«رقصة ديبلوماسية» غير مضمونة لبريطانيا في البحرين

الخميس 1 يناير 2015 01:01 ص

عندما أعلنت حكومة المملكة المتحدة في 6 ديسمبر 2014م عن اتفاق يقضي بإنشاء قاعدة بحرية دائمة في ميناء سلمان في البحرين، لوحظ على نطاق واسع أن هذا يمثل عودة وضع «شرق السويس» البريطاني الممثل للحقبة الاستعمارية (التي انتهت رسميًا في 1971م).

ونستطيع أن نؤكد أن البحرية الملكية حافظت على وجودها في الخليج في السنوات الأخيرة؛ بما في ذلك بعض المرافق الخاصة بكاسحات الألغام في البحرين. لكن الغرض من وراء القاعدة الجديدة هو تجهيزها لاستضافة حاملات طائرات من طراز «الملكة إليزابيث» البريطانية الجديدة والسفن الحربية الداعمة لها، الأمر الذي يجعل التعزيز أكثر من مجرد حالة رمزية. وسوف تتحمل بريطانيا بنفسها التكاليف التشغيلية للقاعدة الجديدة، على الرغم من أن أعمال البناء في حد ذاتها من مسئولية الحكومة البحرينية.

بالطبع لا يخلو عقد إنشاء القاعدة من ثمن سياسي، حيث تدور حجة قوية الآن مفادها أن الحكومة التي يهيمن عليها السنة تدفع معظم تكلفة القاعدة الجديدة كمكافأة لبريطانيا مقابل غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين - وخاصة منذ اندلاع الاحتجاجات هناك خلال الأشهر الأولى من الربيع العربي. وتنتقد مجموعة "بحرين ووتش" وغيرها من جماعات حقوق الإنسان الحكومة في المنامة منذ فترة طويلة، ولكن تأثير تلك المجموعات محدود على سياسة الحكومة البريطانية.

وربما تكون تلك هي القضية؛ فمن أبرز ما يميز مواقف بريطانيا منذ زمن طويل في منطقة الشرق الأوسط هو عدم انتقادها العائلة المالكة البحرينية. وفي أعقاب التغيرات الجذرية في تونس ومصر في أوائل عام 2011م، تمّ إنهاء مظاهرة - استمرت شهرًا للأغلبية الشيعية ضد الحكم المطلق للعائلة المالكة السنية - بالقوة، ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 89 شخص. وتشنّ السلطات منذ ذلك الحين حملات اعتقال أسفرت عن اعتقال المئات حتى الآن.

وما زالت الممارسات الحكومية مستمرة. وفي الآونة الأخيرة؛ تم اعتقال الشيخ «علي سلمان» - رئيس حركة «الوفاق» المعارضة المحظورة، واستخدمت الشرطة لاحقًا الغاز المسيل للدموع –ولازالت- لتفريق الحشود الغاضبة.

وفي هذا السياق؛ تبدو فرصة بريطانيا لكسب قاعدة في المنطقة مدفوعة الثمن من قبل البحرين واضحة المعالم سياسيًا وحقوقيًا ودبلوماسيًا، في ظل موقف لندن تجاه العائلة المالكة البحرينية،  ومع ذلك؛ فإنه من المعقول جدًا أن نرى المزيد من العناصر الإضافية تدخل إلى جدول العمل، والأهم من ذلك أن أي صفحة أسلحة جديدة سوف تكون موضع ترحيب.

رقصة دبلوماسية

خلفية هذا التبادل التجاري عبارة عن خطة طويلة الأجل لسلاح الجو الملكي البحريني ليستبدل بعض الطائرات القديمة لديه، وتحديدًا طائرات الاعتراض من طراز «نورثروب إف- 5 إي» و«إف 5 إف». وضغطت بريطانيا منذ فترة طويلة لبيع طائرات «تايفون بي أيه إي سيستمز» إلى البحرين، ولكن بعض القطاعات في البحرين أظهرت المزيد من الاهتمام بــ «داسو رافال» الفرنسية أو الأنواع الأمريكية المتطورة من طراز «إف/أيه 18إيه إف» و«إف-15إي» و«إف-16».

وسعى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في منتصف عام 2013م إلى دفع صفقة البيع خلال رحلة له إلى المنطقة، والتي أعقبها زيارة العاهل البحريني الملك «حمد بن عيسى آل خليفة إلى لندن». وذكرت صحيفة ديلي تليجراف في ذلك الوقت:

«إن الصفقة المقترحة مع النظام الملكي الخليجي عرّضتها احتجاجات عام 2011 للخطر، ويُعتقد أن قيمتها أكثر من مليار جنيه أسترليني، كما أنها جزء من جهود تنسيقية تقوم بها دول الخليج لتعزيز العلاقات العسكرية مع بريطانيا. ... وكانت الصفقة السياسية عالية المستوى ضمن بنود جدول الأعمال الرئيسي في اجتماع "داونينج ستريت" بين ديفيد كاميرون والملك حمد بن عيسى آل خليفة" في وقت سابق هذا الأسبوع».(انظر: بن فارمر؛ بريطانيا تبيع طائرات تايفون إلى البحرين رغم سجل حقوق الإنسان، التليجراف، 9 أغسطس 2013).

