استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تونس إذ نغبطها ونحسدها

الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 05:10 ص

محقون التوانسة إذ ما استشعروا الزهو بعدما فازوا بالحسنيين، الثورة والديموقراطية، وللأسباب التي تعرفونها، فنحن معذورون إذا بادلناهم شعوراً بالغيرة والحسد.


(1)


الأهم في الانتخابات التشريعية التونسية التي جرت يوم الأحد 26/10، أن الديموقراطية انتصرت، وأن الشعب التونسي اختار ممثليه بحرية وشفافية، وأن النتائج لم تعرف إلا بعد انتهاء فرز الأصوات في منتصف ليلة الاثنين. وتلك كلها «أخبار» جديدة في العالم العربي، وفى الأجواء التي عصفت بالربيع الذي أنعشت رياحه آمال الأمة وأحلامها في العام 2011، وقد شاءت المقادير أن تنطلق تلك الأجواء من تونس، وألا يبقى لها أثر ظاهر بعد مضي نحو أربع سنوات إلا في تونس.
أدري أن البعض يفضل قراءة الحدث التونسي من زاوية أخرى. ذلك أن الرياح المخيمة التي تعبر عنها أغلب منابر الإعلام العربي، لن ترى الخير في انتصار الديموقراطية وتواصل مسيرة الثورة في تونس وانتقال البلد من النظام الجمهوري المزيف إلى النظام الجمهوري الديموقراطي. وليس ذلك راجعاً فقط لأن الديموقراطية في الأجواء الراهنة باتت كلمة تُستقبل في فضائنا السياسي بالامتعاض والاستياء (البعض بات يرحب علناً بالفاشية ويدعو إليها والبعض يحتفي بذلك من دون إعلان)، وإنما هناك سبب آخر أهم من وجهة نظرهم يتمثل في تراجع حظ حركة "النهضة" ذات المرجعية الإسلامية، بحيث باتت تحتل المرتبة الثانية بين الأحزاب الفائزة. إذ أصبحت تحتل 62 مقعداً في مجلس النواب الجديد (من بين 217 مقعداً) وكانت حصتها 89 مقعداً في انتخابات عام 2011 في المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور. وفي الوقت الذي تراجعت فيه نسبة مؤيدي "النهضة"، فقد احتل المركز الأول هذه المرة حزب «نداء تونس» الليبرالي الذي يقوده الباجي قائد السبسي (88 سنة)، الذي كان أحد رموز حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. وهو ما يعني أن حركة "النهضة" لم يتراجع تأييدها فحسب، وإنما تم ذلك التراجع لمصلحة حزب ليبرالي يقوده أحد «فلول» النظام السابق (باعتبار أن الرئيسين بورقيبة وبن علي ينتسبان إلى نظام واحد).
ذلك كله صحيح لا ريب، ولكن الصحيح أيضاً أن ذلك التبدل في المواقع تم بناء على الاختيار الحر للشعب التونسي. بمعنى أن الخريطة السياسية التي أسفرت عنها الانتخابات لم يرسمها أو يفرضها أحد، ولكن الشارع التونسي هو الذي قررها، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا.


(2)
 

