«عاش الملك» ... هل يحتاج العالم العربي إلى مزيد من الملكيات؟

الاثنين 6 يونيو 2016 12:06 م

المراقب عن كثب للسياسة العربية يمكنه أن يلحظ بسرعة شيئا واحدا، وهو أن الملكيات العربية بما يشمل المغرب والأردن والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة  وقطر، والبحرين، هي الدول العربية الأكثر مرونة من الناحية السياسية حيث لم تسقط أيا من هذه الدول خلال الربيع العربي.

جميع المحاولات الأخرى في العالم العربي بما يشمل المحاولات الديمقراطية والأنظمة العسكرية ودول الحزب الواحد قد أثبتت أنها غير مستقرة ودموية على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، بالإضافة إلى الاستقرار الشعبي، كانت الملكيات في العالم العربي قادرة على توفير بعض مظاهر الاستقرار المؤسسي وسيادة القانون المهمين للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي لا يزال فيه هذا النمط من الحكم متجذرا في التقاليد. كانت هذه هي حالة الوسطية الذهبية بين الإفراط في الأصولية والإفراط في التغريب.

وعلاوة على ذلك، فقد كانت العديد من الممالك العربية تحظى بشعبية إلى حد ما وقد جرت الإطاحة بها فقط بفعل إجراءات حازمة من مجموعات صغيرة من الضباط العسكريين، الذين استوحوا نموذج الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» كما هو الحال في كل من ليبيا واليمن والعراق.

الميزة الرئيسية للملك في بلد عربي هي كونه يلعب دور الأب الموحد في دولة مجزأة دينيا أو قبليا، وتحمل القليل من المشتركات التي تحافظ على وحدتها. الحاكم العربي التقليدي، سواء أكان يطلق عليه أمير أو سلطان أو شيخ أو ملك، لم يكن أبدا حاكما مطلقا ولكنه يكتسب نفوذه وتأثيره من خلال قيامه بلعب دور الحكم وإدارة النزاعات بين القبائل والتجار والجماعات الدينية. وعلاوة على ذلك، فإن الحاكم العربي التقليدي يجسد في نفسه بعض الميزات التي تكفل شرعيته وتجعله جذابا في نظر شعبه كأنه يكون متاحا دوما في خدمة شعبه إضافة إلى السخاء المفرط. بالتأكيد، فقد ساعدت الثروة النفطية في دول الخليج الغنية في الحفاظ على السلطة من خلال الإنفاق الغزير على شعوبها.

اعتاد الحكام العرب أيضا بشكل تقليدي على مشاورة أقاربهم ورجال الدين وزعماء القبائل، والذين كانوا جنبا إلى جنب يشكلون مجالس «أوليغاركية» غير رسمية. ولا يزال هذا هو الحال اليوم في العديد من البلدان مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. لم تكن الخلافة تمر عادة من الحاكم إلى ابنه من أجل زيادة نطاق الأعضاء الفاعلين ضمن العائلة المالكة. وبعبارة أخرى، وبالنظر إلى السمات التقليدية للعادات العربية، فإن الملكية العربية لديها مزايا أكثر من الملكيات على النمط الأوروبي، بغض النظر عن الجمهوريات. العديد من السلالات العربية الحاكمة شغلت موقعها في السلطة منذ مئات السنين مما يجعلها تمتع بمميزات هيبة طول العمر وذكريات أمجاد الماضي التي يصعب تغييرها بين عشية وضحاها. استغرق الأمر وقتا أطول لفرنسا الثورية للتخلص من الملك لويس السادس عشر (ثلاث سنوات)، سليل ألف سنة من الحكم الملكي، مقارنة بـ«روبسبير» الرجل الذي جاء من العدم لحكم البلاد لفترة وجيزة.

ويظهر دور الملك كشخصية تصالحية بشكل واضح في جميع الملكيات العربية. على سبيل المثال في الأردن، قام الملكان «حسين» و«عبد الله الثاني» على حد سواء بلعب دور كبير في موازنة عدم الاستقرار في البلاد والذي كان يأتي في كثير من الأحيان بسبب الفلسطينيين أو العناصر البدوية. في المغرب، يلعب النظام الملكي دورا مماثلا مما يساعد الأحزاب الإسلامية والعلمانية على العمل معا بشكل بدا مستحيلا في مصر ما بعد «مبارك»، حيث حاولت الفصائل المختلفة فرض وجهة نظرها حول النظام السياسي عبر استبعاد مصالح جميع الفصائل الأخرى. على عكس المغرب، لم يكن لدى مصر مؤسسة مظلية من أي نوع أو شخصية قادرة على جمع العناصر السياسية المختلفة. وحتى في البحرين، فإن النظام الملكي السني لا يزال يحتفظ بقدر كبير من الهيبة.

