استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحل الممكن في سوريا: واقعيةٌ أم تفريط؟

الاثنين 23 مايو 2016 07:05 ص

ماذا لو قدمت المعارضة السورية (بديلًا) حقيقيًا لبشار الأسد؟ منذ لحظة (الثورة) الأولى وإلى اليوم، يعرف كل من اقترب، عمليًا، من دوائر السياسة الدولية المتعلقة بسوريا أن (كلمة السر) في الموضوع كانت تتعلق دومًا بالإجابة عن هذا السؤال.

ندرك أن المعنى الحقيقي المتعلق بكلمة (البديل) يشمل جملةً من القضايا الحساسة والخطيرة التي يتطلب الحديثُ فيها، فضلًا عن تنفيذها، موازناتٍ هي أشبه بالمشي على حد السيف على المستويين النظري والعملي. وأن الأمر سيكون عرضةً لاتهامات ومذاودات على جميع المستويات.

لكن ثمة حوارات وأفكارا وطروحات تُتداول في الساحة السورية خلال الشهور الأخيرة، بين أطراف العلاقة فيها، ساسة وعكسر ونشطاء ومثقفين، بل ومن جمهور السوريين، بشكلٍ حذرٍ وخجول وسري، ربما ينفع أن تخرج إلى الضوء، وأن تُناقش بشكلٍ علني.

فمثل هذا الحوار الصريح يضمن أمرين: الوصول أولًا إلى ما هو أقرب للصواب، بحكم إمكانية مشاركة شريحةٍ واسعةٍ من السوريين في مناقشته، وبشكلٍ يضمن تكامل وجوه الرؤية من زوايا مختلفة. والأهم من هذا، ألا نستيقظ يومًا لنُفاجأ بحلٍ سريٍ مطبوخ في الغرف المغلقة، تتفرد به مجموعةٌ ضيقة من السوريين، ثم يُفرض عليهم جميعًا بحُكم الأمر الواقع.

من هنا، يطرح المقال جملةً من الأفكار لمناقشة الموضوع على سبيل فتح الملف علنيًا، وأمام السوريين جميعًا، بكل ما له وما عليه. ربما على طريقة (تعليق الجرس) التي يجب القيام بها عاجلًا أو آجلًا.

هل يأتي هذا الطرح وفق مقولة (أولوية حقن الدماء) بغض النظر عن كل شيء، الساذجة والسائدة أحيانًا؟ هل يدخل في إطار مشاعر (اليأس) من إمكانية استمرارية الثورة وانتصارها؟ هل هو مقدمةٌ وتسريب (خبيث) لمؤامرةٍ يجري تحضيرها؟ نأمل أن يجيب المقال بجزئيه عن هذه الأسئلة.

منذ اللحظة الأولى للثورة، أدرك الأسد أن المفصل في استمرار حكمه يكمن في إقناع العالم بأن بقاءه (وظيفيٌ) بحت. ومع أحداث السنوات الماضية، عرفَ أنه لم يعد ثمة سياسيٌ في هذا العالم يرغب بوجوده في موقع الرئاسة حبًا أو إعجابًا بشخصه. فالرجل عمليًا نموذجٌ للإحراج السياسي والأخلاقي يندر مثيله في التاريخ المعاصر، حتى في نظامٍ دولي يفتقد للمبادئ ولايخجل من النفاق.

لكنه استطاع، حتى الآن، اللعب على تلك الازدواجية بين المبادئ والمصالح، وترسيخ مقولة غياب البديل له، من خلال التأكيد على قضايا محددة يناور في تفاصيلها: محاربة الإرهاب والتطرف، حماية الأقليات، تأمين مصالح روسيا، ثم القضية الأكثر حساسيةً: استمرار حالة (اللاحرب) مع إسرائيل.

لنناقش هذه القضايا، وننظر في إمكانية تقديم المعارضة لبديلٍ يتعامل مع هذه القضايا بتوازنات دقيقة، تأخذ الواقع السوري والإقليمي والدولي بعين الاعتبار من ناحية، وتحاول، مع ذلك، القيام بعملية أرباح وخسائر تتعلق بتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف الثورة، وفق الأولويات من جهة، وبناءً على حسابات مستقبلية على المدى المتوسط والطويل من جهةٍ أخرى.

مع التأكيد من البداية بأن المقال لا يفترض بالضرورة إمكانية هذا الأمر، نظرًا للوضع العملي والفكري والنفسي السائد بين السوريين، وإنما يحاول طرح الأسئلة المتعلقة بتلك الإمكانية بصراحة وتحديد، بدلًا من بقائها تُناقشُ بفوضوية في الظلام.

