«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!

الأربعاء 25 مايو 2016 02:05 ص

قيل عن فيلم «المتدرب» (The Intern) الأمريكي إنه «ألطف» أفلام عام 2015م الغربية على الإطلاق، فالفيلم الكوميدي الاجتماعي المُغلف بإطار رومانسي رقيق يُمثل ألطف محاولة حديثة من «صُنّاع السينما الغربية» لتحبيب المواطن الغربي في حياته، ساهم في هذا القصة المكتوبة بحس إنساني إنثوي لـ«نانسي مايرز»، وهي مخرجة العمل أيضا، وأداء متميز لـ«روبرت دي نيرو».

مخرجة العمل هي منتجته أيضا، وقد قضت آخر 15 عامًا من عمرها مُركزة على قضايا الطبقتين «الوسطى والعليا» الأمريكية، لتناقشها في عدد من الأفلام الكوميدية ضمن عدد من المخرجين اشتهروا بذلك، الفيلم تم الانتهاء منه في 25 من سبتمبر/أيلول الماضي في «بلجيكا» ليتم عرضه في «أمريكا» في نفس اليوم.

وبعيداً عن مدح النقاد له في مواقع متخصصة لـ«الطماطم الفاسدة»، موقع أمريكي شهير لنقد الأفلام وإلقاء الخضراوات الفاسدة عليها إن لزم الأمر، وحاز الفيلم على 60% من تقدير المُصوتين، وعن قراءات عربية رأته فيلما غير جوهري، جريدة الصباح الجديد العراقية في نوفمبر/ كانون أول الماضي مثالاً، يبقى للفيلم «ألق» توصيل رسالة غربية مختلفة لا تدهن الواقع بـ«زبد» الافضلية للغربي الذي يجيد تحدي كل شىء، فيلم «العائد» الحائز على أوسكار أفضل ممثل لهذا العام وجوائز أخرى، ولا يُنغمس الفيلم في آلام الحياة الغربية فيلم «غرفة» الحائز على أوسكار أفضل ممثلة 2016، وإنما يسير بخطى واثقة نحو التبرير للواقع مع محاولة إيجاد حل له.

التائه والمتاهة

الرسالة الرئيسية التي يريد الفيلم توصيلها للمشاهد عبر ساعتين ودقيقة واحدة هي مدة عرضه: إنك إذا ما تهت في الطريق، وهذا جائز في حياة البشر والمجتمعات مهما تقدموا وتحضروا، فلا عليك من البكاء والألم الطويل فقط أكمل طريق التيّه حتى يأتيك الحل من تلقاء نفسه!

بطلا الفيلم استحوذا عليه وعلى الفكرة معا، حوارًا وحضورًا وإن اختلفا، وتمايز الأول إلى حد كبير: «روبرت دي نيرو بدور» «بيّن وايتيكر»، و«آن هاثاواي» بدور «جولز اوستن»، وظهرت بقية شخصيات الفيلم بل والأماكن حولهما «كومبارس» وإن طال ظهور بعضهم أو قل.

التيمة الرئيسية للفيلم هي أن «بيّن» أمريكي بلغ المعاش وتعداه إلى سن السبعين، وتوفيت زوجته المحبة له قبل سنوات ليصبح وحيداً لديه بيت لكن بلا عمل أو هدف، ولإنه كان يدير شركة لطباعة الكتب والمفكرات الخاصة بأرقام الهواتف، فلا دخل له لا بالتكنولوجيا ولا بالعصر لكنه يملك ما هو أهم بداخله: «الإنسان».

أما «جولز» ففتاة عشرينية تملك كل ما في الحياة، إنها الآن صاحبة المكان الذي كان بيّن يعمل فيه لأربعين عاماً، ولديها من الموظفين 256 رغم أنها بدأت بـ 15 فقط منذ عام ونصف العام، وهي تسوّق المنتجات على شبكة «الإنترنت» بخاصة «الملابس الحريمي»، وأحياناً تصممها، ومكاسبها خيالية، ولكنها في المقابل تخسر كل جوانب حياتها.

ولأنها تائهة تماما، ضالة اجتماعية، زوجها يخونها مع والدة تلميذة زميلة لابنتها الصغيرة السن، وهي تعمل وهو ينظف البيت، وهي تكسب وهو ينفق على عشيقته، تضطر لإعلان ألمها فهي في القرن الواحد والعشرين المرأة الأقوى في حيّز عملها، وتعبيرا رمزياً عن المرأة الأمريكية والغربية، تسخر بقسوة من عشيقة زوجها لما تلتقيها صدفة بحضور ابنتها لتقول لها:

ـ هل تعرفين كيفية إعداد الشوربة؟!

لكنها تعترف بإنها لا تريد لابنتها أن تفهم لتكون مثلها!

منتصف الطريق

ولإن «جولز» التي تتعامل بالثانية في وقتها، وتركب «دراجة» للتنقل بين المكاتب، ولا تحب الرجل الذي لا «يرمش» بعينيه كثيراً، ولإنها أكثر من تائهة تقرر أن الحل هو الاستمرار في التيّه فتعين 4 متدربين بلا تثبيت ليقوم «بيَن» السبعيني بتتبعها كظلها، وهي مهام عمله الجديد، ولا تخجل من إعطائه المعلومات الخاطئة في الطريق، وبناء عليها تُصدر قرار فصله، فلقد مات «الإنسان» بداخلها تماماً، فيما يراقبها ويتفانى بعمره السبعيني في التخفيف عنها.

