إيران تهدد التماسك الخليجي: خطة عمل للحفاظ على فاعلية مجلس التعاون

السبت 13 أغسطس 2016 10:08 ص

صعود إيران، على مرمى حجر من دول الخليج العربي، جنبا إلى جنب مع انخفاض أسعار النفط الذي يضغط على تلك البلدان لأجل تنويع اقتصادها، والتهديدات التي تتسبب في حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، كلها عوامل تلقي بظلالها على تماسك دول مجلس التعاون الخليجي.

مؤخرا، انتقد وزير الخارجية العماني «يوسف بن علوي» بلدا لم يسمه في تصريحات له لمحطة «روسيا اليوم» التلفزيونية الشهر الماضي قائلا إنه: «من غير المقبول أن تتورط دولة عربية في الأزمات والمشاكل، ثم تطلب منا أن نساعدها على الخروج من مأزقها». وفي حين أن الوزير ضرب مثالا على ذلك بقيام «صدام حسين» بغزو الكويت مطلع التسعينيات، فإن تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي تشير بوضوح إلى أنه كان يقصد المملكة العربية السعودية.

ما نحتاجه حقا هو تحليل بنيوي ليس فقط للتحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات القليلة المقبلة، ولكن أيضا للآثار المترتبة على حقيقة أن هذه التحديات تبرز معا وتعزز بعضها البعض.

البيئة الأمنية الحالية في ذلك الجزء من العالم تمثل في حد ذاتها تهديدا لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن المعلوم أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي لا ترى هذه الانعطافات التي تواجه المجموعة بنفس المنظور اليوم. إلى أي مدى يمكن أن يمثل ذلك حاجزا أمنيا خطيرا وتحديا سياسيا؟ وكيف يمكن أن تنعكس الخلافات الداخلية في ظل هذه البيئة الإقليمية غير المستقرة؟

يبدو أن المزيج المكون من خروج إيران من عزلتها، والحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي والسياسي سوف يشكل الإطار المحدد لمسار دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقدين المقبلين. عدم الاستقرار في المنطقة في نهاية المطاف هو عامل يعتمد تأثيره على التماسك الداخلي لمجلس التعاون الخليجي. وبعبارة أخرى، في حين أن الاستقرار في المنطقة يعزز الجهاز المناعي لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن فاعلية هذا الجهاز من الأساس تعمد على مدى استقرار وقوة هذه الدول نفسها.

خطر الصعود الإيراني

يكمن التحدي الأول في صعود إيران كقوة إقليمية، وهو ما قد يسبب في انقسام خطير بالنظر إلى التباين الشديد في وجهات النظر داخل دول مجلس التعاون الخليجي. تتمتع بعض بلدان المجلس بعلاقات تجارية تقليدية مزدهرة مع إيران منذ عقود. إيران لا تنظر إلى وحدة مجلس التعاون الخليجي كميزة كبيرة. ومن المتوقع أن طهران لن تألوا جهدا لزرع بذور الشقاق داخل التكتل العربي.

المشكلة هنا هي أنه لا أحد في المنطقة يثق في الإيرانيين، وفي واقع الأمر فإنه لا ينبغي عليهم أن يفعلوا. الحرس الثوري الإيراني لديه سجل طويل من الأساليب المستخدمة في تقويض الوحدة الوطنية في البلدان التي يستهدفها، ناهيك عن تقويض تحالف أي مجموعة من البلدان. لذا فإن الاختيار سوف يكون بين الانخراط في علاقات تجارية موسعة مع طهران المنتشية بعد رفع العقوبات، أو الحفاظ على مسافة من إيران.

ولكن أي نهج جماعي للتعامل مع إيران ينبغي أن تكييفه بشكل يتلاءم مع وجهات نظر جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ليست إيران وحدها هي التي تسبب الانقسام، ولكن أيضا أي محاولة من داخل دول مجلس التعاون الخليجي لفرض سياسة أحد الأعضاء كسياسة جماعية. محاولة فرض وجهة نظر ما على جميع الأعضاء هو الطريق الأسهل لإضعاف دول مجلس التعاون الخليجي من الداخل.

ينبغي أن يكون الخيار دوما هو تعزيز وحدة مجلس التعاون كخطوة مسبقة قبل أي شيء آخر. تقوية مجلس التعاون هو أمر مختلف عن الحفاظ على وجوده. من الصعب أن نتصور تفكك المجلس، ولكن الحفاظ عليه شكليا يختلف عن إعطائه حيوية ودينامية. يجب أن تتحرك المجموعة نحو تعزيز وحدتها في مواجهة التهديدات المشتركة لجميع الأعضاء عبر تعزيز مساحة الحوار الداخلي بهدف خلق مساحة من التوافق وبناء سياسة مشتركة مقبولة من قبل جميع الأعضاء.