ولم يسفر ذلك الجهد عن شيء، ولكن هناك مؤشرات قوية على أن صفقة القاعدة الجديدة ستكون نقطة فاصلة. والسبب في ذلك راجع إلى أن البحرين حريصة بشكل خاص على مشاركة بريطانيا بشكل فاعل في ضمان أمن المملكة. وتمتلك الولايات المتحدة بالفعل قاعدة أكبر من ذلك بكثير لأسطولها الخامس التابع لسلاح البحرية الأمريكي قريبة من المنشأة البريطانية الجديدة المُخطط لها، ولكن العائلة المالكة في البحرين حريصة على أن يكون لها أكثر من حامي رغم إدراكها حالة انعدام الأمن على أراضيها بصفة خاصة وفي المنطقة ككل؛ وأخيرًا وليس آخرًا الاحتجاجات المستمرة من الأغلبية الشيعية، والوضع المضرب مع إيران الشيعية القريبة على الطرف الآخر من الخليج.

وتحدثت المجلة الأمريكية «ديفينس نيوز» - المطلعة غالبًا - عن صفقة «تايفون» مشيرة أنها أبرز البطاقات الموجودة حاليًا. كما نقلت المجلة عن «دوجلاس بارير» - المحلل المبارز في معهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية:

«التجانس الذي ظهر بموجب اتفاقية القاعدة البحرية يمكن أن يعود بفائدة فقط على العلاقات الصناعية الدفاعية بين الجانبين. وتوفر هذه العلاقة الاستراتيجية الوثيقة بين الحكومتين فرصة كبيرة للتعاون الدفاعي؛ بما في ذلك مبيعات المعدات الدفاعية الممكنة» (انظر: أندرو شاتر، البحرين صفقة القاعدة البريطانية البحرينية ربما تقود إلى مبيعات تايفون، ديفينس نيوز، 15 ديسمبر 2014).

وعلاوة على ذلك؛ فإن التوقعات تذهب إلى ما وراء بيع محتمل لطائرات «تايفون». وتحدثت «ديفينس نيوز» عن هذا الأمر بقولها:

«ويمكن للعلاقة المحتملة أن توفر الكثير من فرص الشراكة؛ والتي لا تقتصر فقط على مقاتلات تايفون كما لا تقتصر على الصادرات الدفاعية. هناك إمكانية لمشاركة أوسع من ذلك بكثير، وكانت هناك الكثير من المناقشات التي استمرت لفترات طويلة بين القوات المسلحة في البلدين».

ويبدو أنه في ظل توالي هذه الصفقات والفرص التجارية أن الحكومة البريطانية لن تفعل شيئًا تظهر به انتقادها السلطات البحرينية حتى لو استمر القمع ضد الأغلبية الشيعية.

ورغم ذلك؛ فإن هذا لا يعني أن كل ما تم ترتيبه أن المملكة المتحدة قد ضمنت أم تجني أمولاً حقيقية. حيث تعتمد حكومة البحرين أكثر من 85٪ من إيراداتها من مبيعات النفط والغاز. تهاوى أسعار الطاقة في الأشهر الأخيرة هو عامل جديد تمامًا، ومن الممكن أن يؤثر على على واردات المعدات العسكرية. وحتى بعد كل جهود بريطانيا، وغض بريطانيا طرفها عن انتقاد الحكومة البحرينية بشكل ملحوظ للغاية، فإن الجهود برُمتها من الممكن أن لا تتمخض عن شيء.

  كلمات مفتاحية

بريطانيا البحرين

البحرين تلقت الإذن من السعودية قبل الموافقة على استضافة القاعدة البحرية البريطانية

الديلي تليغراف: ما جدوى القاعدة البحرية البريطانية في البحرين؟

توسيع وجود البحرية البريطانية في البحرين: قاعدة عمليات متقدمة وتخزين معدات وإيواء الأفراد

بريطانيا تخطط لإنشاء قواعد عسكرية في الإمارات والبحرين وعُمان

القائد العام لقوة دفاع البحرين يلتقي قائد الأسطول الخامس الأمريكي في المنامة

الأمير «تشارلز» لم يعد راغبا في لعب دور ”مروج الأسلحة“ في دول الخليج

28 نائبا بريطانيا يطالبون حكومتهم بالضغط علي البحرين للإفراج عن الشيخ «علي سلمان»

الشراكة الناضجة بين البحرين ورابطة دول جنوب شرق آسيا