كيف يمكن أن تنجح دول الخليج في التكيف مع أسعار النفط المنخفضة؟

الاثنين 22 فبراير 2016 11:02 ص

كلما استمرت أسعار النفط في الهبوط، تصبح دول الخليج أكثر حاجة إلى إعادة التفكير في كيفية تمويل حكوماتها والطريقة التي يتم بها إنفاق المال. على صعيد الإيرادات، وبعد نقاش امتد لعدة عقود حول الأمر في بلدان مجلس التعاون الخليجي، فقد قررت أخيرا فرض ضريبة القيمة المضافة في عام 2018. وهذه هي الضريبة هي الأولى من نوعها التي يتم فرضها على المواطنين وسكان المنطقة، الذين طالما اعتادوا على العيش في ظل بيئة ضريبية منخفضة. وقد زادت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا جهودها الرامية إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط والغاز. وبدأت سلسلة من التخفيضات، مع مستويات مختلفة من الشدة في كل بلد، بهدف كبح جماح الإنفاق.

قطار النفط المارق

على مدار الفترة الأكبر من العقد الماضي، تمتعت الدول المنتجة للنفط بإيرادات استثنائية بسبب ارتفاع أسعار النفط، وقد قامت بتكييف أمورها وفقا لذلك. في فنزويلا، قام الرئيس الراحل «هوجو شافيز» تمويل ثورته البوليفارية محليا ودوليا باستخدام عائدات النفط. عندما بدأت ثورات الربيع العربي في عام 2011 بالانتشار إلى الجزائر، ثاني أكبر منتج للنفط في إفريقيا، فقد قامت الحكومة بمراجعة ميزانيتها السنوية وزيادة الإنفاق العام بنسبة 25%، حيث ذهب الجزء الأكبر منها في بنود زيادة الدعم ومشروعات الإسكان الاجتماعي والأجور في القطاع العام. في روسيا، قام الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» بإنفاق 51 مليار دولار على دورة الألعاب الشتوية في سوتشي وهو مشروع كانت ميزانيته المبدئية تقدر بـ7.5 مليار دولار فقط.

مكن ارتفاع أسعار النفط دول مجلس التعاون الخليجي من الإنفاق بسخاء على البنية التحتية والدفاع والتعليم والأجور في القطاع العام، والإعانات. في المملكة العربية السعودية، شرع الملك الراحل «عبد الله» في بناء مدينة ضخمة في الصحراء بتكلفة 100 مليار دولار. والتي تتضمن بناء برج المملكة بتكلفة 1.2 مليار دولار والذي من المقرر أن يصبح أطول مبنى في العالم. في الكويت، فإن أكثر من 90% من السكان المحليين يعملون في القطاع العام. بسبب تزايد المخاوف الأمنية الجيوسياسية الإقليمية، فقد أنفقت دول الخليج مجتمعة قرابة 113 مليار دولار على المعدات العسكرية في عام 2014، وكان نصيب المملكة العربية السعودية وحدها قرابة 81 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، ففي أعقاب الربيع العربي، أنفقت هذه الدول 150 مليار دولار على أنشطة الرعاية الاجتماعية بهدف التخفيف من تأثير الانتفاضات السياسية في المنطقة.

هبوط أسعار النفط

وبالتقدم سريعا إلى الأمام نحو عام 2016، فقد خسر سعر برميل النفط أكثر من 70% من قيمته منذ يونيو/حزيران عام 2014. وفي الوقت نفسه، فإن توقعات مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تشير إلى أن مستويات الأسعار لن تعاود الارتفاع إلى 100 دولار للبرميل قبل عام 2040. محت أسعار النفط المنخفضة أكثر من 340 مليار دولار من عائدات دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2015 وحده، مما اضطر عواصم هذه الدول إلى إعادة تقييم مصادر الدخل والإنفاق. في المملكة العربية السعودية، أشار نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» أن المملكة ستسعى لتعزيز العائدات. وأكد أنه لا توجد أي خيارات مستبعدة من على الطاولة بما في ذلك خصخصة شركة أرامكو، التي تعتبر أعلى الشركات قيمة في العالم.

في خطابه عام 2015، أكد أمير قطر الناس أن انخفاض أسعار النفط لا ينبغي أن يكون سببا للذعر، ولكن في الوقت نفسه، فإنه قد أخبر القطريين أن «الحكومة لم تعد قادرة على توفير كل شيء». وقامت العديد من دول الخليج بإجراء إصلاحات على هيكل الدعم. في المملكة العربية السعودية، ارتفعت أسعار البنزين بنسبة 50% في عام 2015، كما تم رفع أسعار الماء والكهرباء أيضا. في ديسمبر/كانون أول 2015، وافق مجلس الوزراء في سلطنة عمان مجموعة من تدابير التقشف التي تشمل خفض الإنفاق في القطاع العام وإصلاحات الدعم.

