«شركاء» وليسوا «حلفاء»: إعادة توصيف العلاقات الخليجية الأمريكية

الأربعاء 13 أبريل 2016 12:04 م

يبدو أن كلمة حليف تستخدم بشكل موسع في معجم واشنطن في التعامل مع الشرق الأوسط. حان الوقت لكسر هذه العادة السيئة، لأن الحقيقة هي أنه، باستثناء تركيا، الدولة العضو في حلف الشمال الأطلسي، فإن الولايات المتحدة ليست مشتركة في تحالفات مع أي من دول الشرق الأوسط. ومع اقتراب موعد قمة الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي المرتقبة في الرياض، فإن فهم وتحديد ما يشكل تحالفا حقا قد صار أمرا أكثر أهمية.

كل هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون لها حلفاء في المنطقة. ولكن الواقع الموضوعي أنها فعليا لا تملك. غالبا ما تخطئ الولايات المتحدة في توصيف علاقاتها مع عواصم الشرق الأوسط التي غالبا ما توقع أضرارا بسياسات الولايات المتحدة في المنطقة. كما أنها غالبا ما تفاقم علاقاتها مع الدول التي تتشارك معها في تحالفات حقيقية.

في مناقشات السياسة العامة في الولايات المتحدة، غالبا ما تستخدم عبارات الشراكة والتحالف بالتبادل. ولكن الفرق بين الاثنين هو فارق حقيقي. إذا كان هناك بلدان أو أكثر حليفين، فإن ذلك يعني أنهما يشتركان معا في معاهدة للدفاع المشترك وهو ما يعني أنهما ملتزمان من الناحية القانونية بأمن بعضهما البعض. وباختصار، فإن ذلك يعني أن يهب أحدهما للدفاع عن الآخر في حال تعرض إلى أي هجوم. غالبا ما تكون هذه المعاهدات مرتبطة بمقرات دائمة وبعثات دبلوماسية ومجموعات دعم للبنية التحتية والعمليات. في الولايات المتحدة، تتطلب اتفاقات الدفاع المشترك تصديق مجلس الشيوخ وموافقته. وأبرز مثال على ذلك التحالف هو حلف شمال الأطلسي.

إذا كان هناك شراكة أمنية بين بلدين، فإنها تلزمهما بالدفاع عن بعضهما البعض حال تعرض أي منهما لهجوم. في معظم، إن لم يكن كل الحالات، فإن مختلف الشركاء لا يقومون بتوقيع معاهدات للدفاع المشترك على الرغم من انخراطهم معا في مختلف أشكال التعاون الأمني. مثل هذه العلاقات لا تأتي مع بينية تحتية ضخمة. وأبرز مثال لهذا النوع من العلاقات هو الشراكة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى الرغم من هذا الفارق الواضح، فإنه وعلى مدار عقود، فإن رؤساء الولايات المتحدة ومستشاريهم السياسيين والعسكريين طالما كانوا يشيرون إلى دول الشرق الأوسط التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على أنهم حلفاء بشكل غير صحيح. في الخامس من أغسطس/آب على سبيل المثال، ألقى الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» خطابا في الجامعة الأميركية قال فيه إن ميزانية الدفاع الإيرانية أصغر بثمان مرات من الميزانية المناظرة لـ«حلفائنا» في الخليج. وقد وصف وزير دفاعه «أشتون كارتر» دول الخليج بـ«الحلفاء» في ثلاث مناسبات مختلفة على الأقل: في يناير/ كانون الثاني من هذا العام في تصريحات على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وفي نوفمبر/تشرين الثاني في مقال لـ«جيفري غولدبيرغ» في صحيفة ذا أتلانتيك، وأثناء زيارته إلى تل أبيب في يوليو/ تموز (في الواقع لقد ذكر الأمر نفسه 4 مرات على الأقل في خطاب واحد). وقد وقع وزير الخارجية الأميركية «جون كيري» في نفس الخطأ يوم 24 يناير/كانون الثاني عام 2016، في سفارة الولايات المتحدة في الرياض، حين أكد أن هناك «تحالف» واضح بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

