«فورين أفيرز»: لعنة النفط.. كيف يجعل النفط العالم أكثر استبدادا؟

الأربعاء 8 يونيو 2016 02:06 ص

حث تقرير لمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية دول الغرب على وضع حد لما أسماه «التعامل مع الحكام المستبدين»، فيما يخص أزمة النفط، التي وصفها بأنها «لعنة يجب وضع حد لها».

وركز «ليف وينار» وهو أستاذ القانون بكلية كينغز البريطانية وجامعة ستانفورد، في تقريره على كيفية مواجهة الدول النفطية التي وصفها بأنها «قوى نفطية غير خاضعة للمساءلة»، متهما إياها بأنها «سبب كل المشاكل التي هددت الغرب في الـ 40 عاما الماضية».

حيث زعم أن أكبر الأخطار التي هدد الغرب على مدى السنوات الـ 40 الماضية، جاءت من الدول المصدرة للنفط، فبسبب النفط غزت العراق الكويت، وبسببه دعمت ليبيا الجماعات «الإرهابية»، وتضخمت الترسانة النووية للاتحاد السوفياتي في السبعينات والثمانينات، وهو أيضا الذي مول صعود تنظيم «الدولة الإسلامية»، وشجع العدوان الروسي في شبه جزيرة القرم، ومول الدعم الإيراني لحماس وحزب الله.

وقال إن حكام الدول النفطية يمتلكون أكبر مصدر للسلطة غير الخاضعة للمساءلة، ولا مجال للديمقراطية في السيطرة على تصرفاتهم، ولذلك من الممكن أن تنتقل هذه السيطرة على عائدات النفط إلى أي نظام أو مجموعة مسلحة تسيطر على الآبار بالقوة.

ويعتبر التقرير أن هذه العائدات تسمح لقادة الدول النفطية بالسيطرة على شعوبهم عن طريق الإكراه أو الإغراء (مثل حالة إيران وروسيا) أو توفير الدعم والموارد للجماعات المسلحة لخوض حرب أهلية (كما في حال العراق واليمن). كما أنها «تمكن أيضا هذه الأنظمة من تلقين سكانها الأيديولوجيات المتعصبة، مثل حالة المملكة العربية السعودية، ونشر تلك الأيديولوجيات في جميع أنحاء العالم»، بحسب زعم الكاتب.

نصف الدول النفطية .. استبدادية

ويشرح تقرير «فورين أفيرز» خطورة ما يسميه «القوة غير الخاضعة للمساءلة للنفط»، وهي ما جعلت المحلل السياسي «مايكل روس» يسميها «لعنة النفط».

فهو يري أن 50% من الدول النفطية حاليا، هي دول استبدادية أو سلطوية، ويقول إنه بين عامي 1980 و2013، كانت الأنظمة الاستبدادية المنتجة للنفط هي الأقل توجها للانتقال للديمقراطية بنسبة أربع مرات، مقارنة بأقرانها غير المنتجة للنفط.

ويزعم أن الدول النفطية في العالم النامي أكثر عرضة لمعاناة الحروب الأهلية بنسبة 200%، وأن 25% من الدول النفطية تخوض حروبا أهلية، مقارنة بنسبة 11% فقط بين الدول غير النفطية.

ووفقا لـ«روس» فإن «الدول النفطية اليوم ليست أكثر ثراء، ولا حرية، ولا سلمية مما كانت عليه في عام 1980، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع تحقيق معظم دول العالم النامي تقدما اقتصاديا وسياسيا كبيرا»، مشيرا لأن «أكثر من 50% من تجارة النفط في العالم اليوم تأتي من الدول الاستبدادية أو الفاشلة»، بحسب تعبيره.

3 استراتيجيات غربية للتعامل مع المستبدين

ويقول «ليف وينار» أن صناع السياسة في الدول الغربية حاولوا التعامل مع هذا الخطر المتمثل في حكومات النفط المستبدة عبر ثلاث استراتيجيات رئيسية هي:

(أولا): الدخول في تحالفات مع بعضهم على أمل التأثير على النظام الاستبدادي بما يخدم مصالحهم، مثل محافظة الولايات المتحدة على العلاقات مع شاه إيران حتى الإطاحة به في عام 1979، ومع الرئيس العراقي «صدام حسين» أوائل الثمانينات والتسعينات، ومع «القذافي»، وكذا البقاء على مقربة من النظام السعودي الحليف.

(ثانيا): فرض عقوبات على الدول النفطية، مثل إيران والعراق وليبيا وروسيا والسودان، وسوريا.

(ثالثا): اللجوء للعمل العسكري، بما في ذلك التدخلات الرئيسية في العراق (مرتين) وليبيا.

ويتابع أن «هذه الاستراتيجيات حققت في بعض الأحيان نجاحات محدودة، إلا أنهم فشلوا في كبح جماح القوة النفطية هذه الغير خاضعة للمساءلة».

ويؤكد الكاتب وجهة نظره بما قاله مدير وكالة المخابرات المركزية «جون برينان» في جلسات الكونغرس فبراير/شباط الماضي، حيث توقع أن تواجه منطقة الشرق الأوسط المزيد من عدم الاستقرار والعنف والصراع بين الدول في السنوات المقبلة.

الحل للعنة النفط

وهنا يشير الكاتب لما يري، من وجهة نظره، أنه الحل لما يسميه «لعنة النفط»، داعيا ضمنا، لتجريم شراء النفط من هذه الدول والجهات «غير الخاضعة للمساءلة»، الذين يسيطرون على آبار النفط بالقوة. وأكد أن هذه الدول تتبع الدول مبدأ عفا عليها الزمن يقوم على أن «القوة تصنع الحق».