ضرائب بغير تمثيل

بالإضافة إلى تخفيضات الإنفاق العام، فقد أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي أنها ستبدأ تنفيذ ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في عام 2018. وهذه هي أول ضريبة يتم فرضها في المنطقة المشتهرة بأنها ذات بيئة ضريبية منخفضة. ومع ذلك، بالمقارنة مع معدلات ضريبة للقيمة المضافة أعلى بكثير من جميع أنحاء العالم، فإن الضريبة المفروضة لا تزال متواضعة نسبيا.

وعلى الرغم من إجراء بعض التخفيضات على الدعم، فإن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي لا يزالون يتمتعون بامتيازات واسعة لسخاء الدولة تشمل توزيع الأراضي، والإعانات، دعم الدخل، والتعليم المجاني والرعاية الصحية. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال الضرائب على الدخل تساوي صفر. لهذا السبب، فإنه من غير المحتمل أن هذه الـ5% سوف تطعن على العلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع وبين حكام دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها. ومع ذلك، إذا رأت الحكومات أن هذه الضريبة قد نجحت في أن تجلب إيرادات إلى خزائنها دون معارضة واسعة النطاق، فإن بإمكانها دائما زيادة الحد. ولكن مع زيادة العبء الضريبي بشكل أكبر من المستقبل، فإن مواطني دول المجلس سوف يبدؤون في البحث عن زيادة المساءلة والتمثيل من قبل حكوماتهم.

حاليا، فإن حكومات دول مجلس التعاون ليست في حاجة ماسة إلى الإيرادات التي سوف تولدها ضريبة القيمة المضافة. على الرغم من التقارير المبالغة في الحذر، فإن هذه الدول بإمكانها تحمل انخفاض الأسعار على المدى القصير، ويرجع ذلك إلى جملة أسباب:

أولا: يمكن لبلدان دول مجلس التعاون الخليجي الاعتماد على صناديق الثروة السيادية الخاصة بها إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وفقا لمعهد صناديق الثروة السيادية، فإن صناديق الثروة السيادية في دول الخليج لديها 2.6 تريليون دولار من الأصول، وهو ما يقارب من 37% من إجمالي أصول الثروة السيادية في جميع أنحاء العالم.

ثانيا: بالإضافة إلى امتلاكها لأكبر احتياطيات نفطية مؤكدة، فإن تكلفة الإنتاج ما زالت هي الأقل على الصعيد العالمي؛ حيث تبلغ تكلفة إنتاج النفط أقل من 10 دولار للبرميل في المملكة العربية السعودية وأقل من 8.5 دولارا للبرميل في الكويت.

ثالثا: تتمتع نسب الخليج بأقل نسب من الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وسوف تكون قادرة على الاقتراض بشكل مريح من أسواق المال الدولية إذا لزم الأمر. تشير كل هذه العوامل أنه على الرغم من أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي سوف تستمر في مواجهة عجز موازنة على مدى السنوات القليلة القادمة وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط، فإنها سوف تكون قادرة على اجتياز هذه العاصفة

تحويل الليمون إلى شراب حلو

بالنظر إلى المدى الطويل، فإن أسعار النفط الحالية تمثل فرصة لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي لإصلاح اقتصاداتها من أجل الجيل القادم. سوف يكون إصلاح دعم الطاقة أقل إثارة للجدل في بيئة منخفضة لأسعار الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي أكثر وضوحا مع مواطنيها الذين صاروا الآن أكثر وعيا حول الآثار المحتملة لانخفاض أسعار النفط. على هذا النحو، فإنهم أيضا صاروا أكثر قابلية لفهم التدابير المتخذة من قبل حكوماتهم.

لتخفيف أثر إصلاح الدعم على الفقراء والطبقة الوسطى في البلاد، فإن الحكومة السعودية تخطط لتمديد مدفوعات الرعاية لهذه الطبقات. سوف تعمل هذه المدفوعات على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل فإن أحد التحديات الرئيسية سوف يتمثل في زيادة مشاركة الخليجيين في القطاع الخاص بعيدا عن الوظائف الحكومية. مع حدوث عملية إعادة التوجيه تلك، فإن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بإمكانها تعزيز قطاع عام أصغر حجما وأكثر كفاءة.

هذه العملية محورية جدا لاسيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي لديها أكبر عدد من السكان في دول مجلس التعاون الخليجي (30 مليون و10 ملايين نسمة على الترتيب). من جملة هذه الأرقام، فإن ما يقرب من 30 في المائة من سكان السعودية هم من العمال الوافدين، في حين تقدر نسبة الأجانب الذين يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة بما يصل إلى 90%. شرع كلا البلدين في تطبيق برامج تحت اسم السعودة وتوطين الوظائف، عل الترتيب، حيث يتم استبدال العمال الأجانب في القطاع الخاص ليحل محلهم السعوديون أو الإماراتيون. ولكن هذه العمليات الجارية لم تسفر بعد عن النتائج المرجوة، ولا تزال الأرقام الأخيرة تظهر انخفاضا في نسبة العمال السعودية في القطاع الخاص.