بكل شفافية يتطلبها الموضوع، تتضمن قضية (محاربة الإرهاب والتطرف) محورين، أحدهما معلن يتمثل في التعاون مع النظامين الإقليمي والدولي في مواجهة (داعش) و(النصرة). وهذا أمرٌ ثمة إجماعٌ عليه بين السوريين، بما في ذلك الفصائل الإسلامية التي حسمت رأيها تجاه الأولى، وهي في طريقها إلى الحسم تجاه الثانية، نظريًا بالاجتهادات الفقهية، وعمليًا من خلال التجربة التي أدركت من خلالها نية الجبهة لالتهامها جميعًا في نهاية المطاف.

المحور الثاني حساسٌ أكثر، ويتمثل في عدم رغبة النظام الدولي في وجود جهةٍ عسكرية قوية بصفةٍ إسلامية في مستقبل سوريا نهاية المطاف. من المعروف أن كل الفصائل الكبرى غادرت مواقع الوهم القائل بإمكانية (إقامة دولة إسلامية) في سوريا.

لكن السؤال هنا: هل يمكن أن تصل الفصائل الإسلامية إلى رؤيةٍ تستطيع التعامل من خلالها مع (الفيتو) المذكور أعلاه؟

مثلًا، بتبني برامج وطنية حقيقية تحقق مصالح السوريين، جميعًا، من خلال هوية محافظة تستبطن قيم الإسلام ومقاصده؟

أما فيما يتعلق بـ(حماية الأقليات)، وبغض النظر عن دلائل (النفاق العالمي) المتعلق بها، فالأرجح أن تكون -بحكم الترتيبات العملية الواقعية في حال الانتقال من نظام الأسد- أمرًا لا يصعب التعامل معه. ورغم المشاعر الجياشة الآن، فإن في رصيد السوريين الديني والثقافي والاجتماعي من جهة، وفي حتمية وجود آليات العدالة الانتقالية تجاه المجرمين من جهة أخرى، ما يُظهر إمكانية تحقيقه كأمرٍ واقع.

من أسهل الأمور أن يتجنبَ المرء فتح هذا الملف، ويكتفي بالنظر إلى المشهد السوري الراهن بصمت. صحيحٌ أن كل مبادرةٍ أو اقتراح للفعل البشري في هذا الإطار سيكونان عرضة للخطأ والانتقاد، إما بوجه حق، أو على سبيل المزاودة وبيع الوطنيات.

لكن، لا حلﱠ مثاليًا في سوريا اليوم، خاصة لمن لا يزالون مؤمنين بأن جوهر ماجرى ويجري فيها هو ثورة، وأن أقل ما يمكن فعله لتأكيد ذلك الجوهر هو استمرارُ المحاولة والمبادرة. صحيحٌ، أيضًا، أن هذا قد يوحي بالعمل وفق مقولة "لابد أن نفعل شيئًا مهما كان" بمعناها التقليدي.. لكنه ليس كذلك.

والحقيقة أن ثمة معنيين مختلفين، جدًا، لتلك المقولة، عندما نُغادرُ النظرية إلى التطبيق. في أحدهما، يختبئ إقرارٌ شنيعٌ بالهزيمة والاستسلام وراء الكلمات. لا قدرة على الفعل البشري هنا، على الإطلاق، وإنما شعورٌ بالعجز الكامل والنهائي يبحث فقط عن مخرجٍ للتعبير عن نفسه.

بينما ينطلق المعنى الثاني من إيمانٍ عميق بالقدرة على الفعل البشري، مهما كانت الأحوال. أن نتجمد جميعًا، كسوريين، أمام الواقع، في حالةٍ من الذهول الجماعي، هو جوهر العجز الإنساني في هذا المعنى. هنا، نعترف بأخطائنا، ونتعلم من تجاربنا، وندرك ضعفنا، ولا نُخفي تَعَبَنا الكبير، لكننا لا ننكسر، بل نبقى نحاول.

نعم. السوريون مُتعبون. وبملايينهم في الداخل والخارج، تحت جحيم القصف، أو في مخيمات النزوح، أو حتى في الشقق المكيفة لمنافيهم القسرية أو الطوعية، يشعرون جميعًا بقهرٍ إنساني لا يمكن أن يتخيله شعبٌ آخر. ثمة ألمٌ خاصٌ جدًا مسجلٌ باسم كل من يعاني في الداخل بالتأكيد، لكن من الإجحاف، والجهل بطبيعة الإنسان، الاعتقاد بأن المأساة السورية لم تتغلغل في مسام كل سوريٍ على هذه الأرض، بشكلٍ من الأشكال، وأنه يُعايشُ مذاقها الحاد والمؤلم، ليلَ نهار، بطريقته الخاصة.