يبدو الحال أوضح في أكبر وأهم الملكيات العربية، المملكة العربية السعودية. منذ أن قام «ابن سعود» بتأسيس البلاد في عام 1902 فإن عائلته قد لعبت الدور الأكبر في عقد مختلف القبائل والمناطق معا. ويشمل ذلك المنطقة شديدة المحافظة في نجد، والمنطقة العالمية في الحجاز حيث تقع مكة المكرمة، إضافة إلى المناطق الشيعية في الأحساء في شرق البلاد. على الرغم من أن عائلة آل سعود دخلت في تحالف مع الحركة الوهابية المسؤولة جزئيا عن نمو الحركات الإسلامية الراديكالية في المنطقة، فإنها والعائلات المالكة الأخرى هي القوى الوحيدة التي لديها الشرعية والقدرة على غلق الأبواب في وجه تلك الحركات. وبينما يعتنق آل سعود العقيدة الوهابية، فإنهم يقبلون أيضا المعايير الدولية مثل سيادة الدول القائمة. ولكن الحال لن يبقى كذلك إذا قام نظام وهابي مكون من رجال الدين الأكثر تشددا إضافة إلى الفصائل المسلحة. كانت المرة الأخيرة التي خرجت فيها الوهابية عن إطار السيطرة وشكلت حركة الإخوان التي ثارت ضد «ابن سعود» بين عامي 1927 و1930 وداهمت العراق والأردن. وحينها فقد قام «ابن سعود» نفسه بتدميرهم بعد التأكد من ولاء مختلف القبائل في جزيرة العرب.

الأشكال الأخرى من الحكومات في العالم العربي تفتقر بشكل كبير إلى هذه المميزات حتى في تلك الأنظمة التي تظهر بعض سمات النظام الملكي مثل خلافة «بشار الأسد» لوالده «حافظ الأسد» في رئاسة سوريا. وقد تم بناء الأنظمة في سوريا والعراق ومصر على قواعد مؤسسية ضيقة (حزب البعث أو الجيش) والتي كانت غالبا أكثر وحشية من الملكيات العربية. ولذلك فإنه ليس من المستغرب أنه بعد الإطاحة (العنيفة أحيانا) بهذه الأنظمة فإن دولا مثل مصر والعراق وليبيا واليمن قد انزلقت (أو في طريقها للانزلاق) إلى دورات العنف التي ترتكبها المجموعات التي بالكاد يمكن التوفيق بين رؤاها المستقبلية. مثل فرنسا بعد الثورة الفرنسية والصين بعد سقوط سلالة «تشينغ»، فإن عدم وجود سلاسة توحد البلاد وغياب شرعية الأنظمة الحاكمة في البلدان التي تفتقر إلى وجود مؤسسات وطنية سوف يؤديان إلى زعزعة استقرار البلاد.

من ناحية أخرى فإن الملكيات العربية، وإن لم تكن مثالية، فقد كانت قادرة على التحرك إلى الأمام، حيث أمكنها تحقيق التوازن بين لقوى الليبرالية والإسلام السياسي والتنمية كما سمحت لشعوبها بتجاوز التركيز على الاستقرار الأمني والسياسي نحو التركيز على أشياء مثل التعليم أو التنمية الاقتصادية. ويمكن للإصلاحات أن تسير بطريقة مدروسة بسبب طول العمر والاستقرار السياسي اللذان يميزان النظام الملكي. وقد برزت دبي كمركز مالي وجغرافي في المنطقة متجاوزة كل من دمشق والقاهرة اللتان تعجان بالفوضى السياسية.

وبالنظر إلى العلاقة بين الاستقرار والشرعية والنظام الملكي في العالم العربي، فإنه ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو أي دول غربية أخرى التطرق إلى أي نوع من السياسات التي من شأنها أن قد تتسبب في زعزعة استقرار الأنظمة الملكية القائمة ما قد يؤدي في النهاية إلى كارثة. لأسباب أيديولوجية أو سياسية، فإنه من غير المحتمل أن تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في استعادة ملكية كانت قائمة سلفا (كما في ليبيا مثلا) لكن من المؤكد أنه لا يجب عليها أن تعوض استعادة ملكية ما. ليبيا واليمن هما دولتان يمكنهما القيام بشكل جيد باستعادة الملكيات الخاصة بهما، ولا تزال المشاعر الملكية قوية بشكل خاص في ليبيا.

في حين أن العديدين في كل من العالم العربي والغرب سوف يرون أن هذا الخطوة قد عفا عليها الزمن فإنها لا تعد خطوة غير مسبوقة. استعادة كمبوديا نظامها الملكي بعد سقوط نظام الخمير الحمر. وعلاوة على ذلك، فإن الظروف تغيير مع تغير الوقت ومع تغير المناطق أيضا وسوف يكون من المناسب أن تستعيد قوى تقليدية موحدة السيطرة على البلدان التي تعمها الفوضى. ربما تساعد الملكيات أيضا في تهدئة بعض المشاكل الناجمة عن الحدود المشحونة في المنطقة مع عودة سوريا تحت سيطرة السلالة الهاشمية والتي لا تزال تحكم في الأردن، وهو وعد تم قطعه من قبل البريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى ولم يتم الوفاء به أبدا.

العالم العربي لديه طريق طويل ليقطعه على العديد من الجبهات. ولكن إذا كان هناك المزيد من الملوك، فإن رحلته إلى الأمام ربما تكون أكثر سهولة!           

  كلمات مفتاحية

السعودية الملكيات العربية البحرين مصر الأردن سوريا الربيع العربي

لماذا نجت الملكيات العربية من الثورات بشكل أفضل من الجمهوريات؟

هل نجحت دول الخليج في منع أمواج الربيع العربي من بلوغ شواطئها؟

هل أخطأت السعودية بخوض الحرب ضد الربيع العربي؟

تقييم الملكيات الخليجية (2): هبوط النفط يشكل فرصة لتغيير سياسات الدعم والإنفاق الحكومي

تقييم الملكيات الخليجية (1): كيف بنى الخليجيون ثروتهم؟

الوطن العربي تحت الوصاية الدولية!