«تحالف الأعداء»: كيف يقرب هبوط أسعار النفط بين السعودية وإيران؟

الأحد 21 فبراير 2016 02:02 ص

يمكن النظر إلى تأييد إيران للخطة التي كتبها المنافس الإقليمي اللدود لها، المملكة العربية السعودية، لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط العالمية، على أنها انقلاب دبلوماسي من قبل الرياض.

ومع ذلك، فإن دعم طهران لتجميد الإنتاج لم تكن تحركه رغبة جديدة للتقارب السياسي بقدر الرغبة في التعامل مع مشكلة أكبر وهي انهيار أسعار السلع الأساسية. تم إغراق الأسواق بالنفط الخام في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب بسبب التباطؤ في النمو المتوقع من المستوردين الرئيسيين مثل الصين. غالبا ما تدفع الأوقات العصيبة نحو اتخاذ تدابير يائسة.

إيران والمملكة العربية السعودية ليسا مجرد متنافسين في أسواق النفط، ولكنهما أيضا خصمين مريرين في السياسة الإقليمية. وفي الوقت الراهن فإن التوترات بينهما لا يمكن أن تذهب إلى مستوى أبعد مما هو موجود بالفعل.

قامت السعودية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في يناير/كانون الثاني الماضي، في أعقاب هجوم الغوغاء على سفارتهم في طهران احتجاجا على إعدام رجل الدين الشيعي البارز «نمر النمر»، الرمز الشيعي في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية. ويقف البلدان أيضا على طرفي نقيض في الحروب في كل من سوريا واليمن، حيث يتداخل التنافس الاستراتيجي مع العداء الطائفي مما يسهم في المزيد من توتير الأجواء المتوترة بالفعل.

وعلى الرغم من هذه الخلفية الجغرافية السياسية غير الواعدة، فقد شهد الأسبوع الماضي تحركات إيجابية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن إنتاج النفط. ارتفع سعر مزيج برنت بنسبة 7.5 في المائة يوم الأربعاء الماضي بعد أن خرج «بيجان زنكنه» وزير النفط الإيراني من لقاء استمر ساعتين مع بعض نظرائه في أوبك ليلعن موافقته على الصفقة التي تم الاتفاق عليها من قبل السعودية، مع روسيا غير العضو في منظمة أوبك، في اليوم السابق.

وصرح «زنكة» بالقول: «ندعم أي تدابير يمكن أن تساعد على استقرار السوق وتحسين أسعار النفط الخام»، على الرغم من أنه لم يشر ما إذا كانت إيران سوف تحد من إنتاجها الخاص. وكانت إيران، التي تملك رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم، قد أعلنت سابقا عن رغبتها في توسيع كبير لإنتاجها بعد رفع العقوبات الغربية التي فرضت بسبب برنامجها النووي في يناير/كانون الثاني. ورغم ذلك، فإنه لا يزال من غير الواضح بالضبط ما الذي سيحدث الآن: وقد أعلن السعوديون والروس أنهم سوف يقومون بتجميد إنتاجهم عند مستويات يناير/كانون الثاني، ولكن فقط في حال انضم إليهم باقي المنتجين الرئيسيين بما في ذلك إيران.

وقد تم التوصل إلى صفقات من هذا النوع من قبل المملكة العربية السعودية خلال الثمانينيات، قبل أن تقوم روسيا وغيرها من الدول بالتراجع عن التزاماتها وهو ما جعل الرياض تخفض إنتاجها من 10 ملايين برميل يوميا إلى 2.5 مليون برميل يوميا دون عائد يذكر على الأسعار.

وقد واصل سعر مزيج «برنت» صعوده في الأسبوع الماضي ليصل إلى مستوى 36 دولارا للبرميل في أعقاب تصريح إيران، على الرغم من أنه سقط مرة يوم الجمعة بفعل بيانات أمريكية جديدة تظهر أن مخزونات النفط أكبر من أي وقت مضى. لا يزال السعر متقدما على المستويات الأدنى له التي بلغها الشهر الماضي بواقع 28 دولارا للبرميل ولكنه لا يزال بعيدا عن تلك المستويات القياسية التي بلغت 115 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران 2014.

