التعاون الأمريكي العربي في مكافحة الإرهاب في منطقة مهيأة للتطرف

الخميس 30 أكتوبر 2014 05:10 ص

 

 

تعاون الولايات المتحدة مع الحلفاء العرب ضد الجماعات الإرهابية هو أمرٌ من الأهمية بمكان، بالإضافة إلى كونه أيضًا معضلة. العديد من الحكومات العربية تغذي - إلى حدٍ بعيد - التطرف الذي تسعى إلى محاربته مستظلين بمظلة الولايات المتحدة لتنفيذ سياسات أكثر قمعية. تحتاج واشنطن إلى استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تضمن أن كافة الحلفاء العرب لا يستغلون المساعدة الأمريكية لإطالة أمد الإرهاب، فضلاً عن توجيه الدعم في المجتمعات العربية إلى الأقدر على مواجهة التطرف.

توصيّات للحكومة الأمريكية

  • الدفع نحو إلغاء أو مراجعة قوانين مكافحة الإرهاب التي تستهدف المعارضين السلميين والمجتمع المدني.
  • الوكالات الأمريكية التي تتواصل مع قوات الأمن العربية والهيئات القضائية يتعين عليها أن تكون منتبهة كيف أن قوانين الإرهاب الجديدة في مصر والأردن ودول الخليج – من الممكن أن تستخدم – بل إنها تُستخدم بالفعل – ضد الفرقاء السياسيين.
  • استخدام التعاون الأمني والمساعدة كأدواتٍ لتعزيز الإصلاح السياسي والاقتصادي.
  • يتعين على الولايات المتحدة أن تضغط لتنفيذ إصلاحاتٍ مؤسسية للقضاء على الجذور الحقيقة للتطرف.
  • إنعاش مساعدة المجتمع المدني. على واشنطن أن تعيد التفكير في دعمها للشباب والمرأة والجماعات المدنية وتنشيط مساعدتها بحيث تستطيع أن تنشر قيم التسامح والتعددية لمواجهة إغراءات التطرف.
  • يتعين على الولايات المتحدة أن تكون على وعي بحدود البرامج المواجهة للتطرف المبنية على أساسٍ ديني، والتي يضعها علماء دين تحت إشراف الدولة – ليسوا محل ثقة بين الشباب المُعرَّص للخطر - في مصر ودول الخليج.

غض الطرف عن سياسات سيئة

يركز المسئولون الأمريكيون في الوقت الراهن على العمل العسكري لإزالة تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو الجهد الذي لن يُثمر بدون تعاون الحلفاء في المنطقة. ولكن من المهم بنفس القدر أن تتجنب الولايات المتحدة بعض المطبات المُعينة عند التعاون مع الحلفاء العرب.

وما يلفت الانتباه بصورة قوية أن تجد الولايات المتحدة وحلفائها العرب الرئيسيين يختلفون – بشكل جوهري – في إعطاء تعريفات لمصطلح الإرهاب وآلية مواجهته. لن تجد ذلك أكثر وُضوحًا من محاولة مصر ودول الخليج تصوير حركات سياسية إسلامية سائدة مثل جماعة الإخوان المسلمين على أنها إرهابية؛ وهو التعريف الذي لم توافق عليه الولايات المتحدة.

هذه الدول تبنّت أو إن شئت فقل إنها تدرس حاليًا قوانين جديدة أكثر صرامة لا تُجرّم حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات، والتظاهر السلمي فحسب، بل تعتبر مثل هذه الأنشطة إرهابًا. مثل هذه الإجراءات لا تُوجّه فقط للإسلاميين لكن أيضًا للعديد من النُقّاد بما فيهم العلمانيين وأعضاء الطوائف الدينية.

القمع السياسي الناتج وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع للغاية في مصر، وعلى نطاق محدود في السعودية والإمارات يقف ضد قيم الولايات المتحدة، ويهدد بانضمام المزيد إلى صفوف الجهاديين فضلاً عن استعداء قطاع عريض من السكان. مثل هذه الطريقة من شأنها أن تزيد مشكلة الإرهاب في الدول العربية بدلاً من عرقلتها، أما الدعم الأمريكي الواضح للقمع فسيؤدي إلى زيادة الكراهية العامّة ضد الولايات المُتحدة.

