هل تكون كارثة القرن؟.. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتفكك المملكة المتحدة

الأحد 26 يونيو 2016 07:06 ص

عقد «ميخائيل غورباتشوف» استفتاءً تاريخياً منذ خمسة وعشرين عاماً في مارس/أذار 1991، متأثراً بسقوط جدار برلين وصعود الحركات الإنفصالية القومية في جمهوريات البلطيق والقوقاز داخل الإتحاد السوفييتي. وقد اقترح معاهدة جديدة للاتحاد لإنقاذ الاتحاد السوفييتي. في النهاية فشلت المناورة. وبالرغم من أن الغالبية من سكان الاتحاد السوفييتي صوتوا بنعم، إلا أن بعض الجمهوريات الرئيسية رفضت المشاركة. وبذلك بدأ تفككك الاتحاد السوفيتي، الحدث الذي سماه الرئيس الروسي الحالي «فلاديمير بوتين» أنه «الكارثة الجيوسياسية الأعظم» في القرن العشرين.

واليوم، ومع استفتاء مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، يبدو أن رئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» قد وضع المملكة المتحدة في مسار كارثي مشابه محتمل. ومثل سقوط جدار برلين وانهيار الإتحاد السوفييتي، كذلك فإنّ السقوط بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تداعيات خطيرة. بالطبع ليست المملكة المتحدة هي الاتحاد السوفييتي، لكن توجد روابط تاريخية بين بريطانيا وروسيا وتشابهات هيكلية تستحق أن توضع في الاعتبار بعد الطلاق ما بين المملكة والاتحاد الأوروبي، وما يقدم عليه قادة بريطانيا فيما بعد، داخليا وخارجيا.

خلاصة سريعة عن التاريخ الروسي

تشكلت كل من الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الروسية في نفس الوقت تقريباً وكثيرا ما تفاعلا معا. فالملكة «إليزابيث الأولى» كانت تتراسل مع «إيفان الرهيب». وتزامن اتحاد برلماني انجلترا واسكتلندا عام 1707، والذي وضع المملكة في مسارها الإمبراطوري، مع معركة بولتافا عام 1709، والتي قام فيها «بيتر العظيم» بإخراج السويديين من أراضي أوكرانيا حاليا وبدء توحيد الإمبراطورية الروسية. وتزواجت العائلتان الإمبراطورية الروسية والملكية البريطانية، حتى وهم يتنازعون لبسط النفوذ على مركز آسيا وأفغانستان في القرن التاسع عشر. وكانت زوجة القيصر الأخير حفيدة للملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا. كما أن انتفاضة عيد الفصح الأيرلندية والثورة الروسية كلتيهما قد اشتعلتا بسبب مشاكل داخلية، إضافة إلى التوسع الإمبراطوري المفرط، وصدمة الحرب العالمية الأولى.

ومنذ انتهاء الحرب الباردة، قابل البلدان صعوبة في تحديد هوياتهما وأدوارهما ما بعد اندثار الإمبراطورية. وتشبه المملكة المتحدة في بنيتها الهيكلية كثيراً ما كان عليه الإتحاد السوفييتي في عام 1991، وتذكرنا أزمة هوية إنجلترا الحالية بما كانت عليه روسيا في التسعينات. وبعد فشل استفتاء «غورباتشوف» في دعم الاتحاد، تشقق الإتحاد بفعل محاولات انقلابية (في أغسطس/آب 1991) ومن ثمّ تم تفكيكه من قبل نخبه الوطنية. وفي بدايات ديسمبر/كانون الثاني 1991، جلس «بوريس يلتسين»، المشعل الأول لفكرة الفيدرالية الروسية، مع قادة أوكرانيا وبلاروسيا في كوخ داخل غابات بلاروسيا، وتآمروا لإحلال رابطة جدية من الدول المستقلة (CIS) بدلاً من الاتحاد السوفييتي. وبانتهاء «غورباتشوف» والاتحاد السوفييتي في نهايات ديسمبر/كانون الثاني، بدأت الآثار الكارثية. وكان «بوريس يلتسين» هو أول من ذاق الندم عن عواقب ما فعله. لم يكسب الاتحاد الجديد أي تلاحم كاتحاد جديد تقوده روسيا.

اكتسب الأوكرانيون والبيلاروسيون والآخرين هويات جديدة ودولاً جديدة واستخدموا الرابطة كآلية للإنفصال. فقد روسيا إمبراطوريتها وثقلها السياسي على الخريطة، كما فقدت هويتها كقائدة بين دول الإتحاد السوفييتي. أصبحت روسيا الاتحادية دويلة. وبالرغم من أن الروس الأصليون يمثلون 80% من السكان، استمرت قوى التفكك. وتحرك التتار والشيشانيون والشعوب الأصلية الأخرى في روسيا الاتحادية وثاروا من أجل الإستقلال. تم إهمال الروس الأصليين في الجمهوريات الأخرى. تم فقدان المقاطعات التاريخية. وبدلاً من أن يترأس «بوريس يلتسين» روسيا المستقلة لفترة، فقد حصل على عقد من الانهيار الإقتصادي والإذلال السياسي.