المتابع لمنابر الإعلام العربي لا تفوته ملاحظة اهتمامها بالانتخابات التونسية لأربعة أسباب على الأقل. الأول أنها المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات ديموقراطية وحرة في البلاد. الثاني أن شرائح واسعة من المحللين اهتمت بمصير حركة "النهضة"، خصوصاً بعدما أصبحت هي الحزب الإسلامي الوحيد الذي يشارك بدور رئيسي في السلطة في العالم العربي، الذي انقلبت دوله على ما سُمي بالإسلام السياسي. الثالث أن نتائج الانتخابات سوف ترسم شكل النظام السياسي التونسي في المرحلة المقبلة، إذ ستحدد مصير الرئاسة والحكومة والبرلمان وربما سياسة الدولة ذاتها. الرابع أن حالة الاستقطاب المخيمة على العالم العربي ـ والذي كان الموقف من "الربيع العربي" والإسلام السياسي من أسبابها ـ لم تعد تحتمل حياداً، وإنما باتت تترقب الحاصل في تونس للتعرف على الجانب الذي سيصطف فيه النظام التونسي.
في الإطلال على المشهد التونسي. فإننا نجد أن 1300 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة اختارت ان تتنافس على 217 مقعداً لمجلس النواب المقبل، تتوزع على 33 دائرة انتخابية (6 منها للتونسيين المقيمين بالخارج). والمرشحون تنافسوا بدورهم على 5,3 ملايين ناخب من أصل 10,8 ملايين تونسي هم كل سكان البلاد.
لأول وهلة، سنجد أن المرشحين توزعوا على معسكرين، أحدهما ما سُمي بـ"جبهة الثورة" (14 كانون الثاني 2011)، والثاني قدم نفسه باعتباره يمثل "جبهة 7 تشرين الثاني"، الذي هو تاريخ تولي الرئيس السابق زين العابدين بن علي للسلطة في "العام 1987". والأولون كانوا يمثلون مختلف القوى والجماعات السياسية والنقابية التي تعرضت للاضطهاد بدرجات متفاوتة منذ الاستقلال العام 1956 وحتى سقوط بن علي في العام 2011. وأركان وأنصار تلك المرحلة السابقة على الثورة يوصفون في الأدبيات التونسية بالدستوريين نسبة إلى "الحزب الاشتراكي الدستوري" الذي أسسه الحبيب بورقيبة، والتجمعيين نسبة إلى "حزب التجمع الدستوري" الذي أسسه بن علي. وبرغم أن الحزب الأول صار جزءاً من التاريخ، كما أن الثاني تم حله بعد الثورة، إلا أن ذلك لم يمنع المنتسبين إليهما من المشاركة في الحياة السياسية من خلال أحزاب حملت مسميات جديدة.
على المستوى السياسي والفكري، فإن التنافس ظل قائماً بين ثلاثة معسكرات سياسية، أحدها ضم الأحزاب والشخصيات التي مارست السياسة قبل الثورة. وكان حزب «نداء تونس» في مقدمتها. وبرغم أن أعضاءه كانوا من رموز المرحلة السابقة، فإن السبسي الذي أسسه انفتح بدرجة أو أخرى على بعض اليساريين والنقابيين المستقلين، وقدم حزبه بحسبانه كياناً وطنياً ليبرالياً. الكتلة الثانية ضمت الأحزاب التي أعلنت عن انتمائها العربي الإسلامي وفي المقدمة منها حزب حركة النهضة الذي يقوده الشيخ راشد الغنوشي الذي دخل في تحالف مع أحزاب أخرى منها "حزب المؤتمر" برئاسة الرئيس الحالي المنصف المرزوقي الذي يُعدّ علمانياً معتدلاً. أما الكتلة الثالثة، فضمت قوى اليسار الماركسي والقومي والبعثي، ومن بينها حزب "الجبهة الشعبية" الذي يرأسه حمة الهمامي، الأمين العام لـ"حزب العمال الشيوعي"، و"حزب التكتل" الذي يرأسه الدكتور مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي الحالي.

 

(3)
 