في نفس الوقت؛ فإن واشنطن ركزت على دعم القدرات البيروقراطية والفنيّة لقوات مكافحة الإرهاب العربية. إن الاعتماد الشديد على الشركاء المحليين لا يزيد فقط من زعزعة استقرار المنطقة فحسب بل يهدد مصالح الولايات المتحدة أيضًا. هذه الطريقة تحد من رقابة الولايات المتحدة وسيطرتها بشأن معرفة من تُطبق ضده هذه القدرات وكيف. هذه الخسارة في النفوذ ليست مقتصرة على الإجراء الداخلي لهذه الأنظمة العربية. بعض الشركاء العرب يستخدمون القدرات التي أمدتهم بها الولايات المتحدة للقيام بسياسة أجنبية عدوانية بحجة مكافحة الإرهاب.

الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بحاجة للدخول في لعبة طويلة عند التعامل مع الأزمة الراهنة. مكافحة الإرهاب هو أمر أوسع نطاقًا من العمل العسكري. وليس من الضروري الاشتراك باستخدام سياسات قمعية لقمع قوى تطالب بحكم تعددي، ودور للقانون، وشفافية، واحترام حقوق الإنسان – الطرق الرئيسية التي تمنح المواطنين حقوقهم وتواجه التطرف.

الاستراتيجية الضيّقة لدعم الأنظمة القمعية والحصرية، والاعتماد على قوات مكافحة الإرهاب المحلية والمؤسسات الدينية التابعة للنظام ببسلطة سيُغذي بقوة الإرهاب الذي تسعى الولايات المتحدة لحربه. في منطقة متقلبة تعجّ بالشباب ليست تلك هي المشكلة التي تلوح في الأفق البعيد، لكنها تلك التي تعرض المخاطر وتستمر في ذلك لسنوات قادمة.

خطوات مُحددة لكل دولة

هناك خطوات مُحددة يتعين على الولايات المتحدة تبنّيها لضمان أنّ التعاون مع الحكومات العربية ضد الإرهاب لا يُقوّض هدف قطع دابر الإرهاب في المنطقة.

أولا: دول الخليج

الضغط لمراجعة قوانين مكافحة الإرهاب في السعودية والإمارات. لقد سنّت الرياض وأبو ظبي قوانين شديدة القسوة لمكافحة الإرهاب؛ وهو الأمر الذي رحب به البعض في واشنطن واصفًا إياه بالخطوات الهامة لمواجهة الدولة الإسلامية. لكن على أرض الواقع؛ شمل تعريف مصطلح "الإرهاب" كل نشاط سياسي وفكري سلمي. وتمّ توجيهه أكثر نحو تجريم فروع جماعة الإخوان المسلمين في الخليج.

وبالنظر إلى التطبيق الواسع لتلك القوانين فقد وُجد أنها تدفع المحرومين من حقوقهم ليسلكوا مسار التطرف، ومن ثمّ فالولايات المتحدة بحاجة لمراجعة المسارات التي يدفع نحو الدبلوماسيون الأمريكيون. وعلى الإدارة الأمريكية أن تنقل لحلفائها أن الإجراءات القضائية القاسية واعتقال الإسلاميين السياسيين لفترات طويلة من شأنه أن يُخرج أجيالاً جديدة من المتطرفين الذين يدركون أن لا سبيل غير العنف.

كل ما تقوم به الولايات المتحدة على مستوى التعاون والعلاقات الدفاعية ليس مناسبًا لتوجيه الرسالة الهامة التي تسبق الإصلاح. وتحتاج واشنطن إلى طرق أكثر حيوية وجاهزية لإعادة تشكيل برامج التدريب والتعليم العسكري الدولي لتبنّي نظرة شاملة لمكافحة الإرهاب تركز على دور القانون والشفافية والحكم التعددي كدعائم للأمن القومي. وبإمكان واشنطن أيضًا أن تُعلّق السماح بالحصول على أسلحة بعينها على خطوات تقوم الأنظمة أولاً.

