أن إيران تمثل تحديا لقيادتها للعالم الإسلامي وتقوم بتقويض مكانتها في العالم العربي. كما أن اتفاق إيران النووي ورفع العقوبات يهددان زعامة المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة أيضا.

مشكلات أخرى

هناك وجهات نظر مختلفة جذريا حول الشرق الأوسط بين الرياض وواشنطن يمكن أن تمثل أسبابا للتوتر، ولكن «أوباما» والملك «سلمان» سوف يواجهان مشاكل أخرى حين يتقابلان هذا الأسبوع. ويتم تصميم اجتماعات العاهل السعودي البالغ من العمر 80 عاما بعناية من أجل إخفاء عجزه المتزايد، على الأقل عن نظر العامة. «أوباما» واجه بالفعل هذا. عندما جاء إلى الرياض في وقت مبكر من العام الماضي لتقديم التعازي في وفاة الملك «عبدالله»، حيث خاض محادثة مع الملك «سلمان» قام خلالها الملك السعودي بالابتعاد عنه دون سابق إنذار. وعندما زار الملك «سلمان» المكتب البيضاوي في سبتمبر/أيلول فقد أحضر ابنه المفضل «محمد بن سلمان» للحديث عنه.

خلال معظم الاجتماعات، غالبا ما يكون بصحبة الملك «سلمان» شاشة كومبيوتر، غالبا ما تحجبها الزهور أمامه، والتي تعمل بمثابة ملقن. أثناء اللقاء مع الوفد الأمريكي مؤخرا، فقد ابتكر الديوان الملكي حيلة أخرى حيث قضى الملك الاجتماع ينظر خلف الوفد نحو شاشة كبيرة متدلية من السقف في حين كان أحد مساعديه يقوم بتسجيل نقاط الحوار سريعا من خلال لوحة المفاتيح.

ويبدو أن رؤساء الدولتين لن يكونا قادرين على تجنب مناقشة تفسيراتهما المتنافسة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول. كان 15 من أصل 19 من منفذي الهجمات من السعوديين. وقد تم إحياء هذه القضية بسبب دعوات في الكونغرس لنشر 28 صفحة من تقرير الأحداث، وهي صفحات من شأنه أن تسبب إحراجا للحكومة السعودية بسبب احتمال وجود صلة بين الخاطفين والمسؤولين السعوديين. وقد أكدت الرياض حساسيتها نحو هذا الأمر خلال هذا الأسبوع حين حذرت المملكة أنها ستبيع أصولا أمريكية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات إذا أقر الكونغرس مشروع قانون يسمح للحكومة السعودية أن تكون مسؤولة أمام المحاكم الأمريكية عن أي دور في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

الطريقة التي سوف يتم بها تناول هذه القضية من الصعب التنبؤ بها. ولكن كما سبق أن كتبت في افتتاحية لصحيفة «وول ستريت جورنال» في أغسطس/آب 2002، فإن هناك المزيد حول الروابط بين الخاطفين وآل سعود مما يبدو أن الجميع على استعداد للاعتراف به. وقد تضمنت تلك المادة قصة تم نشرها في 9 يناير/كانون الثاني بعنوان «مدفوعات الأمراء» ادعى خلالها مسؤول سابق في إدارة «كلينتون» أن اثنين من كبار الأمراء السعوديين قد قاموا بتمويل زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن» منذ تفجير 1995 في الرياض، والذي أسفر عن مقتل مستشارين في الجيش الأمريكي.

وقد نفي السعوديون بشدة هذا الادعاء آنذاك على لسان وزير الخارجية الحالي «عادل الجبير» الذي استنكر الأمر بقوله: أين الدليل؟ لا أحد يقدم دليلا على ذلك.

وقد كتبت في صحيفة «وول ستريت جورنال» في عام 2002 ما نصه: «لقد قمت بتتبع الأدلة وسرعان ما قام مسؤولون أمريكيون وبريطانيون باطلاعي على أسماء اثنين من كبار الأمراء كانوا يستخدمون المال السعودي الرسمي، وليست أموالهم الشخصية، لدعم بن لادن من أجل إثارة الاضطرابات في أماكن أخرى خارج المملكة». قدرت هذه المبالغ بمئات الملايين من الدولارات وقد استمرت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وقد سألت مسؤولا بريطانيا مؤخرا حول ما إذا كان هذه المدفوعات قد توقفت، وقد أكد أنه يأمل ذلك ولكنه لم يكن متأكدا.

إذا كانت القيادة السعودية تأمل في إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة فإن عليها أن تجد وسيلة لإخماد هذه الأسئلة. ولكن حدة الانتقادات التي وجهها الرئيس مؤخرا تجعل التقارب إلى المستويات السابقة من الألفة الدبلوماسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من المستحيل، على أي حال.

بالتأكيد فإن الرئيس لم يذهب إلى الرياض من أجل التوقيع على شهادة وفاة العلاقة، ومع ذلك، فإن إدارة «أوباما» قد بشرت بعهد جديد في العلاقات بين واشنطن والرياض. وهو عهد ينشر بعلاقات أكثر بعدا وتعتريها المزيد من الشكوك مما كان عليه في السنوات الماضية.

المصدر | سايمون هندرسون - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة السعودية الملك سلمان أوباما العلاقات السعودية الأمريكية

زيارة أوباما .. هل من جدوى؟

ستراتفور: هل يمكن أن تنفذ الرياض تهديدها ببيع الأصول الأمريكية؟

«بروكينغز»: قراءة في أوراق التاريخ .. لماذا لا يمكن التخلي عن العلاقات السعودية الأمريكية؟

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

كيف يدير «أوباما» ظهره إلى السعودية وحلفائها السنة؟

«ذا أتلانتيك»: التعقيدات تخيم على أجواء العلاقات السعودية الأمريكية

«محمد بن زايد» يبحث مع «أوباما» أوضاع اليمن وليبيا في لقاء خاص قبيل قمة الرياض

القمة الخليجية الأمريكية ترفض تصرفات إيران الاستفزازية وتؤكد على التنسيق لمواجهة «الدولة»

صحفيون مع الوفد الأمريكي يلتقطون صورا من مقر استقبالهم بالرياض

«بوليتيكو»: العلاقات السعودية الأمريكية تتدهور .. ولا أحد يمكنه إصلاح ذلك

معهد «هدسون»: السياسات قصيرة النظر للمملكة العربية السعودية

«هويدي»: «السيسي» في خطر شديد.. وسياسة الملك «سلمان» أكثر حماسا

محلل أمريكي: واشنطن بدأت تنظر إلى الشرق الأوسط من عدسة لا ترتاح لها الرياض

السعودية تروج لسياساتها في أمريكا عبر شبكة ضخمة من شركات الضغط والعلاقات العامة

«أوباما» المختلف إزاء خليج مختلف

أوباما «المغادر» تاركاً «أمن الخليج» على قلق

رؤية «أوباما» للشرق الأوسط

شبهات حول دور أمريكي ملتبس!