ولا تزال المملكة العربية السعودية تسير في الطريق المسدود لتوزيع العمل المتعارف عليه باسم طريق 90/90: توظف الحكومة ما يقرب من 90% من السعوديين في القطاع العام، في حين أن 90% من وظائف القطاع الخاص يتم شغلها من قبل الأجانب. ووجدت دراسة أجريت من قبل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 2014، أنه على الرغم من أن برنامج السعودية قد زاد من نسبة التوظيف بين السعوديين إلا أن تأثيره كان سلبيا على الشركات العاملة في المملكة العربية السعودية، حيث تسبب في خروج أكثر من 11 ألف شركة من السوق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الشركات تقوم بتعيين أعداد من الموظفين السعوديين الذين يتلقون رواتب لتلبية حصص الحكومة، في حين أنهم لا يقومون بعمل فعلي. اعترف وزير العمل السعودي مؤخرا أن مثل هذه السعودة التجميلية غير منتجة وتفرز آثارا سلبية.

بالإضافة إلى توطين الوظائف، فقد حاولت دول مجلس التعاون الخليجي أيضا تنويع اقتصاداتها وراء الهيدروكربونات، التي تهيمن حاليا على الاقتصاد. وتسير جهود التنويع بوتيرة مختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي. يمكن القول إن الإمارات العربية المتحدة (وخاصة دبي) أثبتت أنها الأكثر نجاحا في هذا الصدد. تواصل المملكة العربية السعودية جهود التنويع، ولكن عموما، لا يزال اقتصادها يعتمد اعتمادا كبيرا على النفط. واحدة من العوامل التي ساعدت على نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة هو انفتاحها على مجال السياحة بشكل أكبر من المملكة العربية السعودية ووضع دبي كمركز عبور (مع 69 مليون مسافر سنويا يمرون عبر دبي وحدها). نجاح جهود التنويع الاقتصادي على المدى الطويل في دول مجلس التعاون الخليجي يعتمد على تصميم وتنفيذ السياسات التي تركز على خلق حوافز اقتصادية للشركات لتجاوز النفط والغاز، وكذلك لمواطني دول مجلس التعاون للبحث عن عمل خارج القطاع العام.

الجوار الصعب

بالإضافة إلى التحديات الداخلية، سوف يكون للعداءات الإقليمية أيضا تأثير على التوازنات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي. بالإضافة إلى الحرب في اليمن، فقد أشارت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤخرا إلى أنها على استعداد للمشاركة بقوات برية في سوريا. وقد قامت المملكة العربية السعودية بالفعل بإرسال قوات وطائرات مقاتلة إلى تركيا. الحل السياسي في سوريا يمكن أن يمهد الطريق لخفض حدة التوتر بين السعودية وإيران في سوريا واليمن على حد سواء. ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان التفاوض سوف يسفر عن أي نتائج في عام 2016.

في بيئة انخفاض أسعار النفط، والمملكة العربية السعودية وإيران سوف تجدان نفسيها تواجهان تحديات مالية متشابهة إلى حد ما، الأمر الذي قد يعزز آفاق الحوار. قد يبدو من السهل القول بهذا مقارنة بالقيام به، خاصة في ظل وجود تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنامي تطلعات الاستقلال الكردية وسياسات النظام السوري التي تقف جميعا في طريق إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. يمكننا أن نقول بوضوح أن تحقيق الاستقرار على المدى الطويل والازدهار في المنطقة لا يتوقف فقط على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، ولكن أيضا على عدم تصعيد الصراعات الإقليمية.

  كلمات مفتاحية

الخليج السعودية قطر الكويت الإمارات تنويع الاقتصاد انخفاض أسعار النفط الاقتصاد الخليجي

«تحالف الأعداء»: كيف يقرب هبوط أسعار النفط بين السعودية وإيران؟

هل انهارت الاستراتيجية النفطية السعودية؟

«نيويورك تايمز»: السعودية تواصل ضخ النفط رغم المخاطر الاقتصادية والسياسية

«بلومبيرغ»: لماذا تخشى السعودية المضي قدما نحو الإصلاح الاقتصادي؟

تقييم الملكيات الخليجية (2): هبوط النفط يشكل فرصة لتغيير سياسات الدعم والإنفاق الحكومي

تقييم الملكيات الخليجية (1): كيف بنى الخليجيون ثروتهم؟

«أوبك»: خطوات أخرى قد تعقب اتفاق تجميد الإنتاج

النفط يقفز 7% مع توقعات بانخفاض الإنتاج الأمريكي

«النعيمي»: تخفيض إنتاج النفط لن يحدث

النفط الصخري هل يعود «ضيفا ثقيلا»؟

المعركة الأولى .. الجبهة النفطية