البحرين أحد أكبر المشكلات التي تعترض طريق الولايات المتحدة بسبب وجود الأسطول الخامس للبحرية الامريكية في البلاد، والمعارضة المستمرة الكبيرة من الأغلبية الشيعية. نجح النظام في وأد أي تغييرات، واعتقل الناشطين، وتبنّى إجراءات من شأنها أن تزيد التوتر الطائفي. ونتيجة لذلك؛ فقد ظهر في الآونة الأخيرة معارضة متشددة تتبنّى ردود فعل عنيفة ضد قوات الأمن.

المنامة دخلت كشريكٍ في الحرب على «الدولة الإسلامية»، لكن الخطر يكمن في أن مشاركة البحرين ستجعل الولايات المتحدة والدول الغربية تغضّ الطرف عن ما تقوم الأسرة الحاكمة على الجبهة الداخلية؛ ما يتسبب في زيادة التطرف في أوساط الشباب الشيعي الناقم. وفي النهاية يبقى الأسطول الأمريكي في البحرين عُرضة للتهديد جرّاء التطرف الذي تسببت فيه الولايات المتحدة بغضّها الطرف عن ممارسات النظام.

على واشنطن أن تدفع النظام البحريني نحو إصلاحٍ جوهري يطال الرقابة على الانتخابات البرلمانية، والسلطات التشريعية والتحسينات القضائية، ودمج الشيعة في القوات الأمنية. الفساد ونقص مرافق الإسكان والأراضي، وانعدام شفافية الحكومة أمور هامة للغاية بحاجة للأخذ في الاعتبار.

 

ثانيا: الأردن

التعاون الاستخباراتي مع الدفع نحو إصلاحاتٍ سياسية واقتصادية. بعض المراقبين دافعوا عن بطولات الاستخبارات الأردنية باعتبارها شريكٌ على خط النار في حرب واشنطن ضد «الدولة الإسلامية». الاستخبارات الأردنية على دراية واسعة بتنظيم «الدولة الإسلامية»، ولعبت دورًا حيويًا في الصحوة السنية 2005 – 2007م ضد القاعدة في العراق.

التعاون المستقبلي مع الأردنيين محفوفٌ بالمخاطر. تمامًا كالسعودية والإمارات؛ قامت الأردن باعتقال قيادات الإخوان المسلمين. خدمة مكافحة الإرهاب قامت بخطوات مثيرة للدهشة بإطلاق سراح رجال دين السلفية الجهادية مثل «أبو محمد المقدسي» و«أبو قتادة الفلسطيني»؛ والذي ترى عمّان أنهما الأقدر على إقناع الشباب الأردني بعدم الانضمام لـــتنظيم «الدولة الإسلامية».

الأردنيون لهم يد طُولى ومباشرة في تكوين «الدولة الإسلامية»: ظروف الاعتقال الوحشية في الأردن حوّلت «أبا مصعب الزرقاوي» ليصبح على ما هو عليه الآن ثم أصبح زعيم القاعدة في العراق.

تحتاج واشنطن الدفع نحو إصلاحاتٍ سياسية حقيقية خلف الإصلاحات الاقتصادية، مثل إصلاح الدعم؛ والذي حاول الملك من خلاله أن يُعطي دليلاً على أن اقتصاده مُتقدّم. هذه الخطوات الإضافية تشمل: إصلاح القوانين الانتخابية لتحل محلّ نظام الانتخاب الواحد بحيث تكون هناك تعددية حزبية مثمرة، وتنفيذ وعد الملك بتشكيل حكومة منتخبة لها رئيسها.

