تقييم الملكيات الخليجية (1): كيف بنى الخليجيون ثروتهم؟

السبت 8 أغسطس 2015 10:08 ص

هذا هو الجزء الأول من سلسلة تتضمن ثلاثة أجزاء تستكشف التحديات الاقتصادية التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي، المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وسلطنة عمان، وسوف يتناول الجزء الثاني دراسة فرص التغيير في ظل انخفاض أسعار النفط عالميا، بينما يتناول الجزء الأخير لدور دول الخليج الست كل على حدة، وتفاصيل القيود الرئيسية التي تحد قدرة على كل منها على تشكيل مستقبل المنطقة.

البداية

تعتبر الثروة النفطية هي المؤسس الحقيقي لقوة دول الخليج العربية الحديثة. تحت القيادة السعودية، سعت الممالك الخليجية لاستغلال عائدات الطاقة لمواجهة القيود التي تفرضها الجغرافيا الصحراوية لتظهر ككتلة وقوة إقليمية قادرة على التنافس حول الهيمنة مع كل من تركيا وإيران. بالرغم من ذلك، فإن عائدات الطاقة تبدو متقلبة كما أنها ليست مضمونة إلى الأبد. ولذلك سعت دول الخليج لتنويع اقتصادياتها لتصبح أقل اعتمادا على صادرات الطاقة. ولم يكن ذلك أمرا هينا. وقد فرضت القيود الجغرافية والديموغرافية والسياسية تحديات كبيرة على هذه الجهود. وفي الوقت ذاته، فإن غياب التنويع بشكل كاف يشكل خطرا وجوديا وتهديدا طويل المدى للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج. وهو ما يبدو أن كل الحكومات الخليجية تعيه بشكل كاف.

والآن، فإن دول الخليج تواجه تراجعا موسعا في أسعار الطاقة من المرجح أن يستمر لفترة طويلة، إلى جانب آثار سنوات من الإنفاق الحكومي المرتفع لدول الخليج. وهو ما تسبب في تعالي الأصوات الداعية إلى اعتماد تغييرات في السياسة الداخلية وضبط الميزانيات لتتناسب مع الحقائق الاقتصادية المتغيرة على نحو متزايد. ورغم ذلك، لا تزال دول التكتل الخليجي تمتلك احتياطيات مالية كبيرة بالنسبة لحجم السكان والاقتصاديات الكلية. وعلى الرغم من هذه الفسحة، فإن كلا من هذه الدول تسير الأمور بوتيرتها الخاصة من خلال خطة إصلاح بطيئة ومقدرة في السنوات المقبلة. في حين تعكس موازناتها توازنا اقتصاديا دقيقا لتقليص المخاطر بشأن إمكانية تأثر نظامها الاجتماعي المستقر والموضوع بعناية.

تحليل

تاريخيا، كانت الجزيرة العربية واحدة من أكثر المناطق تخلفا وفقرا في الموارد على مستوى العالم. فمن ناحية، فإنها تفتقر إلى المياة التي وفرت الخصوبة لبلاد النيل وبلاد ما بين النهرين (العراق). كما لم تمتلك أي موقع على ساحل المتوسط يمكن أن يجعل منها مطمعا. ظلت شبه الجزيرة العربية لفترة طويلة تقع على هامش الأحداث الصاخبة التي تدور في مصر وتركيا وبلاد الشام وإيران. اقتصر النشاط الاقتصادي إلى حد كبير على الكفاف، أنشطة الزراعة أو الرعي، قبل اكتشاف النفط وتصديره في أوائل القرن العشرين. على الرغم من مشاركة بعض التجمعات السكانية القليلة التي تمتركزعلى شاطيء الخليج في أنشطة جمع اللؤلؤ وأنشطة تجارية محدودة مع بعض القوى الأجنبية. وكان موسم الحج إلى المدن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة تقليديا حافزا للنشاط الاقتصادي في المملكة العربية السعودية. وحتى اليوم لا يزال يعد من أكبر مصادر توفير فرص العمل.

وتزامن اكتشاف النفط على الجانب العربي من الخليج مع توحيد القبائل وتأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932. وبحلول عام 1950 كانت السعودية قد بدأت في تصدير النفط للأغراض التجارية. توالت الاكتشافات في البحرين، والإمارات العربية المتحدة والكويت المجاورة خلال الخمسينيات. ونمت الاقتصاديات الخليجية بسرعة في أعقاب استقلال الإمارات العربية المتحدة عن المملكة المتحدة "بريطانيا" بسبب ارتفاع إنتاج النفط. رفعت الحماية عن الكيوت في عام 1961، وحصلت كل من البحرين والإمارات وقطر على  استقلالها في عام 1971. وفي أعقاب الارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية في أعقاب أزمة حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، شهدت اقتصاديات الخليج أعلى معدلات للنمو في تاريخها الحديث.

شهدت العقود التالية دورات من الازدهار والكساد، تزامنت مع تغييرات جوهرية أصابت المنطقة المحيطة. تشكيل مجلس التعاون الخليجي في أعقاب الثورة الإيرانية، ودعم «صدام حسين» في الحرب العراقية الإيرانية ثم جاء غزو الكويت عام 1991، قدمت كل هذه الأحداث دروسا هامة لدول الخليج. وبسبب الانخفاض الممتد في أسعار النفط في الثمانينيات، فإن الممالك الخليجية، وبخاصة المملكة العربية السعودية، قد شرعت في إنفاق عوائد فترات ارتفاع أسعار النفط في سداد ديونها الخارجية وزيادة الاستثمارات للتحوط ضد فترات انخفاض أسعار السلع الأساسية.

