فيلم «نظرية المؤامرة»: «توم وجيري» يتحكمان في سر أمريكا!

الأربعاء 25 أكتوبر 2017 01:10 ص

يصر علماء النفس والمعالجيين المختصين على وجود بصمة لكل إنسان تختلف عن بصمة الأصبع والصوت والعين وهلم جرا، ومن المعروف في أوساط السيكولوجية أن لكل إنسان خبيئة أو سر دفين منه وعبره تمضي مشكلات حياته وتعاملاته مع الآخرين، وقد يتعرض من خلاله أو من خلال استغلال الآخرين وتلمسهم لبصمته أو سره النفسي إلى عدد لا محدود من الورطات التي تودي أو تنهي حياته وقد تقوده إلى السجن أو حتى الإعدام.

فيلم اليوم يعد واحدا من أفلام التسعينيات بجدارة (أنتج عام 1997) مع تضافر وتداخل الجانب الحركي؛ عبر الممثل والمخرج الأمريكي لاحقا «ميل غيبسون»، والرومانسي عبر مواطنته «جوليا روبرتس»، ومشاهد الفيلم المدقق لا يخطأ تدخل الممثليين الأمريكيين السابقي الذكر في السيناريو من ألفه إلى يائه أو من خط البداية حتى تتر النهاية، فنحن أمام مزيج أو خليط من الأكشن المعهود لكن بصبغة عاطفية طاغية.. وفي النهاية نشاهد سيناريو لم يكتبه المؤلف «بريان هليغلاند» أو يخرجه «ريتشارد دونر» وإنما شاركهما «غيبسون» بحبه استعراض العضلات سواء في الجري والهرولة أوالإفيهات الكوميدية، وفي المقابل تدخلت «روبرتس» بوجوب جعل البطل غارقا في محبتها حتى الثمالة، حتى لا يرى في الكون كله غيرها.. حتى قبل أن يعرفها جيدا وظهر ذلك بوضوح في نهاية الفيلم غير المكتملة.

يمتاز مثل فيلم اليوم من أفلام التسعينيات بأنه يقرأ بامتياز من النهاية إلى البداية فإذا تداخل مع هذا تناول قضايا خطيرة؛ مجرد افتراض وجودها يلغي جزء من المنطقية والعقل صرنا أمام فيلم يمثل لغزا في حد ذاته فضلا عن تصويره لألغاز يصعب مجرد التفكير فيها لا قبول تجسيدها على الشاشة الكبيرة، والحالة العامة لمثل فيلم «نظرية المؤامرة» يسمى في الغرب «فيلم صيف».. أي أنه يطرح في وقت الإجازات والهدف منه تمضية وقت سعيد بعيدا عن المنطقية والعقل، مع خلاف وحيد هو حصول فيلم اليوم على جوائز ومحاولة مناقشته فكرة مثيرة للجدل.

سيناريو توريط المشاهد

يفترض الفيلم أن الحكومة الأمريكية تورطت بصورة كاملة حتى قرب نهاية عهد الرئيس الأسبق «ريتشارد نيكسون» في برنامج لاستغلال «البصمة النفسية»، أو جانب القصور النفسي لأشخاص لاستغلالهم عبر برامج لقتل الخصوم، وأن البرنامج توقف في عام 1973، ولكنه أنتج عددا من المجرمين المطلقي السراح؛ من المخابرات المركزية الأمريكية وضباطها المكلفين بتدريب الضحايا إلى الضحايا أنفسهم، وبالتالي يقرأ الفيلم محاولات اغتيال «ريغان» ومن قبل «كنيدي» وغيرهما داخل أمريكا وأحيانا يلمح إلى خارجها عبر هذا السياق.

والتصور الأخير لوجود «جيرى فليتشر» أو (ميل غيبسون) في هذا السياق تصور، وإن شابه قصور في التصور ومطابقة الحقيقة ـفليس من الممكن أن تترك المخابرات الفيدرالية لدولة كالولايات المتحدة مجرمين ضمن برنامج تم إيقافه مطلقي السراح دون مجرد مراقبةـ وإن كان مثل تصور وجود رجال خارقين للعادة خارج السجون يعانون ويعوقون مسيرة المجتمع أو ينجحون في الأخذ بيده تصور سينمائي مقبول بخاصة من هوليود؛ وفي مصر انتقل إلينا فيلم «عيش الغراب» عام 1997 من إخراج «سمير سيف» وبطولة الراحل «نور الشريف» عن فيلم أمريكي يناقش وجود حارس خاص لرئيس تم اغتياله؛ وبالتالي بقاء الحارس مهدر الحقوق..

