استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

21 أسبوعا على تنظيم الهيئة.. السعودية

الخميس 1 سبتمبر 2016 12:09 م

مر واحدٌ وعشرون أسبوعاً على التنظيم الجديد لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (في السعودية) الذي أقرّ في إبريل/ نيسان الماضي، وكانت أبرز مواده نزع صلاحية الضبط والتحقيق والمطاردة من جهاز الهيئة، وإسنادها إلى جهاز الشرطة، بناءً على بلاغات الهيئة.

اليوم، بعد أن تراجع، إلى حدٍ كبير، المحتوى الإعلامي حول الهيئة كمّا وحِدّة، في هذا المناخ الهادئ بالذات، يجب إلقاء نظرةٍ شاملةٍ على ما سبق التنظيم الجديد وما تلاه، بوصفها نموذجاً ممتازاً لفهم نوعية المقاربات الاجتماعية والإعلامية لموضوعاتٍ كثيرة مأزومة، ومدى اتصال هذه المقاربات، أو انفصالها، عن الواقع. 

بعد إقرار التنظيم الجديد مباشرة، حرصت الصحف السعودية على نشر الأخبار التي تؤكد قدرة جهاز الشرطة ومكافحة المخدرات وكفاءته في ضبط الجرائم، مثل حالات الابتزاز بين الجنسين وحيازة الكحول، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أنه لا حاجة للهيئة بصلاحيات الضبط في ظل قدرة الشرطة على أداء هذا الدور، وهي الإشارة التي فهمها واستقبلها بابتهاج علمانيون كثيرون (العلمانية هنا بمعنى تقلص هيمنة الدين على المجالات العامة).

لكن، في الوقت نفسه، كانت هذه الأخبار تُضمر رسالةً أخرى معاكسة، مضمونها أنه لن يتغيّر شيء من ناحية هيمنة قيم المؤسسة الدينية على المجال العام، وإنْ تم فرضها بشكلٍ غير مباشر عبر ذراع الشرطة، وكانت هذه الرسالة مريحةً على الجانب الآخر للمؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية، وتضافرت مع تطميناتٍ صادرةٍ من هيئة كبار العلماء، وامتصاص سياسيّ "متنوّع الأساليب" لحالات الاحتجاج. 

في الأسابيع الأولى التي أعقبت التنظيم، كانت هناك لحظة ملتبسة اجتماعياً، تولّت فيها الشرطة حراسة الفضيلة الدينية في المجتمع، فعاقبت المحلات التجارية التي تأخرت في الإغلاق لأداء الصلاة، وتفحّصت الأوراق الثبوتية للرجال الذين يصطحبون نساءً في الأماكن العامة، بينما واصل العلمانيون الاحتفال "بالحرية" وانزياح الغُمّة أخيراً، واستمرّ شكل المجال العام في المدن السعودية وإيقاعه بلا تغيير ظاهريّ ملموس، على مستوى الخيارات الشخصية.

فقد واظبت النساء على ارتداء الحجاب والعباءة، كما تقتضي الأعراف السائدة، وحرص عمال المحلات التجارية في مراكز التسوق الكبرى على إغلاقها قبل عشر دقائق من كل صلاة، لينعموا بخمس وأربعين دقيقة من الراحة والتدخين، بعيداً عن ضجيج الزبائن، وبقي المجال العام محتشماً ومتحفظاً ومنضبطاً، وإلى حدٍ ما محاصراً وكئيباً.

فيما نُذُر "جمهور الهيئة" وعويلهم حول انزلاقٍ اجتماعيّ إلى الانحلال في حال تقلصت صلاحيات الهيئة، كانت تبدو مثيرةً للسخرية عند استدعائها في تلك اللحظة، إلا أن اللحظة نفسها في المقابل أيضاً تستدعي سؤالاً جاداً عن عُمق التّطبع الذي يوجه سلوك المجتمع، والذي قد يتغلب في تجذره وقدرته على ضبط سلوكيات أفراده ذاتياً، على قدرة السلطة الخارجية ممثلة بالهيئة، فمعيار اللباس اللائق للنساء والرجال يظلّ مهيمناً عموماً بقوة العُرف، وكذا قواعد التواصل والتخاطب والسلوك في الأماكن العامة.