حتى لو كان من المؤكد أن الانفراج مع إيران لا بد أن يحدث في وقت ما في المستقبل، فمن الواضح أن هذه النقطة سوف يتم التوصل إليها بشكل أقرب إذا واجه الإيرانيون وحدة صلبة على الشاطئ الآخر من الخليج.

وبالتالي فإن تعزيز تكتل مجلس التعاون الخليجي هو شرط مسبق ليس فقط من أجل الاستمتاع بسياسة تجارية مستقلة مع إيران، ولكن أيضا للبحث عن ترتيب للأمن الإقليمي يجمع كل حكومات المنطقة على نفس الصفحة من حيث الحفاظ على الاستقرار والأمن وتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة.

ومن شأن إيران المتحررة من العقوبات أن تمثل إغراء للحد من مساعي التقدم نحو التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. ينبغي تجنب ذلك بشتى السبل. لهدف من الإصلاح الاقتصادي يتجاوز أي مسألة أخرى إذا تم النظر إليه من منظور تأثيره على استقرار دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل.

جدول أعمال مقترح

يمكن أن يشمل جدول الأعمال المأمول لدول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة الراهنة النقاط التالية:

أولا: خطط الإصلاح الاقتصادي الدقيقة داخل الدول الأعضاء مع الحرص على تفادي أي مخاطر أمنية أو ردود فعل اجتماعية. يمكن التخلي تدريجيا عن دولة الرفاه إذا كان ذلك مستندا إلى خطة محسوبة طويلة الأمد (2-3 عقود). مع التركيز على الإصلاح الاقتصادي، ينبغي أيضا إعطاء أولوية خاصة للتجارة الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي.

ثانيا: تعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي ليس فقط لتسهيل الإصلاح الاقتصادي ولكن أيضا باعتباره عاملا لتعزيز الوحدة الخليجية.

ثالثا: في حالات الخلافات في السياسات، وهو أمر طبيعي، وأحيانا صحي، فإن الشفافية صارت لا غنى عنها.

رابعا: لا يوجد بلد ينبغي أن يتصور أن الآخرين هم أقل أهمية. دول مجلس التعاون الخليجي مثل لغز مكون من عدة قطع. لا يمكن حل اللغز إلا بوجود جميع القطع.

خامسا: التقارب مع إيران، أيا كان النهج المتبع فيه، ينبغي أن يكون جماعيا. أي قرار بخصوص السياسات تجاه إيران ينبغي أن يتم اتخاذه بشكل جماعي وأن يخضع لنقاش كاف داخل دول مجلس التعاون وربما أيضا مع الحلفاء حول العالم. ولكن في نهاية المطاف، يجب أن يكون موقعا من كافة الأعضاء.

سادسا: الدفاع المشترك موجود بالفعل، لكن لا يزال هناك مجال كبير لتحسينه.

دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تتحول إلى قاطرة للتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط إذا ما تحول اقتصادها نحو الاكتفاء الذاتي مع الحد الأدنى من التأثر بموجات الصعود والهبوط في أسواق الطاقة. دولة الإمارات العربية المتحدة ذهبت بالفعل لمسافات طويلة على هذا الطريق، ويبدو أن السعودية قررت أن تذهب في نفس الاتجاه.

وفي كل الأحوال، ينبغي ألا ينسى أحد أن مجلس التعاون الخليجي أشبه بقارب. لا يستطيع أي من أعضاء المجموعة أن يدعي أن هذا القارب من ممتلكاته الخاصة ويثقب فيه ثقبا مدعيا أنه حر في التصرف في ممتلكاته. لأنه إذا غرق القارب، فإن جميع الركاب في النهاية سوف يغرقون واحدا تلو الآخر.

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة صعبة وتحديات متزايدة. إما أن تسهم هذه التحديات في إضعاف تجمعهم وإما أن يتم توظيفها في تعزيزه. السياسة الحكيمة تتطلب تعزيز هذا التكتل وهو أمر يعزز بالتبعية من أمن أعضائه ويؤكد على الدور الريادي للمجموعة في المنطقة التي تمر عبر واحدة من لحظاتها الأكثر حيوية منذ عقود.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران مجلس التعاون الخليجي التعاون الخليجي شراكة أمنية

35 عاما على تشكيل مجلس التعاون الخليجي!

«ستراتفور»: كيف يخطط السعوديون لمواجهة إيران؟

«الصباح»: أمن الكويت جزء لا يتجزأ من «مجلس التعاون الخليجي»

1.65 تريليون دولار اقتصاد دول مجلس التعاون العام الماضي وتوقعات بزيادته

«و. س. جورنال»: كيف أصبحت إيران الطرف الفائز في صراعات الشرق الأوسط؟