الشراكة الناضجة بين البحرين ورابطة دول جنوب شرق آسيا

الثلاثاء 14 يونيو 2016 09:06 ص

دائماً ما يتم وضع النجاحات التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي في جنوب شرق آسيا خلال سنوات القرن الواحد والعشرين تحت المجهر. إلا أن البحرين، وعلى العكس من باقي دول المجلس، افتقرت للروابط القوية هناك وبخاصة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، إلا أن هذا الوضع بدأ بالتغير وبشكل كبير في السنوات الأخيرة.

ترجع روابط البحرين مع رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى سبعينات القرن الماضي، لكنها بدأت رسمياً في الثمانينات والتسعينات، حيث بدأت دول الرابطة بإدراك الفوائد التي يمكن أن تجلبها البحرين وبدأت دول الرابطة تباعاً بافتتاح البعثات الدبلوماسية الرسمية في المنامة. وبدأت البحرين مع الوقت بعمل المثل في هذه الدول.

لقد نمت العلاقات بين رابطة دول جنوب شرق آسيا والبحرين نسبياً بشكل قوي. ففي 2009 اعتمد كلا من مجلس التعاون الخليجي والرابطة الرؤية المشتركة للمجلس والرابطة في المنامة قبل أن ينعقد ثالث اجتماع لهما في العاصمة البحرينية.

وقد قوّت العديد من أطر العمل التنظيمية متعددة الأطراف مثل منظمة الدول الإسلامية وغيرها بالإضافة إلى الاجتماعات الدورية للمجلس والرابطة وبعض المواقف السياسية المتبادلة مثل موقف ماليزيا من المساعدة في مبادرات السعودية من الروابط السياسية بين البحرين ودول الرابطة.

وعلى العكس من احتلال ملف الطاقة جلزء كبير من التعاون بين دول المجلس ورابطة دول جنوب شرق آسيا، إلا أنه لم يحتل بعد هذا الحيز من العلاقات بين البحرين والرابطة وإن كان متواجداً بصورة ما. وهذا ليس بغريب أن تلعب الطاقة هذا الدور الثانوي في العلاقات بينهما بالرجوع إلى تصدير البحرين للغاز والنفط بحجم أقل بكثير من دول الخليج العربي الأخرى. وربما يتغير هذا الوضع بسبب زيادة الطلب على الطاقة وسعي دول الرابطة بتنويع مصادر الطاقة لديها، إلا أن البحرين مثل كل دول المجلس تسعى للتحول بعيداً عن الاعتماد المطلق على النفط.

ومع ذلك، فإنّ التجارة بين البحرين والرابطة بشكل عام قد زادت بشكل كبير، حيث تجاوز حجم التجارة بين البحرين وإندونيسيا 140 مليون دولار في عام 2011 بينما يوجد نقص في المعلومات حول حجم التجارة مع باقي دول الرابطة.

وبنمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي لدول الرابطة بنسبة 4.6% والذي يصل حالياً إلى 2.5 تريليون دولار أمريكي تقريباً، أصبحت منطقة جنوب شرق آسيا نقطة اقتصادية حيوية لدول مجلس التعاون الخليجي. وتعد دول الرابطة مصدراً للموارد الأولية مثل الأغذية والسلع والأيدي العاملة. وبالنسبة لدول الرابطة فإن الاستثمار في البحرين سيكون مفيداً حيث تعرض المملكة تملكا أجنبيا بنسبة 100% للاستثمارات المعفاة من الضرائب. كما تعد البحرين سوقا استهلاكيا، وإن كان صغيراً، إلا أنه واعد ومركز مناسب للتوسع الإقتصادي في الخليج العربي والشرق الأوسط الكبير.

لفتت الزراعة اهتمام مستثمري البحرين في السنوات الأخيرة وسط قلق متزايد حول الأمن الغذائي في منطقة الخليج مما حدا بحكومة البحرين بالقيام باستثمارات استراتيجية في دول جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وتايلاند بأراضيها الواسعة الصالحة للزراعة.

وتلعب الخدمات المصرفية الإسلامية دوراً هاماً في تطور العلاقات بين البحرين ودول الرابطة، وخاصة مع ماليزيا التي تحتل ريادة الصرافة الإسلامية في العالم. وقد بدأت العديد من البنوك البحرينية بالتوجه إلى ماليزيا، كما شهدت بورصة سوق السلع توقيع مذكرة تفاهم بين سوق البحرين للأوراق المالية وبورصة ماليزيا لتصميم منصة لمعاملات المرابحة على السلع بين البلدين.

ولا تعد هذه الروابط في مجال التعاون المالي بجديدة، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم بين البنك المركزي البحريني ونظيره الماليزي في العام 2001 لتطوير الخدمات المالية الإسلامية عالمياً. كما وثقت زيارة وفد ماليزي في 2009 إلى البحرين يرأسه صاحب السمو الملكي «د. نازرين شاه» ولي عهد ولاية بيراك والسفير المالي لماليزيا من العلاقات بين البلدين.

ولقد عمل البنك المركزي البحريني عن قرب مع هيئة النقد بسنغافورة، حيث بني هذا التعاون على زيادة تفاعلات التبادل البشري من خلال اشتراك سنغافورة في العديد من الفعاليات التي تخص الخدمات المصرفية الإسلامية في البحرين منذ عام  2008 والزيارات المنتظمة التي يقوم بها مصرفيون من بروناي للتعلم أكثر حول المالية الإسلامية.