وقد راقب المستثمرون في سوق النفط تطورات الأسبوع الماضي باعتبارها بادرة أمل على كون المنتجين قد بلغوا بالفعل عتبة الألم، وأنهم سوف يفعلون ما في وسعهم من أجل دفع الأسعار إلى الصعود مرة أخرى.

ومع ذلك، فإن التنافس السياسي والديني على نطاق أوسع بين المملكة العربية السعودية وإيران من غير المرجح أن يذهب بعيدا في أي وقت قريب. تمنح السيطرة على الحج والأماكن المقدسة المملكة العربية السعودية الشرعية في العالم الإسلامي السني، في حين أن إيران هي منارة للشيعة في كل مكان. لدى العرب والفرس ذكريات طويلة من العداء، وإن كان هذا العداء قد تفاقم في العصر الحديث مع قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ثم تدهور بصورة أسوأ مع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 وتداعياته.

وفي الآونة الأخيرة، قامت إيران بنشر كتائب من الحرس الثوري إضافة إلى ميليشيات حزب الله في لبنان، وكذلك ميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان وباكستان، للمساعدة على إبقاء «بشار الأسد» في السلطة في دمشق، بينما يرى السعوديون يد طهران الخفية وراء المتمردين الحوثيين في اليمن. تفترض طهران بشكل رئيسي أن السعودية هي الذراع الأمريكي في المنطقة وأنها الحاضن الرئيسي للإرهابيين المتعصبين.

وكان الاتفاق النووي الذي تم إبرامه خلال العام الماضي قد أثار قلق الرياض بشكل بالغ. حيث أثار المخاوف بأن الصفقة بين الولايات المتحدة والسعودية، التي تعمد إلى مبادلة النفط والأمن، سوف تنتهي مع توجه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» نحو التقارب مع طهران.

وفي الوقت نفسه، فإن الاستراتيجية السعودية على مدى الأشهر الـ 18 الماضية التي قامت على ضخ ما يزيد على 10 ملايين برميل يوميا وتخفيض أسعار النفط الخام في الأسواق الرئيسية قد أدت إلى نتائج عكسية.

ويقال إن السعودية، المصدر الأكبر للنفط في أوبك، بحاجة إلى أسعار تراوح حول 100 دولار للبرميل من أجل تغطية التزاماتها الهائلة. وقد حذر صندوق النقد الدولي مؤخرا من أن الرياض قد تحرق جميع جميع الاحتياطيات المالية في غضون خمس سنوات في ظل سعر نفط يبلغ 50 دولارا إلا إذا اتخذت الدولة إجراءات لرفع الضرائب أو خفض الإنفاق.

وقد بدأ السعوديون يتخذون هذه الإجراءات بالفعل، قدم السعوديون زيادة في الضرائب، وتم تخفيض دعم الوقود، كما أعلنت السعودية أنها على استعداد لخصخصة جزء على الأقل من شركة النفط التابعة للدولة، أرامكو السعودية، في إشارات واضحة إلى حاجتهم إلى السيولة.

حتى الآن، رفضت الدولة المهيمنة على منظمة أوبك أن تعود إلى دورها التقليدي في موازنة السوق من خلال تنظيم تقشف في الإنتاج، ولكن الصفقة المقترحة مع روسيا والتي تمت الموافق عليها يوم الثلاثاء الماضي تشير بوضوح إلى رغبة المملكة في الخروج من المأزق.

إيران تريد الحصول على أسعار أفضل لإنقاذ اقتصادها من الركود. في عام 2011، كانت إيران تنتج قرابة 3.6 مليون برميل يوميا لكنها خفضت إنتاجها الآن إلى 2.1 مليون برميل يوميا، في حين بلغت صادراتها 1.1 مليون برميل وهو نصف المستوى الذي كانت عليه قبل فرض العقوبات. بعد اتفاق رفع الجزاءات التاريخي مع الولايات المتحدة في 16 يناير/ كانون الثاني، قالت طهران إنها على استعداد لضخ نصف مليون برميل إضافي في أقرب وقت ممكن.

