هل تعد زيارة «بايدن» إلى أنقرة الفرصة الأخيرة للعلاقات التركية الأمريكية؟

الخميس 25 أغسطس 2016 09:08 ص

يزور «جو بايدن» نائب الرئيس الأمريكي تركيا لأول مرة منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز. وقد أكد عمق العداء للولايات المتحدة في البلاد عدة أسباب أولها أأن الرأي العام التركي الشعبي والرسمي يعتقد أن رد وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» الأولي على الانقلاب، عندما دعا إلى «السلام»، يعد خيانة وتمنيا لوقوع نفس النتائج التي حدثت في مصر. وذكرت القيادة أيضا أن بيان البيت الأبيض في الدفاع عن الديمقراطية التركية لم يصل إلا بعد أن اتضح أن محاولة الانقلاب قد فشلت. يضاف إلى كل ذلك حقيقة أن «فتح الله كولن»، المتهم بأنه العقل المدبر وراء محاولة الانقلاب، يقيم في بنسلفانيا. و هذه الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة إما يجب أن تكون على علم بخطط الانقلاب ولم تبلغ الحكومة التركية، أو أنها في الواقع متورطة مباشرة في ذلك. وقد لاحظ رئيس الأركان السابق للجيش التركي أيضا أن مثل هذه المحاولة الانقلابية لم تكن لتتحقق بدون مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية. وأخيرا، تصر واشنطن على أن تسليم «كولن» يتوقف على ما إذا كانت تركيا يمكن أن تسلم ما يكفي من الأدلة التي تربط بينه وبين محاولة الانقلاب كشرط مسبق .

العداء الأمريكي في تركيا

لا يعتبر العداء للولايات المتحدة في تركيا ظاهرة جديدة. حيث تشير استطلاعات الرأي العام أن الأتراك لديهم عادة وجهة نظر سلبية عن الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع الجانبين من العمل معا على مجموعة واسعة من القضايا في الماضي، على الرغم من الصعود والهبوط في العلاقات الثنائية. على سبيل المثال، استقبل كل من «بيل كلينتون» و«باراك أوباما» بتصفيق حار في زياراتهم إلى البرلمان التركي في نوفمبر/تشرين الثاني 1999 وأبريل/نيسان 2009، على التوالي. ولكن الوضع الحالي هو فريد من نوعه بشكل خاص، لأن العلاقات محاصرة و وجهات النظر تجعل اللقاء أشبه بـ«حوار الطرشان».

يريد الأتراك أن يعرفوا لماذا فشل الزعماء الغربيين ووسائل الإعلام في التعبير عن أي تعاطف مع الصدمة التي عانتها البلاد. كما أن الغرب يضفي الكثير من التركيز على حجم عمليات التطهير والاعتقالات التي حدثت منذ ذلك الحين. على سبيل المثال، ركزت صحيفة «نيويورك تايمز» على حجم عمليات التطهير بعد الانقلاب وقارنت إلغاء تراخيص الموظفين مع أرقام في ولايات أمريكية.

وعلاوة على ذلك، فإن الكثيرين في الغرب أيضا يسعون لفهم الخلاف بين «كولن» و«أردوغان»، لأنهم اعتادوا على وجود علاقات تكافلية بين الطرفين. أيضا تحديد مدى استفادة «أردوغان» من محاولة الانقلاب واعتباره بأنه «هدية من الله» وحتى إن صحيفة« واشنطن بوست» وصفت الأمر بأن «الرئيس التركي يقوم بانقلابه السياسي الخاص للتخلص من خصومه».

كلا الجانبين يحتاج إلى بذل جهد إضافي لإنهاء «حوار الطرشان» هذا.

لا تستفيد المصالح الغربية في تركيا عندما يتم الطعن في نموذج الحكم الغربي على حد سواء داخليا وخارجيا. ولا ينبغي فقط أن ينظر إلى تركيا باعتبارها آلية للحد من تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا ومصدر للمزيد من القوات على الأرض في المعركة ضد تنظيم الدولة. حتى وقت قريب، كانت تركيا حصنا للاستقرار والازدهار. وتخيل كيف يمكن أأن يتأثر الأمن والرخاء الغربي إذا لم تكن تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي؛ وإذا لم يكن لديها نوع من الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.

في المقابل من ذلك، تحتاج تركيا إلى الاعتراف بالفوائد التي تستمدها من كونها جزءا من التحالف الغربي، وعليها وقف مطاردة أشباح التآمرية. إن إلقاء اللوم على الغرب لا يؤدي إلى تغيير في الأمن القومي التركي مع وجود قنابل تنفجر تقريبا بشكل يومي. كما تحدث رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدرم» حول ضرورة «كسب المزيد من الأصدقاء وتقليل الأعداء»، فإن هذا القول ينبغي أن يأخذ الأسبقية.

