جولة «نتنياهو» في أفريقيا.. تأكيد مسار براغماتي يكلل تاريخا من علاقة غير مستقرة

الثلاثاء 5 يوليو 2016 09:07 ص

جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، في أفريقيا، والتي استهلها، الإثنين، من أوغندا ومن المنتظر أن تقوده نحو كل من كينيا ورواندا وإثيوبيا، تشهد على أن تل أبيب تسعى لتثبيت أقدامها في القارة السمراء، وتأكيد مسار براغماتي يبدو أنه جاء ليكلل تاريخا مكبّلا بالمتغيّرات من كل نوع.

جولة تاريخية، على حدّ وصف مكتب «نتنياهو»، مضيفا في بيان له أن «رئيس الوزراء حدد توطيد وتحسين العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأفريقية هدفاً لتلك الزيارة حيث سيزور كلا من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا».

وتتّسم هذه الجولة بطابع خاص باعتبار أنّها تأتي بعد غياب رئيس وزراء إسرائيلي عنها دام عشرات السنين، وهو وصف قد يليق بجولة تأتي في أعقاب تاريخ من العلاقات غير المستقرة بين الجانبين.

فبحسب مقال نشر مؤخرا بصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن «لدى إسرائيل ورئيس حكومتها دافعان أساسيان وراء الاهتمام المتزايد بأفريقيا، وهما طلب الدعم الأمني الإسرائيلي المتزايد، وحاجة إسرائيل لإقامة تحالفات جديدة»

وتمتلك الدولة العبرية 11 بعثة دبلوماسية في القارة الأفريقية، وتحديدا في بلدان جنوب أفريقيا وأنغولا والكاميرون وكوت ديفوار ومصر وإثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا والسنغال، وإريتريا، وفق بيانات الخارجية الإسرائيلية المنشورة على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.

ومع أن اختصاص هذه البعثات تتجاوز البلد المضيف، فإنّ المعطيات المتوفّرة تشي بضعف متوسّط التمثيل الإسرائيلية في البلدان المصنّفة تقليديا فرانكفونية (ناطقة بالفرنسية)، فيما تحافظ الناطقة بالإنجليزية منها على علاقات أوثق.

وعموما، وعلى نطاق دبلوماسي كلّي، تناهز التمثيلية الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا، اعتمادا على عدد سفاراتها، الـ 18%، وهي نسبة تعتبر من بين الأضعف مقارنة بالحضور الإسرائيلي ببقية القارات.

ففي آسيا، ورغم أن هذه القارة تضم عددا كبيرا من البلدان العربية لا تربطها بإسرائيل علاقات رسمية، إلا أن نسبة التمثيلية الدبلوماسية تصل إلى 32%، والنسبة نفسها تهبط إلى 28% في القارة الأمريكية وترتفع إلى حدود الـ 80% في الأوروبية.

تواضع التمثيلية الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا يرجعه خبراء إلى تاريخ العلاقات بين الجانبين، المثقل بنقاط ارتكاز حادة وبمدّ وجزر لازماه لفترات طويلة.

فبداية العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وتحديدا إلى عام 1957 مع افتتاح تمثيلية دبلوماسية إسرائيلية في غانا، في خطوة شكّلت تفعيلا لتوجّه وزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها 

«غولدا مائير»، بالتوجّه نحو أفريقيا، مرتكزة على ما اعتبرته تشابها في تاريخ شعوب أفريقيا والشعب الإسرائيلي، بخصوص الاضطهاد الذي اختبره الطرفان، على حد تعبيرها.

وعاشت هذه العلاقات ربيعها المزدهر حتى حرب 1967؛ حيث أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، آنذاك، إلى تغيير صورة (إسرائيل)، من دولة فتية ومسالمة في نظر الأفارقة، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية.

وشكلت حرب 1967 بداية مراجعة لدى بعض الدول الأفريقية، وبداية مسار لقطع العلاقات شمل آنذاك أربع دول فقط هي غينيا، وأوغندا، وتشاد، والكونغو برازفيل.

وعقب حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 مع مصر وسوريا، عمدت الدول الأفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع (إسرائيل) بشكل جماعي بقرار ملزم صادر من منظمة الوحدة الأفريقية (التي تعرف حالياً بالاتحاد الأفريقي)؛ حيث قطعت 31 دولة علاقتها مع تل أبيب، إلا أن بعض الدول الأفريقية بدأت في إعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي إثر توقيع مصر و(إسرائيل) على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، استأنفت العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) وبعض البلدان الأفريقية، وهي زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا) في مايو/ أيار 1982، وليبيريا في أغسطس/ آب 1983، كوت ديفوار في فبراير/ شباط 1980، والكاميرون في أغسطس/ آب من العام نفسه، وتوغو في يونيو/ حزيران 1987، قبل أن تقع استعادة العلاقات الرسمية، في تسعينيات القرن الماضي، في نحو 40 بلدا من أفريقيا جنوب الصحراء.

«عمر شعبان»، المختص الاقتصادي الفلسطيني وصاحب مؤسسة «بال ثينك للدراسات الإستراتيجية»، ومقرّها غزة، قال إن «العديد من البلدان الأفريقية تعتبر إسرائيل بوابة لتمتين علاقاتها مع الغرب، وخصوصا مع المؤسسات المالية الدولية»، طمعا في الحصول على مساعدات.

ولفت إلى أن أموال البلدان العربية وقع تحويلها، منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، نحو مناطق الصراع المنتمية إلى دائرتها الجغرافية المباشرة، غير أنه ومع توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام، رفع الحرج عن العديد من البلدان الأفريقية (بخصوص التطبيع مع إسرائيل)، على حد قوله.

