كيف يفكر الشرق الأوسط في أزمة بريطانيا؟ أكثر بكثير مما تفترض

الاثنين 27 يونيو 2016 04:06 ص

أشار رجل أعمال سعودي أن واردات المملكة ستكون أرخص؛ وكذلك ربما يكون الشراء في سوق العقارات بلندن هو الملاذ الآمن لصناعة الثروة لأغنياء الخليج.

إنه لمن المقلق العيش في الشرق الأوسط في الوقت الذي يموت فيه الآلاف من العرب في سبيل الوصول للاتحاد الأوروبي بينما تنتحر بريطانيا ماليا بمغادرته. فالقارة التي تمثل رغد العيش والأمان لملايين المسلمين الراغبين في الهرب من الطغاة والتعذيب والحروب، قد تم رفضها من قبل أمة حاربت لما يقرب من 6 سنوات لتدمير الطغاة والجلادين والحروب المستقبلية.

لا عجب أن العرب لا يعرفون ماذا يفعلون بشأن «بريكست»، ويعودون للتاريخ لتبين العدالة في أزمة الإتحاد الأوروبي. ومع قرار تفتيت الدولة العثمانية إلى دويلات عربية لاحتلالها من قبل القوات الإنجليزية والفرنسية، فإن أحفاد السير «مارك سايكس» سيذوقون الآن من نفس الكأس. أو بكلمات مغرد سعودي على تويتر: «بريطانيا التي قسمت الدول العربية منذ مائة عام إلى أجزاء مختلفة سوف تذوق قريباً مرارة التقسيم والانكسار». حسناً، هذا صحيح إلى حد ما.

إنّ الحكومات الخليجية المنبطحة على نحو تقليدي لبريطانيا ولاسيما «ديفيد كاميرون»، تنظر نظرة وردية إلى ما هو متوقع من كارثة بريطانيا المحتملة. أشار رجل أعمال سعودي أن واردات المملكة ستكون أرخص؛ وكذلك ربما يكون الشراء في سوق العقارات بلندن هو الملاذ الآمن سريع الثراء لأغنياء الخليج. وهو ما لم يكن في ذهن «بوريس» و«مايك» و«نايجل» من فوائد «بريكست». كما أن البحرين التي لم يمر وقت على سحقها حزب المعارضة الشيعي وإسقاط الجنسية عن أعلى مرجع شيعي فيها وهو الشيخ «عيسى القاسم»، قد أشادت بالقرار «الشجاع والتاريخي لبريطانيا بالمغادرة»، وهو التصريح الذي يأتي ردا على قول الاتحاد الأوروبي أن البحرين الصغيرة وملكها لم يعيشا أفضل عصور الديمقراطية في السنوات القليلة الماضية.

وهناك عدد قليل من السعوديين تعاملوا مع الوضع بشيء من السخرية، وقد قال «جمال خاشقجي»، واحد من الصحفيين الأكثر شهرة في البلاد، أن «فلاديمير بوتين كان سعيدًا بالنجاح في تفكيك الإتحاد الأوروبي بواسطة أزمة اللاجئين التي تم إنشاؤها في سوريا». وقال الصحفي السوري الدرزي «فيصل القاسم» بنفس السخرية على عبر قناة الجزيرة القطرية إنه «في بريطانيا، عندما قال الشعب لا، غادر كاميرون على الفور، أما في سوريا، عندما قال الشعب لا، غادر الشعب وبقى الأسد». وهي نقطة مشوقة حقيقةً يفسدها حقيقة أن «ديفيد كاميرون» لم يغادر على الفور، وكذلك تفسدها حقيقة أن عدد مواطني المملكة المتحدة يحاولون الحصول على جوازات سفر أيرلندية.

لكن المشكلة الأساسية لأغلب العرب، والتي تم الإشارة إليها قليلاً منذ «بريكست»، هي أن الانتخابات العربية سخيفة جدا، ونتائجها خيالية للغاية، وغالبيتها أسطورية، فالاستفتاء البريطاني ذاته يعد حلماً للديمقراطية، على الرغم من أن نتائجه منقسمة وغير عادلة. أنا لا أتحدث عن النتيجة الجنونية بالكامل بنسبة 100% تصويت لصالح «صدام حسين» في انتخابات العراق 2002 على سبيل المثال، ولكن أتحدث عن مصر القديمة الفقيرة التي صوتت في الأغلال على مدى سنوات. وانظر فقط إلى التصويت بنسبة 98.1% على دستور 2014 والذي سمح للمشير «عبد الفتاح السيسي» باعتلاء كرسي الرئاسة بعد أن أطاح بحكومة «محمد مرسي» المنتخبة. ثم لدينا حسم انتخابات الرئاسة لصالح «السيسي» نفسه بنسبة 96.1%. والآن بالتأكيد كان «بوريس» و«مايك» و«نايجل» ليطيروا من الفرح لو كنا نحن البريطانيين على نفس القدر من الوحدة الوطنية كالمصريين.