حدود الحمائية الاقتصادية

هناك حدود حول مدى قدرة الدول على عزل اقتصادياتها بشكل منفرد. النجاح يعتمد بشكل رئيسي وأولي على احتياطيات النفط ومستويات التصدير. هناك تباينات كبيرة في مستوى الغنى النفطي بين كل من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة من جهة، وبين الدول الأفقر نسبيا في إنتاج النفط مثل البحرين وقطر وعمان من ناحية أخرى. الحظوظ الاقتصادية في قطر تحسنت بشكل كبير بعد تطوير الغاز الطبيعي وقدرات إنتاج الغاز الطبيعي المسال في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن اضطرت الدوحة في مقابل ذلك لمواجهة الديون الخارجية الكبيرة بالمقارنة مع الاقتصاديات الكلية للبلاد لتمويل تطوير البنية التحتية.

و قد ترك تراجع إنتاج النفط البحرين تعتمد إلى حد كبير على المساعدات المالية من المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنها عملت أيضا على تحويل نفسها كمركز مالي ومصرفي في المنطقة. وقد استثمرت أيضا في السياحة وبعض الصناعات الثقيلة (ولاسيما معالجة الألمنيوم). وقد سعت محاولات تنويع الاقتصاد في البحرين لاحتذاء نموذج إمارة دبي التي دفعت، وبسبب انخفاض عائداتها النفطية، نحو سلسلة من الاستثمارات في مجال تطوير العقارات والتمويل والسياحة والتصنيع. ورغم ذلك، لا يزال النفط هو شريان الحياة الرئيسي بالنسبة إلى الاقتصاديات الخليجيةة. على سبيل المثال، في أعقاب تراجع حظوظ دبي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية 2008-2009، وتزايد حالات عدم الاستقرار والاضطرابات في مملكة البحرين وسلطنة عمان خلال عام 2011 إبان الانتفاضات العربية، فإن الدول المصدرة للنفط والأكثر ثراء داخل مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت وأبوظبي) قد اضطلعت بالمهمة الأكبر في مد يد العون إلى جيرانها لأجل استعادة حالة الاستقرار.

يدرك قادة الخليج بوضوح أن الحقبة القصيرة نسبيا من التراكم السريع للثروة وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية قد شارفت على نهايتها. وتتزايد الشكوك بشأن مدى القدرة على اعتماد سياسات وطنية نظرا للقيود الجغرافية وتزايد المخاوف بشأن الاستقرار الاجتماعي. ومع استمرار سياسة البترودولار كعامل رئيسي في تقيم قوة الملكيات الخليجية العربية، تضطر الحكومات إلى زيادة الإنفاق خلال فترات ارتاع أسعار النفط على أغراض تجميع المعدات العسكرية إضافة إلى السعي لاسترضاء السكان المحلليين عبر الاستثمار في الطاقة ومصافي التكرير والبنية التحتية لتحلية المياه لتعويض ومواجهة التحديات التي تفرضها الجغرافيا الصحراوية.

وقد أظهرت الممالك العربية الخليجية في أكثر من مناسبة في الماضي أنها قادرة على التكيف وعلى سن التغييرات عندما تواجه مزيجا من انخفاض أسعار الطاقة والتهديدات الإقليمية. ومع انخفاض أسعار النفط العالمية حاليا بمعدل يفوق 50% مقارنة بنفس الفترة خلال العام الماضي ومع التقارب بين الولايات المتحدة وإيران الصاعدة، فإن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بحاجة إلى مقاربة حقبة جديدة من الإصلاحات اللازمة للتكيف مع البيئة المتغيرة بسرعة.



 

  كلمات مفتاحية

الاقتصاديات الخليجية انخفاض أسعار النفط الإنفاق الحكومي تنويع الاقتصاد

«ديلي ميل»: السعودية تخطط لبناء مدينة أكبر من واشنطن لتنويع مصادر الاستثمار والاقتصاد

«واشنطن بوست»: هل تدفع هزة النفط الأخيرة السعودية إلى تنويع اقتصادها؟

«فاينانشيال تايمز»: انخفاض أسعار النفط يترك دول الخليج أمام خيارات إصلاح صعبة

أولويات الملك «سلمان»: عودة الثقة بواشنطن وتنويع الاقتصاد

السعودية تسعى إلى تنويع مصادر الدخل وجذب استثمارات إلى القطاعات الناشئة

تقييم الملكيات الخليجية (2): هبوط النفط يشكل فرصة لتغيير سياسات الدعم والإنفاق الحكومي

دراسة: دول الخليج تعيش أوضاعا «حرجة» لاعتمادها على الخيارات الأمنية فقط

تحرير أسعار الوقود مجرد بداية لخطة إصلاح اقتصادي في الإمارات

كيف يمكن أن تنجح دول الخليج في التكيف مع أسعار النفط المنخفضة؟

لماذا نجت الملكيات العربية من الثورات بشكل أفضل من الجمهوريات؟

«عاش الملك» ... هل يحتاج العالم العربي إلى مزيد من الملكيات؟