من هنا، يكاد يصبح طبيعيًا ألا تشعر بالحاجة لأن تلوم سوريًا إذا انتقدَ أو اتهمَ أو هاجمَ من يحاول أن يُبادر في مثل هذا المقام. فالواقع يضع أصبعه في عينيك مؤكدًا أن أي مبادرةٍ ستتقزم أمام ما يرى السوريون أنه الثمن الهائل الذي دفعوه.

ومن هنا تحديدًا، نواصل الحديث عن عملية تقديم (البديل) لبشار الأسد ونظامه في سوريا، بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ، ولأطراف النظام الدولي ذات العلاقة. على الأقل، كملفٍ يجب فتحه والحديث فيه تحت ضوء الشمس. لا ينبعُ هذا من سذاجةٍ تُغفلُ وجود معادلةٍ أكبر من الأسد في خلفية الأحداث. وإنما على العكس من ذلك، يرمي الحديث إلى التركيز على هدفٍ مهمٍ ومحدد وممكن التحقيق، واستبدال عنصرٍ بعنصر، في تلك المعادلة التي لا يوجد فيها ثوابت.

وبجميع الحسابات، سيكون وجود عنصر (سوريا من دون الأسد ونظامه) في المعادلة أفضل لسوريا والسوريين من بقاء عنصر (سوريا الأسد) فيها. وتصبح مهمة السوريين أن يُثبتوا أن هذا سيكون، أيضًا، أفضلَ للجميع.

(سوريا من دون الأسد ونظامه) هي سوريا التي تساهم في محاربة التطرف والإرهاب الحقيقيين. وهي التي تعيش في رحابها الأقليات بأمنٍ وسلام، بعد صيرورة عدالةٍ انتقالية بالمقاييس العالمية. وهي سوريا التي تعيش حالة "اللاحرب" مع إسرائيل. لا نتهرب من كلمة السلام لأننا نصف الواقع أصلًا، ولأن إسرائيل تُفضل فيما يبدو تلك الحالة لحسابات معينة، وإلا، لقبلت "مبادرة السلام العربية" المطروحة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان.

في جميع الأحوال، ثمة إجماع بين السوريين على أولوياتهم لمرحلة ما بعد الأسد ونظامه. وإذ يُركزُون على إعادة بناء بلدهم من الخراب الكامل فسيبقونَ مستغرقين في هذه المهمة لعقود. وإذا احتمل الوضع أربعين عامًا من حالة "اللاحرب" في الماضي، مع أنظمةٍ تاجرت بالموضوع فوق جماجم السوريين، فإنه يحتمل الانتظار أربعين عامًا أخرى، تقرر بعدها أجيال ذلك الزمن ما تريد.

الكلام حساسٌ جدًا وشائك. إنه "الفيل الذي لا يتحدث عنه أحدٌ في الغرفة" كما يقول المثل الإنجليزي. ولا أحد مفوضا بأن يتحدث باسم السوريين، ونحن لا نملك ادعاء ذلك هنا، لكن هذا ينطبق على سوريين يرون عكس الرأي المطروح هنا أيضًا.

وبقدر ما سيرى بعض السوريين أن في هذا الطرح تفريطًا، سيرى فيه سوريون آخرون مواجهةً مع النفس والعالم آن لها أن تحدث، بمعرفة الجميع، وبعيدًا عن الغرف المغلقة، في محاولة للإجابة على الأسئلة الكبرى المتعلقة بحاضر سوريا ومستقبلها، وإنسانها قبل كل شيء.

ومع التأكيد على ضرورة مشاركة جميع السوريين في الحوار بكل طريقة ممكنة، فإن مسؤوليةً كبرى تقع على عاتق المثقفين والكتاب والخبراء والنشطاء ورجال الدين السوريين، بعيدًا عن حالة الذهول الجماعي التي باتوا جزءًا منها. يمكن جدًا لهؤلاء أن يرفضوا مجرد مناقشة هذا الموضوع من أساسه، لكن عليهم، عندها، أن يطرحوا على السوريين ما يجب أن يحصل بدلًا من ذلك.

* د. وائل مرزا أكاديمي وإعلامي سوري. 

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية

الحل السياسي سوريا المعارضة السورية بشار الأسد الثورة السورية الساحة السورية

يحدث في اللاذقية السورية.. تجنيد جبري لشباب السُنة وبدون تدريبات عسكرية

الأزمة السورية: تعقيدات روسية - أطلسية

النصر الممنوع في الحرب السورية

مصير حلب .. مصير سوريا .. ومصير المشرق!

هل يحتمل الواقع العربي استسلام السوريين للأسد؟

المعارضة السورية: تحديات قراءة المشهد وأداء الدور

شهور سوريا.. والمدى المنظور!