وتعد البنية التحتية مجالاً آخر لنمو التعاون بين البحرين ودول الرابطة، حيث قامت العديد من المؤسسات ومنها شركات ماليزية بأخذ مكانها في المشاريع الكبيرة في البحرين للبنية التحتية، كما  حصلت مؤسسة مالاكوف الماليزية، وهي واحدة من أكبر منتجي الطاقة المستقلين في جنوب شرق آسيا، على حصص من شركة هيد باور البحرينية للطاقة.

وقد أدت جهود التطلع لآفاق جديدة من التعاون المشترك في المشاريع التجارية والاستثمارات وإنشاء العديد من المجالس المشتركة مع أعضاء من الرابطة، وكذلك جهود تجنب الضريبة المضاعفة وتبادل المعلومات حول الضرائب بين المنامة وكوالالامبور، إلى توثيق العلاقات التجارية بين البحرين ودول الرابطة.

التبادل البشري

شارك التبادل البشري وخصوصاً العمالة المهاجرة في تشكيل الروابط ما بين البحرين وبلدان الرابطة كما ساهم في ذلك أيضاً العمالة الواسعة الأجنبية من شبه القارة الهندية بعدما أصبحت البحرين واحدة من أعلى البلدان جذباً للعمالة من جنوب شرق آسيا. حيث وصلت أعداد الإندنوسيين بالبحرين إلى 300 ألف أغلبهم خادمات، و67 ألف فلبينية وقاد هذا الرقم الأخير المنامة ومانيلا لتوقيع اتفاقية بشأن حقوق الخادمات الفلبينيات. كما زادت أعداد السائحين أيضاً من دول جنوب شرق آسيا إلى البحرين في السنوات العديدة الماضية ما زاد من ترابط العلاقات بين البلد الواقعة على الخليج العربي ودول الرابطة.

ومن أشكال التعاون الأخرى والعلاقات بين البحرين ودول الرابطة، المقابلات الرياضية بين الحين والآخر والشراكة التعليمية بين البحرين والعديد من أعضاء الرابطة في مجالات مثل التنمية الحضرية وتكنولوجيا المعلومات والطيران المدني. كما تسعى البحرين لتعزيز النوايا الحسنة في جنوب شرق آسيا بالعديد من برامج واتفاقات المساعدة، مثلما فعل المسؤولون بالمنامة بعدما ضرب إعصار حيان الفلبين في 2014 بتوقيع اتفاقية مع العاصمة مانيلا لبناء مركزين للتدريب المهني وبناء 500 مجمع سكني في المناطق الأكثر تضرراً.

في الوقت نفسه، يبذل المسؤولون في البحرين ونظراؤهم في دول جنوب شرق آسيا جهوداً لتعزيز السياحة. ففي 2010 وقعت البحرين مع الفلبينيين اتفاقية تسمع بعدد أكبر من الرحلات الجوية بين البلدين. لن تقوي هذه الجهود من القوة الناعمة للبحرين لأجل الدخول في أسواق دول الرابطة النامية فحسب، وإنما تعزز أيضاً من وضع المنامة بعد اختيارها عاصمة للسياحة الآسيوية في 2014.

المستقبل

يظهر المستقبل واعداً ولا سيما مع مسار النمو الإقتصادي لدول الرابطة. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات رسمية مع دول محيط رابطة دول جنوب شرق آسيا مثل ميانمار، إلا أن هذا قد يكون قابلا للتغير بعد استقبال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لسفير ميانمار بالسعودية لمناقشة التعاون المحتمل. كما تخطط المنامة أيضاً لتوطيد العلاقات مع كامبوديا. ويوجد الآن على الطاولة اتفاقية تجارة حرة بين الرابطة والمجلس وسوف يترتب على تلك الاتفاقية، حال تمت، العديد من الفرص لنمو العلاقات بين شعب البحرين وشعوب دول الرابطة. إلا أن هناك العديد من الجهود المطلوب بذلها لتطوير تلك العلاقات وخصوصاً فيما يتعلق بالطرق المباشرة،  واتفاقيات أطر العمل، والعمل على زيادة الشراكة الثقافية والتعليمية الموجودة بالفعل.

وبالنظر للأمام، فإنّ مستقبل التعاون بين البحرين وأعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا لا يعتمد فقط على النطاقين السياسي والاقتصادي، لكن أيضاً على التعاون في المجالات الأمنية، ويتضح ذلك من خلال عرض وزير الدفاع السنغافوري للتحديات الأمنية التي تواجه دول الرابطة خلال حوار المنامة السابع في 2010. ويؤكد ذلك من جديد على وجوب التوسع في الأبعاد الأمنية والاستراتيجية. وأبعد من ذلك، لكي تستفيد البحرين كل الاستفادة من الروابط بين رابطة دول جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي فعليها تقوية الروابط بينها وبين دول محيط جنوب شرق آسيا مثل لاوس وفيتنام.

وأكدت الكلمات التي وردت على لسان مسؤول كالأمير «خليفة بن سلمان آل خليفة» بأن رابطة دول جنوب شرق آسيا تقدم للبحرين «إمكانيات وفرص عظيمة»، فإنّ ذلك في الواقع يؤكد على أن الرابطة ليست فقط شريكا هاما محتملا، وإنما مصدر للإلهام للتكتلات الإقليمية حول العالم.

المصدر | أوراسيا ريفيو

  كلمات مفتاحية

البحرين جنوب شرق آسيا روابط اقتصادية الخليج آسيا التعاون الخليجي المنامة تعاون اقتصادي

إيران والبحرين... إرث مديد من التوتر

التجارة البريطانية ومستقبل شراكة المملكة المتحدة مع البحرين

«ناشيونال إنترست»: البحرين تتجه نحو الهاوية

فرصة الإصلاح الاقتصادي في البحرين

«رقصة ديبلوماسية» غير مضمونة لبريطانيا في البحرين