لكن الأمر غير المنطقي والعصي على التصديق أن يتطور الأمر لدى رباعي التأليف والإخراج (بإضافة إلى غيبسون وروبرتس) إلى حد تصديق أن «كلينتون» عارض وكالة «ناسا» للفضاء.. فقررت التخلص منه عبر زلزال اصطناعي؛ وأن الأخيرة طاردته من أمريكا حتى تركيا؛ فإن كان الأمر عصيا على التصديق؛ ومن باب أولى فإن أفلام الحركة لا تتعرض لسخافات من هذا الحجم لتدير بها رؤوس الشباب وقليلي الشخصية في فيلم معنون بـ«نظرية المؤامرة»، وهو يفترض أن مجرد انفجار ماسورة للمياه في منهاتن يساوي أن المخابرات وراء كسرها لقتل معارض لها، وهلم جرا!

إننا إزاء بداية تبدو هزلية لسائق تاكسي بعقلية «جيري» في مسلسل الرسوم المتحركة الأشهر «توم وجيري»، والفيلم يقر بذلك وبوجود المسلسل في أعمق أعماقه بل في اختيار اسمه «جيري فليتشر» أو (غيبسون)، وهو بتلك العقلية يتحكم في الولايات المتحدة بما هو مدفون في ذاكرته .. لا يتذكره كاملا ويقود تصرفاته في نفس الوقت، ولذلك يتحدث «جيري» في كل شيء؛ ويشتري كل نسخ الصحف بانتظام؛ ولديه مكتبة مخابراتية تنسف نفسها عند الطوارئ في البيت، ويعتقد أن أجهزة الدولة ستغتال «كلينتون» ..وفي النهاية يثبت الفيلم أن جميع خيالات جيري الصبيانية حقيقية.

وفي المقابل لدينا أليس «ساتون» أو (جوليا روبرتس)، محققة في وزارة العدل يحبها «جيري» ويطاردها في البيت وفي كل مكان؛ وهي تعاني من مقتل والدها في حادث غامض، وتبحث عن سبب لاغتياله، لتفاجئ بتوغل «جيري في حياته بأوهامه (كما في بداية الفيلم) ومحاولة اختطاف الخبير السابق في برنامج المجرمين الأمريكي دكتور «جوناس» أو (باتريك ستيوارت) وقتله.

وعلى خلاف المنطق تسلم المحققة بحقيقة ما يرويه «جيري»؛ فلا يجد «جوناس» مفرا من إيهامها بأن «جيري» قتل أباها.. وفي اللحظة التي تحاول قتل «جيري» تكتشف صدقه، وتتركه ينجو من الموت بإنقاذه عبر سيناريو مطابق لحواديت «توم وجيري».

وفي النهاية تتحول «روبرتس» لممثلة أكشن تنجو من الموت لمرات بلا سبب سوى أو دورها يجب أن يمتد لطوال الفيلم، كما أن «غيبسون» يتحول إلى شخصية رومانسية يغني وهو يموت وينقذ حبيبته بمجرد وجود خياله في المكان المفترض أن تموت فيه.

نقص الحنان المميت

الجملة الأقرب للمنطقية وبالتالي محور الفيلم يقولها «جوناس» (الخبير الفيدرالي الفاسد في برنامج استغلال المجرمين) لـ«ساتون» (المحققة في وزارة العدل): نقص الحنان يدفع بصاحبه إلى الموت وتحطيم النفس وهو مرتاح.. وقصة الفيلم الحقيقية الذي تاه المخرج والمؤلف عنها أن البطلين مفتقدين للأسرة والاحتواء ولذلك يشعران بالتيه ولا يجدان من يفهمها.

جاءت نهاية الفيلم بنجاة «جيري» من الموت، ربما للمرة العاشرة خلال الفيلم.. لكن مع عدم قدرته على لقاء محبوبته «ساتون»، بل دفنه على أنه ميت، مع وعد من المخابرات المهيمنة على جميع فروع المخابرات بالظهور قريبا والزواج بحبيبته!

وجاءت موسيقى «كارتك برل» التصويرية عادية في سياق هذه النوعية من افلام الأكشن.

فيلم «نظرية المؤامرة».. يأخذ بعيدا عن أجواء العالم الحالية والحقيقية ليجعلك لا تفكر في وجود مؤامرة في العالم من عدمه بل تكره سياق التفكير بهذه الطريقة من الأساس!

  كلمات مفتاحية

أمريكا فيلم صيف مؤامرة إعداد مجرمين نيكسون كنيدي غيبسون روبرتس حركة رومانسية

«شجرة الحياة»: فيلم أمريكي يمجد الخالق ويتعالى فوق الاختلافات!

«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!