وقد غرّد أحد المصريين قائلاً: «بريكست تذكرني بالوضع هنا في مصر: الكبار يقررون المستقبل للصغار». وكان «أحمد سالم» طريفا أيضا ليغرد قائلاً: «ليوم واحد، لن تصبح مصر مادة الضحك في العالم». وغرد آخر: «المنوفية تطالب باستفتاء للإنضمام للإتحاد الأوروبي بدلاً من المملكة المتحدة». وتعد محافظة المنوفية هي مسقط رأس الطغاة «أنور السادات» و«حسني مبارك»، والاثنين يشار إليهما خلال عهدهما بالطبع، كقادة «أنظمة معتدلة موالية للغرب».

ربما يكون التغيير الشخصي الأكثر غرابة وإثارة للمشاعر الذي أثاره «بريكست» في الشرق الأوسط، كان بين زعيم الدروز في لبنان «وليد جنبلاط» و«يوري آفنيري»، الفيلسوف الإسرائيلي البالغ من العمر 92 عاماً والناشط اليساري والجندي السابق بحرب فلسطين عام 1948. فـ«وليد جنبلاط» هو أكبر عدمي في العالم كما أخبره دائماً، و«أفنيري» الذي ترك ألمانيا النازية في العام 1933، هو الآن واحد من المنارات التنويرية في (إسرائيل) وقبل كل شيء هو أحد المدافعين عن حق الفلسطينيين في الحرية وإقامة دولة مستقلة، وهذا ما يجعله عرضةً للسخط والافتراء من مواطنيه. وقد شكل الرجلان صداقة دائمة فيما بينهما.

استدعى «جنبلاط» ذكرى «سايكس بيكو» و«وعد بلفور» في الحرب العالمية الأولى وإعلان دولة (إسرائيل) في عام 1948 التي سببت المعاناة للعرب وتابع: «إن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن أن ينفصل عن التاريخ الأوروبي الحديث وآثاره خلال القرن العشرين. ومع علمي أننا تحمل ذاكرة معظم القرن الماضي، ذكريات الشعب اليهودي في ذلك القرن والمحنة الرهيبة التي مروا بها، وصلت لهذه النتيجة بعد التصويت في بريطانيا: بعد مائة عام من الحرب العالمية الأولى، تساق أوروبا مرة أخرى نحو الإضطرابات الهائلة، يبدأ هذا بالاقتصاد لكنه يتطور بعد ذلك إلى قضايا القومية، والهوية الاوروبية ضعيفة جداً لتواجه شياطين القومية».

وبعد قرن من الحرب العظيمة 1914-1918، يرى «وليد جنبلاط» أن «الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الكارهة للأجانب تصعد في أغلب أوروبا اليوم ضد الهجرة الأجنبية، ولاسيما العرب والمسلمين، وغداً ضد اليهود كما يخبرنا التاريخ.وياله من أسف أن أعيش كل تلك الأحداث وأن أكون ملزماً بعيش ما تبقى من حياتي، لأشهد تلك النهاية الحزينة للتاريخ. قال شخص ما يوما أن التاريخ يعيد نفسه». كانت هذه الفقرة جزء من رسالة وقعها «وليد جنبلاط» بنفسه بعبارة «كل التحية» لـ«أفنيري».

رد المفكر الإسرائيلي خلال ساعات: «عزيزي وليد، التاريخ يعيد نفسه، لكنه يتغير أيضاً طوال الوقت، وخطوة بريكست هي خطوة كبيرة إلى الوراء، لكني آمل أن تسير أوروبا للأمام على الرغم من ذلك. دعنا نستمر في الأمل! سلامات، يوري».

أعتقد أنه لا يوجد الكثيرين سواء من جانب البقاء أو جانب المغادرة، يقولون ذلك لبعضهم البعض اليوم.

 

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

بريكسيت بريطانيا الاتحاد الأوروبي تفكك الاتحاد الأوربي

هل تكون كارثة القرن؟.. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتفكك المملكة المتحدة

السعودية والإمارات تقللان من تأثير خروج بريطانيا من «الاتحاد الأوروبي» على مصارفهما

بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

تركيا: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بداية تفكك التكتل

بريطانيا والاتحاد الأوروبي: علاقة لم تكن محل إجماع أصلا

محللون لا يستبعدون عودة بريطانيا عن الخروج من الاتحاد الأوروبي

متحدث بريطاني: لن نعيد الاستفتاء وسنكون أكثر تأثيرا في الشرق الأوسط

سياسات الخوف واقتصادياته