ويضيف: «لا يجب أن ننظر لمن يمتلك النفط اليوم على انه يمتلكه بشكل قانوني لمجرد أنه يسيطر عليه، فـ«القذافي» عندما سيطر على ليبيا في انقلاب في عام 1969، كان الأمريكيون يشترون النفط منه كأنه يتم بشكل قانوني، وعندما استولي الثوار (المتمردون بتعبير المجلة) علي نفس الآبار خلال الربيع العربي عام 2011، ظل الأمريكيون يشترون منهم النفط كأنه قانوني أيضا.

ويرى الكاتب أنه بفضل هذه القاعدة (القوة تصنع الحق)، ترسل الدول الغربية مئات المليارات من الدولارات سنويا إلى الأنظمة الاستبدادية، وتؤجج الصراع حول آبار النفط، وتدخل في علاقات تجارية مع الجهات الأكثر قمعا وعنفا في العالم.

«ففي عام 2014، على سبيل المثال، أرسلت كل أسرة في الولايات المتحدة في المتوسط 250 دولار للأنظمة الاستبدادية والجماعات المسلحة، عن طريق ملء سياراتهم بالوقود، والسائقين في أمريكا اليوم لا خيار لها سوى تمويل انتشار الأيديولوجيات المعادية لطريقتهم في الحياة»، بحسب الكاتب.

ويضيف أن قاعدة «القوة تصنع الحق» تخترق مبادئ السوق الأساسية، فلو استولي لصوص مسلحون على محطة وقود، فلا يجب أن يكتسبهم هذا الحق القانوني في بيع هذا الوقود، لأن «العنف ينتهك حقوق الملكية»، زاعما أن «أكثر من 50% من تجارة النفط في العالم الآن هي تجارة في سلع مسروقة».

الشعوب لا الحكام

ويخلص تقرير «فورين أفيرز» إلى أن الموارد الطبيعية ملك للشعوب لا الحكام، وأنه ينبغي أن يحل محل قاعدة «القوة تصنع الحق» قاعدة أن يصبح الحكام مسؤولين أمام مواطنيهم، وإقرار مبدأ أن «السيادة على الموارد للشعب».

ويضيف أنه يجب أن تكون الحكومات مسؤولة عن مواطنيها عندما تقوم بخصخصة الموارد أو تبيعها للأجانب، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وأن يكون للمواطنين الحريات والحقوق السياسية التي يحتاجونها لمناقشة، والاحتجاج على ما تقوم به حكومتهم مع مواردهم، دون خوف على حياتهم أو حريتهم.

كما يؤكد التقرير أنه ينبغي اعتبار شراء النفط قانونيا فقط من البلدان التي تكون فيها الحكومة مسؤولة بالحد الأدنى أمام شعوبها وهي تتخذ القرارات المتعلقة بمواردها، بعيدا عن قاعدة «القوة تصنع الحق»، مثلما جري عندما تم إلغاء الوظائف القانونية المترتبة على تجارة الرقيق والاستعمار.

ويقول إن تجارة النفط اليوم باتت واحدة من آخر بقايا نظام ما قبل العصر الحديث حينما كانت الشرعية تأتي عبر العنف، ما ولد حالة دم استقرار خطيرة في جميع أنحاء العالم، وحان الوقت لتغيير السوق العالمي للنفط بما يواكب القرن الحادي والعشرين.

3 أساليب للتغيير

وينقل التقرير عن «نيك باتلر» نائب رئيس شركة «بريتيش بتروليوم» السابق، والكاتب بصحيفة «فاينانشال تايمز» قوله إن هناك ثلاثة أساليب لتغيير ذلك وهي:

(أولا): السعي للاستغناء عن (النفط السلطوي)، عن طريق تشجيع النفط الصخري الأمريكي، وهذا ممكن خلال شهور، ولكن المشكلة في التكاليف، كما أن أوروبا تحتاج عدة سنوات وعشرات المليارات من الدولارات للاستغناء عن هذا النفط السلطوي، ولكن يمكنها التحكم في واردتها.

(ثانيا): أن تنسق الحكومات الغربية هذا التحول باستخدام مقاييس مستقلة محترمة للمساءلة العامة الموجودة بالفعل، عن طريق جهات مثل: معهد بروكينغز، مركز السلام، بيت الحرية، والبنك الدولي، والعديد من المنظمات الأخرى، عبر نشر تفاصيل حول الدول التي تفتقر إلى الحد الأدنى للحريات المدنية والحقوق السياسية.

(ثالثا): من خلال اتخاذ موقف موحد، مبدئي، وسلمي لدعم حقوق شعوب الدول التي تعاني من لعنة (النفط السلطوي)، والرد على الاتهامات التقليدية حول سعي الغرب للسيطرة الامبريالية على النفط بواسطة «المنظمات المتطرفة»، وكذا تشجيع النخب في البلدان النفطية على السعي بجدية نحو الإصلاحات الدستورية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط السعودية العراق ليبيا لعنة النفط حرب النفط تراجع أسعار النفط الربيع العربي

سياسات النفط والحرب على الإرهاب: قراءة في أسباب الخلاف السعودي الروسي

«بلومبرغ»: الإصلاح النفطي بين خطة «بوش» ومغامرة «بن سلمان»

التدخل الروسي في سوريا.. بوتين يسعى للسيطرة على سوق النفط والغاز

«تحالف الأعداء»: كيف يقرب هبوط أسعار النفط بين السعودية وإيران؟

الخليج 2015 .. العيش على وقع الحروب والنفط والإرهاب