ولم يكن أداء الإدارات السابقة أفضل حالا. الرؤساء «جورج بوش» و«بيل كلينتون» و«جورج دبليو بوش» «رونالد ريغان»، وجيمي كارتر ومسؤوليهم للأمن القومي أيضا فعلوا الشيء نفسه في مناسبات متعددة. وفي الكابيتول هيل، فإن أعضاء الكونغرس قد أشاروا باستمرار إلى مختلف دول الشرق الأوسط كحلفاء، وقد نالت إسرائيل نصيب «الأسد» في ذلك. وسائل الإعلام الأمريكية اتخذت ذات النهج عبر أكثر الصحف احتراما بما في ذلك «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز». كما يصعب حصر التعليقات التي صدرت عن مختصين بارزين في شؤون السياسة الخارجية والتي أشارت إلى دول الشرق الأوسط بوصفهم حلفاء.

هناك سببين على الأقل لذلك الخطأ. أولهما هو الارتباك. على الأرجح أنه ليس هناك أي نوايا خبيثة تجاه الأمر. عدم الدقة التاريخية والواقعية، سواء في الكلام أو في الكتابة، ليست شيئا جديدا. ولأنه لا يوجد أحد يشير إلى ذلك الخطأ عادة فإن الناس يظلون يرتكبونه. ثانيا إن واشنطن غالبا ما تسلك هذا الطريق في طمأنة الدول التي نهتم بها والتي تثير شكوكا حول التزامنا تجاههم عبر وصفهم كـ«حلفاء» على الرغم من أن فعل ذلك هو أمر خطير وخاطئ من الناحيتين التقنية والأخلاقية.

ونظرا لهذين السببين وربما غيرهما، يمكن للمرء أن يظن أن التمييز بين حالتي التحالف والشراكة هو أمر غير مهم من الناحية السياسية أو حتى القانونية. بعد كل شيء، إذا تعرضت أي من (إسرائيل) أو مصر أو الأردن أو أي من دول الخليج إلى هجوم من قبل إيران، فإن الولايات المتحدة لن تكون بحاجة إلى قطعة من الورق من أجل التدخل عسكريا للدفاع عن أصدقائها. وقد فعلت ذلك في كثير من الحالات بالفعل. كانت حرب الخليج في عامي 1990 و1991 مثالا على ذلك. لم يكن هناك معاهدة للدفاع المشترك بين الكويت والولايات المتحدة، ولكن عندما غزا العراق الكويت في عهد «صدام حسين» فإن الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع التحالف الدولي الذي أسسته، قد تدخلت بقوة وحزم.

ولكن اتفاق الدفاع، العنصر الأهم في تحالفات الدول، ليس مجرد قطعة زائدة من الورق ولكنه آلية خطيرة جدا، وواضحة، ومؤثرة، ورسمية تقوم الولايات المتحدة من خلالها بتصنيف أولوياتها في علاقاتها مع الدول. وهو توفر رسالة قوية من الوحدة في مواجهة الخصوم ويعطي نوعا أكبر من الطمأنينة للحلفاء. هناك سبب، بعد كل شيء، في الحذر الروسي من افتعال الفوضى مع أي من أعضاء حلف الشمال الأطلسي في الوقت الذي تتعامل به بثقة أكبر مع الدول الأوربية غير الأعضاء في الحلف مثل أوكرانيا وجورجيا، والسويد، وفنلندا.