وقد أدى هذا الفهم بالفعل إلى بعض من إعادة تقويم السياسة الخارجية التركية تجاه (إسرائيل) وسوريا وروسيا. هذه الخطوات هي موضع ترحيب، ولكن روسيا ليست أفضل صديق لتركيا. حيث ضمت أراضي دولة مجاورة. كما أن وكلاءها يحتلون أراضي تابعة لاثنين من جيرانها. وهي تبتعد مرمى حجر من«باكو- تبليس- جيهان»، خط الأنابيب البالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للاقتصاد والأمن في تركيا.

تفاقم روسيا الدمار والعنف في سوريا، و من المرجح جدا أن تركيا ستكون هدفا للحرب الإلكترونية الروسية، إذا لم تكن كذلك بالفعل. وهذا لا يعني أن تركيا لا ينبغي أن تنشئ علاقات ودية مع روسيا، مستوحاة من المبدأ التوجيهي «صفر مشاكل مع الجيران»، ولكن يجب تجنب رؤية روسيا كبديل للغرب.

زيارة «بايدن»

تقدم زيارة «بايدن» فرصة لكلا الجانبين لتسوية هذه الخلافات. تحتاج الولايات المتحدة إلى التوقف عن النظر إلى تركيا من خلال عدسة مكافحة تنظيم الدولة، وعليها تذكر أن تركيا حليف، وأنها كانت الشريك السياسي والاقتصادي الذي ساعد الولايات المتحدة في مواجهة التحديات العديدة في تركيا وخارجها.

يجب أن تعترف واشنطن أن الأزمة السورية تقوض الآن الأمن والاستقرار في تركيا. في الواقع، ليس فقط تنظيم الدولة، ولكن الوضع الأوسع في سوريا والعراق يضر تركيا. تواصل تركيا استضافة ورعاية ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ بحاجة إلى الاندماج في المجتمع التركي. وهناك أيضا حزب العمال الكردستاني الذي أصبح يشكل تهديدا وجوديا لأنه اختار سوء المعاملة مع النوايا الحسنة للحكومة من خلال تحويل العديد من المدن والبلدات في جنوب شرق البلاد إلى ثكنات وتحصينات مسلحة.

عدم الاستقرار يضر تركيا اقتصاديا أيضا، وهو ما يفسر، جزئيا على الأقل، موضوع رأب الصدع مع روسيا. تحتاج الولايات المتحدة لإظهار الاهتمام، ليس فقط في قتال تنظيم الدولة ولكن في اتخاذ نهج أكثر شمولية بكثير، واستخدام هذه الزيارة للالتزام باستقرار تركيا، وأمنها، فضلا عن الرفاه الاقتصادية. يمكن لـ«بايدن» القيام بذلك عن طريق تقديم الدعم المطلق للحكومة التركية المنتخبة، وإدانة المحرضين على الانقلاب وتقديم المساعدة إلى تركيا باعتبارها عضوا هاما في التحالف الغربي الذي يمر بمرحلة صعبة. هذا من شأنه أن يقود نحو إعادة الثقة، ومساعدة الجهود لإنقاذ العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.

في المقابل، يتعين على تركيا الاعتراف بأن احتجاز وإزالة أكثر من ثمانين ألف شخص بعد الانقلاب يبدو وكأنه رد فعل مبالغ فيه. يثور التساؤل أيضا كيف سيتم ملء آلاف الوظائف التي تم إخلاؤها في الجيش التركي والقضاء والشرطة ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى وعلى يد من. تحتاج هذه التعيينات أن تكون شفافة وعلى أساس الجدارة، وليس على أساس صلات طائفية. ويؤكد هذا أيضا على أهمية التأكد من أن أولئك الذين عملوا بشكل وثيق مع «كولن» في تحد لسيادة القانون ينبغي محاسبتهم. مما يشير إلى المجتمع الدولي بأن المساءلة والشفافية وسيادة القانون سيتم احترامها وهذا سيكون أضمن طريقة لكسب تعاون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مطاردة من يقف وراء محاولة الانقلاب.

 بعد كل شيء، هذه هي القيم ذاتها التي أوجبت الاحترام تجاه تركيا حتى قبل بضع سنوات، حيث تمتعت تركيا بالاستقرار والأمن والازدهار. وقد برز الالتزام بهذه القيم على الأقل جزئيا لأن «الولايات المتحدة كان لها دور تاريخي في نظام التعددية الحزبية التركي والتطور الديمقراطي». وبالتالي، سيكون من المهم بالنسبة للزعماء الأتراك للتعامل مع «بايدن» كشريك لتعزيز الديمقراطية التركية وليس باعتباره متآمرا يطمح إلى تحطيم تركيا.

المصدر | بروكنغز

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة أردوغان بايدن العلاقات التركية الأمريكية

«مركز وودرو ويلسون»: كيف ستتأثر العلاقات التركية الأمريكية في أعقاب محاولة الانقلاب؟

روسيا أم الولايات المتحدة: أين تتجه بوصلة تركيا بعد الانقلاب الفاشل؟

«أردوغان»: على أمريكا أن تلزم حدودها .. وهناك دول لم تهنئنا وقفت مع الانقلاب

«كيري»: التلميحات عن تورطنا في انقلاب تركيا «كاذبة»