 

ثالثا: مصر

تعاني مصر من وجود مجموعات إرهابية صغيرة تتخذ من سيناء مركزًا لها؛ منها: أنصار بيت المقدس؛ التي لا تمت بصلة لجماعة الإخوان المسلمين. لكن الرئيس «عبدالفتاح السياسي» أشرف بنفسه على حملة ضخمة من القتل والاعتقال ونزع الشرعية وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين بعد أن أطاح بالرئيس المنتمي لها «محمد مرسي» في يوليو 2013م. هذا الصراع لا يُقوّض فقط أي حلول للاقتصاد المتهالك لكنه في الوقت ذاته يعزز من التطرف داخل مصر بالإضافة إلى الدول المجاورة كليبيا وغزة. الولايات المتحدة بحاجة للضغط على السيسي لتغيير مساره وإنتهاء انتهاكات حقوق الإنسان الواضحة في تصرفات حكومته. وحتى يحدث ذلك؛ فإن على واشنطن أن تبقي المساعدات الأمنية عند أقل مستوياتها.

على واشنطن أن تتأكد قبل منح مساعدات لمواجهة الإرهاب والتطرف أن حكومة القاهرة تتبنى استراتيجية تعالج المشكلات السياسية والاقتصادية المزمنة التي أصابت قطاع عريض من المواطنين باليأس والتهميش في سيناء والصحراء الغربية ومناطق في صعيد مصر.

على واشنطن أن تدعم – وبشدة - حقوق المنظمات المصرية التي تدافع عن حقوق الإنسان ودور القانون والمواطنة. تكريس جزء كبير من إجمالي المساعدة الأمريكية لمنحٍ تعليمية مهنية ودعمٍ للمجتمع المدني، سيكون طريقًا واعدًا اكثر فائدة من المنظمات الدينية الحكومية - كالأزهر ودار الإفتاء – التي يُنظر على أنها متحدثة باسم الحكومة ولا تحظى بمصداقية بين الطوائف الأكثر عُرضة لتبنّي فكرًا متشددًا.

 

رابعا: ليبيا

وقف أي مساعدات عسكرية أمريكية للجيش الليبي أو مساعدات لمكافحة الإرهاب حتى وصول حكومة موحّدة للسلطة. يتعين على واشنطن أن توجّه مساعداتها نحو تحقيق مصالحة سياسية واسعة تُنهي الوضع المتأزم. ليبيا تواجه تهديد الجهاديين المسلحين في صورة جماعة «أنصار الشريعة» في الشرق؛ والتي أعلنتها الولايات المتحدة إرهابية. ومتعاطفون مع «الدولة الإسلامية» بدأوا يغرسون جذورهم في مدينة "درنة" الشرقية. لكن العناصر المتشددة في البرلمان الطُبرقي ومجلس الوزراء في البيضاء وأنصارهم في مصر وأبوظبي كانوا سببًا في جمع شمل عناصر مجموعات متشددة مُهمّشة مع إسلاميين سياسيين سائدين مثل الإخوان المسلمين. واشنطن بحاجة لتجنب هذا المأزق.

يتعين على الولايات المتحدة أن توقف تدريب الجيش الليبي وقوات مكافحة الإرهاب حتى تتحقق المصالحة، وتتولى زمام الأمور حكومة موحّدة. كما عليها أن تعمل على إنشاء قوة أمنية تمثل كل القبائل الليبية والفصائل المختلفة، وفي السياق ذاته تُوضع هذه القوات سلطة حكومة مُنتخبية مدنية شاملة لا تغفل فصيلٍ من الفصائل.

 

طالع النص الأصلي كاملا هنا 

المصدر | مؤسسة كارنيجي

  كلمات مفتاحية

الإرهاب السيسي الدولة الإسلامية

أميركا.. الدولة الإرهابية الرائدة

السعودية.. مؤتمر يوصي بإنشاء «جيش إلكتروني» لمكافحة الإرهاب

الإمارات تقترح على «التعاون الإسلامي» إنشاء ميثاق العمل البرلماني لمكافحة الإرهاب

مسؤول أمريكي كبير بمكافحة الإرهاب يختتم زيارة للقاهرة بعد بحث «التهديدات الإرهابية»

الملك «سلمان»: الإرهابيون الضالون أعطوا للمتربصين الفرصة للطعن في ديننا