معركة التنافس على مقاعد أول مجلس نواب لتونس الديموقراطية لم تكن الأولى بين القوى السياسية بعد الثورة، لكنها كانت بمثابة جولة في الصراع الذي لم يتوقف بين مختلف القوى طوال السنوات الثلاث التي أعقبت الثورة. من ناحية لأن ذلك من طبيعة مرحلة الانتقال من النظام السلطوي المستبد إلى النظام الديموقراطي، ومن ناحية ثانية بسبب قوة منظمات المجتمع المدني التي لم ينجح نظام بن علي في القضاء عليها، ومن ثم فإنها تنافست في إِثبات الحضور وأداء دورها بعد سقوط نظامه.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وقعت أحداث مثيرة عدة لا مجال للتعرض لها في السياق الذي نحن بصدده. لكننا ينبغي أن نسجل أربع ملاحظات على الكيفية التي تمت بها إدارة تلك المرحلة الانتقالية هي:
ـ أن النخبة السياسية برغم كل ما كان بينها من خلافات ومرارات لم تتخل عن الحوار فيما بينها طول الوقت، ولذلك نجحت في تجنيب الثورة مزالق ومآزق كثيرة، كان من أبرزها محاولة الانقلاب على النظام وإسقاط الحكومة في صيف العام 2013 من خلال الدعوة إلى الاعتصام وتشكيل ما سُمي بـ"جبهة الإنقاذ" وإطلاق حملة شبيهة بحركة "تمرد" في مصر. وهي المحاولة التي استلهمت التغيير الذي حدث في مصر وحاولت أن تحتذيه.
ـ الملاحظة الثانية أن الصراع والتجاذب ظل سياسياً ومدنياً طول الوقت، بحيث ظلت القوات المسلحة ملتزمة الحياد وواقفة خارج المشهد.
ـ الثالثة أن حركة "النهضة" نجحت في تقديم نموذج جسّد المصالحة مع الديموقراطية من جهة، ومع الاعتدال العلماني من جهة ثانية.
ـ الرابعة أن حركة "النهضة" تعاملت مع مجريات الصراع بدرجة عالية من الوعي والمرونة. فهي ابتداءً حافظت على مسافة بينها وبين التطرف السلفي، الذي أدانته من البداية ووصفه وزير الداخلية علي العريض (قبل توليه رئاسة الحكومة) بأنه تيار إرهابي ترفضه الحكومة وتنبذه. من ناحية ثانية فإن قيادة الحركة أعلنت في أكثر من مرة التزامها بما أسمته ديموقراطية التوافق التي هي مطلب مهم لإنجاح الثورة في فترة الانتقال. وارتأى رئيسها راشد الغنوشي أن ديموقراطية الأغلبية لا تناسب تلك المرحلة، ولذلك فإن الحركة حرصت على ذلك التوافق في كل خطوة أساسية، وقدمت في سبيل ذلك تنازلات كثيرة، كان منها استبعاد النص في الدستور الجديد على أن تكون الشريعة مصدر القوانين.

 

(4)
 

بالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات، فإن حركة النهضة دفعت ثمن إدارتها لأزمات تونس وتحملها لعبئها طوال ثلاث سنوات، وانتقلت من صدارة المشهد إلى صفه الثاني، الأمر الذي يبقيها شريكة في القرار السياسي وليست صانعة له. وهذا الوضع المستجد يستدعي أسئلة عدة حول موقف تونس من الاستقطاب العربي، خصوصاً أن النتائج حسمت تقريباً منصب رئيس الجمهورية، الذي يتوقع أن يشغله السيد قائد السبسي، بدلا من الرئيس الحالي الدكتور المنصف المرزوقي. (للعلم، السبسي دعي لزيارة أبو ظبي قبل الانتخابات). من ناحية ثانية فليست معروفة طبيعة العلاقات المستقبلية بين الليبراليين وبين حركة "النهضة"، وهل ستتجه صوب الوفاق أم الشقاق.
ستتضح الأمور أكثر بعد الانتخابات الرئاسية التي يفترض أن تتم في 23 تشرين الثاني، المقبل، وحينها تستدعى بقية الأسئلة. إلا أن أكثر ما يهمنا الآن أن الثورة في تونس بخير. وكذلك الديموقراطية، وهو ما نحسدهم عليه.

 

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

تونس انتخابات حركة النهضة نداء تونس

انتخابات تونس

الأموال الخليجية حاضرة في انتخابات تونس

الإسلاميون يسعون لدور أكبر في تونس الجديدة عبر الانتخابات

تحيا تونس

انتخابات تونس تختبر الانتقال من الاستبداد للديمقراطية

انتخابات تونس

تونس تؤجل إعادة الانتخابات بعد طعن «المرزوقي» على نتائج الجولة الأولي