وفي لحظة «إفاقة» تبحث عنه بعد طرده، وتخبره إنها ليست بهذه الدرجة من «السوء»، وإنها تخشى ألا تجد مكاناً في النهاية «تُدفنُ فيه» بين موظفين لا يهمهم إلا المال، ورجال ينظرون للملابس النسائية نظرة «غير مهذبة»، وزوج لا تهمه «هي» في شىء، فيطمأنها أنه سيدفنها مع زوجته ومعه.

إنها متاهة الإنسان الذي لن تسعفه الحضارة التي لا تعرف الروح، وجعلته يركب دراجتها هنا وهناك فلا يصل بالمال والتكنولوجيا إلا إلى أعماق المتاهة.

ويلتقي الباحث عن التكنولوجيا «بيّن»، وهو لا يعرف شيئاً «حتى» عن«الإيميل»، بالباحثة عن الإنسان «جولز»، وهي لا تعرف شيئاً عن الاستقرار، ويسافران معاً، وتميل إليه فيصدها برفق معلناً لها أن له عالماً خاصاً به لن تدخله، مع حبّه لذلك، لكنه لا يريد لها أن تحتله، ويكفي ما جره «حب الامتلاك» عليها، توافق مضطرة، ولكنها تبحث عن مدير إداري لها، بصورة شخصية،ل يعطي الشركة رونق «البيروقراطية»، ويعطي حياتها فرصة الاستقرار، وبعدما يتوه «بيّن وجولز» بحثاً عنه تقرر بناء على رأيه أن تظل في عملها وليعد إليها زوجها إن أراد إليها!

وهو ما لا يحرمنا الفيلم منه فيعدها الأخير بمراجعة مواقفه، فيما ترضى، وهي صاحبة الشركة العملاقة أن تكون «كومبارس» في حياة «بيّن» الذي أسر جميع الموظفين بأبوته.

وياتي مشهد البداية كما النهاية، وهي تبحث عنه فتجده يمارس رياضة بدنية أقرب إلى «اليوجا» تقول له إنها حلت مشاكلها فيقول لها «تنفسي بعمق» في إشارة إلى أن الإنسان الغربي يجد المسكنات مع معايشة الحضارة المادية الاستهلاكية الرقمية ولا يجد حلولاً.

عانت «آن هاثاواي» أو «جولز» من ملاحقة «روبرت دي نيرو» في الأداء التمثيلي طوال الوقت حتى إنه «تم حقنها» لتبدو في قمة الانفعال في مشهد انهيارها بالفندق، وجاءت الجملة صادقة تماماً من «نانسي مايرز» كاتبة السيناريو المؤلفة، لما قالت البطلة له «دي نيرو»:

ـ المشكلة أن وجهك وتعابيره في حد ذاتهما وجهة نظرك دون أن تتحدث.

حرص الفيلم على انتقاء مناطق مميزة من «نيويورك» للتصوير بخاصة المليئة بالخضرة، وجاء انتقاء «ستيفن جولدبلات» مدير التصوير للكادرات متناسقاً مع رؤية «مايرز» الكاتبة والمخرجة التي أحسنت التعبير عن فكرة منتصف الطريق أو الـ«بين بين» في الفيلم، وتلك مساحة من الصعب القبول بها في عالم المشاعر الحقيقي، أما الموسيقية التصويرية لـ «ثيودور شابيرو» فعانت من الصخب أحياناً، وإن بدت موائمة للأحداث غالباً.

بلغت ميزانية الفيلم حوالي 35 مليون دولار فيما بلغت الايرادت  أكثر من 194 مليون في شهوره الأولى تعبيراً عن نجاح جماهيري بعيداً عن الجوائز الكبرى المميزة.

 

  كلمات مفتاحية

فيلم المتدرب ألطف أفلام 2015 أمريكي حل وسط المتاهة الحضارية روبرت دي نيرو نانسي مايرز

فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

«منى» .. فيلم تركي يجسد آلام ومعاناة أهالي قطاع غزة

فيلم «السر في عيونهم»: العدالة الأمريكية .. اقتل واتهم المسلمين بأثر «رجعي»!

فيلم «سويسايد سكواد» الأسوأ لهذا العام ..يحطم الأرقام القياسية الأمريكية

فيلم «الفتاة في القطار»: حلم سفر نظيف لأبطال غارقين في الخطايا

هل شاهد الملوك والرؤساء العرب فيلم «نيكسون» قبل قمة «العزم والأمل»؟

«ملكة الصحراء» .. سينما أمريكية مشتركة تصور فوضى «آل سعود» المنتظرة!

فيلم «نظرية المؤامرة»: «توم وجيري» يتحكمان في سر أمريكا!

«قتلوا أبي أولا»: هل مسخت أمريكا كمبوديا واقعيا وسينمائيا؟!