ولكن تجربة الكويت من غير المرجح أن تعيد نفسها. تهديدات اليوم ليست تشكيلات من الدبابات العابرة للحدود التي يقودها طغاة مهووسون بانتزاع الأراضي. معارك الحاضر والمستقبل سوف يتم خوضها في الظل وفي عالم الأفكار وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة لديها من التفوق العسكري في المنطقة وهو كفيل بردع الحرب التقليدية في ذلك الجزء من العالم. ومع ذلك فإنه يمكن لإيران ما بعد رفع العقوبات أن تتصرف بشكل أكثر جرأة وتهورا بشكل قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة. في حال حدوث مواجهة بين إيران وأي شريك محتمل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط فإنها من المرجح أن تضطر إلى التدخل تماما مثلما فعلت ضد «صدام». ولكنها يمكن ألا تفعل أيضا، لأنها ببساطة ليست ملزمة من الناحية القانونية بالقيام بذلك نظرا لعدم وجود معاهدة للدفاع ملزمة للطرفين.

وبطبيعة الحال فإن معاهدات الدفاع ليست شيكات على بياض يمكن منحها تحت أي ظرف من الظروف (على سبيل المثال فقد رفضت الولايات المتحدة مساعدة تايوان في كينمن وماتسو في عام 1955، ولم تهب لنجدة الفرنسيين في ديان بيان فو في عام 1954). ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر دوما إلى مصالحها أولا. ولكن انتهاك مثل هذه المعاهدات يمكن أن يأتي بتكاليف سياسية خطيرة في الداخل وأضرار على سمعة الولايات المتحدة في الخارج. إذا قامت الولايات المتحدة بالتراجع عن التزامها الأمني تجاه أي من دول حلف الشمال الأطلسي، صغيرة كانت أم كبيرة، فإن ذلك قد يهدد بشكل خطير مستقبل التحالف. الشيء نفسه ينطبق على حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في آسيا وأمريكا اللاتينية، وأماكن أخرى.

خلال القمة المرتقبة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، يمكن لـ«أوباما» أن يسدي معروفا إلى الرؤساء القادمين للولايات المتحدة ولزعماء دول الخليج وللشراكة الخليجية الأمريكية عبر إحداث قطيعة واضحة مع الماضي والامتناع عن الإدلاء بتصريحات عامة أو خاصة، تشير إلى أي من الدول الخليجية كحليف. هذا الوصف يسهم في ترسيخ حقيقة كاذبة حول الارتباط مع هذه الدول بمعاهدات للدفاع المشترك. ويجب على «أوباما» ونظرائه الخليج مناقشة السبل والجداول الزمنية لرفع مستوى العلاقات الأمنية بينهم. ولكن ينبغي أن ندرك أنه حتى يتم التوقيع على معاهدة دفاع، فإنهم شركاء وليسوا حلفاء.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

السعودية دول الخليج أوباما الملك سلمان العلاقات الخليجية الأمريكية التعاون الخليجي زيارة أوباما

«فورين بوليسي»: ما ينبغي أن يعيه الرئيس «أوباما» قبل زيارته الرياض

«فورين بوليسي»: كيف ينظر الرئيس الأمريكي إلى السعودية؟

كيف يدير «أوباما» ظهره إلى السعودية وحلفائها السنة؟

باحثة أمريكية تدعو لتغيير استراتيجيات بلادها الخارجية التي تشكلت عقب «حرب الخليج»

توازن القوى .. (إسرائيل) تواصل الضغط لإلغاء صفقات أسلحة أمريكية إلى الخليج

خيانة «أوباما» الكارثية: البيت الأبيض يهدي الانتصارات لـ«الأسد» وروسيا وإيران

«بروكينغز»: قراءة في أوراق التاريخ .. لماذا لا يمكن التخلي عن العلاقات السعودية الأمريكية؟

حليف جيد أم سيء: كيف يمكن أن ينظر صناع القرار في واشنطن إلى السعودية؟

«هافينغتون بوست»: العلاقات السعودية الأمريكية لا تتجه للقطيعة رغم الخلافات

العلاقات السعودية الأمريكية.. الاتفاق حول المصالح أهم من الخلاف حول القيم