ليس هناك شك في حجم المشكلة التي يسببها انخفاض أسعار النفط بالنسبة إلى المنتجين، والتي بدأت قبل 18 شهرا عندما استيقظ التجار على حقيقة أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري يواصل الارتفاع، في الوقت الذي لم تكن فيه أوبك على استعداد لخفض إنتاجها.

وقد تفسير هذه المواجهة تقرير غير معلن من قبل السعودية وأعضاء أوبك الآخرين برغبتهم في الحفاظ على الضخ في محاولة لدفع المنتجين مرتفعي التكلفة في الولايات المتحدة للتوقف عن العمل. ويبدو أن الاستراتيجية تعمل ولكن بشكل أبطأ بكثير مما يكفي لتجنب المشاكل الهائلة بناء داخل الاقتصاد السعودي وغيره من الاقتصادات التي تعتمد بشكل كامل على عائدات النفط.

إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي الآن انخفض بمعدل ما يقرب من نصف مليون برميل يوميا، مقارنة بمستوياته في إبريل/نيسان من عام 2015 وفقا لوزارة الطاقة الأمريكية، ومن المتوقع أن يهبط بمعدل نصف مليون برميل آخر يوميا خلال هذا العام.

كان الإنتاج الأمريكي ينمو بمعدل 15 في المائة سنويا في ظل أسعار النفط السابقة، ولكن هذا النمو قد توقف الآن، على الرغم من محاولات المنتجين الأمريكيين الاستمرار عن طريق خفض التكاليف. تحتاج صناعة النفط الصخري إلى معدلات أسعار تتراوح حول 70 دولارا للبرميل من أجل أن تزدهر حقا وفقا لـ«فاضل غيث» المحلل النفطي في أوبنهايمر وشركاه مقارنة بـ50 دولارا للبرميل في نفط الشمال وأقل من 6 دولارات للمملكة العربية السعودية.

والسؤال المطروح الآن يتعلق بإذا ما كان الاتفاق حول تجميد الإنتاج سوف يصمد، ومدى تأثيره على دفع صناعة النفط الصخري في حال صموده. ويبدو أن الآراء لا تزال مختلفة. البروفيسور «بول ستيفنز»، خبير الطاقة في «تشاتام هاوس»، يصر على أن تلك الصفقة لن تثمر تغييرا كبيرا وأن أسعار مزيج برنت سوف تظل تتراوح ما بين 25 إلى 50 دولارا حتى نهاية عام 2016.

المصدر | إيان بلاك، الغارديان

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط السعودية إيران روسيا اتفاق تجميد الإنتاج قطع العلاقات السعودية الإيرانية

«ستراتفور»: تفاؤل محدود بعد الوصول إلى اتفاق بشأن تجميد إنتاج النفط

النفط يفقد نحو 4% مع تلاشي آمال الاتفاق السعودي الروسي

كيف يمكن أن تساعدنا الأرقام على فهم الاستراتيجية النفطية السعودية؟

«حماس» تبدي تفاؤلا بشأن علاقتها مع السعودية في عهد الملك الجديد

«النقد الدولي»: دول الخليج ستتكيف مع هبوط أسعار النفط

كيف يمكن أن تنجح دول الخليج في التكيف مع أسعار النفط المنخفضة؟

النفط يقفز 7% مع توقعات بانخفاض الإنتاج الأمريكي

3 أسباب تفسر حرص السعودية على إبقاء أسعار النفط منخفضة

سوق النفط وألاعيب روسيا

المعركة الأولى .. الجبهة النفطية

«بلومبيرغ»: محاصرة الاقتصاد.. الخطة السعودية البديلة لمواجهة صعود النفط الإيراني

«فورين أفيرز»: لعنة النفط.. كيف يجعل النفط العالم أكثر استبدادا؟