كما أنّ حالة "مغلق للصلاة" في الأسواق، على سبيل المثال، ابتعدت عن جذرها الديني، وتحوّلت إلى جزء من التطبّع المهنيّ للعمالة في السعودية التي باتت تنظر إلى فواصل الصلاة حقّاً مُكتسباً في الراحة من شقاء العمل. 

وكما كان مشروعاً التساؤل عما سيخسره المجتمع، في حال تقلصت صلاحيات الهيئة، من المشروع أيضاً التساؤل عما سيكتسبه المجتمع؟ هل سلطة الهيئة على المجال العام هي فقط ما يحول دون بزوغ فجر نمط اجتماعي، مختلف جوهرياً عن الحالي؟ 

هذا يُفضي إلى النقطة التالية، وهي السهولة المذهلة التي انزلق فيها جهاز الشرطة إلى موقع الجهاز الديني، ليتصدّى لتديين المجتمع. فبمرور الأسابيع تباعاً، توسّعت أنشطة الشرطة، وارتفع مستوى التنسيق بينها وبين الهيئة، حسب المنشور في الصحف، فتدخلت، على سبيل المثال، لمنع شابين في إحدى حدائق الرياض من عزف العود الذي تسبب في تجمع زوار الحديقة حولهما.

ونشطت الشرطة، بالتعاون مع الهيئة، في أسواق مكة خلال رمضان، لاستيقاف 50 شاباً بسبب "ملابسهم الغريبة وارتداء الأساور والسلاسل". وبحلول العيد واحتفالاته، تدخلت الشرطة بعد بلاغٍ من الهيئة، لإيقاف خمس فتيات في شارع التحلية في الرياض، واصطحابهن بالسيارة إلى مركز الشرطة.

هذه السهولة التي يضطلع فيها جهاز الشرطة بدورٍ ديني في المجال الاجتماعي، بلا استغراب المجتمع أو خللٍ في الأداء، قد تكون دلالة عملية جيدة على العلاقة الخاصة التي تجمع الدين بالسياسة في الدولة السعودية، فبوصف الدين ركيزةً أساسيةً لمشروعية هذه الدولة، فإنه حاضر كموجّهٍ أساسٍ في جميع مؤسساتها وأنظمتها.

ومثلما أن جهاز الهيئة، على الرغم من طابعه الديني، هو سياسي، وتابع نظاماً وتمويلاً للمجال السياسي بالدرجة الأولى، فإن باقي المؤسسات السياسية، كالشرطة، تحمل المكوّن الديني في بنيتها، ويسهل عليها استدعاؤه وإبرازه وممارسته، عند الحاجة، ما يعني أن حضور جهاز الهيئة أو غيابه قد لا يكون شرطاً لعملية تديين المجتمع التي يمكن أن تضطلع بها أجهزة أخرى، كما حال الشرطة هنا وجهاز مكافحة المخدرات. 

أيضاً، تجدر ملاحظة فشل التيار الليبرالي العريض في إدراك هذا التداخل، أو ربما ينجح في إدراكه، لكنهُ يُحجم، لأسبابٍ انتهازية، عن الاعتراف به، فيفشل، من ثمّ، في بناء خطابٍ متماسكٍ حول حماية المجال الخاص والدفاع عن الحريات الفردية.

هناك قدر كبير من التناقض والركاكة في مُخاصمة الهيئة منفردةً، لأنها "تغيّب الفرح" في المجتمع، ثم تقبّل عملية إيقاف عازفي العود في الحديقة، بسبب "التجمهر"، على الرغم من أن موسيقى الشارع واجتماع الناس البهيج حولها، من أهم مصادر "الفرح" التي يصادفها أي شخصٍ خلال سياحته في الخارج، ومُخاصمة الهيئة، لأنها تتدخل في خصوصيات الأفراد، ثم تقبّل استيقاف شابّ في السوق، لأنه يرتدي "الجينز المهترئ"، رغم أن هذه مسألة ذوقية شخصية جداً، ولا علاقة لها بالآداب العامة. 

