إيران و«الفدية» الأمريكية: تاريخ توظيف الأموال في العلاقات الأمريكية الإيرانية

الاثنين 22 أغسطس 2016 02:08 ص

اعترفت إدارة «أوباما» الآن على مضض بما كان واضحًا منذ إطلاق سراح خمسة أمريكيين في يناير/ كانون الثاني، كانوا قد سجنوا ظلمًا في إيران، بأن تسويتها خلاف مالي بين البلدين منذ عقود بلغ 400 مليون دولار قد استخدمت كوسيلة ضغط في مقابل حرية الأمريكيين الخمسة. وكانت هذه مفاجأة نظرًا لإنكار البيت الأبيض لهذا قبل ذلك.

ولكن لا ينبغي أن يشكل هذا الأمر صدمة أو تشويهًا في نهج الإدارة تجاه إيران، فالإدارات المتتابعة قد استخدمت تأثير المال للضغط على إيران للحد من سياساتها الخطرة خلال 40 عامًا. وكل رئيس سواء كان جمهوريًا أو ديمقراطيًا، قام بذلك منذ الاستيلاء على سفارة أمريكا بطهران بعد أيام من ثورة 1979. الأهم من ذلك، يجب أن يفكر كلا الجانبين في الأمر بشكل أعمق، فاستخدام واشنطن للمال في محاولة لتعديل سلوك إيران لا يبدو أنه يعمل في الواقع بشكل جيد.

هل هي فضيحة؟

ويعد الجدل الأخير حول هذا الأمر مثالًا على الاستقطاب السياسي داخل البيت الأمريكي ولاسيما بخصوص إيران والاتفاق النووي، فلولا الإنقسام الحزبي لما سارع البيت الأبيض بتصريحات لا تصدق كرد على الغضب حول دفع 400 مليون دولار لإيران.

وكشفت إيران أن هذه الدفعة، هي أول دفعة من تسوية بلغت 1.7 مليار دولار عن معدات عسكرية لم تسلم لطهران منذ ما قبل الثورة. ويتواصل الكشف عن تفاصيل مثيرة للجدل في هذا التبادل، وعبر الجمهوريين البارزين، بما في ذلك المرشح الرئاسي «دونالد ترامب»، حيث عبر بعضهم عن غضبهم بعدما علموا أن عملية الدفع تمت نقدًا عن طريق جسر جوي من الأوراق النقدية الأجنبية وصلت طهران في نفس يوم إطلاق سراح السجناء.

والغريب أن «أوباما» نفسه كان قد سخر من فكرة دفع واشنطن لـ 400 مليون دولار لإطلاق سراح السجناء مزدوجي الجنسية، قائلًا أن هذه مزاعم «تتحدى المنطق»، وصرح المتحدث باسم البيت الأبيض «جوش إرنست» أن الحديث عن فدية هو «إدعاءات كاذبة».

كشفت تقارير لاحقة، ومنها تقرير «وول ستريت جورنال» هذا الأسبوع، أن تأخر إطلاق سراح المسجونين يرجع إلى أن طهران قد أخرتهم لحين التأكد تمامًا من وصول الأموال إلى أراضيها، وتركت الجريدة حق الرد للإدارة الأمريكية. وفي يوم الخميس، خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية «جون كيربي» ليعلن أن دفع الأموال وإطلاق السجناء كانا مرتبطين بشكل مباشر، وأن الإدارة الأمريكية قد استغلت هذا لضمان خروج السجناء بأمان وكفاءة.

هل تعدّ هذه فدية؟ يمكن للبعض الجدال حول هذا الأمر، لكن يمكن تفهم موقف إدارة «أوباما» من كلمة فدية، فهي كلمة قبيحة، وخطيرة جدًا بما يتعلق بالدبلوماسية، وهذا ما دفع البيت الأبيض سلفا للإصرار على عدم دفع أية أموال لأي إرهابيين يحتجزون مواطنين أمريكيين كرهائن.

ولكن على الرغم من ذلك، فإنّه من الواضح أن إيران قد استغلت الموقف واستخدمت 400 مليون دولار لتزييت عجلة النظام الثوري الإيراني في مقابل أربعة أمريكيين إيرانيين كانوا قد سجنوا بتهم ملفقة لشهور أو لسنوات (المسجون الأمريكي الخامس الذي أطلق سراحه في نفس الوقت يقال أن قضيته كانت منفصلة).

ليست فضيحة

هذه ليست فضيحة. فواشنطن قد استخدمت التأثير المالي دائمًا كما استخدمت العقوبات المالية المغلظة في التعامل مع إيران بعد الثورة. وقد تنامت تلك العقوبات ضد إيران في آخر 37 عامًا.