ومن الممكن أن يؤدي انفصال المملكة المتحدة عن أوروبا لمثل ما حدث من تفكك للإتحاد السوفييتي.

هل تقع بريطانيا في نفس الفخ؟

«بوريس» آخر، هو «بوريس جونسون»، العمدة السابق للندن والمنافس الرئيسي لديفيد كاميرون، وبما يقوم به ربما يؤدي لنفس المخاطر إذا أصبح رئيساً للوزراء في الشهور القليلة القادمة. ربما تعاني بريطانيا بسبب الإنفصال عن الاتحاد الأوروبي مؤسسيا وإقتصاديا وسياسيا من مثل ما حدث للاتحاد السوفييتي من تفكك. سوف يتم ترك الناس يعانون في الخلف، البريطانيين في دول الاتحاد الأوروبي، والأوربيين في بريطانيا، وسيكون عليهم الاختيار بصعوبة حول من هم، وأين سيعملون ويعيشون. لقد تراجع الجنيه الإسترليني بالفعل. وتقييم الإضطراب الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط قد تحول من متشائم إلى وخيم. إنّ المملكة المتحدة دولة تتكون من أعراق مختلفة تكتسب درجات مختلفة من السلطة، وبها انقسامات سياسية عميقة على المستوى الشعبي أو مستوى النخبة. لقد صوتت إسكتلندا وأيرلندا الشمالية وجبل طارق (منطقة متنازع عليها مع أسبانيا) بوضوح للبقاء في الاتحاد الأوروبي. وهناك حديث حول استفتاء جديد على استقلال إسكتلندا عن المملكة المتحدة، سوى التساؤلات حول مصير المناطق الأيرلندية، وشكل استمرار علاقة جبل طارق بأسبانيا. وكلها أمور سوف تعقد من سير عملية انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي.

مثل روسيا والروس، فإنّ إنجلترا والإنجليز يعيشون أزمة هوية. فإنجلترا ليست متجانسة عرقياً. فبالإضافة إلى مئات الألوف من الأيرلنديين الذين يعيشون في إنجلترا فهناك عدد كبير من الشعب الإنجليزي ذو أصول أيرلندية وإسكتلندية، بجانب هؤلاء ذوي أصول من مقاطعات الإمبراطورية البريطانية القديمة. وهناك مواطني الاتحاد الأوروبي الذين أظهروا الكثير من السخط من هذا الاستفتاء.

وكما أدت كل الطرق في الاتحاد السوفييتي وروسيا للتفكك، لندن التي تستحوذ على العدد السكاني الأكبر، وهي مركز تجاري ومالي جاذب للسكان، قد صوتت للبقاء في الإتحاد الأوروبي على عكس الكثير من مدن إنجلترا التي صوتت للإنفصال. وربما تنادي لندن بالانفصال أيضا. في حالة عدم الحذر، ربما تجد إنجلترا نفسها الخليفة المتقزم لما كان يسمى المملكة المتحدة. ولو حدث ذلك، ستصبح بريطانيا إمبراطورية أخرى ذهبت عبر التاريخ بربط مصيرها باستفتاء.

 

المصدر | بروكنغز

  كلمات مفتاحية

بريطانيا الاتحاد الأوروبي انفصال بريططانيا عن الاتحاد كاميرون روسيا بوريس يلتسن

السعودية والإمارات تقللان من تأثير خروج بريطانيا من «الاتحاد الأوروبي» على مصارفهما

بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

تركيا: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بداية تفكك التكتل

بريطانيا والاتحاد الأوروبي: علاقة لم تكن محل إجماع أصلا

الاستثمارات الخليجية ببريطانيا تتجاوز 10 مليارات جنيه استرليني

‏اسكتلندا: المملكة المتحدة التي صوتنا للبقاء فيها عام 2014 لم تعد موجودة

بريطانيا.. 3 ملايين توقيع على عريضة أنشأها مناصر لمغادرة الاتحاد تطالب بإعادة الاستفتاء

السفير البريطاني لدى الدوحة: تسهيلات جديدة لسفر القطريين

«البترول الكويتية» تواصل سحب استثماراتها من بريطانيا وتتوسع في أوروبا

كيف يفكر الشرق الأوسط في أزمة بريطانيا؟ أكثر بكثير مما تفترض

مستقبل الاندماج الأوروبي

فرنسيون للبريطانيين بعد «استفتاء الخروج»: «خذوا لغتكم معكم»

محللون لا يستبعدون عودة بريطانيا عن الخروج من الاتحاد الأوروبي

«ستاندرد آند بورز» و«فيتش» تخفضان تصنيف بريطانيا بعد خروجها من «الأوروبي»

«كاميرون»: لا استفتاء جديدا حول عضوية «الأوروبي» وعلينا قبول النتيجة

لعنة الدولة القومية وأوهام سيادتها تطارد أوروبا

خفض التصنيف الائتماني للاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا

نصف البريطانيين يعتقدون بتفكك المملكة المتحدة بعد 10 أعوام