من جانبه، أشار أستاذ القانون العام بجامعة داكار السنغالية، «آرونا ندياي»، إلى أن «الابتزاز الدبلوماسي ضرب في وقت كانت فيه القارة الأفريقية تنفتح على تدفّقات مالية جديدة".

وفي الواقع، فإنّ أسباب قطع العلاقات الأفريقية مع (إسرائيل) أو المحافظة عليها أو استئنافها، محكوم أيضا بالديناميكية الداخلية للبلد المعني.

«أ. أ. أغبو»، مسؤول نيجيري، قال في تصريح له عام 1984، نقلته صحيفة دايلي ستار المحلية التي لم تذكر اسمه كاملا: «نرغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ليس فقط لأن مصر أو غيرها من البلدان فعلت ذلك، وإنما، بعكس ذلك، لأسباب وجيهة (...) كالتفكير بأنه من مصلحتنا الذهاب إلى هناك، لأن ذلك من شأنه أن يكون وسيلة للخروج من أزمتنا الاقتصادية والغذائية».

«عمر شعبان»، عقب عن الجزئية الأخيرة بالقول، إن التقدّم الذي حققته (إسرائيل) في العديد من المجالات مثل الزراعة أو الصحة، نجح في استقطاب عدد من البلدان الأفريقية.

وهذا الطرح أيدته المجلة الأفريقية الصادرة عن مركز الدراسات الأفريقية بمدينة بوردو الفرنسية، في إحدى مقالاتها التي ذكرت أن «العديد من القادة السياسيين في أفريقيا اعتنقوا واقعية اقتصادية جديدة، في سياق أضحى فيه موضوع الاكتفاء الذاتي الغذائي محور الاهتمام ، ولم ينسوا على ما يبدو القدرات التي أظهرتها إسرائيل في ستينيات القرن الماضي"، في إشارة إلى الفترة التي شهدت ازدهار العلاقات الإسرائيلية- الأفريقية.

حضور اقتصادي

ووفقا لقاعدة بيانات إحصاءات تجارة السلع الأساسية للأمم المتحدة، فقد بلغت المبادلات التجارية بين (إسرائيل) وأفريقيا جنوب الصحراء، في 2013، عتبة الملياري دولار.

حضور اقتصادي اتخذ أشكالا مختلفة، ففي كينيا على سبيل المثال، تستثمر الشركات الإسرائيلية في مجال البنية التحتية الفندقية، أما في كوت ديفوار (ساحل العاج)، فيعمل المجمّع الإسرائيلي (تيليمانيا) على إنجاز محطة للطاقة الحرارية باستخدام الغاز الطبيعي في ضاحية سانون- داغبي بأبيدجان، بكلفة 500 مليون دولار، في حين تستقطب صناعة الماس المستثمرين الإسرائيليين في كل من جنوب إفريقيا وبتسوانا.

وبحسب أرقام المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي، فإنّ لائحة الشركاء التجاريين القارين للدولة العبرية تضمّ كلا من جنوب أفريقيا وأنغولا وبتسوانا ومصر وكينيا ونيجيريا وتوغو.

أما المجال الأكثر استقطابا للأفارقة، فتظل الخبرات الإسرئيلية في مجال الأمن، وليس أدل على ذلك من أنّ نظام ثاني رئيس للكونغو الديمقراطية، مبوتو سيسي سيكو»(1965 إلى 1997) كان من أبرز زبائن الدولة العبرية من بين عدد آخر من الأفارقة.

مراجع متخصصة أشارت إلى أنّ الحرس الخاص الرئاسي والذي كان يضمّ نخبة الجيش الكونغولي من المكلّفين بحمايته، كان يتلقى تدريبات على يد (إسرائيل)، ما يشي بدرجة التعاون الأمني السائدة آنذاك معها.

وإلى حدود أواخر سبعينيات القرن الماضي، تبرم حوالي 35% من مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في أفريقيا، بحسب مجلة جون أفريك الفرنسية نقلا عن نعومي شازان، وهو أستاذ فخري للعلوم والدراسات السياسية والدراسات الأفريقية بالجامعة العبرية في القدس.

المصدر نفسه أضاف أن عناصر من الموساد ومبعوثين عسكريين ومجموعة صغيرة من رجال الأعمال عوّضوا الدبلوماسيين كمحاورين مميّزين للقادة الأفارقة وأحزاب المعارضة (على وجه الخصوص).

أما اليوم، فتسجل مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في أفريقيا ارتفاعا مطردا، وبحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن عقود بيع الأسلحة بلغت في 2013 نحو 223 مليون دولار، مع بلدان غرب أفريقيا لوحدها، مقابل أقل من نصف المبلغ للعام الماضي.

  كلمات مفتاحية

إسرائيل أفريقيا

«نتنياهو» يزور إثيوبيا يوليو المقبل

السودان يحسم الجدل: نرفض دعوات التطبيع مع (إسرائيل)

السودان يتدحرج نحو التطبيع مع (إسرائيل)؟!

التطبيع مع العرب: أبرز مكاسب (إسرائيل) من الاتفاق النووي

إسرائيل ما زالت بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة ومبيعاتها لأفريقيا تضاعفت خلال 2013

«أبو الغيط»: لا ينبغي أن تتأثر العلاقات العربية الإفريقية سلبا بزيارة «نتنياهو»

(إسرائيل) والاختراق الواسع لأفريقيا

القمة الأفريقية لن تبحث عضوية (إسرائيل) والاتحاد سينسحب من المحكمة الجنائية

الخارجية المصرية: التواجد الإسرائيلي في أفريقيا لا يثير المخاوف

‏إذاعة: مسؤول إسرائيلي زار دولة إسلامية في ⁧‫أفريقيا لأول مرة‬⁩

تقرير: (إسرائيل) تطلب من أمريكا تحسين علاقتها مع السودان