وكان من المنطقي لإيران استغلال هذا الأمر، بعد أن سبق لـ«ريغان» السعي لاستخدام مبيعات الأسلحة لطهران من أجل الإفراج عن رهائن بلبنان.

وسبق أن تم لعب لعبة شد الحبل بين واشنطن وطهران، حين استولى طلاب إيرانيون على السفارة الأمريكية بطهران واحتجزوا موظفيها كرهائن لمدة 15 شهرًا، والتي انتهت بتحرير 7.956 مليار دولار من أموال إيران التي كانت قد جمدت سابقًا، من أجل تحرير الرهائن.

وفي عام 1984، هلل مسؤولون أمريكيون أن طهران قد وافقت على دفع تسوية بمبلغ 419 مليون دولار للحصول على بضائع أمريكية، في إشارة لتحول طهران نحو الاعتدال. وفي عام 1991، اتفقت واشنطن مع طهران على دفع مبلغ 278 مليون دولار كتسوية عن معدات عسكرية لم يتسلمها الشاه وقت الثورة، وجاء ذلك مباشرة بعد الإفراج عن شخصيتين رفيعتي المستوى في لبنان.

وبهذا نجد أن إدارة «أوباما» قد تعاملت مع الأمر بنفس الطريقة التي تعامل بها أسلافها.

عثرات العلاقات العامة

ولكن ما يعيب إدارة «أوباما» أنها لم تعترف بالأمر ببساطة، وسعت بدلًا من ذلك لاستخدام مبلغ الـ 400 مليون دولار كدليل على نجاح الاتفاق النووي. وتأكيد أوباما على أن «القضية ليست بهذا الحجم، الأمر كان مصادفة، نحن فقط تمكنا من إجراء حوار مباشر»، كان مخادعا.

والأسوأ من ذلك تصريح « جون إرنست» المتحدث باسم البيت الأبيض أن «أي نقد يدفع لهذا النوع من الخطاب المستخدم من قبل المتشددين في إيران، يهدف إلى تقويض الاتفاق النووي». وهذا ما شوه سمعة واشنطن بإظهارها حريصة كل هذا الحرص على الدبلوماسية مع إيران.

وأخيرًا، ليس من الواضح لي أن هذه التسوية كانت صفقة جيدة. ومع تصريح «جون كيري» وزير الخارجية أن هذه التسوية قد حفظت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، فمن الواضح أن التصريحات المتضاربة تضرب مصداقية المسؤولين الأمريكيين.

لا يمكن شراء الحب

في نهاية المطاف، ليس المهم هنا هو الصراع الحزبي بين البيت الأبيض ومعارضيه حول السياسة تجاه إيران، ولكن فعالية السياسة نفسها. وهل أدت الصفقة بالفعل أهدافها بتحرير السجناء الأمريكيين، أو الأهم من ذلك وهو الضغط على طهران لعدم استخدام سلاح الرهائن مرة أخرى. وكما كتبت في يناير/ كانون الثاني: «بالنسبة لطهران، لم يكن الدافع أبدًا وراء سجن مواطنين أمريكيين هو المال، بل إن كثيرًا من النخبة الحاكمة في إيران على اقتناع أن الولايات المتحدة تقود مؤامرة لتغيير النظام الحالي بمساعدة مزدوجي الجنسية مثل هؤلاء الذين تم إلقاء القبض عليهم».

ولا يزال الوضع كما هو حتى الآن، فبينما تكتب هذه السطور يقبع الآن 6 مواطنين مزدوجي الجنسية بينهم أمريكيان في سجون إيران بتهم زائفة لا يقف خلفها أي دليل سوى العقلية التآمرية التي تسيطر على الثقافة السياسية لإيران الحديثة. إن الأمر لا يتعلق بالمال، ولن تتغير العقلية السياسية الإيرانية بأي ثمن.

  كلمات مفتاحية

إيران الولايات المتحدة الثورة الإسلامية الاتفاق النووي احتجاز رهائن العلاقات الإيرانية الأمريكية

واشنطن: دفعنا 400 مليون دولار بعد إفراج إيران عن 5 سجناء أمريكيين

«البيت الأبيض» يدافع عن إرسال 400 مليون دولار إلى إيران

واشنطن تسمح باستخدام طائرات أمريكية الصنع للسفر إلى إيران

إيران: الولايات المتحدة نفذت 10% فقط من التزاماتها بالاتفاق النووي

البيان في أسباب حب الأميركان لإيران