بعد مرور واحدٍ وعشرين أسبوعاً على تنظيم الهيئة، حان وقت مراجعة الدلالة الكُلية لعملية إقرار التنظيم والصخب والصراع الذي سبقها، والهدوء المدهش الذي أعقبها.

كان الصراع طويلاً وصاخباً وعنيفاً إلى درجة تسويق تصور ذهني عن الهيئة، بوصفها حالة مليشياوية خارجة عن سلطة الحكومة، وتتهدد السلم الاجتماعي، حافلاً بالادّعاءات إلى درجة التهديد بأن المساس بصلاحيات الهيئة سيكون منعطفاً اجتماعياً تاريخياً، صراعاً محتقناً بالعويل والكربلائيات والمظلوميات. يجب، في هذه اللحظة الهادئة، أن نتذكّر بوضوح، كيف كان الصراع حامياً، وكيف تمّ حسمه بقدرٍ مدهشٍ من البساطة والهدوء، وهذا فقط، عندما قرّر السياسيّ أنه حان وقت الحسم. 

لم يكن أحدٌ قبل عامين يتصوّر أن "وحش الهيئة" يمكن تكبيله بهذه القيود الناعمة، وبأقل قدرٍ من اعتراضات المجال الديني، أما وقد حدث هذا فعلاً، فلا بُدّ من العودة على ادّعاءاتٍ كثيرة بُني عليها هذا الصراع، أهمّها أن الهيئة جهازٌ مُستقل يمثل نفسه، وأنهُ مُتغوّل ومتوحّش إلى درجةٍ تصعب معها السيطرة عليه، أو انتزاع الصلاحيات من براثنه.

لكن هذا الوحش المتغوّل خضع بسرعةٍ وسهولةٍ، عندما صدر القرار السياسي الحاسم، وبات مخلوقاً أليفاً يؤنس بحضوره الوديع المنتديات الثقافية والفنية المختلطة في عكاظ وغيرها، ما يعني أن جميع تلك التصورات حول "تغوّل" الهيئة (عند طرفي النزاع على حدٍ سواء) كانت اختلاقاً محضاً، أو تنمّ عن سوء تقدير وفهم لترتيب ميدان السلطة في الدولة والوزن الحقيقي لمكوناته. 

الأمر الآخر أن الكلمة الأخيرة، والسلطة العليا المطلقة في ذاك الميدان، هي كلمة السياسي وسلطته، وأن وزن السلطة السياسية يتفوّق بشكلٍ مطلق على جميع الشركاء الدينيين والمدنيين، بطريقةٍ تسمح له بحسم الخلافات، متى رأى ذلك مناسباً في توقيته وظروفه، فاستطاع تعيين النساء في مجلس الشورى بغير مقاومة، وتغيير العطلة الأسبوعية، وإصدار تنظيمٍ جديد للهيئة.

الأمر الأخير الذي ينبني على ما سبق أنه من الجدير أمام ما تُسمى "الصراعات الاجتماعية"، وقبل أن يسأل المرء ذاته إلى أيّ جهة تنحاز، أن يُسائل الصراع أولاً، إن كان حقيقياً، أم بالوناً عملاقاً يتضخم وينتشر، ويعلو كلما اتّقدت تحته النار، وملأته بالهواء الساخن؟ 

* إيمان القويفلي كاتبة سعودية وباحثة في الاجتماع.

  كلمات مفتاحية

السعودية هيئة الأمر بالمعروف الحسبة الهيئة الأمر بالمعروف العلمانية الليبرالية

الشرطة السعودية تصعّد من قيامها بمهام «الحسبة» بعد أيام من تقييد صلاحيات «الهيئة»

مغردون يشكرون الملك «سلمان» على إنصاف «هيئة الأمر بالمعروف»

إمام المسجد النبوي: تنظيم «الهيئة» الجديد عمل بشري يعتريه النقص وواثقون بولاة أمورنا

«رايتس ووتش» ترحب بقرار السعودية الحد من صلاحيات «الهيئة»

«الشعب ضد إلغاء مهام الهيئة».. سعوديون يرفضون الحد من صلاحيات «الحسبة»

تنظيم جديد يمنع «الأمر بالمعروف» من مطاردة واستجواب الأشخاص